(20)

276 15 0
                                    

                      بقلم : نهال عبدالواحد

مرت تلك السنوات وبدأ عزيز يستعيد طاقته، ثقته بنفسه وبقدراته خاصةً مع تلك الأخبار المبشرة حول العمليات العسكرية التي يقوم بها الفدائيين ضد قوات العدو، فكان كلما سمع عنها زادت روحه المعنوية وتمنّى لو سُمح له بالمشاركة.

لكن في الحقيقة فإن الغالبية من الناجين من حرب ٦٧ لم يُسمح لهم بالمشاركة في حرب الاستنزاف ولا في حرب أكتوبر؛ لأنهم عادوا مستَهلكين معنويًّا ونفسيًّا، والحروب والمقاومة تحتاج لعزيمة وإرادة فولاذية.

لكن عزيز كان من القلة التي سُمح لها بالمشاركة في العمليات العسكرية في حرب الاستنزاف لكن ليس من البداية، وعامةً كانت الأجواء مشحونة بالوطنية حتى الأغاني السائدة كانت من دورها التعبئة الوطنية.

بمعنى أوضح بدأ الناس يعودون لربهم وأخلاقهم، فلا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهناك أنواع من البشر لا تستوعب ولا تفهم إلا بعد صدمة ولطمة قوية تكاد تفقدها وعيها من شدتها ثم تبدأ بعدها في مرحلة الوعي الحقيقي.

أما نور فخلال  تلك السنوات قد كبرت وبلغت مبلغ النساء، لكنها لازالت مفتقدة والدها، حنانه، احتوائه وتفهّمه؛ فهي الآن صارت مفتقدة لكل شيء.

فعديلة قد كرّست جهودها واهتمامها نحو جمال فقط؛ فكان لا ترد له أي طلب مهما كان، حتى أنها بدأت تجور على حق أخته من أجله، وذلك قد أزعج نور كثيرًا ليس بسبب التفرقة بينها وبين أخيها، بل لأنها صارت وحيدة فعليًّا وكأنها قد كبرت قبل أوانها.

كانت تتحمل مسئولية أعمال البيت وإجابة طلبات أخيها حتى لو أرادها تشتري له شيئًا ما من الشارع، كل ذلك لأنه هو الذكر تلك الثقافة التي كانت سائدة وقتها وإن كانت لا تزال تسيطر على البعض حتى الآن، أن الأخ الذكر له كل الصلاحيات حتى لو جار على حق أخواته من الإناث.

كم كانت تفضل الجلوس بمفردها؛ فهي تشعر أنها غير مهمة في حياة أحد، حتى عزيز لم يشعر بها يومًا أو ينتبه إليها فلابد أنها ليست جميلة...

هكذا تحدّث نفسها.

وكأنها نسيت أنه كان شابًّا تجاوز الاثنين والعشرين من عمره وهي مجرد طفلة في الحادية عشر، لكنها لم تنسى وجهه الحزين يوم وفاة والدها، لقد كان حزينًا حقًا!

لكنها قد صارت آنسة صغيرة في الرابعة عشر من عمرها قد تغيرت عن ذي قبل، نقص وزنها وصارت متوسطة القوام.

تعلمت شغل (الكروشيه) لتسلي وقتها أو مشاهدة أحد الأفلام ومثلها مثل غيرها من قريناتها الفتيات من نفس عمرها تشرد وتهيم عندما تشاهد عمر الشريف، صالح سليم أو أحمد مظهر ويتصدر قائمة المطربين بالطبع عبد الحليم حافظ.

لكنها تختلف عن الكثيرات في أنها لا زالت ترى فيهم وجه وملامح عزيز رغم عدم تشابههم لكن ذلك الإحساس باللامبرر!
ربما لأنه يذكّرها بأحلى أيام حياتها ويذكّرها بأبيها.

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن