***____****____***
يا رب أنت أكبر من الحظ، وأكبر من هذا التعجيز، وأكبر من هذا التعقيد، وأكبر من هذه البعثرة، اختر لنا ولا تخيرنا، وأكفنا شتات العقل وحزن القلب وحيرة النفس وارزقنا طاقة بها نعيش، نتحمل، نرضى، نتأقلم ، نتقبل، نتجاهل، نسعى، ونصبر
"عليك توكلنا وأنت خير وكيل"
***____****____***
بعد مدةٍ كبيرة، كان سليم يقود السيارة متوجهًا نحو منزل ريليان كي يقوم بإيصالها، نظرت اليه ريليان بتردد لتخاطبه متحدثةً بهدوءٍ مخفيةٌ ترددها بابتسامة خفيفة:- سليم اريد ان اذهب الى المركز التجاري من بعد اذنك.
ابطئ سليم من قيادته قليلًا ناظرًا لطريقه، يجب عليه الرجوع مرة اخرى الى الطريق العام وهذا يتطلب بعض الوقت.
تحدثت وهي تعتذر بلطف:- اعلم انني اثقل عليك واعتذر لذلك، لكن كيف سأبرر غيابي لمدة اربع ساعات خارج المنزل.
ادار سليم مقود السيارة للخلف متوجهًا نحو المركز التجاري حسب طلبها، تنهدت ريليان لتضع رأسها على كتف سارة فارةً بتفكيرها نحو حياتها القادمة كيف ستكون وخاصه بعدما سمعته اليوم.
اوقف سليم السيارة امام المركز التجاري وقبل ان تترجل ريليان من السيارة اوقفها صوت سليم مخاطبًا اياها بهدوء:- ماذا تريدين ان تشتري.
نظرت اليه ببلاهةٍ كبيرة لتجبيه بعد ان استوعبت:- ماذا.
تنهد سليم بخفة ليعيد سؤاله:- ماذا تريدين ان تشتري.
اجابتها سارة التي كانت تتابع الموقف:- اخبريه ريليان فهو لن يسمح لك بالنزول.
رفعت حاجبيها الايمن متسائلة بتعجب:- لماذا بحق الرب.
زفر سليم بضيق ليتحدث:- بعيدًا عن جملتك الاخيرة، انهي الجدال واخبريني.
لم تجبيه البته ليترجل سليم من مكانه متوجهًا نحو الداخل، وضعت ريليان يدها على مقبض الباب لتجده مؤمنًا عقدت يديها امام صدرها لتتحدث بضيق وحنق:- لماذا انقلب فجأة هكذا.
ضحكت سارة بقوة لتجيبها ومن وسط ضحكاتها:- انه هكذا .
نظرت اليها بضيق كبير لتتساءل بجدية تامة:- سارة انني اتساءل حقًا لماذا لم يسمح لي بالذهاب.
ابتسمت لها سارة بهدوء:- سوف تعلمين فيما بعد ريليان، حتى انا لا يسمح لي ايضًا يحضر كل شيء بنفسه، وكانت المرة الاولى التي رأيتني فيها داخل المكتبة ولولا انها ليست في طريقي لما سمح لي.
نفخت وجنيتها بقلة حيلة لتنظر الى المارة الذين يسيرون امامها بعد حوالي عشر دقائق فتح سليم باب السيارة وبيده عدة حقائب مختلفة الاحجام.
اخدتهم منه سارة وهي تنظر لمحتوياتهم بفضول ليتحدث سليم وهو يحرك في المقود:- لديك سبعة حقائب سارة الثلاثة الذين بنفس اللون اليكِ، والبقية اعطيهم لصديقتكِ.
اعطت سارة ريليان البقية لتأخذهم الاخرى بفضول ناظرة لمحتواهم لتنظر اليهم بتعجب وهي ترفع حاجبيها الاثنين للأعلى، نظرت اليها سارة متسائلة:- ما بك؟!.
نظرت اليها بوجه محمر لتتساءل ساره بفضول كبير:- ما الذي بداخلهم ريليان ها اجيبي.
تحدث سليم بهدوء بينما بدأ يقود :- سارة التفتي للأمام ويكفيك فضولًا، ما يوجد معكِ يوجد معها.
نظرت اليه عاقدةً بين حاجبيها بضيق حقيقي:- كيف هذا، ان معي ثلاثةً ومعها اربعة.
لم يجبها لتنظر الى ريليان بتساؤل:- ريليان اخبريني ما الذي يوجد بداخلهم.
كادت ان تجيبها ليقاطعها سليم بحزم:- سارة كفاكِ تساؤلًا، وانظري امامكِ لستِ صغيرةً على هذه الحركات.
نظرت امامها ببعض الحزن، تريد ان تعرف ما الذي يوجد بداخلهم حقًا
بعد مدة اوقف سليم سيارته امام بوابة منزل ريليان لتتحدث شاكرة بخجل:- شكرًا لك سليم لقد اتعبتكَ معي.
وقبل ان تغلق باب السيارة تحدثت متذكرة:- كيف نسيت ان اعطيك حقك .
نظر اليها سليم بغضب ليحرك مقوده عندما امسكت حقيبتها تريد ان تخرج المال، نظرت باستغراب إلى السيارة التي تحركت لتغمض عينيها غير مستوعبة انه رحل وتركها، زفرت بقوة لتعيد المحفظة في حقيبتها متوجهةً نحو الداخل.
***____****____***
دلفت سارة المنزل وهي تتحدث بكلام غير مفهوم لتجد ابتهال تجلس وهي تقرأ في كتاب الله، جلست بجانبها لتنظر اليها ابتهال بعدما اغلقت ما بيدها لتخاطبها مستفسرة:- ما بكِ حبيبتي.
نظرت الى سليم الذي دلف لتوه لتجيبها بحنق:- اسألي سليم ما بي.
توجه سليم نحو ابتهال ليقبل رأسها متحدثًا بحب :- كيف حالكِ امي.
ربتت على يده بحنان:- لله الحمد بني، اخبرني ما بها سارة، ألم تعجبيها الندوة ام ماذا.
نظر الى سارة ليضحك بخفة على منظرها:- ان تصرفاتها تصرفات صبيانيةٍ امي.
نظرت ابتهال اليهم باستغراب:- ما الذي حدث.
اجابها سليم بضحكةٍ خفيفةٍ:- انها تغار من صديقتها.
اجابته سارة نافية بصدق:- لا ليس قصة غيرة سليم.
نظر اليها مستفسرًا بينما عقد بين حاجبيه:- اذًا ما هي القصة.
نظرت سارة لوالدتها مخاطبة اياها بحنق:- امي انت احكمي، الان سليم ذهب للمركز التجاري
وابتاع العديد من الاشياء لي و لريليان، ليحضر لي ثلاثة حقائب ولها اربعةً، وعندما سألتها ماذا معكِ قال ان الاشياء كالتي معي.
نظرت ابتهال الى سليم بتعجب من تصرفه:- ولماذا اشتريت لها.
تحدثت سارة بضيق:- امي هل نحن الان لماذا اشتريت لها، قولي ما الذي احضره زيادةً عني فقط اريد اعلم محتوى الاخير.
ضرب سليم كفًا بكف ليجيب ابتهال اولًا:- لماذا اشتريت لها لأنها طلبت ذلك حتى لا تتعرض للمسائلة من قبل والديها وتعرفين انني لا اسمح لك ولا لسارة بالذهاب للتسوق ايضًا
هزت ابتهال رأسها متفهمةً تنظر الى سارة:- وما الذي يزعجكِ بذلك.
نظرت اليها سارة بحزن لتعتدل في جلستها متوجة نحو غرفتها، اوقفها سليم نادمًا :- تعالي سارة.
توقفت في مكانها لتنظر اليه بعبوس :- ماذا هناك.
اجابها متوجهًا نحوها:- يا ذكية ما الذي يوجد معك.
زمت شفتيها بضيق:- بعض الحلوى وبعض السراويل وايضًا سترةً شتويةً طويلة.
ضرب رأسها بخفه :- وهي كذلك.
نظرت اليه بعدم تصديق:- والاخير ما به.
اجابها متنهدًا :- وضعت بعض السراويل في واحد اخر حتى يتبين انهم كثر.
تنهدت براحةٍ تامةٌ تعانقه بسعادة:- شكرًا لك سليم.
ابعدها عنه باسمًا:- لماذا.
رفعت كتفيها للأعلى ثم اخفضتهم:- لأنك ساعدتها.
تنهد بهدوء باسمًا:- هذا واجبنا سارة أليس كذلك.
اومأت له لتمسك ما بيدها ثم دلفت غرفتها .
تنهد سليم بقلة حيلة على عقلها الذي يشبه الاطفال لينظر لوالدته:- ما اخباركِ. امي.
اجابته ببعض التعب :- بخير بني، اخبرني كيف كانت الندوة اليوم
اجابها بسعادةٍ حقيقيةٍ:- لقد اعلن احدهم اسلامه اليوم، لا تعلمين امي كمية السعادة التي تلقيتها.
ابتسمت ابتهال بسعادةٍ كبيرة:- ما شاء الله تبارك الرحمن الحمد لله، اللهم اهدي وأصلح شباب وفتيات الإسلام وابعدهم عن الفتن ما ظهر منها وما بطن.
بعد مدة من الحديث اعتدلت ابتهال في جلستها مخاطبة بسليم بنعاس :- تصبح من اهل الجنة بني .
اعتدل سليم ليمسك بيدها كي يوصلها:- هل تريد امي الذهاب لوحدها من دوني، وماذا افعل وانا جالس بمفردي هنا هل اتحدث مع نفسي ام مع الاريكة.
ضحكت بخفةٍ لتسير معه وهي تحمد الله بكون ابناءها صالحين.
***____****____***
نظرت ريم الى ابراهيم بصدمة حقيقية:- هل هذه لي.
ضحك ابراهيم بقوه ليعتدل واقفًا من جانبها متوجهًا نحو باب الغرفة القى عليها نظرةً لم تفهمها قبل ان يخرج مخاطبًا سما:- سما لا تتأخري .
وجهت ريم انظارها الى سما التي حركت رأسها بيأس:- اقسم لكِ ريم لقد اخبرته انكِ ستغضبين وتتألمين، ولكنه اخبرني انكِ لن تفعلي ذلك ابدًا لأنه يعرف حقيقتك.
اغمضت ريم عينيها لتتنهد بيأس ثم فتحتهم بهدوء:-
لا عليكِ سما، حمدًا لله على سلامتكم اولًا، ثانيًا هيّا اذهبي اليه كما طلب ولا تتأخري، وانا سوف اخلد للنوم لأنني مرهقة.
وضعت ريم رأسها على الوسادة لتبتسم لأطفالها الذي جاءا بجانبها مهرولين، بعد مدة نظرت اليهم لتجدهم يغطون في نوم عميق لتغمض عينيها في محاولةً منها للنوم ولكن بلا فائدة فهي تفكر في تلك الهدية
والتي لأول مرة يهديها ابراهيم شيئًا او يتذكرها بشيء في سفرٍ له، و يا ليته ما لم يتذكرها كعادته.
في صباح اليوم التالي استيقظت ريم كعادتها حتى تقوم بإيصال ابنائها الى باص المدرسة، ثم ودعتهم بقلب مشتاق لتعود ادراجها نحو المنزل، دلفت المنزل لتحد ابراهيم وسما يتناولان وجبة الافطار لينظر ابراهيم الى سما متحدثًا بحب:- اريدكِ ان تتناولي طعامك لتتغذي جيدًا، هيّا تناولي افطاركِ كاملًا.
ابتسمت له سما ثم نظرت الى ريم تخاطبها برقة:- هيا ريم لتتناولي الافطار معنا.
نظرت لها ريم مبتسمة بانكسار:- لا اريد ف لستُ جائعة.
قالت جملتها الاخيرة لتتركهم متوجهةً نحو غرفتها، ظلت جالسةً بها الى ان استمعت الى صوت اغلاق باب المنزل وهذا دليل على خروج إبراهيم لعمله، تنهدت ريم واغمضت عينيها حتى شعرت بباب غرفتها يفتح سليه دلوف سما اليها بخطوات خفيفة
جلست سما بجانبها ثم نظرت اليها باستفسار:- لماذا لم تتناولي معنا الافطار، ف إبراهيم يهتم بتلك الوجبة من اجلكِ اكثر من اي شيء.
ابتسمت ريم بسخرية لتجيبها :-صدقيني هو يهتم بها لنفسه او لك وليس لي ابدًا، أتعلمين انه لم يتصل بي ابدًا ليسأل ان كنت تناولت طعامي ام لا كما يفعل معكِ انه لا يهتم لأمري سما فهل سيهتم بهذه الوجبة من اجلي.
نظرت سما لريم لتتحدث بحسرةٍ:- أتعلمين ريم انني في بداية علاقتي مع ابراهيم لم اكن اعلم انه متزوج، وعندما علمت كنت قد احببته بشدة، ولكني اقسم انني انفصلت عنه عند علمي بذلك، لكنه اخبرني انكم تعيشون سويًا مثل الاخوة وكلًا منكم ينام بغرفة منفصلة، لقد خُدعت ريم مثلك تمامًا.
نظرت لها ريم ولم تكن متفاجئة من كلام سما لها لتجيبه متنهدةً بهدوء:- اعلم سما، انني اعرف ابراهيم اكثر منكِ، واعلم ان ابراهيم لديه طرقٌ كثيرة للأقناع، ولكن لم اتوقع ابدا انه سوف يتزوج مرة اخرى.
نظرت سما الى الارض في خجل منها فتحركت ريم لتسحبها من ذراعها:- هيا سما لنحضر الغداء قبل ان يأتوا الاولاد من المدرسة.
***____****____***
في صباح اليوم التالي كان ريليان تجلس تتناول طعام الافطار وهي تتذكر ما احضره سليم لها ابتسمت بخفة وخجل لتخاطبها جوليا غامزة:- ما الامر ريليان.
التفتت اليها بتوتر لتجيبها بابتسامة صفيرة:- لا شيء امي.
نظر اليها جرير لبعض الوقت ليعيد انظاره نحو طبقه مكمل تناوله، اعتدلت رلين في جلستها لتخاطب ريليان بعجل:- هيا ريلي فلنذهب للمدرسة.
اعتدلت الاخرى لتنهض مايا ايضًا متحدثةً وهي تبتلع اخر لقمة في فمها:- انتظراني سوف آتي معكن، فلن اذهب بباص المدرسة خاصتي.
بعد خروجهن من المنزل نظرت رلين الى ريليان متحدثةً بخبث:- هيّا اخبريني ريلي لماذا كنت تبتسمين قبل قليل.
حاولت ان تبدو طبيعيةً لتجيبها بمراوغة:- شيء خاص.
انفجرت رلين ضاحكة بقوة لتجيبها:- يا فتاة ليس بيننا، هيّا اخبريني ما الذي جعلك تبتسمين.
توردت وجنتي ريليان لتجيبها باسمة بخجل:- ماذا سيكون رلين.
تحدثت مايا متدخلة بفضول:- هل أمبر هو من احضر لكِ كل تلك الحلوى ريلي.
اختفت ابتسامتها تدريجيًا لتجيبها بعد برهةٍ:- لا ليس هو.
نظرت اليها رلين باختراق تريد ان تعلم ما يخالجها:- لا تقولي لي انكِ احضرتِ تلك الاشياء من مالكِ الخاص ريليان فقلد انفقت مالكِ في المرة السابقة عندما طلبتهم منكِ.
اجابتهم في محاولةٍ منها لأنهاء الموضوع:-
لقد اخذت البطاقة الخاصة بأمي، ثم هيا سوف نتأخر.
اجابتها رلين بسرعة وتردد:- لن اذهب للمدرسة سوف اذهب مع ديفيد.
نظرت اليها ريليان بغضب لتتذكر ما سمعته من سليم وهو يلقي احدى خطبه ان نصح الانسان يأتي بالكلمة الطيبة والهدوء واللين متذكره الآية الكريمة:- {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }.
اغمضت عينيها لتهدأ من نفسها لتخاطبها بعدما اعادت فتحهم بهدوء:- رلين من اجلي لا تذهبي معه على الاقل وانتم ليس بينكم شيء رسمي.
نظرت اليها رلين لتشاهد النظرات المتوسلة داخل عينيها لتجيبها مبررة بتهرب:- لكني احبه ريليان ثم اننا لن نفعل شيء مما تفكرين به فما زلنا في بداية علاقتنا عزيزتي، اريحي رأسكِ الصغير هذا لقد وعدني ديفيد بذلك وانا اثق به.
زفرت ريليان بهدوء لتبتسم مخاطبة اياها بإغراء:- سوف اعطي مصروفي ان لم تذهبي، ولن اطالبك بالمال الذي أنفقته سابقاً .
نفت رلين برأسها لتكمل ريليان:- هل ستحزنين ان كنت غير سعيدة.
اومأت لها برأسها مجيبة بتأكيد:- بالطبع ريليان فانا وانتِ شخص واحد.
اكملت ريليان حديثها بعبوس:- وهذا يحزنني رلين، لا اريدكِ ان تذهبي معه من اجلي فقط.
تنهدت رلين بقلة حيلة وبعض الضياع لتبتسم لها معانقة اياها بحب:- حسنًا لن اذهب لكن كفاك حزنًا وابتسمي.
ابتسمت لها ريليان لتتحدث مايا مازحة:- كم انتن دراميات بحق، سيرا أمامي.
تنهدت ريليان بسعادة وراحةٍ تامةٍ لتكمل سيرها نحو الخارج، وقبل ان يصلا باص المدرسة خاصتهم الذي كان ينتظرهم مقابل بيتهم ارتفع رنين هاتف ريليان لتجيب الطرف الآخر بهدوء:- صباح الخير.
اجابها أمبر بسعادة كبيرة:- صباح الاشياء الجميلة كجمال حبيبتي كيف حالكِ.
تنهدت ريليان مجيبة اياه بضيق خفي:- بخير وانت كيف حالك.
اجابها بابتسامة هادئة:- انني افضل حال بعد رؤيتكِ.
عقدت بين حاجبيها باستغراب ليزيل استغرابها عندما اكمل:- انظري خلفك.
استدارت بجسدها قليلًا لتجده يبتسم بحب، اغلقت الهاتف بهدوء لتبتسم له بذات الهدوء، اقترب منها أمبر ليعانقها بحب، اغمضت عينيها لا تريد ان تشعر رلين او مايا بأي شيء ليبتعد عنها الاخر مقبلًا وجنتيها بخفة:- اشتقت اليكِ.
ابتسمت له ضاغطةً علي اسنانها من الداخل لينقل بصره الى مايا التي تحدثت بضحك:- اننا هنا يا اخي لقد اصبتني بجفاف عاطفي في هذا الصباح.
قرص وجنتها بخفة:- كيف حالكِ يا صغيرة.
اجابته بسعادة حقيقية:- بخير أمبر.
تقدمت رلين منه بضيق مصطنع:- وانا هنا يا زوج اختي.
تغاضت ريليان عن هذه المهزلة التي تحدث امامها لتنظر الى الباص لتجده قد تحرك، تحدثت بصدمة كبيرة:- الباص، لقد ذهب.
اجابها امبر بهدوء وابتسامة غامزًا:- لقد ارسلت للسائق باني سأوصلكم الى هناك.
صرخت مايا بسعادة وهي تعانقه:- يعيش امبر يعيش.
لم تجد ريليان مجالًا للرفض لتتوجه نحو سيارته تحتل المقعد الامامي.
****____****____****
توالت الايام والاسابيع والاشهر فمنهم من يعاني ومنهم من يتعلم ومنهم من يفكر ومنهم من يعيش بسعادة.
لقد مر حوالي الاربع اشهر واوشكت السنة الدراسية على الانتهاء، ها هي سارة وريليان يتقدمن للاختبارات نهاية العام ولم يتبقى وقت ليوم زفافها، لقد اعدت جوليا كل شيء لها من ثياب وادوات ومستلزمات، و بالطبع كان امبر شديد اللطف معها طوال هذه الفترة، لقد حاولت تجنبه قد المستطاع كما تعلمت في الدين الاسلامي، لكن لا يوجد امامها خيار اخر غير هذا لقد تصادفت مع سمر عدة مرات وبالطبع حصل شجار بينهم فكل واحدة منهم لا تطيق الاخرى.
اما بخصوص سارة فلقد كانت تحاول جاهدةً مساعدة ريليان في التعلم لأمور الدين، كانت تذهب لمركز الايتام مع مشرفي المسجد لزيارتهم لقد تعلقت بفتاة تدعى( أمل ) بيضاء البشرة بعيون كالغاب، شعر اسود يصل لأسفل ظهرها تبلغ من العمر ستة سنوات لقد احبتها جدًا وتعلقت بها الاخرى ف سارة بعقل كبير ان تحدثت معها ستجدها تكبر من سنها لكن في مواقفها مع سليم ترى نفسها طفلته وحبيبته ولان سليم ايضًا يدللها كثيرًا ولا يرفض لها طلبًا، انه يعوض فقدان والدهم كي لا تشعر بذلك اليتم.
بالنسبة لريم قد تأقلمت مع الوضع الذي اجبرت عليه، ولكنها لا تعلم ما الذي حل بها فجأة ، فلقد اصبحت تشعر بلامبالاة كبيره جدا ، اصبحت لا تبالي لأمر ابراهيم البته ، أصبحت لا تغضب ان أتى اليها ام لم يأتي صحيح انها كانت تشعر بذلك مسبقاً لكن كانت تشعر بواحد في المئة بان يعود لحبها كالسابق لكن الان الامر مختلف لفد انعدم الواحد في المئة، أصبحت حتى لا تريده في ايامها المخصصة لها ، اصبحت لا تحزن عندما يهتم لأمر سما ، او عندما يمازح سما امامها ، بل الاكثر من ذلك اصبحت تعطي نصائح لسما حتى لا تخسر ابراهيم ،
لا تعلم هل قل حبه من قلبها، ام لم يعد موجود بالأساس، ولكن ما تعلمه حقاً انها خائفة من هذه المرحلة التي وصلت اليها.
دعونا نأتي لفضيلتنا سليم فهو يومه روتيني جدًا يستيقظ في منتصف الليل كي يقيم الليل ليتوجه بعد ذلك للمسجد يصلي بالناس صلاة الفجر، يقرأ ورده مع المصلين بعد ان يستغفر الله ويسبحه ويحمده ويكبره عدة مرات، بعد ان يخرج من المسجد يتوجه للمنزل يبدل ثيابه ليذهب بعد ذلك لممارسة رياضة الجري، بعدها يتوجه نحو الجامعة ليعطي دروسه بعد ان يبدل ثيابه مرةً اخرى وبعد يومه المهلك يقوم بإلقاء الخطب المتنوعة غير ذلك اليوم المقام في الفندق، لقد كان يلقن ريليان بعض امور الدين عندما تسأله او عندما تخبره والدته بان يشرح لها ولا ينكر انها تتعلم بسرعه وتستجيب له، لا ينكر ايضًا انها كانت تأتي في مخيلته لكنه سرعان ما كان ينجح في طردها وابعادها عن تفكيره، حسنًا انه خائف قليلًا من انتهاء السنة هذه لان ابتهال لم تجد فتاة مناسبةً حتى الان، لا يعلم ما هو السبب الحقيقي هل امه لا تبحث جيدًا او انها تريد سمر له.
***____****____***
وقف ريليان امام المسجد بعدما انتهت من مذاكرتها لاختبار الغد فاليوم لم يكن لديها اختبار، نظرت الى ثيابها التي اهدتهم اياها ابتهال المكونة من فستان طويل جدًا باللون الرمادي وحجاب باللون الزهري، انها لا ترديهم الا عندما تحضر الى هذا المكان فما زالت لم تدخل الاسلام لقد اصبح لديها حصيلةً كبيرةً خلال هذه الاشهر القليلة، نظرت الى سارة التي ترجلت من السيارة وبيدها طفلةً صغيرة تمسك بيدها لتتقدم الصغيرة من ريليان معانقةً قدمها بسعادة، انحنت ريليان اليها لتقبل وجنتيها وارنبة انفها بحب متحدثة بهدوء:- كيف حالكِ أمل.
اجابتها الاخرى بسعادةْ كبيرةْ:- بخير ليان وانتِ.
ضحكت ريليان بقوه لتكتم صوت ضحكتها فقلد عرفت ان صوت المرأة عورة ولكن ليس صوت المرأة عورة بإطلاق، فإن النساء كن يشتكين إلى النبي صل الله عليه وسلم ويسألنه عن شئون الإسلام، ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم، ويسلمن على الأجانب ويردون السلام ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام ولا تخضع في القول، لقول تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } ( الأحزاب: 32) لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلت عليه الآية المذكورة.
اجابتها بصوت خفيض:- اسمي ريليان وليس ليان أمل.
نظرت اليها الصغيرة بضيق:- لا اعرف ان الفظه، اسمك ليان وانتهى الامر.
ابتسمت لها بقلة حيلة لتمسك يدها وهي تخاطب سارة:- كيف حالك سارة.
سارت سارة بجانبها ليتوجهوا نحو الداخل لتجيبها:- بخير، لكني تعبت من المذاكرة لهذه السنة.
اجابتها ريليان بهدوء وتشجيع:- هانت سارة سوف تنتهى هذه الدراسة على خير بإذن الله، كوني واثقة به.
نظرت سارة اليها بصدمه، انها لأول مرة تتحدث هكذا لتخاطبها بحماس شديد :- هل تعلمين ما هو موضوع الخطبة هذه المرة؟.
نفت الاخرى برأسها مجيبة بتساؤل:- لا اعلم، هل تعلمين انتِ.
اجابتها سارة بتأكيد:- أجل وهو موضوع كنتِ تريدين سماعه بشدة.
نظرت اليها ريليان بعدم تصديق:- تمزحين، اقسمي سارة.
كتمت سارة ضحكتها بصعوبة:- اقسم بمن احل القسم.
اتسعت ابتسامتها وهي تدلف للداخل فأخيرًا سوف تسمع ما طلبته وكانت تريده.
***____****____***
وقف سليم باتزان ناظرًا لساعة يده ليبدأ بالحديث عندما اصبحت الساعة الرابعة عصرًا تزامنًا مع ارسال ساره له رسالة تنبهه بوصولهم.
اخذ نفسًا عميقًا ليبدأ بابتسامته المنيرة والسمحة:- إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا، من يهديه الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له من بعده، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من عصاه واتبع هواه، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدًا بن عبد الله نبيه وسوله الذي بعثه هاديًا وبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،
أمَّا بعد....
اكمل سليم بعدما اخذ نفسًا:- الحمد لله الذي خصنا بخير رسله وأنزل علينا أكرم كتبه، وشرع لنا أكمل شرائعه، أحمده سبحانه وأشكره لا أحصي ثناء عليه، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة،
فقال جل من قائل كريم:- { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } (المائدة: 3)،
ليكمل سليم باسترسال :- فاتقوا الله حق التقوى، (فالتقوى) هي وصية الله لجميع خلقه ووصية رسول الله - صل اللهُ عليهِ وسلم - لأمته قال تعالى:- { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا } (النساء: 131).
بدايةً اخواني واخواتي ارحب بكم من من جديد ولا بد من انكم عرفتم موضوع خطبتنا اليوم.
تعالت الاصوات مجيبة اياه بسعادة وحماس:- انه حبيبنا ورسولنا عليه افضل الصلاة واتم التسليم.
اومأ لهم باسمًا ليكمل:- يا عباد الله من رحمة الله بنا أن بعث فينا محمدًا صل الله عليه وسلم، وأمرنا بالإيمانِ به وتصديقه واتباعه و الاقتداء به والانتصار له ومحبته وتقديمه على النفس والمال والولد، فعلى يديه كمل الدين وبه خُتمت الرسالات وأرسل إليه أفضل الشرائع وأنزل إليه أفضل الكتب ، فهو خليل الله وهو كليم الله، وهو صفيه وهو رسوله وهو حبيبه.
بدأ يسير على المنبر وهو ينظر اليهم:- لقد رأى الصحابة الصفات العظيمة، والأخلاق الكريمة متمثلة في شخصه - عليه الصلاة والسلام - قبل نصه، وفي سيرته قبل كلمته.
لم يقرأوا هذه الصفات والأخلاق في كتاب جامد، بل رأوها في بشر متحرك، فتحركت لها مشاعرهم، وقبلتها نفوسهم، فكان - عليه الصلاة والسلام - أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل.
عباد الله كان (ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له، قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن فقال له النبي- صل الله عليه وسلم -: ما غير لونك؟!
قال : يا رسول الله، ما بي ضر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرتَ الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل لا أراك أبدًا،
اشار سليم بأصبعه اليهم انظروا ماذا انزل الله في قوله - عز وجل- : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا }
(النساء: 69).
وقد امتن الله به على الثقلين الإنس والجن، وأرسله إليهما معًا، ففتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وأخرج به الناس من الضلالة إلى الهدى.
ارتفع صوت سليم تلقائيًا عندما يأخذه الحماس في الالقاء:- إنه محمد - صل الله عليه وسلم - بلّغ الرسالة أحسن بلاغ، وأدى الأمانة أحسن أداء، ونصح الأمه وجاهد في الله حق جهاده.
محمد بن عبد الله - صلى اللهُ عليه وسلم- أعز الناس نسبًا وأشرفهم مكانة، اظهر الله على يديه من المعجزات ما أبهر العقول، ففلق له القمر فلقتين، وتكلمت الحيوانات بحضرته، وسبح الطعام وتكاثر بين يديه، وسلم عليه الحجر والشجر، وأخبر بالمغيبات، فما زالت تتحقق في حياته وبعد وفاته.
إنهُ محمدًا - صل الله عليه وسلم - الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العدّ، فله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد.
خاطبهم مؤكدًا :- انظروا ماذا ايضًا محمد - صل الله عليه وسلم - أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يفتح له باب الجنة، وهو أول شافع وأول مشفّع وهو سيد ولد آدم أجمعين.
توقف قليلاً ليكمل بهدوء : - محمد صل الله عليه وسلم - الذي زكاه ربه تزكية ما عرفت لأحد غيره من المخلوقين ، فلقد زكى الله عقله فقال {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]،
وزكى لسانه فقال:- { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } (النجم: 3)،
وزكى شرعهُ فقالَ: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]،
وزكى قلبهُ فقالَ: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]،
وزكى بصرهُ فقالَ: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]،
وزكى أصحابهُ فقالَ: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
وزكى أخلاقهُ فقالَ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]،
وزكى دعوتهُ فقالَ: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]..
توقف قليلًا ليكمل بعد برهة:- نعتهُ بالرسالةِ: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾، وناداهُ بالنبوة : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾،
وشرفه بالعبودية فقال : ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾، وشهدَ لهُ بالقيامِ بها فقالَ: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19]
محمدٌ - صل اللهُ عليهِ وسلمَ - الذي لا تحصَى فضائلهُ، ولا تعد مزاياه، فما من صفة كمال إلا واتصف بها، ولا خصلةِ خيرٍ إلا وتحلى بها، جمعَ اللهُ له أجلَّ المقاماتِ، وأسمى المراتبِ، وأكملَ المناقبِ، إذا ذكر العبادُ فهوَ إمامهمْ، وإذا أشيرَ إلى العلماءِ فهوَ معلمهمْ، وإذا أشيدَ الشجعان فهوَ قائدهمْ، وإذا مُدحَ الدعاةُ فهوَ قدوتهمْ،
بلغَ في الدنيا يومَ المعراجِ مبلغًا ما بلغهُ مخلوقٌ غيرهُ، وخصّهُ اللهُ بالمقامِ المحمودِ يومَ القيامةِ الذي تحمدهُ عليهِ كلُّ الخلائقِ، وأعطاهُ الوسيلةَ في الجنةِ، وهيَ منزلةٌ لا تنبغي إلا لهُ.
محمدٌ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - أرسلهُ اللهُ شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنهِ وسراجًا منيرًا، شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ووضعَ عنهُ وزرهَ، ورفعَ لهُ ذكرهُ وأعلى في العالمينَ قدرهُ، ما رآهُ أحدٌ إلا هابهُ، ولا عاشرهُ أحدٌ إلا أحبّهُ حبًّا جمًّا، صاحبُ الوجهِ الوضاءِ، والطهرِ والصفاءِ، دائمُ الابتسامةِ، مليحُ الوجهِ، أكحلُ العينينِ، كالقمرِ ليلةَ البدرِ استنارةً وضِياءً، أشدُّ حياءً منَ العذراءِ.
يقولُ أنسٌ - رضيَ اللهُ عنهُ: «مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«
اكمل بعدما وضع زجاجة الماء فقد ارتشف منها القليل:- كانَ يُعرفُ بريحِ الطيبِ إذا أقبلَ، أحسنُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا، وأتقاهمْ للهِ وأخشاهمْ وأكرمُهمْ، أعظمُ الناسِ تواضعًا، يُخالطُ الفقيرَ والمسكينَ، ويمشي معهمْ، وينطلقُ معَ الجاريةِ الصغيرةِ تأخذُ بيدهِ حيثُ شاءتْ، ولا يتميزُ عنْ أصحابهِ بمظهرٍ، يزورُ كبيرهمْ ويسلّمُ على صبيانهمْ، يأتي ضعفاءهمْ ويعودُ مرضاهمْ، ويشهدُ جنائزهمْ، يجلسُ على الأرضِ ويأكلُ عليها، يعقِلُ الشاةَ ويحلبهَا، يخصفُ نعلهُ ويخيطُ ثوبهُ ويخدمُ أهلهُ يبيتُ اللياليَ طاويًا بلا عشاءٍ، يعصبُ الحجرَ والحجرينِ على بطنهِ منْ شدةِ الجوعِ، يقبلُ الهديةَ ولا يأخذُ الصدقةَ، أشجعُ الناسِ، وأرحمُ الناسِ، وصدقَ اللهُ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وأجملُ منكَ لمْ ترَ قطُّ عين، وأفضلُ منكَ لمْ تلدِ النساءُ
خُلِقتَ مبرّأً منْ كلِّ عيبٍ، كأنّكَ قدْ خُلِقتَ كما تَشاءُ
فَمَا أعظمهُ منْ رجلٍ! وما أجلهُ منْ نبيٍّ! وما أعزَّهُ منْ رسولٍ! صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.
حُقَّ لنا معشرَ المسلمينَ الفخرُ بهذا النبيِّ الكريمِ ومباهاةُ الأممِ بهِ.
جلس سليم على مقعده خلف الطاولة:- عبادَ اللهِ! لنْ يَكْتملَ الإيمانُ الحقيقيُّ في قلوبنا، ولنْ نذوقَ حلاوتهُ، ونُحسُّ بالراحةِ النفسيةِ الحقيقيةِ والطمأنينةِ؛ حتى نحبَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - حبًّا أكثرَ منْ أنفسنا وأهلِينا وأموالنا وكلِّ الدنيا، فعنْ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنهُ - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - قالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[2]
فهذا الحديثُ منْ أوضحِ الأدلةِ على وجوبِ محبةِ الرسولِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -؛ لأنَّ المؤمنَ لا يستحقُّ اسمَ الإيمانِ الكاملِ، ولا يدخلُ في عدادِ الناجينَ؛ حتى يكونَ الرسولُ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - أحبَّ إليهِ منْ والدهِ وولدهِ والناسِ أجمعينَ.
ومنْ لوازمهِ أنْ تكونَ أوامرُ الرسولِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - ونواهيهِ مقدمةً على كلِّ الأوامرِ والنواهي في جميعِ ما جاءَ بهِ منَ المكارمِ والمحاسنِ والفضائلِ، في العسرِ واليسرِ، ووقتِ الضرِّ والشكرِ، وعلى صعوبةِ الأمرِ وسهولتهِ، ومحنتهِ ونعمتهِ، وعلى جوعنا وشبعنا، وبلائنا ورخائنا، ومنشطنا ومكرهنا، وحالِ سعتنا وضيقنا، أوْ حالِ غضبنا ورضانا، أوْ حالِ حزننا وفرحنا، يجبُ أنْ نقدمَ محبةَ الرسولِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - في جميعِ هذهِ المواقفِ.
قاطعه احد الاشخاص متدخلًا :- أحبهُ أصحابهُ - رضيَ اللهُ عنهمْ - حبًّا ما سمعَ التاريخُ بمثلهِ، سئلَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - كيفَ كانَ حبكمْ لرسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - فقالَ: (كانَ واللهِ أحبَّ إلينا منْ أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومنَ الماءِ الباردِ على الظمأ).
اومأ سليم مؤكدًا له بفخر:- احسنت فقد قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمهُ اللهُ -: وأما السببُ في وجوبِ محبتهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتعظيمهِ أكثرَ منْ أيِّ شخصٍ؛ فلأنَّ أعظمَ الخيرِ في الدنيا والآخرة لا يحصلُ لنا إلا على يدِ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإيمانِ بهِ واتباعهِ، وذلكَ أنهُ لا نجاةَ لأحدٍ منْ عذابِ اللهِ، ولا وصولَ لهُ إلى رحمةِ اللهِ إلا بواسطةِ الرسولِ؛ بالإيمانِ بهِ ومحبتهِ وموالاتهِ واتباعهِ.)
وإنَّ منْ مقتضياتِ هذا الحبِّ - أيضًا - أنْ يكثرَ المسلمُ منْ ذكرهِ والصلاةِ والسلامِ عليهِ، وأنْ يتمنى رؤيتهُ، والشوقَ إلى لقائهِ، وسؤالَ اللهِ اللحاقَ بهِ على الإيمانِ، وأنْ يجمعَ بينهُ وبينَ حبيبهِ في مستقرِّ رحمتهِ، وقدْ أخبرَ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - بأنهُ سيوجدُ في هذهِ الأمةِ منْ يودُّ رؤيتهُ بكلِّ ما يملكونَ، فأخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ عنْ أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - قالَ: « مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ »[3]
اكمل باسمًا وقد اعتدل ناهضًا:- بالله عليكم انني اسألكم هل رأت الدنيا قائدًا أعظم وأرحم من محمد (عليه الصلاة والسلام ) ؟ وهل رأت الدنيا زوجًا ألطف من محمد (عليه الصلاة والسلام ) ؟ وهل رأت الدنيا صديقًا أوفى من محمد (عليه الصلاة والسلام ) ؟ وهل رأت الدنيا حاكمًا أعدل من محمد (عليه الصلاة والسلام )؟.
اقترب من القسم الخاص بالرجال متسائلًا:- كيف وقد رآه الناس في الأيام الأخيرة من حياته، وهو يصعدُ المنبرَ ويقول: (من كنتُ جلدتُ لهُ ظهراً فهذا ظهري فليستقدْ منه، ومن كنتُ أخذتُ لهُ مالاً فهذا مالي فليأخذ منهُ).
يقول هذا، وهو الذي مات (عليه الصلاة والسلام ) حتى حطمه الناس، يقول هذا وهو الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .. يقول هذا وهو الزاهد في الدنيا، الذي مات (عليه الصلاة والسلام ) ودرعهُ مرهونة عند يهودي.
وحتى آخر رمق من حياته ، كان بأبي هو وأمي (عليه الصلاة والسلام ) ، رحيماً بأصحابه ، حريصاً على أمته .. فقد كان (عليه الصلاة والسلام ) يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ويعالج شدة آلم الموت وسكرته ، ومع هذا لم ينس أمته ، لم ينس أن يوصيَها بما ينْجيها من عقوبة الله ، فيقول: (الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم) .
اكمل بهدوء وقد سار مبتعدًا عنهم قليلًا:- عباد الله، إنَّ في سيرةَ محمدٍ (عليه الصلاة والسلام ) ، بكلِّ ما فيها من مواقفَ ووقائع ، محلاً للتَّأملِ والتدبر، تأملاً يُحرِكُ القلوبَ، ويستثيرُ الهمم، ويقودُ إلى العملِ، وتدبراً يزيدُ في الإيمانِ، ويزكِّي القلوبَ، ويقُوِّمُ المسيرة، إنه القدوة (عليه الصلاة والسلام )، فقل لي أيها الأخ الشاب، وقل لي أيها الابن الناشئ ، من هو قدوتك في الحياة؟ .
اكمل مستفسرًا:- هل قدوتُك ومثلُك، ومحلُ إعجابِك وتأسيك، هو رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) ؟ أم أن قدوتَك هو الفنان الفلاني، أو المطرب أو الممثل الفلاني، أو اللاعب الكافر الفلاني؟
كيف يليق بالمسلم أن يجعل قدوته من يُسَمُونَ انفسهم نجومًا وهم إلى الثرى أقرب، ثم لا يقتدي ولا يتأسّى بأعظم إنسان، بل هو نجم النجوم (عليه الصلاة والسلام ) وهو القدوة الحسنة والمنبع العذب، الذي تُستقى منهُ معالي الأمور.
بدأ صوته يتخلله الغاضب المستنكر وهو يكمل:- كيف يسوغُ للعاقل أن يرى هذه القدوة الحسنة والشخصية الفذة في شخص محمد (عليه الصلاة والسلام ) ثم لا يحذُو حذوه، ويسيرُ خلفه، ويقتدي بهديه؟ ويكونُ من حملةِ رسالتهِ، وحُماةِ دينهِ؟ .وصدق الله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) .
اغمض عينيه قليلًا ثم فتحهم بتمني:- اللهم إنا نشهد بأننا نحبك ونحب نبيك (عليه الصلاة والسلام )، فاللهم ارزقنا اتباعه والتأسي به، والاقتداء بهديه، الله لا تحرمنا شفاعته يوم العرض عليك، اللهم اجعلنا من زُمرته، واجعلنا من أنصار دينه، الداعين إلى سنته، المتمسكين بشرعه و أسأل الله- سبحانه وتعالى - أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صل الله عليه وسلم - أعظم عندنا من محبة أنفسنا وأهلنا وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وبناتنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صل الله عليه وسلم - طمأنينة قلوبنا، وانشراح صدورنا، وأنْ يجعل محبته عونًا لنا على طاعة الله - عز وجل - وحسن الصلة به إنه - سبحانه وتعالى - ولي ذل والقادر عليه .
زفر سليم بقوة متنهدًا براحة:- وفي مسك الختام اقول: اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، ودمر أعداء دينك أجمعين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، واكفهم شر أنفسهم ومكر أعدائهم وخذلان أصحابهم.
إلهنا لا نهلك وأنت رجاؤنا، فاكتبنا مع عبادك الصالحين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، ولا تخزنا يوم العرض الأكبر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك، يحبون بحبك من أحبك، ويعادون بعداوتك من يعاديك، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
بارك الله لي ولكم القرآن العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
علت القاعة بأكملها بالتصفيق الحار ليتوجه سليم نحو طاولته يجلس عليها ريثما ينتهي الجمع من مغادرة المسجد.
***____****____***
في طريق العودةِ كان اربعتهم في السيارة لتأخذ ريليان نفسًا عميقًا وهي تخاطب سليم فلقد كانت تبكي حتى مما سمعته، لقد طلبت هذا الطلب من ابتهال كانت تريد ان تعرف صفات رسول الله ومن هو رسول الله:- سليم اريد ان اذهب لخالتي ابتهال وليس للبيت من بعد اذنك.
لم يجيبها سليم متجاهلًا نبرة بكائها ليصلوا بعد فترة نحو منزلهم، بعد ان جلسوا نظرت ريليان الى ابتهال مخاطبة:- خالتي هلّا ناديتِ سليم قليلًا من اجلي.
استدعت ابتهال سليم ليخرج من غرفته لتخاطبها بهدوء:- لقد اتى، اسألي سؤالك الذي تريدينه بنيتي.
اغمضت عينيها بهدوء لتزفر الهواء وهي تفتحهم لتخبرهم بابتسامة صادقة تحت نظراتهم المنصدمة والفرحة:- إنني مستعدةٌ للدخول في الاسلام.
««::::::::::::::-:::::::::::::»»
أنت تقرأ
صراعٌ ولكن ( مكتملة)
Ficción Generalالحياةُ صراع ؛؛ صراعٌ مع الزمن، صراعٌ مع الضمير، صراعٌ مع الجاهلين، صراعٌ مع الظروف، صراعٌ مع العادات والتقاليد، صراعٌ مع العقل والقلب مع الأفكار وحتى المشاعر وأشد وأقوى صراع هو الذي تخوضه مع نفسك، فهو يحاول إسقاطك بكل ما أوتيت من قسوة وأنت تحاول ال...