5

230 14 0
                                    


الفصل الخامس
..................
لم اتمنى البكاء يوما ولكن هم الزمان ابكاني تمـنيت ان اعـيش كمـا تريد نفسي ولكن نفسي عاشت كما يريد زماني
....................
دلفت تبارك إلى غرفتها وهناك أطلقت العنان لدموعها الحبيسة ... شعورها بالإحباط والحرمان يتفاقم ... لقد خلق الله داخل كل أنثى فطرة تميل للأنس والتوق للالتقاء بشريك حياتها أسوة ببنات جنسها ... لكن هل ذنبها أن يرزقها الله برجل نذل وجبان !! بانت نواياه الطامعة خلال فترة الخِطبة !!
ثم هي لم تشعر نحوه بأية مشاعر رغم محاولتها لأكثر من مرة التغاضي عن عيوبه !!!
تعرف جيدا أنها في الفترة الأخيرة أصبحت انطوائية تميل الى العزلة لكن ذلك كله بسببهم ... بسبب المجتمع المتخلف الذي لا ينفك يتدخل بكل صغيرة وكبيرة ...فما ان تذهب لمناسبة اجتماعية حتى يبدؤون بسؤالها دون خجل او تسمعهم يتهامسون بينهم .. لماذا لم تتزوج الى الان ؟! ماذا فعلت ليتركها خطيبها !
نسجو الأقاويل ورمو سبب فسخ الخطبة على عاتقها هي ... دون حتى ان يسألوا سببه او الظروف التي أحاطت به !!
لقد تسرعت منذ البداية بقبولها .. وكل ذلك لكي تهرب من لقب العانس .. وماذا كانت النتيجة !!
رغم كل ذلك البؤس هي راضية وقانعة بحياتها ... تشبع فطرة الأمومة داخلها من خلال اعتنائها وحنانها الذي تغدقه على الفتيات والأطفال في ملجئ الأيتام ... فهي تذهب هناك كلما سنحت لها الفرصة .... نشأ نوع من الألفة والصداقة بينهن .... كلهن ألان بتن يحببنها ويفضون إليها ما يجول بخاطرهم وما يقلقهن من مشاكل عامة وشخصية .. وهذا يسعدها جدا ... وهي مكتفيه بهذا القدر .. فقط فليتركوها وشأنها !!
لماذا يعتقدون ان الزواج شيء مهم ويجب عليها فعله ؟! هل سعادتها ستكتمل بالزواج وإنجاب الأولاد !إذا كان كذلك لماذا والدتها كانت بائسة وحزينة طوال الوقت ! لماذا كانت تسمع بكائها وأنينها في الخفاء ظنا منها ان لا احد منتبه إليها !
والدها ورغم انه كان حنونا معهم بعض الشيء ألانه كان عصبي المزاج جدا خاصة مع والدتهم وهذا الأمر لم يخفى على احد منهم !!
رغم ذلك هي لا تنكر بأنها أرادت وحلمت بزوج محب عاشق يدللها ويمنحها حب من نوع اخر مختلف عن حب والدها وأخويها ... فهي لم تجرب تلك المشاعر حتى مع خطيبها السابق ... ربما ... ربما ... ما شعرت به وقتها كانت مشاعر أعجاب او ربما مشاعر مقيدة مجبرة لأنها كانت في التاسع والعشرين وهو عمر خطر فهي كانت تتأرجح على أعتاب العنوسة لذلك أرادت وبشدة ان تتخلص من ذلك اللقب الذي باغتها على حين غرة فهي كانت منشغلة بدراستها الجامعية وبعدها انشغلت بوظيفتها في المصرف !!!
داهمتها السنوات وغافلتها الأيام وهي ترفض الخاطب تل والأخر بسبب او دونه ... فجأة انتهى كل شيء فلم يعد احد يرغب بفتاة باتت على أعتاب الثلاثين !!
إلى ان أتى هو وجدت به او تغاضت عن عيوبه بإرادتها ووجدت به الشخص الذي ظنت بأنه مناسب ... وافقت على الخطبة ... لتبدأ بعدها سلسلة من المشاكل التي لا حصر لها طلبات تعجيزية كان يطلبه منها وكأنه يلوي ذراعها ويتحداها ان ترفض .... فمثلا مرة من المرات اقترح عليها لا بل أمرها بأن يأخذ راتبها كله ويعطيها مصرف شهري ضئيل بحجة حرصه على مدخرتها !! ومرة اخبرها بأنه بعد ان يتم الزواج ستقلل من زيارة عائلتها وتقلل من مشترياتها الخاصة كشراء الملابس ومستحضرات التجميل والعطور وغير ذلك والذي يقول عنه حسب رأيه بأنها كماليات لا ضرورة لها !!!!
إلى أن فاض بها ... لم تستطع أن تحني رأسها له مره بعد مرة .... ليس هكذا حتى لو كانت الحياة الزوجية تطالب ببعض التنازلات لكن ليس لتلك الدرجة المهينة ... هذا وهما لايزالان في طور الخطبة وهو يتصرف بهذا الشكل كيف عندما يتم الزواج فعلا ؟!!!
عندها توجهت لأخيها وسندها الذي لم يخذلها يومها لتطالبه بتحريرها منه وعدها ووفى بوعده ....
عندما خلعت خاتمة من أصبعها أيقنت لا بل تأكدت ان العنوسة لا تتوقف على نظرة المجتمع لها ولا على عدد سنوات عمرها بل تتوقف على نظرتها هي لنفسها .... فمادامت تشعر بالرضا والاكتفاء لن يهمها كلام الناس ابدا ابدا ...
لكن رغم ثقتها وقوتها التي تبديها أمامهم ورغم نضج تفكيرها ورغم وجود عائلتها ودعمهم لها ... الا ان هناك أوقات قليلة تشعر فيها بالضعف والإنهاك ... تشعر بأنها طفلة صغيرة بحاجة إلى الاهتمام والرعاية ... بحاجة إلى من يربت على كتفها ويطمئنها بأن المستقبل المجهول سيكون بخير .... خاصة عندما تستمع لكلام مسموم وحاقد مثل الذي سمعته من سلمى !!!
.... طرقات خافته على الباب أخرجها من بحر ذكرياتها التي تعد أسوء ذكريات بتاريخ حياتها قالت بصوت مهتز
- ت .. تفضل
فتحت غسق الباب وأطلت برأسها قائله بمزاح
- أأدخل ام أعود أدرجي خائبة !
ابتسمت وهي تمسح وجنتيها من الدموع العالقة به
- تعالي عزيزتي
دخلت وأغلقت الباب خلفها بهدوء ثم تقدمت لتجلس جانبها قائلة بعتب
- لم يكن عليك ان تمنحيها الفرصة لإزعاجك !
رفعت تبارك نظاراتها الدامعة باستنكار وقبل ان تتكلم سبقتها غسق تكمل
- اعلم انك ترينها مخطئة وتصرفت بوقاحة بل فعلا تصرفها كان وقحاً لكنها ومما بدى لي تحاول اغاضتك وإزعاجك ... فلماذا تعطيها الفرصة .... تجاهليها فقط وادعي عدم سماعك او أجيبيها ببرود .
بضحكة مهتزة ومختنقة همست وهي تبعد عينيها عن وجه غسق الناعم
- تتكلمين بكلام اكبر من سنوات عمرك يا فتاة
عبست غسق تدعي الغضب لتجيبها بطبيعتها الطفولية التي تغلبها أحيانا كثيرة
- اشعر انك تسخرين مني تبارك ؟! ثم من قال لك ان الحكمة ورجاحة العقل تقاس بالعمر!
لتكمل بجدية وهي تركز على عيون تبارك البندقية الغارقة ببحيرة من الدموع والحيرة
- صدقيني تبارك انا افهم ما تريدين قوله ومعك حق لكن ...
وقفت تبارك بسرعة واتجهت الى النافذة وهي تهتف بوجع كانت تكبته داخلها منذ سنوات
- يكفي غسق ... يكفي أنت تحاولين التخفيف عني وأنا شاكره لك ..
همست بخفوت وكأنها تهمس لنفسها
- هل تعلمين بأني كنت مخطوبة ثم فسخت الخطبة !!
لم تفاجأ غسق بما قالته بل كانت موقنة ان هناك سرا خلف صمتها وانطوائها ... أكملت تبارك بنبره اخف وهي تريح جبينها على الزجاج
- انا ... انا... اعرف ان سلمى ترمي الكلام الذي يخشى اغلبهم قوله أمامي ... لكنهم لا يفهمون .. لا يفهمون ان الزواج ليس مجرد عقد بين اثنين وكفى ... كلا ...
استدارت لتتقدم من غسق وتجلس جانبها من جديد
- صدقيني غسق الزواج هي حياة كاملة ستعيشينها بحلوها ومرها مع شريك حياتك ... ويجب أن تختاريه بتأني ودون استعجال وإلا .... وإلا ... العواقب ستكون وخيمة .. انا لو كنت وجدت الحب الحقيقي في حياتي السابقة لم أكن لأتركه أبدا .. لكن للأسف خالد كان بخيلا ... جشعاً .... مستغلا ... لم يكن يستحق حتى نظرة مني ... الحمدلله الذي خلصني منه ونحن لازلنا على البر
نظرت لملامح غسق الجميلة وهي تقول بهمس خافت
- أنت لازلتي صغيرة ولم يطرق الحب باب قلبك بعد .. عندما تشعرين بتلك المشاعر ستعرفين ما اقصده من كلامي تماما ..
........
................
في طريق العودة لاحظت سلمى ملامح زهير المتجهمة ... طوال الوقت كان صامتاً لا ينطق بحرف ... حتى والدته وجميع أفراد عائلته كانوا متشنجين يتكلمون معها بتكلف...ماذا فعلت ليعاملوها هكذا !عائلة متخلفة وبغيضة ! أجلت حنجرتها ثم قالت بلطف
- لطيفة جدا ابنة عمتك !
لم يعرها انتباها ظل يحدق أمامه بجمود لتكمل بنعومة
- لقد استمتعت جدا برفقة عائلتك اليوم !!
ايضا لم تجد ردا ... تنهدت بملل وهي غير مستوعبه سبب عبوسة لتقول مباشرة
- مابك زهير لماذا أنت متجهم وصامت !!
ألقى نظرة خاطفة ناحيتها ثم نظر أمامه قائلا بلهجة ساخرة
- أحقاً لا تعرفين ؟!!!
جابته ببراءة وهي تهز كتفها بلا مبالاة
- ومن أين لي ان اعرف ؟!!
قطب قائلا بحدة
- لا تظني أني لم انتبه لكلامك المبطن الذي وجهتيه لتبارك !!
هتفت باستنكار وهي تضع يدها على صدرها
- اناااااا !! متى حصل ذلك !!!
أجابها بسخرية
- جميل جدا دور البراءة التي تلعبيه !!
أجابت وهي تدعي الحزن وتجاهد لتجمع الدموع بعينيها
- صدقني لم أتعمد جرحها بالعكس انا أتمنى لها الخير من كل قلبي .. لا اعرف لما لا تصدقني !!
ثم نظرت الى النافذة وأكملت وهي تدعي البكاء
- لكن لما الاستغراب فهذا هو حظي معكم دائما تفهمون اهتمامي وحبي لكم بشكل خاطئ ... وتفسروه حسب مزاجكم !
تنهد زهير بعمق ثم استغفر ربه بصوت منخفض قبل ان يقول
- حسنا سلمى سأصدقك هذه المرة بمزاجي .. لكن اقسم لو سمعتك تكلمين شقيقتي بذلك الموضوع من قريب او بعيد سيكون لي تصرف أخر لن يعجبك ابدا !!!
أجابت وهي تكفكف دموعاً وهمية
- مع إني لم افعل شيئاً سيئاً ... لكن لا بأس أعدك إني لن أتدخل بأمورها الشخصية أبدا .
هز رأسه قائلا بجدية
- هذا أفضل للجميع
هتفت بحماس وقد عاد لها مزاجها المرح
- وألان قل لي متى سنذهب لشراء الأثاث ... تذكر لم يتبقى على زفافنا الا أسابيع قليلة !!!
أجابها بهدوء بينما داخله لا يشعر بالسعادة لأقترب ذلك اليوم الذي من المفترض ان يكون متشوق إليه .... شعوره كان عاديا جدا لا هو سعيد ولا حزين
- لم يتبقى الا بضع أشياء بسيطة ويكتمل الجناح المخصص لأجلنا ... لا تقلقي كل شيء يتم على أكمل وجه !
أكملت باقي الطريق وهي تتحدث بانطلاق عن زفافهم غافله عن ملامح زهير الباردة والمتجهمة وكأن ما يسمعه لا يخصه ابدا !!!
....................
.........................
لندن في الحفلة
......
تقدمت ناحيته وهي تبتسم بنعومة لتقف قربه هامسة بأسف
- الحفلة جميلة جدا من المؤسف ان رضاب لم تأتي معنا !
اجبها بشرود وهو يركز على ملامحها الجذابة والتي بالفعل ينتبه لها لأول مرة
- هذه هي رضاب دائما تحبط كل خططي وتفشلها ... ابنتك لاتزل بعقليه طفولية سناء ... تحتاج الى من يرشدها وينصحها !
اومأت قائلة بلطف
- انا ابذل جهدي معها صدقني .... ثم هي لازالت صغيرة ... غدا ستصبح أما وتعرف معنى المسؤولية لا تقلق !
أطفأت الأنوار لتبدأ الفرقة الموسيقية بالعزف ... بدأ المدعوين بالرقص على الأنغام الهادئة ... امسك يدها وقال بنعومة
- هل تسمح سيدتي الفاتنة بهذه الرقصة
أحست سناء بإرتعاشة هزت جسدها بالكامل عندما لمس يدها بينما قلبها خفق بعنف وهي تلاحظ نظراته اللامعة العميقة المركزة على وجهها ومفاتنها الظاهرة من فتحت الصدر المثلثة الخاصة بفستانها ... تبا لما تشعر بهذا الشعور اللذيذ !!!! انه زوج ابنتها !!! إي يجب أن يكون بمثابة ولدها حتى وان كان فرق السن بينهما ضئيلا ... ابتلعت ريقها بتوتر ورفقته إلى المكان المخصص للرقص ليبدأن بالتمايل بخفة .... كان همام يقترب من شعرها بتعمد يستنشق عطرها الأنثوي ... كيف لم ينتبه لها .... تبا لك جابر أكان عليك ان تقول ما قلته أمامي ... وتضعها في رأسي !!
.......................
عندما انتهت الحفلة بوقت مبكر قرر همام ان يأخذها بجولة في شوارع لندن الصاخبة وقد اكتشف فعلا بأنها أنثى بكل ما للكلمة من معنى ... ناعمة ... ناضجة ... متفهمة ولبقة الكلام ....
أما هي فلقد تصرفت معه بعفوية لكنها كانت يقضه ومنتبهة لتلك النظرات التي كان يرمقها بها همام على غير العادة
الساعة قاربت على الثانية عشر مساءا عندما دلفا إلى الشقة ... كانت رضاب ممدة على الأريكة تنام بعمق وهي تضع طبق البوشار على بطنها بينما صوت التلفاز يتردد صده في الصالة .... نظر لها همام بلامبالاة وتوجه الى غرفة النوم بخطواته الكسولة الواثقة بينما جلست سناء جانب ابنتها ثم التقطت الطبق من بين أناملها لتتملل رضاب بنعاس وهي تفرك جفنيها بتكاسل
- أمي ... متى عدتم ... لقد تأخرتم كثيراً !!!
قالت والدتها بارتباك لم تنتبه له ابنتها وهي تلتقط جهاز التحكم لتطفئ التلفاز
- قبل قليل ... لقد وصلنا قبل قليل الحفلة كانت صاخبة لذلك تأخرنا !!
لا تعلم لماذا لم تستطع ان تقول لها بأنهما خرجا مبكرا ثم تسكعا بشوارع لندن ... صوت بعيد بعقلها كان يدعوها بل ويلح عليها أن تشعر بالذنب من اجل ابنتها ...لكن لماذا الذنب لقد كانت سهرتهم بريئة جدا وهو زوج ابنتها اي بمثابة ولدها أليس كذلك ؟!!!
همس رضاب الناعس جعلها تعود من رحلة أفكارها حيث قالت وهي تتثائب
- حسنا امي سأخلد الى النوم وغدا اخبرني عن تلك الحفلة ... تصبحين على خير
غمغمت سناء وهي تنظر لأثرها بشرود بينما داخلها هي موقنة بل متأكدة بأن شيئاً ما سيحصل ... وأن هناك أمور قد تغيرت ... لكنها لا تعرف ماهي ولا كيف ستكون نهايتها !!
- تصبحين على خير .
.....................
...............

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن