جمدت ملامح نضال تماما وهو ينظر الى والده الذي يقف على باب شقته
المتواضعه فباتت هيأة والده المهيبه تناقض المكان تماما خاصة وهو يدخل
يقول بصوت ساخر
" ألن ترحب بوالدك يا نضال ....!....."
شمخ نضال بقوة ... يزم شفتيه بغضب مكبوت ... رافض لوجود والده هنا
في المكان الذي شهد ئكريات والدته الغاليه ....
يخشى عليها أن تحزن في قبرها لدخول والده مكانها .... فهو كان سبب تعبها
سبب شقاءها .... وهو لا يريد سوى راحتها
وكم تمنى لو كانت موجوده فقط ليريها جيهان .... ليخبرها الى أي حد كان القدر
رحيم به ليرزقه بها .... ليريها أنه أصبح رجل يعتمد على نفسه .. ولن يرضخ
لأحد بعد الآن .... لن يرضخ ولن يطأطأ رأسه لأحد
بل سيحارب لأجل حياته كما أخبرته دوما .... سيحارب لآخر رمق
انتبه على صوت والده النازق
" ماذا بك ...؟؟.. يلفك الصمت وكأن حضوري سبب لك صدمه ..."
التفت له نضال من وقفته الجامده ليغلق الباب ويسأل مباشرة ببرود حقيقي
" أتساءل فقط عن سبب الزيارة العظيمه ...."
صمت والده للحظه متغاضيا عن طريقة ابنه الوقحه تماما ليقول بترفع
" جئت كي أرى أي حماقة تسببها للعائله .... فقد بلغني أنك ستتزوج قريبا ...."
ابتسم نضال ابتسامه صغيره قاسية لم تصل لعينيه ليرد عليه بسخريه
" وأتيت اليوم كي تبارك أليس كذلك ... حقا فيك الخير يا سيد قاسم ...."
انتفخت أوداج السيد قاسم ليتحدث بقوة
" تأدب يا فتى وأنت تتحدث مع والدك ...."
ضحكه صغيره جافه خرجت من شفتي نضال والذكريات البائسه ترتسم أمام
عينيه بوضوح شديد وكأنها تسخر منه ليردد وهو يحرك يديه بعجب
" والدي ....!!!!.... حقا دعابة الموسم ...!!... أي والد هذا الذي تتحدث عنه ..."
قالها بسخريه ليتبع وعيناها تقسو بطريقه جديده ... غيمه حزينه تسكنه ليردد ووالده
صامت يستمع بجمود
" والدي الذي تسبب بالموت لأقرب الناس لي ... هل هذا هو والدي ...؟؟.."
زعق والده بغضب
" هل أنت مجنون يا ولد ...؟؟... أنا لم أتسبب في موت والدتك ... لقد كانت موته
طبيعيه ... قضاء وقدر ..."
هز نضال رأسه ليجيبه بألم
" ولكنك قتلتها في حياتها ألف مرة ... في كل مرة كانت تُهان ... في كل مرة
كانت تُهمّش .... في كل مرة كانت تقيدها أمومتها فترضخ مجبره ....قتلتها
بحوجتها .... بكرامتها التي أهنتها دوما .... هل تريد طرق أخرى للقتل ...؟؟..."
رفت عينا والده بصدمه ليزدرد ريقه ويقول بخفوت
" تلك كانت أخطاء في الماضي يا نضال ..... وكل منا يرتكب العديد من الأخطاء.."
ابتسامة قاسية بدت على ملامحه نضال ليجيبه
" نعم كل منا يرتكب الأخطاء ولكن هناك أخطاء تكون أكبر من احتمال الغفران
فتصبح غصه في الحلق .... فليست طاقة الغفران لدينا كبيرة كما أعلم ...."
رفع والده رأسه وقد تمالك نفسه ليقول بطريقته المهيبه
" أنا لم أقف أمامك حينما طلقت زوجتك يا نضال رغم أنها ابنة رجل هام
ولكن اعتبرتها آثار صدمة وفاة والدتك ولكن أن تذهب لتتزوج فتاه كهذه ...."
قاطعه نضال بصوت مخيف
" إياك يا سيد قاسم أن تهينها بكلمه ... لن أتسامح فيها .... الا هي ......"
بهتت ملامح والدها ليهمس
" لهذه الدرجه ...؟؟...."
" وأكثر .... أكثر بكثير مما تظن .... فلا تفكر في المساس بها ...."
لم يهتم والده بكلماته ليتابع بقوة
" أنا لن أهتز بتهديدك هذا يا ولد .... تلك الزيجه مرفوضه تماما ... أنا لن أقبل أبدا
بدخولها العائله ...."
رفع نضال حاجبيه بسخريه ليقول
" ومن أخبرك أنها ستدخل العائله ... أو أنني سأدخل العائله من الأساس حتى
تدخل هي ... نحن بعيد يا سيد قاسم فلا تقلق ... أنا لا أريد تلك العائله
يكفيك أولادك الآخرين ... وأتركني أنا بعيد ... أحيا ... لأول مرة في حياتي
لأول مرة أشعر أن الحياه تبعث لي شعاع نور ... لأول مرة أحصل على ما أتمناه
ولا أريد أكثر من هذا ... لا أريد عائلتك ولا أموالك .... ومن فضلك لا تترك
شئ من ثروتك العظيمه لأنني لا أريد ....."
صمت والده للحظه .... يشعر أن قضيته خاسرة ... ابنه في أوج غضبه
في أوج رفضه لوجوده .... بل ويتمسك بأخرى من عائلة متواضعه للغايه
ويتحدث عنها وكأنها الحياه ...!
ورغم قسوته المتحكمه فيه الا أن نغزة صغيرة أصابت قلبه لحديث ابنه
فهو يعلم أنه ظلمه دوما والسبب أنه كان خطأ لم يحب وجوده
خطأ تعلق في رقبته دوما .... !
دوما يخشى ظهوره على الملأ ... ليظهر في أشد أوقاته بعد ضغط منه
ولكنه اعترف به ظاهريا فقط ... لم يتقرب منه يوما أو يشعره أنه والده
وفي تلك اللحظه خبرته علّمته أن الضغط أكثر سيولد انفجار هو في غنى عنه
سيوّلد جيناته القاسيه فهو يعلم أن ابنه يمتلكها رغم رفضه لها
لذا وبكل ذكاء وحنكه .... تحرك للباب ليقول بهدوء شديد
" أتمنى أن أراك قريبا يا نضال ...."
ثم غادر الشقه في هدوء تام وترك خلفه ابنه يضغط فكيه بقوة
يحاول التماسك فقد حان وقت الصمود للحصول على حياه لائقه ....!
أنت تقرأ
سلسلة قلوب شائكة/ الجزء الثاني ( نيران الجوى )
Romanceتم نقلها من منتدى روايتي الثقافية للكاتبة المتميزة HAdeer Mansour