الفصل الخامس

25.6K 524 21
                                    

زفرت نوران بتوتر وهي تجلس أمام الحاج فاروق تحاول إنهاء
أمر المتجر بأسرع ما يمكن..
لا تعلم للآن لماذا تتوتر بهذا الشكل أمام هذا الرجل ..؟؟
لماذا تشعر بنفسها مراهقه تحبس أنفاسها لمرأى رجل وسيم
هي ليست مراهقه أبدا بل هي فتاه تعدت الثانيه والثلاثين
يجب أن تملك اتزان وسيطره أكثر من ذلك ..
أن تتحكم في تلك المشاعر المضطربه التي تهرب منها لرؤية نظرة
إعجاب في عينيه لها ... ولكن لما الكذب على النفس ....؟؟
أي شئ تملكه يجعل الآخرين يعجبوا بها ...!!
هي ببساطه لا تملك شئ سوى قلب مثقل بالتعب والهموم ..
حركت رأسها تحاول التركيز على العقد في يدها والبعد عن رثاء الذات
الذي لا يفعل شئ سوى جلدها مرة تلو الأخرى الا أنها صدمت تماما
وهي تسمعه يقول بكل هدوء
" أنا أريد الزواج منك يا نوران ..."
سقطت يدها على سطح المكتب الصغير لتتسع عيناها وهي تنظر له
والغريب أنه كان هادئ للغايه ... ينظر لها بتمعن كمن يدرس
أمر هام قادم عليه ..
وكأنه يتحدث في شئ عادي تماما لا يدعو للعجب ...
تمتمت بشفاه جافه متوتره وقلبها يعصف بتوتر وخجل
" ماذا قلت ...؟؟..."
أجابها بكل بساطه وهو يعدل من العباءه فوق كتفيه
" أخبرتك أنني أريد الزواج منك ...."
ولماذا يريد الرجل الزواج ...؟؟؟؟
ربما من أجل الحب .... هه... حتى التفكير في الجمله لا يجلب شئ
سوى السخريه .. أي رجل سيطلب امرأه للزواج في لقائها الثاني
والسبب الآخر يا نور ....؟
السبب الآخر ... هي لا تعم سبب آخر ... فالسبب الآخر لا يجلب سوى
الخوف خاصة وهي لا تعلم شئ عن الرجل ...
همست بصوت مخنوق بسؤال بدا عجيب على حمرة خديها وقد كانا شاحبان
منذ دقائق
" سيد فاروق أنت لم تقابلني سوى مرتين ... فلماذا تريد الزواج مني ...؟؟..."
كان ينظر لانفعالاتها بعينين متفحصتين ليجيبها بعد لحظة
" ولماذا يريد الشخص الزواج يا نور ..؟؟... الأسباب كثيرة بالتأكيد
منها أنه يريد عائلة واستقرار .. ألا توافقيني الرأي..؟؟....."
تغاضت عن تصغير اسمها منه ... وكلماته تطرق أذنيها
وعلى الرغم منها قلبها..
هل كانت تنتظر أنه سيقول أنه معجب بها ... بأنها أثرت به بطريقة
ما لتجعله يسرع في طلبه ...
الانتظار أصبح هبه لا يملكها الجميع ...
فهناك أشخاص لا يحق لهم الانتظار ولا التمني ولا الأحلام
وهي منهم .....!
هزت رأسها تبعد ذلك الوجع القادم لتهمس
" أنا لا أعلم عنك شئ ... لا أعلم سوى اسمك فقط ...."

التوت شفتاه بتهكم رجولي مسيطر
" كنت أعتقد أن اسمي يكفي ولكن من الواضح لا ... حسنا يا نور
أنا كنت متزوج من قبل وتم الطلاق وليس لدي أطفال .. أنا أكبر أخوتي..
والدي ووالدتي ما زالا على قيد الحياه ...هل هناك أسئله أخرى ..؟؟.."
صمتت تماما تنظر له بنظرة ضائعه تماما غاب عنها الخجل
بل كانت كالريشه لا تعلم ما المكان المناسب للسقوط ...؟؟
وكان هو يتمعن فيها
وجهها شحب من جديد ... سواد عينيها اللامع بدا في تلك اللحظه
ليل طويل كله سهر وتعب وألم
تفرك أصابعها النحيله والضياع يتملكها الى أن قطعه هو بحسم
" نوران ... فكري جيدا ... هذا المتجر وتم بيعه والمبلغ الذي حصلت
عليه سيكفي الدين ولن يتبق لك شئ بعد ذلك تعيشين منه ..
ليس لديك شهادة تعملين بها ولا أحد مقرب يساعدك... والعمر يمر ..."
غامت عيناها بشعور موجع ... ألم قوي يمزق قلبها الفتي
كم مؤلم أن تسمع مساوئك من غيرك ... والجمله الناقصه
(أنت لست باهرة الجمال حتى يتزوجك أحد ....)
هذا ما كان ينقص ....!
ابتلعت ريقها بصعوبه تقاوم تلك الدموع الخائنه وارتعاشة أناملها
لتهمس بتعثر
" وأنت ترى أن عرضك الأفضل ...؟؟..."
هز رأسه ببطئ ليقابل عينيها المتألمتين حيث غابا بريقهما
ليقول بخفوت حاسم
" أنا أعرض عليك الزواج يا نور ... في يدك القبول أو الرفض ..
أنا أوضحت الأمور فقط حتى تعلمي خطواتك القادمه ...."
أسبلت أهدابها للحظه تبتلع غصتها لترفع أهدابها الطويله تسأله بخفوت
مضطرب وقد ضرب كلامه السابق رأسها بقوه
" كيف ... كيف أطمئن لطلبك وأنا لا أعرفك ... أنا ... تعلم أن أخي
ليس موجود هو الآخر ... أنا ووالدتي فقط ...."
رغما عنه ... رغما عن قلبه الموصد شعر بها طفله ضائعه
يتيمه لأب سمعته تسبقه في قسوته وبخله ولسانه السام
وأخ هرب من البيت ولا أحد من عائلتها يقترب منهم
ونظرة عينيها أرسلت سهما لقلبه ... شعر في تلك اللحظه أنها ابنته
يريد حمايتها مما ستواجهه في تلك الحياه
تنهد ويده تعدل عباءته الأنيقه فوق بذلته ليقول بعدها بقوه وصلت لقلبها
" نوران ... تأكدي أنني سأوفر لك الحياه التي تستحقينها أنت ووالدتك ..
هذا ما أستطيع أن أعدك به ..."
وقد كان صادق ... فهو لا يريد أن يؤذيها أبدا
ولكن لم يكن يعلم أن الحياه المنعمه لا تجلب الفرح لقلب الأنثى فقط
بل قلب مليئ بحبها هو ما يجعلها تطير فوق السحاب
وخرجت همستها المتعثره كحال قلبها وحياتها
" سأفكر في الأمر ...."

سلسلة  قلوب  شائكة/ الجزء الثاني ( نيران الجوى )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن