بقلم : نهال عبدالواحد
استعادت عديلة صحتها وتحسنت كثيرًا، كانت أمها وحميدة تلازماها وتجرعانها من الشراب والطعام، فهكذا اعتقاد الشفاء واستعادة الصحة.
وأخيرًا قد أقاموا حفل لسبوع ذلك الوليد فلا يمكن ألا يُحتفل به إن كانوا قد احتفلوا بالأنثى ألا يحتفلون بالذكر؟!
ولم يختلف كثيرًا عن الاحتفال بنور فتقاليد حفلات السبوع واحدة آنذاك.
وبعد أن أتمت عديلة أربعين يومًا بعد وضعها عادت أمها إلى الأسكندرية وهي توصيها برعاية نفسها وأبناءها والحرص من غيرة نور لجمال.
هكذا يسبّقون بهذا الأمر و يحذرون من غيرة الأخوة قبل حدوثها .
لا ننكر أبدًا حدوث الغيرة بين الإخوة خاصةً في حالة قدوم طفل جديد للأسرة فيغار منه إخوته السابقين لإهتمام الأم وجميع أفراد الأسرة بالوليد الجديد بشكل مبالغ فيه مع إهمال الطفل السابق خاصةً إن لم يحدث تمهيد لقدوم ذلك الطفل الجديد.
بالإضافة للتحدث أمام الطفل من الإحتراس من غيرته كأنك تضئ ذلك الأمر بخطوطٍ فسفورية عريضة فتلفت انتباه الطفل أكثر، وأيضًا سوء تصرف الكبار والإتيان برد فعل فيه من الحماقة والمبالغة.
فكانت نور مثلها كغيرها من الأطفال التي تتعرف على ذلك الوليد وتستكشفه على طريقتها، فعندما تحاول لمس عينه مثلًا فهي لا تقصد بذلك أن تفقأ عين أخيها لأنها تغير منه فيتم معاقبتها.
أو عندما تيقظه وهو نائم أو تضربه ضربات خفيفة فهي لا تنوي قطعًا إيذائه بل فقط تستكشف انفعالاته وردود أفعاله.
لكن مثل تلك الأفعال الطبيعية كانت تلاقيها عديلة بضرب نور ضربًا مبرحًا فهي تفعل ذلك كما أخبرتها أمها لأنها تغار من أخيها الذكر.
لكن كان يوسف أكثر تعقّلًا ففي حال وجوده يوّقف هذه المهزلة بسحب ابنته من أمام أمها محاولًا التحدث مع كلًا منهما على حدا.
فيتودد لنور ويخبرها أن تلعب مع أخيها بهدوء وبلطف وأن تسرع لتعتذر له لأنه قد أحضر لها هدية أو نوع من الحلوى ويرفض يوسف أن يريها أي شيء قبل أن تذهب و تعتذر لأخيها ولأمها ثم تعود مسرعة لأبيها لتأخذ تلك الهدية أو الحلوى، ثم يعقد معها اتفاق إن مر يوم دون أن تضرب أخاها فسيحضر لها هو حلوى.
ثم يعود لعديلة ويطلب منها أن تكون أكثر تعقّلًا في رد فعلها وعليها أن تحتوي ابنتها ولا تنهرها طوال الوقت حتى لا تكره أخاها ويزداد عنادها.
وهكذا يوسف بين الاثنين حتى مَرّ عامٌ بعد عامٍ كبرت نور وجمال وتحولت نور لأمٍ صغيرة، لكن لاتزال طفولتها تتحكم بتصرفاتها فلا يسلم الأمر من مشاجرات ومشاكسات مع أخيها الصغير.
أما عديلة فتحولت هيئتها مثل هيئة غيرها من نساء عصرها فمال جسدها نحو البدانة خاصةً الجزء السفلي منها، ولازالت كلما تحمل بطفل لا يكتمل حملها وسرعان ما يُجهض.
أما نور فقد بلغت السادسة وهاهي ستذهب للمدرسة لتلتحق بالصف الأول الإبتدائي مرتدية تلك (المريلة) ذات اللون البيج، مجدلة شعرها في ضفيرتين سوداوتين طويلتين وكثيفتين ثم تربطهما عديلة معًا وترفعهما حتى لا يحسدها أحد بسبب طول وغزارة شعرها، وخلعت قرطها الذهبي هذا ووضعت قطعة من الخيط في ثقب أذنها حتى لا يضيع القرط أو ربما يُسرق.
وفي أول يوم دراسة لها سارت بصحبة أبيها حاملة حقيبتها الجلدية المربعة والتي كانت سائدة وقتها ومرتدية ذلك الحذاء الأسود ذات (الأبزين) على الجانب وذلك الشراب الأبيض المزين بشريط الدانتيل.
هيئة تلميذات المدرسة قديمًا في كل المدارس.
ثم تودعها أمها وهي تعطيها كيس الطعام، توصيها بأكل طعامها بأكمله ولا تجعل أحد زملاءها يخدعها ويأكله نيابةً عنها.
لكنها تبحث عن شخصٍ بعينه بقدر ما كان دائم المشاغبة معها بقدر ما كان يدللها ويشتري لها الحلوي، بالطبع هو عزيز كانت تتمنى أن تراه وتصافحه قبل ذهابها إلى مدرستها.
لكن عزيز قد حقق حلمه أخيرًا والتحق بالكلية الحربية وسافر إلى القاهرة لتجهيز بعض إجراءات التحاقه بها وسيظل طوال الوقت بعد ذلك في القاهرة لأن الكلية يقيم بها طلابها، لكنه سيجئ في إجازة من حينٍ لآخر.
لكن يوم أن جاء عزيز في أول أجازة وقد اختلفت هيئته خاصةً بعد أن صار شابًا في مقتبل عمره، فقد كان متوسط القامة من البداية لكنه قد فَقَدَ الكثير من وزنه فصار ذات وجهٍ منحوت ومالت بشرته من اللون القمحي لتصير أكثر سمرة أما عن شعره الأسود فهو قصيرٌ جدًا.
كانت نور بمجرد أن سمعت بوصوله حملت حقيبة المدرسة وأسرعت إلى شقة حميده لتسلم عليه وتريه حقيبتها، كتبها، دفاترها وماذا درست.
لكنها تفاجئت بهيئته المتغيرة فبدأت تتراجع فذلك شخصٌ غريب لا تعرفه، فيضحك منها بشدة ويقسم لها أنه هو عزيز صائحًا: تعالي يا نور! اقتربي عزيزتي! كأنك لا تعرفيني! أم قد نستيني!
أنا عزيز من كان يحرس دميتك عندما تذهبي لفعل أي شيء حتى لا يمسك بها أحد، أنا من يشتري لكِ الحلوي ومن يضايقك أحيانًا، هل تذكري يوم أن كنتِ ترتدين ذلك الفستان القصير وذاهبة إلى الشارع وصرخت فيكِ لألا تخرجي به مثلما أصرخ في أخواتي؟! وبعدها اضطررت أن أذهب أنا لأشتري الحلوى لكم جميعًا.فردت متراجعة: لا، ليس أنت!
أنت شخص آخر غيره ولونه أسود.فضحك بشدة ثم أكمل مازاحًا: هذا لون الضباط الجديد! ثم إنه ليس أسود تمامًا، هو يميل للبني قليلًا!
ثم عاود قهقهته من جديد وهي تومئ برأسها نافية فيكمل عزيز: هل تذكرين هذه اللعبة ؟
قالها وهو مادًّا يده كأنه سيضربها وما أن يقترب منها وهي منكمشة في نفسها مغمضة عينيها نصف فتحة وجفناها متحركين بتوتر حتى يخبط إحدى يديه في اليد الأخرى...... فيقهقه بشدة ويضحك كل من حوله فتغضب نور وتنصرف من أمامه فيكمل الجميع ضحكهم.
NoonaAbdElWahed
أنت تقرأ
( رواية نور) By: NoonaAbdElWahed
Historical Fictionملحمة تاريخية وطنية كان ميلادها مع نور الانتصار وبعد ظلام الغارات فسُميت نور تيمنًا بإنارة النور، نشأت وكبرت وأمامها بطلٌ شجاع أحبته من كل قلبها رغم حداثة عمرها... شاءت الأقدار أن تبدلت الأحوال دمار موت بُعد و... [قد نختلف مع أنظمتنا لكن لن نختلف...