الفصل السادس والثلاثون

27.5K 486 5
                                    

مضى أسبوعان على وجوده هنا
مضى أسبوعان على رؤيته في أوقات مختلفه
صدفه أو بقصد ..!
وكم حلو التعود على رؤيته ومخيف في نفس الوقت
هي علمت أنه طلب يدها منذ أيام فقط ليتراقص قلبها بقوة وبعدها هاتفت
هديل وفله ﻹخبارهما .. لتصرخ هديل متوعده إياها إن لم تخبرها
التفاصيل .. بينما فله بدت أكثر هدوءا مما جعل قلبها يعتصر
ﻷجلها ....
فما حدث لفله لم تتخطاه للآن رغم قوتها الظاهريه ...
قلبها يوجعها عليها ... فهي لم تر في حياتها فتاه بصفاء نيتها وجمال روحها
ما حدث لها بشع ... ذلك المدعو هاني أقذر مما كانت تتخيل
تتذكر ذلك اليوم حينما علمت .... كانت تحدث هديل على الهاتف في الخارج
في ذلك المكان المأثور لديها لتغلق الهاتف بعدها بكآبه ... تلعن حظها بأنها هنا
في البلدة ولا تستطيع السفر الآن خاصة وأن جدها قرر أنها ستمكث المتبقي من عطلتها
في البلدة ... لتجد نفسها تقبض على هاتفها بقوة
تتمنى لو كان وجه ذلك المدعو هاني البغيض حتى تهشمه له تهشيما ... وقتها وجدت هارون
أمامها فجأه يسألها بعينين ضيقتين بحزم
" ما الذي يغضبك ...؟؟...."
اتسعت عيناها بمفاجأه لترد بنبرة مغتاظه
" أنا غاضبه ﻷجل شئ حدث لصديقتي .. "
شعرت به يسترخي قليلا ليميل قليلا عليها كوقفته الدائمه
معها ولو رآهما جدها لقطع رأسيهما
" هذا يعني أن اﻷمر لا يعنيك بشكل شخصي أليس كذلك .."
كانت ملامحه جامده بانتظار إجابتها لتشعر بابتسامة صغيرة تتسلل
لشفتيها لتسأله بدلال لم تقصده
" وماذا لو كان اﻷمر يخصني .. ماذا ستفعل وقتها ..؟؟.."
توهجت عيناه بنظرة تقطر احتواء وحمايه وقوة جعلت قلبها يغرد بصمت
وهي تشعر بذلك الترابط الخفي بينهما ...
رغم اختلاف العادات بينهما ولكن داخلهما مشترك ...
ليجيب تساؤلها بنبرة خطرة يملكها هو
" ربما لا تحبين سماع اﻹجابه .."
لمعت عيناها لتجيب عينيه الخضراوين المتألقتين بنظرتهما الحارة
" بالعكس أنا أريد المعرفه ... أريد فهمك .. "
اعتدل هارون ليضع يديه في جيبي بنطاله اﻷنيق ليأخذ نفس
قوي وعيناه تجوبان المكان بما فيه ....
تلك اﻷشجار التي تقف كسد منيع في الجزء الخلفي للمنزل
تتقدمها حديقه من الزهور والزرع
ليست منمقه كالحال في المدينه ولكنها مريحه للنظر .. طبيعيه
كحبيبته التي تجلس على درجة نصفها مهدم ويبدو أنها تعشقها
وتفضلها
نظر لها ليرى انتظار إجابته بلهفه على ملامحها فابتسم
تلك الابتسامه الرجوليه الصغيرة التي تسرق نبضاتها
ليهمس بخفوت
" تريدين اعتراف بالحب يا ألماسه ... ؟؟ ..."
احمرت وجنتاها بقوة لتسبل أهدابها وترد بتلعثم هامس
" أنا .... أنا ... "
أمال رأسه قليلا ليقاطه تلعثمها بنبرة خافته ... قوية ..
تحمل بين طياتها رغبه في جذبها لصدره واستنشاق رائحتها
التي تشبه الطبيعه بكل حلاوتها
" لن أخبرك أنني أعشقك فربما لن تصدقينني بما أن فترة لقاءنا
ليست كبيرة ولكنني سأخبرك بما هو أهم ( لاحظ نظرة عينيها التي لاح فيهما الحزن ليتابع برقه غريبه عليه وربما لا تتواجد الا ﻷجلها)
حينما دخلت حياتي شعرت بضرورة تغييرها ... قررت أن أمحي كل
كل ظلام الماضي .. قررت أتخلى عن صراعات كانت تبتلع حياتي
بأكملها .. وقتها شعرت ببقعة نور تتسع في صدري
شعرت براحه كبيرة وأنا أعود من جديد ﻷرضي ومكاني ... ﻷهلي
للعادات للقديمه ... "
تابع بشفاه ملتوية
" هل تعلمين منذ متى لم أتناول الفطور صباحا .. ؟؟.... "
ابتسمت له بارتجاف .. بعينين لامعتين بالدموع التي تحبسها هناك
تأثرا ليتنفس بخشونه وهو يرى جمال عينيها اللامعتين
ارتجاف شفتيها وكأنها تنتظر اﻷمان بملامسة شفتيه ليبعد عينيه
عنها يهمس بخشونه .. يحاول إبعاد أفكاره الوقحه
" جدك يذكرني بوالدي ... كان يجلس معي وأنا صغير ليحكي
لي حكايات عن بلدنا ... كم جميل الوطن ... كم هو شامخ لا يخضع
ﻷحد ... في شهر رمضان كان يجعلني أصوم معه .. ليزرع داخلي
أهمية هذا الشهر حتى أنني قضيته مرة هنا ﻷنبهر بتلك الحالة الخاصة فيه ... "
تنهد ليتابع بنبرة حنين
" كل شئ مع والدي كان مختلف ... له مذاق مميز .. كل شئ علّمه
لي محفور داخلي ولكنه تراجع لتتقدمه أشياء أخرى بعد وفاته
وكم كانت وفاته قاتله بالنسبه لي .... "
تألم قلبها ﻷجله لتجد نفسها تلامس ذراعه من فوق قميصه
لمسه خفيفه للغايه وصوتها يأتي بعذوبة وحنان كان يحتاجه
" والدك فعل ذلك حتى يطمئن عليك يا هارون حتى تعود لما رباك عليه يوما ما ...
فلا تحزن .. افعل ما زرعه داخلك وقتها هو سيكون مرتاح في قبره .."
نظر لوجهها الناعم المحاط بحجابها الأزرق وبعدها هبطت عيناه ليدها الملامسه لقماش قميصه ليشعر بحرارة تجتاحه لتلك اللمسه غير المحسوبة ... وكأنها استشعرتها لتبعد يدها سريعا تقبضها بالقرب من صدرها لتهمس مغيِّرة الموضوع
" والدي أيضا كان حنون ولكنه توفَّى وأنا صغيرة فلا أذكر الكثير
عنه ولكن عوَّضني الله بجدي ... كان لي بمثابة أبي
أدلله دوما وأحبه بقوة ورغم حبه لي الذي أعلمه .. لم أعارض كلمته يوما ..."
ضحكت ضحكه صغيرة متوترة لتتابع
" لم أحب يوما أن أكسر كلمته فأجرح قلبه ... وربما ﻷنني الوحيدة
التي ترى داخله بوضوح ... ليله دوما تسخر مني بسبب هذا
ﻷنها تراه قاسي بعض الشئ ... "
كانت تثرثر بدون ترابط وهو كان يستمع باستمتاع لذلك اللون الذي
زحف على وجنتيها لتبدو لذيذة بقوة
سمعها تتابع
" ليله طيبه على فكرة فلا تأخذ فكرة خاطئه عنها ... هي فقط لا تتوافق مع
جدي كثيرا ... وحمزه أيضا طيب جداا .."
رد عليها هارون وبعض الغيرة تتسلل لقلبه
" آه طيب جداا .."
كتمت ابتسامتها المتسليه لتنهض وقتها تنفض ثيابها وتقول بملامح
جدية مصطنعه تحاول الهروب من سيطرته عليها
" أنا سأذهب للداخل حتى لا يقلق جدي ... "

سلسلة  قلوب  شائكة/ الجزء الثاني ( نيران الجوى )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن