(3)

640 29 6
                                    

بقلم : نهال عبدالواحد

صار يوسف وعبد المنعم يتحدثان عن أحوال البلاد مثلهما مثل باقي الشعب، فالأحوال السائدة بعد رفض البنك الدولي للقرض وإصرار عبد الناصر لبناء السد العالي يجعلهم يتوقعون حدوث خطب جلل لكن تُرى ما هو؟

حقيقةً لم يتوقع أحد ما ينتوي عليه عبد الناصر لأنه كان شيئًا مستحيلًا في نظر الكثير، بل قد رآه البعض نوعًا من الجنون، رغم كونه كان أيضًا في نفس الوقت أمنية للكثير.

وذات مساء من أمسية شهر يوليو وكان الجو حارًّا وأسرة يوسف وعبد المنعم مجتمتعتان فوق السطح كعادتهما وحولهما البنات تلعبن بينما كان عزيز يلعب مع أقرانه الصبية في الشارع فكانوا يلعبون بالكرة الشراب، عسكر وحرامية، السبع طوبات ،.....وغيرها من الألعاب التي انتشرت وقتها في زمانهم بين الصبية بشرط أن يصعد لبيته عندما يضئ نور الحكومة تقصد أعمدة الإنارة.

لكن اليوم قد تأخر عزيز قرابة التاسعة مساءً، ثم دخل عليهم فجأة مسرعًا ويصيح بعلو صوته: عبد الناصر يلقي خطبته الآن.

أدروا المذياع مسرعين للإستماع إليه فهذا الصبي الذي لا يتعدى الحادية عشر من عمره متيّمًا بعبد الناصر ولديه وطنية غريبة منذ صغره.

التصق بالمذياع مستمعًا إلى خطاب الرئيس بكل جوارحه وحواسه، ولم يكن هو وحده بل كان الجميع بحالة العشق تلك، فعبد الناصر لم يكن وقتها مجرد رئيسًا للجمهورية فحسب، بل كان بمثابة الأب الروحي لكل الشعب المصري، كان له المنزلة في قلوبهم لدرجة تجعلهم لا يصدقون ولا حتى يظنون مجرد الظن أنه ربما يخطئ أو يتخذ قرار خاطئًا.

وبدأ السيد الرئيس في خطابه الذي قارب الساعتين والجميع منصتًا في هدوء كأن على رؤسهم الطير.

وبعد الساعتين بدأ يحكي قصة حفر قناة السويس منذ أن جاء مسيو دليسبس (فرديناند دليسيبس)  للوالي سعيد باشا عارضًا عليه فكرة مشروع حفر قناة ملاحية تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر وأن في ذلك فائدة لمصر وللمصريين.

لكن بدأ حفر قناة السويس بالفعل في عهد الخيديوي إسماعيل والتي حُفرت بنظام السخرة ودماء المصريين فقد مات إثر ذلك الحفر قرابة المائة وعشرين ألف مصريّ.

وبعد كل ذلك لم يُعطوا لمصر سوى نسبة من القناة لا تتجاوز حتى الخمسون بالمائة وقد أهداها بعد ذلك الخيديوي لإنجلترا فلم تعد لمصر أي حصة.

وصارت قناة السويس دولة بداخل دولة لها أحكامها ولوائحها الخاصة بها وهاهي القناة تُدخل ملايين الدولارات وقتها ومصر لا تستفاد أي شيء رغم أنها على أرضٍ مصرية وحُفرت بأيديٍ مصرية أي حق مصر والمصريين.

وكانت كلمة (دليسيبس)  هي كلمة السر التي على إثرها تتحرك القوات بخطة دقيقة للسيطرة على كل مكاتب ومراكز الشركة ومعهم أسلحتهم تحسّبًا لأي مواجهة لكن الإقتحام كان سِلميًّا.

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن