(24)

271 14 0
                                    

بقلم : نهال عبدالواحد

بعد ذلك الانتصار الرائع، عودة الأرض والكرامة، بدأ الأبطال العودة إلى منازلهم مجندين منهم أو ضباط، وكان الجميع يستقبلهم باستقبالٍ حافلٍ واحتفالٍ كبير.

فما كان جندي أو ضابط يمشي في أي مكان أو يتواجد في أي وسيلة مواصلات حتى يُسلّم عليه الجميع بحفاوة وسعادة شديدة من يعرفه ومن لا يعرفه، فيكفي أنه أحد المشاركين في الحرب المجيدة.

بالطبع كان عزيز مثله مثلهم بمجرد أن ركب القطار للعودة لأهله وما زالوا يسكنون بقرية في صعيد مصر، حتى عانقه الجميع والتفوا حوله يحتفلون به يكادون يحملونه فوق أعناقهم، كما حدث ذلك بمجرد أن وطأت قدماه إلى القرية.

كان عزيز يشعر بشعورٍ رائع، النقيض تمامًا عن المرة السابقة، الجميع سعيد وفخور به، يكاد لا يريد أن يخلع زيه العسكري فهو الآن وسام على صدره، وأخيرًا شعر بارتياح فقد أخذ بثأر كل من ذهبوا على يد ذلك العدو.

لكنه أيضًا فقد الكثير من أصدقائه في هذه الحرب.

شعر كأنه في حلم لكن يختلف عن حلم المرة السابقة، فهذه المرة لا يريد أن يستيقظ من هذا الحلم أبدًا.

لكن تمر الأعوام وتبدأ تلك الروح العظيمة تقل شيئًا فشيئًا ويبدأ المجتمع في الانحدار التدريجي من جديد.

هكذا هي طبيعة البشر قليلٌ منهم من يظل صامدًا على مبادئه، قيمه وأخلاقه؛ فالغالبية تبدّل قِيَمها كما تبدّل ملابسها وتود لو تخلع جلدها وكأن القيم والأخلاق لا تتناسب مع التطور والتقدم!

فحقًا، تلك الأيام نداولها بين الناس.

وفي الأسكندرية تدخل فتاة في العشرين من عمرها رشيقة القوام، عيناها سوداوان، شعرها أسودًا قصيرًا حتى كتفيها، وجهها مستطيلًا ليس مستديرًا وأسفل ذقنها رفيع كما يقال عنه (ذقنٌ فرعونيّ) يتوسطه طابع الحسن، بشرتها قمحية وشفتاها صغيرتان، ملامحها جميلة و رقيقة.

كانت ترتدي كنزة نصف كم من اللون الوردي، تنورة سوداء تصل لركبتيها متسعة قليلًا، وحذاء أسود ذات كعبٍ عالٍ.

بالطبع لم تكن تلك الفتاة سوى نور بعد أن كبرت، وهاهي تفتح باب الشقة وتدخل لتجد منضدة مستديرة فتضع عليها الأكياس التي تحملها، ثم تتجه لأمها عديلة الجالسة على الأريكة تشاهد التلفاز والتي لم تختلف ملامحها لكن صارت أكثر بدانة عن ذي قبل.

تحدثت نور وهي تجلس جوار أمها ببعض التوجّع: آه! كيف حالك يا أمي؟

فأجابت عديلة: نحمد الله، كيف صرتِ؟ ألازال كتفك يؤلمك؟

تابعت نور وهي تضع يدها على كتفها وذراعها: أجل أمي، يؤلمني بشدة من كتفي لذراعي، جازى الله المتسبب بما يستحق!

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن