(16)

300 17 0
                                    

بقلم : نهال عبدالواحد

بينما كان والديه عبد المنعم وحميدة يعانقانه بلهفة وفرحة شديدة أن ابنهما لازال على قيد الحياة، وكان من المفترض أن يكون هذا إحساسه أن لن يصاب أهله بمكروه؛ لكن تلك الكلمات التي طعنته أطفأت كل إحساسٍ بداخله فزادت عليه آلامه وأوجاعه التي ملأته من البداية ولم يكن بحاجة لتجرّع المزيد.

صحيح أن الناس متعبة ومصدومة فوقع الهزيمة وأخبار سقوط سيناء كاملةً في أيدي المحتلين الطغاة مؤلمًا لأقصى درجة، لكن وقعها على من شهدها وشارك فيها بالطبع أكثر قسوة ويكفيه ما رآه وما لاقاه الذي يحتاج لوقتٍ ليداويه.

بعد ذلك العناق دخل دون أن ينطق بحرف لشقتهم واتجه مباشرة نحو الحمام؛ فهو بحاجة ملحة لحمامٍ فورًا ففوق جسده طبقاتٍ وطبقاتٍ عليها أن تُكشط ليصير الجسد أكثر نظافة.

تُرى كأني أصف حال الوطن الذي هو بحاجة ملحة لحملة تنظيف قوية و جلي طبقاتٍ وطبقاتٍ وكشطها ليصبح الوطن أكثر نظافة.

خرج عزيز من الحمام شخصًا آخر رغم أنه لم يحلق لحيته ولا حتى قام بتهذيبها وتركها مبعثرة مثل شعره بالضبط.

فلم يكن يعتاد أبدًا على ذلك، فقد كان لا يترك لحيته ولا شعره دون حَلقٍ أبدًا.

خرج من الحمام متجهًا لفراشه دون رغبة في الطعام ولا الحديث وأغلق بابه عليه في حالة من الاكتئاب الشديد.

تبعته أمه تطرق عليه الباب منادية عليه: يا عزيز، يا عزيز، انتظر يا بُنيّ لا تنام الآن، كُل بعض الطعام أولًا لقد شحبتَ كثيرًا يا غالي، كفاك قلة طعام ستهلك هكذا، يا عزيز يا بُنيّ، أجيبني! أجيب أمك يا ولدي، يا عزيز، يا عزيز!

فتدخل عبد المنعم: دعيه يا امرأة، ألا تريه كيف يبدو؟ اتركيه الآن ينام ويستريح ثم بعدها ينهض للأكل.

صاحت حميدة باعتراض: كيف سينام يا رجل بلا طعام؟! أينام جائعًا؟! ترى منذ متى لم يذق طعم الزاد؟! وتقول أتركه! ألا تملك من الشفقة والرحمة؟! أرأيت كيف لم ينطق معي بحرف؟! لم يجلس ويحكي لي كل ما حدث كما اعتاد ولا أين كان طوال تلك الفترة؟ أريد أن أطمئن، يبرد قلبي من قلقه الشديد، إن قلبي يأكل بعضه بعضًا من شدة القلق وكوني لا أعرف عنه أي شيء، وبعد كل ذلك يدخل لينام ويتركني هكذا بدون أن يحكي!

فتابع عبد المنعم يضرب كفًا بكف: أين عقلك يا امرأة؟! هل مركّب بالعكس أم غير موجود بالمرة؟! هل ترِي أمامك هيئة شخص مستعد للحديث والنقاش أو لأي شيء؟! هل نسيتِ كيف كنا نتمنى أن نسمع بشأنه أي خبرية طيبة؟! والحمد لله قد منّ الله علينا بعودته بخير وألف سلامة، وهاهو أمامك حيٌ يرزق، إذن إحمدي الله يا حميدة وكفاكِ هذه الثرثرة.

فقالت حميدة بعدم رضا: هل هذا جزائي؟ ألا أطمئن على ابني الحيلة، وحيدي؟!

فصاح فيها: سأهج منك يا امرأة! نقول إنه ثور تقولين لا إحلبوه! افهمي يا امرأة! ما حدث لم يكن سهلًا على الإطلاق بل أقسى ما يكون، اتركيه ليرتاح، عندما يجوع سيخرج ويطلب الأكل، إنه بيته لا يحتاج لدعوة.

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن