(10)

357 16 0
                                    

             بقلم : نهال عبدالواحد

تخرج عزيز من كليته والتحق في مكان خدمته والذي كان بداخل سيناء، كان يذهب لمكان خدمته ويجئ في إجازات فلم يكن هناك فارق بين الآن وأيام دراسته... ومر عدة أشهر على ذلك.

في هذا الوقت كانت مصر تحت سيطرة عدة مؤسسات، الإتحاد الإشتراكي، وكان هو الحزب الرئيسي في الدولة المحرّك للشعب خاصةً وأن الإتحاد الإشتراكي وقتها كان مساندًا لجمال عبد الناصر والذي له شعبية كبرى من شعبه.

الجيش، وكان له من السيطرة منذ قيام ثورة يوليو في ١٩٥٢ لكنه قد دخل في حسابات مراكز القوى وكان وقتها لعبد الحكيم عامر شعبية كبيرة في الجيش.

المخابرات، والتي كانت جزء من الجيش .

الإعلام الموجه، وكان مسيطرًا عليه من قِبَل الإتحاد الإشتراكي.

إذن يمكن أن نقسم الدولة إلى قوتين بين قوة الإتحاد الإشتراكي وقوة الجيش.

وها نحن قد دخلنا في عام ١٩٦٧ وكان لازال عزيز يذهب لمكان خدمته و يجئ في إجازة حتى جاء شهر مايو وكان المنتظر مجيئه في إجازة لكنه لم يأتي ولم يكن هناك أي وسائل إتصال.

كان آنذاك قد وصلت معلومات بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية فطلب عبد الناصر سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء وأعلن غلق مضيق تيران في وجه السفن الإسرائيلية الذاهبة والآيبة من ميناء إيلات.

وزار عبد الناصر القاعدة الجوية في مدن القناة، وقد بدأ يكثف قوات الجيش في سيناء استعدادًا لأي رد فعل، لكن عبد الناصر ظن أن الأمر سيأخذ أسابيع.

وفي صباح الخامس من شهر يونيو الساعة السابعة وخمسة وأربعين دقيقة طارت طائرات إسرائيلية على ارتفاعٍ منخفض؛ لتهرب من مجال الردار  وهاجمت المطارات الحربية المصرية ودمرت حوالي مئة وخمسون طائرة على الأرض قبل أن تطير.

وفي نفس الوقت هجمت على القوات المصرية في سيناء والضفة العربية التابعة للأردن ومرتفعات الجولان واستولوا على غزة والتي كانت تابعة للسيادة المصرية وقتها.

وبذلك الهجوم حدث ارتباك للقوات في سيناء فليس لديها معلومات عن ماذا يجري وليس لديها أي أوامر.

لكن الطائرات الإسرائيلية بعد أن انتهت من الطائرات المصرية راحت لتشن هجومها على المدرعات المصرية والتي لم تكن محمية بغطاء جوي في سيناء.

وبدأت القوات المصرية تنسحب بدون خطة منظمة تاركة سيناء وذهبت لغرب القناة وذلك قد سهّل من الإستيلاء على  سيناء بكاملها.

أما في البيت عند عديلة وحميدة وبعد أن خرج يوسف لعمله صباحًا كما اعتاد كل يوم و لأنهم في الإجازة الصيفية فلا ذهاب لمدارس وكانت عديلة بعد انصراف زوجها لعمله تنام قليلًا ثم تستيقظ في العاشرة لتبدأ يومها وما لديها من أعمال المنزل.

لكن فجأة بينما كانت لاتزال مستيقظة إذ سمعت كأنه صوت قصفٍ عن بعد، كانت تكذّب أذنها في بادئ الأمر فقد جاء في ذاكرتها تلك أيام، أيام العدوان الثلاثي لكنها كانت تطرد تلك الأفكار من رأسها.

لكنها وجدت حميدة تجيئها وتسألها عما إن كانت سمعت لأي أصوات، فامتلأ قلبيهما بالقلق والفزع والذي كان يملأ قلب حميدة من مدة حيث لم يجئ عزيز في إجازة منذ زمنٍ بعيد والآن يحدث أمرٌ ما.

ثم بدأ يُسمع أصوات لسيارات الإسعاف حيث كان هناك مستشفى حكومية بالقرب من البيت.

وصوت صياح لأُناسٍ في الشارع «لقد نشبت الحرب» فتتجهان نحو التلفاز  أو الراديو ربما تسمعان أي أخبار وتفهمان ما يجري.

فلم يكن هناك إلا تلك الأخبار المكذوبة بالإنتصارات الوهمية وقد تم إسقاط عدد كذا من الطائرات الإسرائلية والجميع مستمعين ومهللين بسعادة.

لكن عدد الجنود المصابين المتوافد على المستشفى المجاورة لا يدل على ذلك فالعدد في تزايد وصارت لا تكفيهم سيارات الإسعاف بل يحضرون الناقلات ويخلعون المقاعد منها ويملؤنها بأجساد الجنود بين جرحى ومصابين.

وامتلأت الشوارع بالجنود ووجدوهم يحفرون الأرض ويدفنونها بالمدافع ويوجهون فوهتها للسماء.

وسكت المذياع عن الإدلاء بالبيانات العسكرية ولم يتبقى سوى موسيقى لمارشات عسكرية.

وصار الجميع في حالة مبهمة من عدم الفهم والقلق المميت، فحميدة تمسك قلبها بيدها وتبكي دائمًا من غياب ابنها، وعديلة الأخرى تبكي و تحتضن أبناءها فيوسف الآخر لم يأتي من عمله بعد.

وظلت كلًا منهما جالسة وحولها أبناءها يتحركون ذهابًا و إيابًا بين الشرفات ليروا ما يجري في الشارع، حتى المواطنين العاديين وشباب الحي يحملون الجنود بين جريحٍ وقتيل وربما أشلاء.

الوضع يبدو خطير وكلما سُمع طرق على الباب ظنتا أنه أيٍ منهما سواء يوسف أو عزيز لكن يجدوه أحد الجنود يريدون بعض الماء أو  يريد بعض الطعام.

ويبقي الطلب والرجاء الذي تردد على ألسن الجميع:
«الحقيقة! أين الحقيقة؟!أخبرونا بها حتى لو كانت مُرة..»

NoonaAbdElWahed

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن