(6)

436 21 0
                                    

     بقلم : نهال عبدالواحد

ما أجمل متابعة الطفل الصغير!
متابعة حركاته، سكناته ولزماته، كيف يكبر أمام عينيك، كل مشعرة من مشعرات نموه.

فكيف يكبر حجمه تدريجيًا! وكيف تتغير ملامحه وتميل مع كل فردٍ من أفراد العائلة! فتارةً يشبه الأب، الأم أو أحد الجدود أو يكون مختلط بين ملامح الجميع ليظهر خليطًا رائعًا وجديدًا.

كيف تنمو الأسنان تدريجيًا! وكيف يبدأ بتناول القليل من الطعام اللين ثم مع الوقت يتقارب مع طعام الكبار حتى لا يوجد فارق بينهم إطلاقًا.

كيف تنمو حركته من تقلّب، جلوس، حبو، محاولات الوقوف والمشي، محاولات الإمساك بالأشياء إلى محاولات تفحّصها بدقة والتعرف عليها.

كيف تنمو لغته بدايةً من التمييز بين الأصوات فصوت فرحه غير صوت ألمه ويختلف عن صوت لعبه أو صوت غضبه، ثم تلك المناغاة اللذيذة وظهور بعض الأحرف البسيطة إلى الكلمات الطفولية والجمل المعكوسة خاطئة التركيب.

كل ذلك أمتع ما يمكن عندما تجالس ذلك الطفل وتحاكيه ويكون كلاكما جزءًا من حياة الآخر.

هكذا كانت نور في حياة عزيز فقد كان جليسًا لها ومتابعًا رغم فارق العمر الكبير فهو في المرحلة الإعدادية وهي طفلة في عامها الأول.

بالطبع ليس من المنطق أن نقول قد نبت الحب بينهما وترعرع لكنه حتى مجرد جاذبية غير مبررة.

فهو سعيد باللعب والاهتمام بطفلة صغيرة في ذلك العمر وهي قد اعتادت عليه وتعرفه، بمجرد أن تراه ترفع ذراعيها إليه ليحملها وبمجرد أن يحملها يجدها تضحك و تلعب معه وأحيانًا توافق أن يقوم بإطعامها وحينًا أخرى تصرخ عندما يغادر المكان ويتركها، وكل تلك الأشياء عادية ولا شيء فيها ولا يمكن لأحد أن يتوقف عندها.

مرّ عامٌ بعد عامٍ ونور تكبر شيئًا فشيئًا فقد تمكنت من المشي بل الجري أيضًا، وقد نبتت جميع أسنانها وضروسها، وبالطبع قد ضبطت أخيرًا دخول الحمام.

كان لنور شعرًا أسودًا غزيرًا وطويلًا للغاية بشكل ملفت وكانت حميدة كثيرًا ما تحب أن تصففه لها وكانت عديلة تتركها فهي ترى أن نور ابنتها، فهي طفلة محظوظة لديها بدل الأم أُمّان وبدل الأب أبوان وكل أخوات عزيز هن أخواتها.

خاصةً وأن عديلة لم يكمل لها حمل بعد أن أنجبت نور، فكانت كل عدة أشهر تصبح حاملًا لكن سرعان ما لم يكتمل ويُجهض.

أما عزيز فكانت وطنيته وعشقه لبلاده يزداد يومًا بعد يوم وأيضًا لازال عشقه الهائم بعبد الناصر حتى أن أباه كثيرًا ما يقول له كأنه ابن عبد الناصر وذلك كان يشعره بفخرٍ كبير لكنه كان يخفيه بداخله فليس من اللائق أن يشبه حبه لأي رجل بمكانة الأب.

كان عزيز متابعًا لأهم الأخبار في البلاد وقد حدد حلمه وقتها فهو حلمٌ واحد لا ثاني له ولا بديل، تمنى أن يكون ضابطًا في الجيش المصري، يرى قدوته الزعيم جمال عبد الناصر وأراد أن يحذوا حذوه في كل شيء ويسير على خطاه، حلم أن يصبح أحد أسود جيش مصر فينقض وينهش أي معتدٍ أثيم مهما كان الثمن حتى لو سالت دماءه فداءً لبلاده.

كان يعد نفسه منذ أن صار بالمرحلة الإعدادية فيجري كل يومٍ لمدة ساعة ويقوم ببعض التمارين الرياضية التي رآي أحد المدربين في ناديٍ قريبٍ من البيت يفعلها وقد حفظها وظل يمارسها بشكل يومي.

ومع مرور الأعوام ازداد تقارب عديلة وحميدة خاصةً في المناسبات، ففي رمضان يلزم أن تتبادلا الإفطار وفي نهاية الشهر تجلسان وحولهما الأبناء ويتشاركون جميعًا في صنع الكعك والبسكويت وتشكيله، فذلك التجمع الذي تعرفه معظم البيوت المصرية يبهج النفس ويُدخل فرحة العيد الحقيقية وإن كانت قد اندثرت هذه العادات فصار نادرًا ذلك التشارك بين الجيران.

وعندما يجئ يوم العيد يذهبون جميعًا لصلاة العيد ثم يعودون ويتناولون الشاي والبسكويت معًا وإن كانت عديلة أحيانًا تسافر للأسكندرية قبل العيد فتصنع الكعك وحلوى العيد مع أمها وتشهد العيد مع أهلها في الأسكندرية، وأيضًا في عيد الأضحى كانت أحيانا تشهده مع أهلها في الأسكندرية وحينًا أخرى تظل في السويس وتشهده مع حميدة الجارة والأخت.

بالإضافة للمواسم خاصةً رأس السنة الهجرية فقد اعتادا صنع الفطير مع بداية العام الجديد وكانت عديلة وحميدة تتفننان فيه ما بين فطير باللحم أو فطير بالسكر أو سادة مشلتت.

وبعد أربع أعوام فقد أتمت نور الرابعة من عمرها وأخيرًا قد اكتمل حمل عديلة، وهاهي وصلت لشهرها التاسع وفي انتظار وضع وليدها بين الحين والآخر وهذه المرة قد جاءتها أمها لتشهد ولادتها.

لم تختلف ولادتها هذه المرة عن ولادتها المرة الأولى إلا في وجود أمها جوارها تربت عليها تارة وتجفف عرقها تارةً أخرى وهاهي حميدة أم عزيز ستتولي أمر ولادتها مثل المرة الأولى.

لكن جاء يوسف من العمل وأصر على الذهاب بعديلة إلى القصر العيني وهي مستشفى قريبة ومهما قالت أمها أو حميدة في كون الولادة سهلة ولا تحتاج لذلك لكنه أصر على الذهاب بها إلى المستشفى فهذا الحمل المكتمل قد حدث بعد سنوات من الحمل والإجهاض ويخشى على عديلة للغاية.

فلم تجدا بدًا إلا أن تمتثلا لرغبته حفاظًا على صحة عديلة وجنينها....

NoonaAbdElWahed

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن