بقلم : نهال عبدالواحد
ولازال عزيز يحاول أن يذكرها بنفسه، يضحك ويمزح معها ويشاكسها، بدأت نور تعتاد على هيئته الجديدة تلك وكلما جاء السويس في إجازة تذهب إلى بيت حميدة ومعها حقيبتها المدرسية لتريه ما تدرسه وأحيانًا تبدأ في أسئلتها التي لا تنتهي إبتداءً بمنهجها فيجد نفسه فجأة يشرح لها ويراجع دروسها بدلًا أن تكون فترة مجيئه كأجازة تراه يقضيها في مذاكرة.
كانت نور أحيانًا تسأله عن دراسته في كليته ورغم عدم رغبته دائمًا في الحديث عن دراسته وتدريباته فهو يراها سرًا لا يصح أن يبوح به لكل من حوله أو يحكي به عندما يجلس مع أبناء منطقته من نفس جيله ممن كانوا يلعبون قديمًا معًا في الطرقات.
لكنه كان يجيبها إجابة مختصرة وعامة قائلًا: نتعلم كيف نضرب باليد والقدم والمسدس والبندقية، وأيضًا نتعلم كيف نقود الدبابات والطائرات.....
ثم يقهقه ضاحكًا.هكذا يجيبها بطفولية، لكن في الحقيقة هو يتدرب تدريبات شاقة أو ربما هي في نظر الكثير من زملائه شاقة لكنه يؤديها بحب.
فالأمر لم يتوقف عن مجرد التدريب على الرماية واستخدام عدد من الأسلحة بل أيضًا الكثير من المهارات التي تكسب اللياقة الجسدية والألعاب القتالية بمختلف أنواعها.
فالجندي لا يُقيّد بالضغط على الأزرار في لقاء الأعداء بل كيفية المواجهة بدون سلاح أو بسلاح أبيض، كيفية القفز من مرتفعات مختلفة والتسلق، الصبر والتحمل بلا طعام ولا شراب لفترات طويلة، الصمود والتحامل أمام أقسى الظروف والضغوط المختلفة.
هذا بالإضافة لبعض الإسعافات الاولية فكيف يسعف مصابًا وكيف ينقذ زملاءه أو رجاله إن صار قائدًا، والكثير و الكثير ما يُملأ به السطور والصفحات.
أما عن عزيز فكان يتخطى كل تدريباته مهما بلغت قسوتها فأصبح من الطلبة المتميزين مهارةً و خُلقًا.
وعامٌ بعد عام ونور ترتقى في دراستها الإبتدائية لكنها قد صارت أكثر بدانة رغم جمال وجهها وملامحها، لكن عادات الأكل الخاطئة قد تسببت في ذلك لها ولعديلة أيضًا.
حيث كانت اعتقاداتهم حول أن الصحة في البدانة والوجه المستدير الذي يكاد ينفجر من انتفاخه، وأيضًا أنوثة المرأة والفتاة في بدانتها، وأن تلك النحيلات لا علاقة لهن بالجمال ولا بالأنوثة.
هكذا كانت الأعوام تمر على كل واحد منهم، وقد كبر جمال وأتم السادسة من عمره والتحق هو الآخر بالمدرسة.
أما عن نور فقد أتمت العاشرة ومع امتلاء جسدها بدأت تظهر عليها ملامح الأنوثة باكرًا وذلك قد تسبب في خطوة ختانها.
تلك العادة الجاهلية التي تؤثر سلبيًا ونفسيًا على البنات وقد تغيرت نور بالفعل فصارت تميل للوحدة والابتعاد عن الناس فربما قد جاء في مخيلتها أنها فقط من حدث فيها هذا.
فكانت فقط تذهب إلى المدرسة ولا ترغب في الذهاب لأي مكانٍ آخر ولا أي تجمعات خاصةً وأن جاراتها من أخوات عزيز كن يكبرنها بعدة أعوام، ومثل ذلك التوقيت من العمر نجد العام يفرق كثيرًا، خاصةً بين الفتيات.
فقد بدأت جاراتها يتقدم لهن الخطاب وصار لكل واحدة منهن حياتها التي ابتعدت عن حياة اللعب والطفولة بل حياة البالغات التي تعد أنفسهن للزواج.
أما عزيز فقد صار في العام الأخير من الكلية، أتم الحادي والعشرين من عمره وقد ابتعدت نور عنه تمامًا فصارت لا تذهب له كعادتها، فهكذا يبدأ الحياء يحتل حياة الفتيات في ذلك العمر نحو تعاملها مع الشباب.
و بالنسبة لنور قد تحولت نظرتها نحو عزيز لنظرة أخرى بدأت تختلف عن نظرتها الطفولية له كأخٍ أكبر يلعب معها و يشتري لها الحلوى.
وقد زاد من تلك النظرة ظهور التلفاز ووصوله إلى داخل البيوت ومع مشاهدة بعض الأفلام العربية التي فيها من قصص الحب التي تجمع ابن الجيران بابنة الجيران، ورغم جهلها بالكثير من الأمور فهي على أية حال لازالت طفلة لكنها بمجرد أن ترى مثل تلك المشاهد وأعني مشاهد رومانسية قديمة يتقابل فيها الحبيبان وكل منهما يختطف النظرات نحو الآخر في ارتباكٍ وحياء (هكذا كانت مشاهد الرومانسية قديمًا بعيدة عن الإسفاف والإباحية وتعتمد على الإيحاءات المجازية دون خدش للحياء وكان الأطفال لازالوا أطفالًا يتمتعون ببراءتهم ولا يدركون معاني تلك الإيحاءات بتفاصيلها).
فتجد نفسها ترى عزيز أمامها مكان البطل وهي مكان البطلة، ربما هو شعور مراهقة طبيعي من فتاة لا تعرف إلا ذلك الشاب الذي فتحت عينيها وجدته لكن لم تكن هذه قناعتها.
لكن مع ذلك كانت تختفي مسرعة من أمامه بمجرد مجيئه أو إن كانت واقفة في الشرفة أو التقت به بالمصادفة على السلم فلم تعد تقف معه تتحدث وتمزح.
ورد الفعل هذا كان محيرًا بالنسبة لعزيز الذي لم تختلف نظرته نحوها بعد فهي لازالت له تلك الطفلة التي وُلدت وحملها بين يديه وكثيرًا ما جلس يلعب معها ويراضيها بالحلوى، لكنها أيضًا صارت تمثل له لغز فلم يفهم سر تغيرها هكذا.
لكن بطبيعة الحال لم يكن ذلك بالأمر الذي يشغله كثيرًا فبمجرد انتهاء إجازته وعودته من جديد لكليته لا يكون في عقله ولا قلبه سوى الوطن والجيش والواجب ...
NoonaAbdElWahed
أنت تقرأ
( رواية نور) By: NoonaAbdElWahed
Historische Romaneملحمة تاريخية وطنية كان ميلادها مع نور الانتصار وبعد ظلام الغارات فسُميت نور تيمنًا بإنارة النور، نشأت وكبرت وأمامها بطلٌ شجاع أحبته من كل قلبها رغم حداثة عمرها... شاءت الأقدار أن تبدلت الأحوال دمار موت بُعد و... [قد نختلف مع أنظمتنا لكن لن نختلف...