الفصل1

1K 26 3
                                    

1

في يوم مشمس من أيام شهر أغسطس كانت مدينة الرباط المكتظة تعج بمختلف الأصوات, أناس غاضبون بسبب زحمة الطريق, شجار جذب حشدا من الناس الفضوليين وبائعون أفريقيون يبيعون السجائر وما الى ذلك للمارة , في وسط ذلك الصخب شقت سيارة سوداء سريعة طريقها لتقف أمام الشركة,

-تنهدت امرأة عجوز وهي تخرج من سيارتها الفاخرة بعد أن أوصت من سائقها الشاب أن يركنها ,عدلت فستانها الأبيض وقد كان شعرها المصبوغ لإخفاء آثار الشيب مرفوعا للخلف بدقة, زمت على شفتيها المجعدتين وقد كانت تضع أحمر شفاه فاقع كأنما تنكر تقدمها في السن, تحركت بشكل مستقيم بحذائها ذو الكعب القصير ,فرغم أنها تحارب حقيقة عمرها الى أنها لا تستطيع المجازفة بارتداء كعب عال, مشت في بهو الشركة حيث كان الموظفون يتهامسون لتحيتها وهي مرفوعة الرأس لا ترد عليهم الا بالإيماء وأحيانا التجاهل ,لم يكن وجهها يدل على اللطف فلقد كانت تبدو قاسية, نعم لقد كانت من ذلك النوع من النساء, امرأة قاسية غير متفهمة لا تتقبل الخسارة.

تبعها أحد الموظفين وقد كان شابا قصير أنيق ذو شعر أسود ونظارات مستديرة, مع ملامح غير ثابتة, ملامح قلقة كأنما شاهد الموت.

"مرحبا بعودتك, يا سيدة الخطابي"

"هل ناصر في مكتبه؟"

"لا يا سيدتي انه في اجتماع مع المصممين"

قال: سينتهي الاجتماع بعد دقائق.

"من الأحسن أن ينتهي فلقد جئت من المطار مباشرة ولا أريد أن يظعن تعبي سدا دون أن ألاقيه"

-دخلت السيدة الخطابي لمكتب ضخم مصبوغ بالأبيض قليل الزينة فزينته تكمن في أشعة الشمس الذي تضرب من ذلك الحائط الزجاجي الذي أمامه المكتب مباشرة. وقفت السيدة الخطابي أمام المكتب الخشبي المصبوغ بالأسود لتلف عينيها دون أن تقول أي كلمة فتعبيرها كان يوحي بعدم الرضى عن شيء معين لم يستطع الموظف فهمه. لطالما كانت عابسة لكن اليوم كان عبوسها أشد رعبا. مررت يدها على المكتب في حركة خفيفة ثم حكت أصابعها بانزعاج: الخدم الرجال سيئون جدا في التنظيف.

دخل شاب طويل القامة متوسط البنية في مطلع الثلاثين من عمره, كان يرتدي بدلة سوداء مع ربطة عنق رمادية تماشت مع لون عينيه الفاتح, كان ذو شعر بلاتيني وذقن كثيف الشعر مع ملامح حادة. التفتت المرأة العجوز نحوه بحاجبيها المعقودين, تجاوزها ليجلس الى مكتبه

"bonjour "

رفع رأسه للسيدة وكانت ملامحه ثابتة دون أي رد لتحيتها

"مرحبا يا خديجة أرى أنك عدت من مارسيل بسلام"

شزرت المرأة للموظف الذي غادر في الحال وقد أخدت راحتها للحديث ثم جلست على الكرسي دون حاجة للتقيد بحركات أنيقة : ألا تكن الاحترام لأمك وتناديها باسمها الأول؟

ورود سوداءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن