الفصل (27)

418 39 552
                                    

***____****____***

أخبر قلبك بأنه سيفرح قريبًا، وأن الفرج بات على أبوابه، وأن الجرح الذي بداخلك سيبرأ، وأن وجهك الحزين سيشرق، فحتمًا سيجري الإله أمرًا يضمد جرحك، كن متيقنا أن الله سيبكيك فرحًا عن قريب، سيبكيك حتى يروى كل شريان فيك، سيجبرك جبرًا يليق برحمته
لدرجة انك ستقول: والله ما ذقت حزنًا قط!

***____****____***

‏فتحت ريليان عينيها بصدمةٍ فلم تتوقع ان تكونَ ردةَ فعل سليم هذه، فقد جذبها اليه ضامًا اياها نحوه بحنانٍ كبير يحتويها ويحتوي ضعفها وقلة حِيلتها يعلم انها تتألم وانها تحتاجُ اليه كما يحتاجُ الطفل لوالدته فهو لن يكون ضدها او يكون عليها سيغمرها بحبه الذي خصصه لها وحدها دون غيرها من جميع الاناث في هذه الدنيا.

اغمضت عينيها باسمة لتتشبث به بعد عدةِ دقائق وذلك بعدما هدأت ثورة غضبها المتأججة في داخلها مما جعل سليم يبتسم بسعادةٍ وراحةٍ نوعًا ما فهو يحتاج إليها أكثر مما هي تحتاجه، ابتعدت عنه بهدوءٍ مما سبب له بانقلاب ملامح وجهه للضيق بابتعادها عنه، نظرت اليه متنهدة لتسأله باستفسار متوجسة:- سليم هل ما زلتَ غاضبًا مني.

اخذ نفسًا عميقًا ليتوجه نحو السرير وهو يسمك بيدها جالسًا على طرفه بهدوء، نظر اليها لبعض الوقت ليتحدث متنهدًا:- في الحقيقة أجل وبشدة.

توجست ملامحها أكثر من ذي قبل لتسأله بترقب:- هل ما زلتَ تصدقُ انني كنــ...

قاطعها نافيًا برأسه وهو يحركه يمنةً ويسرة:- لا ريليان فأنا أصدقكِ ولا أشكُ بكِ البتة، فليس من المعقول أن تفعلي ذلك وأنتِ التي رفضتيه ولم تقبلي به مسبقًا، لستُ مجنونًا لأغلق عقلي وأركُنه جانبًا ولا أستعمله، لكن ما يغضبني حقًا هو شيئًا آخر.

ركزت في عينيه بتعجبٍ ليكمل ناظرًا لبندقيتيها الاشبه بكوب قهوةٍ صباحية:- ضعف إيمانك، لو انكِ تعلمين فداحة ما تفوهتِ به وما الذي كنتِ تفكرين به لخريتِ ساجده لله تستغفرينه وتطلبي رحمته، ما حدث كان صعبٌ أعلم ولا انكره، لكن لم يكن عليكِ وحدكْ، انه صعبٌ علينا نحن الاثنين بل أنا اكثرُ منكِ فكلما أتذكر أكاد أجن بحق.

تساءلت بضياع وهي تنظر لملامحه المقتضبة:- اذًا لماذا حدثَ ذلك معي لقد اخبرتني يومًا أنني سأعيش بسعادة في هذا الدين وبقرب الله مني.

امسك كفيها الصغيرين ليحتضنهم بين كفيه الكبيرين مجيبًا اياها بهدوء كبير يحتوي ضياعها:- انظري ريليان المؤمن دائمًا في اختبار وامتحان ما دام في هذهِ الدُنيا الفانية والتي بُنيت واُسست على ابتلاء الناس لامتحان صبرهم ومقدار ثباتهم وإيمانهم بربهم، ف الله يبتلي عباده بالخيرِ والشرِ حتى يختبر إيمانهم به ويختبر ثقتهم به ايضًا، فإن تجاوزوا فتراتِ الابتلاء بنجاحٍ رفعت قيمتهم في الدنيا والآخرة وإلا خسروا كل شيء، والإنسان يكون أكثر إيمانًا بصبره على البلاء لا تظني ريليان ان المؤمن يُبتلى بالسوء لا، بل ان الله يختبرُ عباده ويبتليهم بالمصائب تارةً وبالنعم تارةً أخرى وينظرُ من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ايضًا، فإن الله تعالى وعد الصابرين على الابتلاء في محكم كتابه أنه يوفيهم أجرَهم بغير حساب كالماء المنهمر: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، أي بغير حدٍ ولا عدٍ ولا مقدار ايضًا  ، وكما قال الرسول  عليه أفضل صلواتُ ربي : "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْهُ ضراء صبر فكان خيرًا له".

بدأت دموعها النادمة تترقق في محجريها ليواصل سليم حديثه بنبرةٍ أكثر هدوءً:- إنَّ المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد المؤمن، وهي علامةُ حبٍ من الله تعالى له،

توقف قليلًا يريد ان يوصلها لها بصورةٍ مبسطة:- امممم كيف اقولها لكِ؛ أجل وجدتها المصائب هذه كالدواء، حتى وإن كان طعمه مُرًّا إلا أنكِ تقدميهِ على مرارتهُ لمن تحبي أليس كذلك؟!.

اومأت بخفه ليكمل:- ولله المثلُ الأعلى، ففي الحديث الصحيح: ( إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)

رفع يديه نحو وجهها يمسح دموعها التي هبطت باستحياء نادم على وجنتيها ليكمل باسمًا:- إن نزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا وفيه ترفع درجاته وتكّفر عن  سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أرادَ اللهُ بعبده الخيرَ عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشرَ أمسك عنه بذنبـه حتى يوافيه به يوم القيامة )

تحدثت ببكاءٍ وهي تمسح دموعها بساعدها الأيسر بسبب استقرار يد سليم على يدها اليمنى:- وما الذي عليَّ أن أفعله سليم، أنت لا تعلم كيفَ أحترقُ من داخلي إنّ هذا كبيرٌ لا أستطيع تحمله اُقسمُ لك.

أغمض عينيه لا يريد أن يضعف امامها فهو حاميها هو السند والجبل الذي تتكئ عليه، يجب ان يكون مصدر قوتها وشجاعتها ويقينها، فتح عينيه وقد ظهر طيفُ دمعةٍ لمعت بداخلهم:- عليكِ بالصبر والتسليم واحتساب الأجر والرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة و  الاستغفار ريليان، و عليكِ ايضًا التفكير في حكمة الله من وراءِ الابتلاء الذي يأبى أن يدخلكِ الجنة بغير جهاد ولا شيء.

أغمضت عينيها تكتم شهقاتها لفعلها الفادح وتسرعها وضعف إيمانها بالله لتفتحهم عندما استمعت التنهد المثقلة خاصته.

نظر اليها سليم متحدثًا:- هل تعلمين فضل الصبر على المصائب والابتلاء الذي يختبرنا الله به؟! ف من المؤكد انه لن يتركنا نتخبط في ضعفنا دون أجرٍ.

اجابته بصوتٍ شبه مفهوم بسبب كتمانها لشهقاتها:- لو أني اعلم لما فعلتُ ذلك ارجوك سليم اخبرني.

لم يتحمل دموعها أكثر من ذلك خاصةً وهو يشاهد ندمها الحقيقي داخل عينيها ليجذبها نحوه يشعرها ببعض الاطمئنان، أكمل وهو يمسد على شعرها بهدوء شارد بعدما وضع قبلةً اعلاه:- انها تُطهّر الذنوب والخطايا فيلقى المؤمن الله تعالى نقيًّا، أتعلمين أنّ الابتلاء هو بمثابة منحةٌ من الله جل وعلا يمنحُها لعباده لأن فيه الخيرَ الكثير، فإنّ كل ما يقرب إلى الله فهو خيرٌ، وقد نبّه رسول الله صل الله عليه وسلم على ذلك فقال: "من يرد الله به خيرًا، يُصِبْ منه"؛ أما الهم والحزن فهما مما يبتلي بهما الله عبده، كما في الصَّحيحَين عن أبي سعيدٍ: أنَّ رسول الله - صلَّ الله عليه وسلَّم - قال: "ما يُصيب المؤمنَ من وصبٍ ولا نصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا غمٍّ ولا أذًى، حتَّى الشَّوكة يُشاكُها - إلاَّ كفَّر الله بها من خطاياه"، وبه ايضًا يُعرف من خلاله الصالح من السيئ، والمؤمن من ضعيف الإيمان، وكلما ارتفعت منزلة الإنسان عند الله تعالى ازداد ابتلاؤه.

أراح رأسه على فروة شعرها ليكمل متنهدًا:- أتعلمين ايضًا أنّ أنبياء الله تعالى ورُسله هم أشدّ الناس بلاءً؛ إذ بيّنَ رسول الله صلّ الله عليه وسلّم ذلك في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- أنّه قال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ)، كما أنّ الانبياء هم أكثر الناس صبرًا وثباتاً في الابتلاءات، و الوقوف في وجهها، ومعرفةً الحقيقة أنّها نِعمَة من نِعَم الله؛ لأنّها سببٌ لرَفع درجاتهم عند الله تعالى.

ابتعدت عن أحضانه بعدما بللت قميصهُ بدموعها  لتتساءل متعجبة بأنفٍ أحمر أشبه بأرنبٍ ثلجي:- هل الانبياء ايضًا ابتلاهم الله ليختبرهم؟! أليسوا عباده المحببين والمقربين!.

اومأ برأسه مؤكدًا حديثها وهو ينظر اليها بلطف:- أجل صحيح، أتعلمين قصة صَبرُ أيّوب عليه السلام الذي اتّصف به على البلاء جعل منه قدوةً ومثالًا للصابرين لقد زال ملكه وفقد ابناءه وعاش بالمرض عشرون عامًا ولم يتبقى معه سوى زوجته، وليس في ذلك غرابة ريليان،  فالله يبتلى أحب الناس اليه حتى يسمع اصواتهم وهم يطلبونه.

بدت نبرة صوتها متعجبةً اكثر من متسائلة:- هل يعني انني فتاةٌ صالحة سليم اي هل الله يحبني؟ هل سيغفر الله لي ما بدر مني من ضعف.

أومأ لها باسمًا لتنتقل الابتسامة اليها عندما اجابها:- سوف يغفرُ لكِ بإذنه ولكن الا تعودي لتفكيركِ الارعن، هيّا تعالي لنتوضأ ونلجأ اليه.

وضعت يدها في يده الممدودة بعدما اعتدل واقفًا لتشعر بالدوار يلفها مرةً أخرى بسبب اعتدالها السريع، سارع في امساكها ليتساءل بقلق:- ما بكِ ريليان، هل انتِ بخير حقًا انكِ هكذا مذ عدة أيام على هذا الحـــ...

بتر جملته وقد توسعت عينيه بعدم تصديق لتتساءل بخوف:- ما الأمر سليم ما به حالي لا تقل لي أنني متعبة بمرض خطير.

عاودت البكاء لتسأله بضعف عندما قابلت الصمت فقط عينيه المتوسعة:- سليم تكلم لا تُصبني بالقلق أكثــ..

انحنى نحوها يعانقها بسعادة كبيرة تحت وطئت تعجبها ليهمس لها بحب:- يبدو انني سأصبحُ أبًا عما قريب وستكون والدته أجمل أم عرفتها.

ابتعدت عنه بعدم فهم لتسأله بشك:- ماذا تقصد هل سيصبح لك طفل؟!

اكملت بصدمة ودموع في مقلتيها:- هل انت متزوج من اخرى سليم انــــ...

ضربها على رأسها بضيق من تسرعها:- أيتها الحمقاء عن أي زوجةٍ تتحدثين انني أتحدث عنكِ ريليان،  لا انتظري لا تقولي ان هذه هي هرمونات الحمل، بالله عليكِ لا تبدأي بها الآن.

نظرت إلى ضيق ملامحه وتذمره كالأطفال لتسير نحو المرحاض وهي تمسح دموعها  تاركة إياه يتحدث مع نفسه ويبدو انها لم تستوعب حديثه او ربما عرفته يمزح معها.

نظر سليم اليها عندما اغلقت الباب ليضحك بخفة فيبدو انها لم تفهم تلك الحمقاء، حسنًا سوف ينتظرها حتى تخرج فهو لا يريد ان يتسرع بأي شيء الا بعد أن يتأكد.

             ««:::::::::::::-::::::::::::::»»

جلست سارة بعد ان أطلقت تنهيدةً كبيرة مثقلة لتمسك هاتفها الذي كان يصدح قبل قليل، اغلقت كتابها بضجر فقد كانت تدرس كي تلهي نفسها عن موضوع ريليان وسليم لكن لم يفلح ذلك، أرسلت رسالة للطرف الآخر لتتفاجأ بالرنين مرةً اخرى، اجابت بهدوء تخفي توترها وخجلها:- كيف حالُك.

ابتسم هُمام ليضع يده على قلبه بهيام:- لقد اصبحتُ بأفضل حالٍ عندما سمعت صوتكِ.

تساءلت بقلق وهي تخاطبه:- هل أنت مريض هُمام هل بك شيء؟.

ضحك بخفةٌ ليجيبها وهو يلقي بنفسه على السرير:- أجل مريض، مريضٌ  بحبكِ وعشقكِ سارة.

ضغطت على يدها بغضب لتزفر بقوة:- هُمام لا تمزح ك كهذا شيءٌ مرةً اخرى لقد اوقعت قلبي.

ابتسم ببلاهة معتدلًا:- هل تخافين عليّ سارة ؟! .

تنهدت بهدوء لتجيبه بصوت محبٍ:- وما الذي يمنعني من ذلك هُمام، أنت زوجي ومسؤولةٌ عنك كما انني مسؤولةٌ منك إذًا اين المانع في ذلك.

زفر بثقل مجيبًا بتذكر وهو يشعر بالضيق الحقيقي:- سليم انه هو المانع، لا اعلم ما هذه الشروط الصارمة التي وضعها كيف لو انني لم اطلبكِ على سنة الله ورسوله سارة ارجوك تحدثي معه من اجل هذا الشيء فانا لن استطيع الالتزام بها.

اجابته بتوتر وخجل:- هُمام أنت وعدت وعليك الالتزام بهذا الوعد، ثم انه لم نلجأ لهذا الحل لولا والدتك.

اجابها بضيق كبير:- لكن سارة ليس هذا عدلًا، فليضع نفسه في مكاني، أجل هو لا يشعر بذلك لأنه متزوج وزوجته بجانبه أما أنا المسكين اجلس انعي حظي وأبكي على الاطلال واضعًا يدي على وجنتي بحسرةٍ أفكر كيف أقي نفسي من سحركِ ولعنتكِ.

كتمت ضحكتها بصعوبة بالغة لتتساءل بتذكر في محاوله لتغير مجرى الحديث:- صحيح ما الذي كنت تريده مني عندما هاتفتني هل أمل بخير.

أجابها بهدوءٍ وهو يغمض عينيه كي يستجمع نفسه:- اشتقتُ فهاتفت فكما تعلمين الزيارة ممنوعة لدى الجنيرال سليم حسب فهرمانه الصارم.

لم تعد تستطيع إمساك ضحكتها أكثر من ذلك لتنفجر ضاحكة مما دعا هُمام ان يتحدث بسرعة:- سارة أقبّل يديكِ اخفضي صوتكِ، هل اقول لكِ شيء سوف اغلق الآن وأحادثكِ فيما بعد، اهتمي بنفسكِ وأقيمي ليليكِ وتصبحين من أهلي.

وقبل ان يغلق خاطبها متذكرًا غير سامح لها للرد:- صحيح أمل توصل سلامها وقبلاتها لكِ سوف اذهب لأصلي قيام الليل اعتني بنفسك.

نظرت للهاتف الذي اغلق في وجهها لتزفر بضيق من اسلوبه، ما الذي قالته او ما الذي فعلته ليغلق معها، نظرت للساعة التي تشير للثانية بعد منتصف الليل لتنظر للباب بتفكير، هل اصبحت ريليان بخير الان وهل سليم هدأ؟! توجهت لتتوضأ كي تصلي  قيامها هي الاخرى.

            ««:::::::::::::-::::::::::::::»»

اطالت في سجودها وذلك بعد ان ادت صلواتها الفائتة تدعو الله نادمة تستغفره فيما اقترفت من ضعف وابتعاد وسخط، كانت تبكي وصوتها يعلو شيئًا فشيئًا مما جعل قلب سليم يعتصر ألمًا، اغمضت عينيها وهي تدعو الله بصدق وتناجيه بتوسل وما زالت دموعها تنهمر كسيل جاري على صفائح وجهها:- ‏أُحبُكَ يا ربي وإن كُنتُ عاصِيه، وأدعوكَ يا مَن لا تَردّ دُعاءً بأن تَغفر اللَّهم ذنبيَ كلّه وتُحييَ بالرَّحمات منكَ فؤادي، اللهم إني ظلمت نفسي ظُلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

تعالت شهقاتها وهي تكمل بتوسل ورجاء يصاحبهم ندم:- أتوسّل إليك يا الله أن تُسامحني علي هذا اليوم الذي مرّ عليّ ولم أُصلِّ فيه لك، علي كُل ما أخطأتُ فيه  ولم أستغفرّك، علي كُل شيء فعلتُه وأغضبتك، أنا أسفه ونادمة على ما أصبحت عليه، يا الله أنتَ ترى ما بِداخلّي مِن شروخ قلبي وانطفاء روحي ف أجبر كُسوري وأضئ عتمتي واجعل لي فيمّا أُحب نَصيّب يا اللّه اللهم خفف عني وعن زوجي ما مررنا به من ابتلاءٍ واختبار أنت أعلم بنا وبحالنا ربي رجوتُك برحمتك ان تجبر قلوبنا، اللهم اهديه واهدني واعطيه حتى يرضى، اللهُم إني مقصرة و أنت الكريم و مذنبة ونت الحليم، وفقيرةٌ وانت الغني عني، اللهُم تجاوز عني  بعفوك ومغفرتك يا أكرم الأكرمين.

اغمض عينيها وما زالت تبكي بقوة:-اللهم أصلح قلبي، اللهم أصلح سريرتي، اللهم أصلح ديني، اللهم أصلح عملي، اللهم أصلح آخرتي، اللهم اني اسألك الهداية والاستقامة اللهم اهدنا، واهدي بنا وبسر الهدى لنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى، اللهم غيّرني لما تريد أنت، واختر لي ما تشاء أنت، واجعل قلبي متعلقًا بك وحدك أنت، وبدل ما تراه عيني جميلًا بما تراه أنت، واجعلني أرى كل شيء من خلالك أنت، اللهم إني سلمتك أمري ونفسي في الدنيا فاجعل دنياي كما تحب أنت وآخرتي برحمتك أنت، فما لي سواك أنت يا الله"

رفعت رأسها بعد ان انتهت من دعاءها لتقرأ التشهد لتختمه بالتسليم .

نظر اليها سليم الذي كان قد انتهى قبل قليل ليتقدم منها ماسحًا دموعها بأصابع يده التي ما زالت تسيل فلقد علم صدق توبتها ورجوعها الى الله، امسك يديها متحدثًا بلطف ومحبة:- سوف اقول دعاءً الان وكرريه خلفي وعليك ان تقولي  اللهم إني أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك بدلًا من ابن عبدك اتفقنا.

اومأت له برأسها وهي تتمسك بيده تستمد منه القوة ليبدأ سليم بالدعاء ناظرًا لعيونها التي تودي به لعالم آخر، صحيح انهم عيونٌ عادية لكن بهم سحرٌ خاص يحبهم:- اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلحْ لي شأني كله، لا إله إلا أنت اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، اسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

ما ان انتهى من دعائه حتى صدح آذان الفجر يعلن عن بداية يوم جديد وبداية لأمل لا يغيب ويقين أكبر برب رحيم، رددا خلف الآذان معًا ليخاطبها متسائلًا:- هل أنتِ أفضل الان ريليان، هل ارتحتِ ام ما زلتِ تشعرين بقلة الحيلة.

ابتسمت في وجهه بصدق مجيبة:- إنني أفضل والحمد لله واتمنى ان يفغر الله لي زلتي.

ربت على كتفها بهدوء:- سيكون كل شيءٍ بخير لا تقنطي من رحمة الله إنه واسع المغفرة، هيّا انهضي لنصلي الفجر لأذهب للمسجد فقد تخلفت عنه كثيرًا ويبدو أن قاسم سيوبخني

تساءلت بتعجب:- قاسم؟! من هذا.

اجابها بضيق وغيرة بعض الشيء:- إنه صديقي ولا تلفظي اسمه ريليان ولا اي اسم رجل آخر اتفقنا.

اومأت له بهدوء مستغربة ضيقه لكنها لن تجادله هذه المرة، اعتدلت على اطرافها لتخاطبه مفكرة:- لماذا لا نصلي جماعة مع امي وسارة! .

ابتسم لها بعشق ليقبل جبينها :- بارك الله فيكِ حبيبتي، كما تشائين.

ابتسمت بخجل توردّت وجنتيها وقد لاحظه سليم لتخاطبه متحدثة بحب:- لقد دعوتُ لك ان يهديك المولى ويعطيك حتى ترضى .

وكم اسعده ذلك حين تفوهت بهذا الشيء وتدعو له  وما علِمَت بأنّ دُعاءها مطرٌ على قلبه وأنَّ دعاءها يسقي جفافَ مسافته والبَيْن، لقد عجز عن الرد حتمًا انحنى ليعانقها فهذا اقل شيء يفعله لها حاليًا ليبتعد عنها وهو يمسك بيديها متوجهين نحو الاسفل.

             ««:::::::::::::-::::::::::::::»»

استيقظت ريم في الصباح وهي تشعر بانقباض في قلبها تشعر أن هناك أمر سيء قد حدث لكن لا تعلم سببه، لم تبالي لإحساسها هذا لتقوم بأداء
صلاة الفجر التي فاتتها بسبب نومها المتأخر وهي تنتظر إبراهيم وسما حتى يعودا.

خرجت من غرفتها لتجد حذاء إبراهيم فقط ولم تجد حذاء سما بجانبه مما جعلها تبتلع ريقها بتوجس وهي تدعو الله بأن يكون ما تفكر به ليس صحيحًا.

دلفت إلى المطبخ كي تتمكن من إعداد وجبة الافطار لأطفالها وفي تلك الأثناء سمعت صوت باب غرفة إبراهيم يفتح لتجده يتقدم نحوها ابتسمت له ريم بهدوء وترقب:- صباح الخير لك متى وصلتم هل  بالأمس؟ لم اشعر بكم.

ابتسم لها ابراهيم ولا تعلم لما استشعرت اجابته قبل ان يتفوه بها:- جئتُ الثالثة صباحًا ،لكني جئت بمفردي
لقد تركت سما عند أهلها و ألقيت عليها يمين الطلاق.

نظرت له مطولًا وقد ألجمتها الصدمة صحيح أنها  كانت متوقعة هذا الرد منه خاصة عندما لم تجد حذاء سما وشعورها بدابة استيقاظها ولكن عندما سمعته انتابتها رجفة لا تعلم تفسيرها وأخيرًا وجدت صوتها يخرج لتخاطبه بعد ان استجمعت نفسها:- ما هذا الهراء إبراهيم وماذا حدث لترمي عليها اليمن، لا بد أنك تمزح!.

نفى برأسه ليقوم بسرد ما حدث بالأمس لتسارع ريم بالسؤال بتعجب:- ووالدتها كيف تقبلت ما حدث؟.

أجابها ببساطة تامة:- لقد تجمع الجيران واخوتها وهبطت والدتها رغم مرضها وتمسكت بذراعي كي أصعد للأعلى مرةً اخرى وقام أخيها أيضًا بتقبيل رأسي كي اصعد للمنزل لم اشأ بالبداية لكن عندما  نظرت لوالدتها وجدتُ رأسها لا يغطيه سوى قميص قطني فصعدت معهم للأعلى وقصيت عليهم ما حدث بيننا  فقالت لي والدتها ما الذي يرضيك ابراهيم وأنا سوف افعله لك ف أنا لا أريد خسارتك.

رفعت ريم حاجبها باستغرابٍ من موقف والدة سما:- وما هو ردك اذًا.

اخفض كوب الماء على الطاولة ليجيبها:- اجبتها انّ ما يرضيني قد فعلته بالفعل فلقد ضربتها وهي من أتت إليكم بالفضيحة أمام الجيران وأن ابنتكم هي من فعلت ذلك وأنا سوف اعود بيتي الان بدونها ف انا لم اعد أطيق النظر في وجهها.

نظرت بصدمة من كلماته التي يتفوه بها هل حقًا قال ذلك تعلم انه لا يهمه احد وانه كبير نفسه، تساءلت بفضول:- وما هو ردها او رد اخوتها؟.

توجه نحو الخارج ليجلس على الاريكة فتبعته ريم بفضول ليجيبها وهو يضع قدًما فوق الاخرى:- ما الذي يمكنه ان تقوله ريم فالقرار لي، لقد قالت حسنًا إبراهيم سوف أترُكُك لتهدأ وأنا سوف احضرها لعندك في الغد وبعد ذلك خرجت من بيتهم للأسفل وقد رافقني اخيها بعد ان اصر على أن يوصلني فقال لي أنا لا اريد خسارتك ابراهيم غبي يظن انني سأفسد علاقتي به اخبرته أنّ علاقتي به ليس لها علاقة بسما البتة.

احنت ريم زوايا فمها بتعجب:- وماذا بعد.

رفع كتفيه للأعلى ثم اخفضهم للأسفل بخفة:- ولا قبل، تركته وأتيت الى هنا وجاءتني منهم اتصالات عديدة من اختها واخيها ووالدتها أيضا منذ الصباح لأن اتراجع عن قراري لكني لن افعل.

صدمت ريم كثيرًا ومن حديثه هذا ولم تعد تستطيع التفكير ففي بداية زواج إبراهيم بسما أرادت وبشدة هذا الطلاق ولكن الان أصبحت سما كأختها يعرفون كل شيء عن بعضهم البعض، هزت رأسها مستنكرة اقواله فهي غير متوقعة ف بالتأكيد اختلق معظم الحديث، اعتدلت من جانبه تكمل الافطار عندما استيقظ اطفالها وهي تدعو الله ان يحدث ما هو اصلح لها ولأولادها.

          ««:::::::::::::-::::::::::::::»»

بعد مرور يومين كانت جوليا تجلس في ردهة المنزل فنظرت الى رلين التي كانت تستعد للخروج لتسألها بشك:- إلى اين ايها الطير.

عدلت رلين خصلات شعرها وهي تجيبها بهدوء:- مع آليس سوف نذهب لأمبر فكما تعلمين لا يوجد له ملامح كما اخبرنا ديفيد، ولقد طلبني.

زفرت جوليا بضيق منها:- أتعلمين كنت اتمنى ان يكون والدكِ يعلم اليوم السابق لكنه وبخنا بسبب تأخرنا عن ستيف كي نبارك له زواجه.

دبت بقدميها الارض بغضب:- أميي، لماذا تريدين ان يوبخني والدي هل من اجلها، انها لا تستحق منا ان نفكر بها حتى ولا تذكري اسمها امامي مجددًا والا اقسم بالرب ان اصنع بها ما لا تتوقعينه.

نظرت اليها بتهكم لتخاطبها وهي تنظر الى مايا:- اذهبي رلين ولكن اعلمي ان علم والدكِ بانكِ سبب في اذيتها او ما حدث لأمبر لن يرحمكِ ابدًا كوني بعلم بذلك.

قلبت عينيها للداخل بضيق لتتوجه نحو الخارج لتجد آليس تنتظرها، توجهتا نحو السيارة الخاصة برلين لينطلق السائق بهم نحو المشفى.

نظرت مايا لجوليا لتتحدث بشك متردد:- امي هل رلين فعلت ذلك بريليان حقًا.

تنهدت جوليا بقلة حيلة مجيبه اياها بحزن:- لا اعلم كيف تحولت لشيطان مايا، فلقد كانت طيبة وحنونة عكس هذه الايام، انّ ابتعاد ريليان عنها غيرها كثيرًا، يبدو انني سأفعل شيء لا يخطر على بال أحد كي أعيد المياه لمجراها، لكن اياكِ مايا ان يعلم والدكِ بما فعلته رلين فما زلت طائشة وتتصرف بغير هوادة اتفقنا.

اومأت لها بخفة ليقاطعهم صوت جرير متسائلًا:- ما الذي ينبغي عليّ عدم معرفته جوليا، اخبريني.

ابتلعت ريقها بتوتر لتجيبه باسمة:- لا شيء جرير، هل تريد تناول افطارك.

خاطبها ضاغطًا على اسنانه بقوة:- اخبريني جوليا ولا تكذبي ما الذي تتهامسون وتتلمزون به؟!.

ابتلعت جوليا ريقها بخوف فقد اقترب مصير رلين  لتجيبه بتوتر:- كل ما في الامر هو انــ

قاطعها بضيق:- اعلم ان الامر يتعلق برلين، اخبريني دون مقدمات.

            ««:::::::::::::-::::::::::::::»»

خرج سليم من مدخل العيادة النسائية لينظر نحو ريليان بحب كبير، لقد اخبر ابتهال بالأعراض التي تراود ريليان لتجيبه بسعادة انّ هذه اعراض حمل وعليهم التأكد من ذلك، وها قد تحقق شكه وتفكيره نظر اليها ليجد علامات وجهها لا تدل على اي شيء وكأنها كم تلقى صدمة او غير مصدقة ما يحدث ليسألها بعد ان جلس خلف المقود:- ما بكِ ريليان؟! الستِ سعيدة بذلك!

نظرت اليه بدموع وبصوتٍ هامس:- هل انا كذلك حقًا سليم، هل احمل الان طفلًا بداخلي.

اومأ لها بسعادة كبيرة ليمسك بيدها بحب:- هل تتذكري قبل يومين عندما اخبرتك انني سأصبح أب لتقولي لي هل انت متزوجٌ من اخرى، هل علمتِ ممن سأصبح ابًا.

ضحكت لسذاجتها فقد نسيت هذا الامر فطوال اليومين هو وابتهال يحاولون إقناعها بالذهاب الى العيادة النسائية للاطمئنان والفحص وهي تعاند لكنها جاءت في النهاية والحمد لله انه رزقها بطفل من سليم واخيرًا، صرخت بسعادة وهي تحتضنه ويبدو انها بدأت تستوعب الامر الان لتخاطبه وهي تبتعد عنه:- هل انت سعيد حقًا سليم، ام ان هذه مشاعر عادية.

ضرب مقدمة رأسها بضيق:- لا اعلم كيف تفكرين ريليان وكيف لي ألا افرح أيتها الذكية، هل يوجد رجل لا يحب ان يصبح أب وخاصة من زوجته التي يحبها.

نظرت اليه بتردد تسأله بتوجس:- وهل تحبني حقًا سليم.

اخذ نفسًا عميقًا ليجبها بعدما زفره:- لا أعلم كيف دخلتِ قلبي ولا أعلم كيف جعلتني أتعلق بكِ و لا أعلم كيف عشقتكِ و لا أعلم كيف ومتى ولماذا؟
فكل ما أعرفه إنه  لو كان لي الف قلبٍ فسأحبكِ وحدكِ ألف مرة.

‏ تساءلت بسعادة كبيرة لكنها متوجسة بعض الشيء:- اي انك لم تجبر نفسك على ان تحبني ولم تكرهني من قبل أليس كذلك.

نفى برأسه مجيبًا:- لا لم اجبر قلبي على اعتناق روحكِ فالحب مثل الدِّين لا اكراه فيه.

بدأت دموعها بالتسابق على وجنتيها ليخاطبها ببعض الضيق:- لماذا البكاء الان ريليان امسحي دموعكِ هل كل شيء لديكِ بدموع.

تقدمت منه بتردد لتضع قبله على وجنته الجمته لتبتعد متحدثة:- هذه دموع السعادة سليم، وهيّا بنا  لنفرح امي ابتهال بهذا الخبر.

استجمع نفسه على المضي بالسيارة وهو يجبر نفسه على عدم النظر اليها، كان الطريق هادئًا بعض الشيء لينظر سليم امامه بعقدة حاجب متحدثًا:- يبدو ان هناك حريقًا في المنطقة .

التفت نحو مكان اصبعه لتجيبه بحزن:- كان الله بعونهم وخفف عنهم ونجاهم من الحريق والحزن.

استمع سليم الى صوت سيارات الاسعاف القادمة وسيارات الاطفاء ليوقفه احد المواطنين:- لا يمكنك الخروج اخي فقد اغلقوا المربع كاملًا بسبب اندلاع حريق في احدى المخابز ولم نعد نستطيع ان نسيطر عليه يمكنك الانتظار حتى تخمد النيران.

نظر سليم الى النيران المتأججة ليتنهد مترجلًا من سيارته، اوقفته ريليان بتساؤل:- الى اين انت ذاهب.

اجابها بابتسامة يطمئنها:- سأذهب وارى الامر لن اتأخر، لا تخرجي من السيارة اتقفنا.

اومأت له بتردد وهي تشعر بانقباض في قلبها لا تعلم مصدره ليختفي سليم مع الرجل من امام ناظريها، انتظرت كثيرًا وقد قاربت الساعة على تمام السابعة مساءً لقد انتظرت ساعة كاملة داخل السيارة، لقد بدأ الخوف ينهش قلبها وهي تشاهد تأجج النيران بصورة كبيرة واصوات الناس التي تصرخ والنساء التي تبكي بلوعةٍ واصوات الاطفال الخائفة ترجلت بتردد كبير متوجهة نحو الطريق الذي سلكه سليم تبحث عنه بين الحشد الكبير وهي تدعو الله بان يكون بخير وان تخالفها مشاعرها.

وما إن خطت بقدميها المكان حتى استمعت لصوت انفجارٍ ضخمٍ أدى إلى اشتعال المنطقة بأكملها بالنيران الحارقة والتي بدأت بالتهام الاخضر واليابس مما جعلها تتيبس في مكانها واضعة يدها على معدتها من سرعة دقات قلبها التي تخبرها ان هناك شيء حدث لسليم.

صراعٌ ولكن ( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن