14

174 11 0
                                    


الفصل الرابع عشر
..................
هل ابكي وجعا ام انام لغد أجمل ،هل أعاتب قلبي ام أبوح للغريب أنني اتألم
.................
فتحت عينيها بتثاقل ... كل شيء أمامها مشوشاً ... ارادت ان تحرك يديها إلا انها كانتا مقيدتين خلف ظهرها... وفمها مربوط بقطعة قماش ... استردت وعيها شيئاً فشياً ... لتتسع عيناها وهي تدور بهما في المكان بجنون ... الضباب الذي كان يحيط بها بدأ ينقشع ... ركزت حولها ونحرفت نظراتها الهلعة هنا وهناك ... غرفة صغيرة خالية من الأثاث لايوجد بها الا خزانة صغيرة موضوعة على الجانب الايسر من مكان جلوسها ... نظرت لقدميها كانت مربوطة ايضاً ... بدأت تأن بخفوت تحاول اخراج صوتها .. لكنها لم تستطع .... مالذي جرى لها واين هي !!! اخر ماتذكره هي تلك الصرخات التي نبهتهم بوجود سيارة مفخخة وبعدها وبثانية واحدة ساد الهرج والمرج في الشارع ... بدأوا الناس بالتدافع كأنهم امواج بحر هادرة ...يتخبطون ببعض يميناً ويساراً ... اطفال .. نساء ... رجال ... الكل يصرخ ويولول ... شعرت بأحدهم يضع منديلا رطباً على انفها .. حاولت التمص منه الا انها لم تستطع .... تناثرت كتبها وهي تجاهد لتتحرر من قبضته لكن دون جدوى ...الى ان شعرت بغشاوة سوداء تداهمها !!!
اتكأت بظهرها على الحائط ثم جلست بصعوبة ... اخذت تتلفت حولها بذعر وهي تستوعب بأنها خطفت !! اخذت تصدر اصواتاً تحاول الصراخ او طلب المساعدة الا انها لم تستطع القماش محكم على فمها ... انتبهت لوجود شباك على الجهة الخلفية من مكان جلوسها ... لترفع جسدها بصعوبه بالغة تحاول النظر للمكان الذي هي فيه ... استطاعت ان تستنتج من خلال المنازل القريبة انها بمنطقة سكنية ...
من الذي خطفها ولماذا !!! هي تعرف ان كل المخطوفين هم اناس اما اغنياء او من ذوي النفوذ ... وماذا تمتلك هي لكي يخطفوها ! مالذي ينون فعله معها ! يا الهي ... هل سيضربوها ويعذبوها !! ام يقتلوها ؟ كماحصل مع .. مع ... اتسعت عيناها بذعر وخوف ...وقلبها يهدر بعنف ... وهي تتذكر شقيقتها انفال وما حصل معها !!! أمن المعقول بأنهم نفس العصابة التي اغتصبت وقتلت شقيقتها ! رباااااه ! هل ..هل .. سيفعلون معها كما فعلو بأنفال !!!
أخذت تهمس وتتضرع داخلها بجنون ... يارب .. يارب .. كن معي ولا تتركني ليس لي سواك يا الله !
.........................
.....................................
لندن
..............
وصلا الى الفندق الذي حجز به وليد بوقت سابق ... ولم يمض نصف ساعة على وصوله بالكاد كان قد خرج من الحمام وارتدى ملابسه .... الا وسمع صوت دقات خافته على الباب ... فتحه ليجد حبيبة تقف تنظر له بقلق ... قالت له وهي تدلف الى الغرفة بعفوية
- هيا وليد .. فلنذهب لشقة رضاب .. قلبي يتأكله الخوف عليها!!
ترك وليد الباب شبه مفتوح وقال لها بهدوء
- الفتاة التي اتصلت بي لم تعطني عنوان شقتها عندما سألتها !
همست بتشتت وهي تفرك يديها
- ا..ذن ..مالعمل !
اومأ وليد وهو يتجه الى المنضدة ليأخذ الهاتف ويبدأ الضغط على الأزرار قائلا
- الفتاة اكدت علي ان اتصل بها فور وصولي وهي ستعطيني العنوان!
انشغل وليد بالمكالمة بينما حبيبة تفكر بجنون مالذي يحصل بالضبط هناك شيء مريب ... اين والدتها ؟! اين همام ؟! لقد اتصلت خالتها بهما في وقت سابق ولا احد يجيب !!!! تشعر بأن رضاب ليست بخير ... قلبها ينغزها بشدة .... همست برجاء ..يارب فقط فلتكن بخير ...هذا اهم شيء !
قال وليد بتجهم وهو عقد الحاجبين
- هيا حبيبة فلنذهب!!!
اومأت قائلة وهي تتبع خطواته السريعة الى الخارج
- ما..بك وليد !!! اين سنذهب !!!
لم يرد عليها ...ضغط على زر المصعد وهو يتنفس بعمق لتهمس بخوف
- بالله عليك وليد ... ماذا هناك ...رضاب مابها !!!
فتح باب المصعد ليدخلاه معا ...
- رضاب في المشفى يا حبيبة !!!
ضربت حبيبة صدرها بقوة وهتفت بذعر
- يا ..ويلي ...عليك يا أختي ... مابها يا وليد ارجوك اخبرني
هز رأسه قائلا بحدة وهو ينظر امامه
- لا اعرف ياحبيبة لا عرف .. ويكفي اسئلة ... الان سنذهب ونعرف كل شيء !
صمتت تبكي بخفوت ... تشعر بان رضاب تناديها ... تكاد تسمع ندائها ... شقيقتها تعاني ... يارب اجعلها هي وامي بخير !
..............................
........................................
اسفة يا امي !
انا حقاً اسفة يا امي لاني لن استطيع ان انسى
انا اسفة يا امي انتِ
لم تكوني الام التي تمنيتها ولم اكن لك الابنة التي حلمت بها !
اسفة يا امي ... انا لن اسامحكِ
لاني ببساطة بشر
بشر وماحدث اصبح يجري بداخلي
يتوغل رغما عني بشرايني
يسري بدمي
يلاحقني بأحلامي
كلما اغمضت عيني
رأيتك
رأيته
ورأيتكما ... متعانقان ... ملتفان بحبائل من شوك
تحيط بكما السنة النيران
اصرخ .. اريد ان اطفئها ...اريد ان اخمدها
لكنها تتصاعد ...تثور ... وتتزايد
اسفة يا امي ... اسفة لاني ابنتك
واسفة لانك كنت في يوماً ما
امي !!!!
.....................
كانت تجلس امام الشباك ساهمة ...شاردة ... عيناها ذابلتان وجفنيها متورمتان ... تشعر بحرقة بهما من كثرة بكائها ... لكن هل ينفع البكاء والعويل !! لاتعرف كم مر على وجودها في المشفى ربما اسبوع .. اسبوعان ..شهر ... لم تعد تعرف ..ولا تريد ان تعرف ..ليتها تختفي عن الوجود ..ليتها تموت وترتاح علها تنسى بشاعة كل ما رأته عينيها !
همام !!! همام !!! مالذي اقترفته بحقه ... بماذا قصرت معه !!! لطالما كانت كالكتاب المفتوح امامه ... معطائه بكل ما لديها وبكل ماتملكه من مشاعر واحاسيس ... لم تبخل عليه بشيء ... بذلت ما بأستطاعتها لاسعاده ... حاولت ان تكون له الزوجة والحبيبة ... تحملت منه كل سلبياته ...صبرت على مزاجيته ... وماذا كانت النتيجة !!!! لقد قتلها بدم بارد ... طعنها بخنجر مسموم ...
هي كانت تعلم ... تعلم بخياناته ... لالا كانت تغالط نفسها تقول لابأس هو فقط ينظرللنساء شائنه كشأن اغلب الرجال الشرقيين ... حتى لو كانو متزوجين من ملكة للجمال ايضا سينظرون ...وهمام كان مدمناً للنظرات وتوزيع الابتسامات وتكوين العلاقات ... خاصة وهو يمتلك لساناً انعم من الحرير ... رغم ذلك ... كانت راضية ... اجل راضية فهو بالنهاية يعود اليها ...ينام جانبها .... اختارها هي زوجة له ... فهو كان يمثل حلم لكثير من الفتيات خاصة وهو يعيش في لندن .. طبيب وشارب مرموق رغم صغر سنة استطاع ان يتفوق بمجال عمله مقارنة ببقيه اقرانه من الاطباء ..... لكنها لم تتصور بأنه قد يتمادى لهذه الدرجة المؤلمة البشعة ... اااااه الجرح ... الجرح لازال ينزف ... بنفس القوة ... يؤلم بنفس الدرجة لا بل الألم يزداد اكثر مع كل دقيقة وثانية ... دمائه وانينه لن تتوقف ... لن تتوقف ابداً ابداً!!!
لربما معه حق ... لربما هي كانت باردة ... اجل .. اجل .. باردة ...ربما لم تكن تلك الأنثى التي تثير شهوة زوجها ... اجل ... هو كان دائماً ينعتها بالبرود ...اذن هذا هو عذره هي باردة جامدة لا تمتلك مقومات المرأة المثيرة ...لكن هل هذا يعطيه الحق بالخيانة !!! كان يستطيع الزواج بأخرى وبكل بساطة !! كانت ستوافق ... ربما ستتألم قليلا وتبكي كثيراً لكنها بالنهاية ستنخرس وتوافق !!
اغمضت عينيها وفتحتهما وقد تجمعت الدموع مرة اخر بهما ... لكن ...لكن .. حتى وان فعلها وخانها ... الم يجد الا والدتها .... والدتها !!!!
رباااااااااه ... كم هو بشع ما تشعربه الان ... لن تنسى ما رأته مدى الحياة ... الصورة مطبوعة امام عينيها .... ما ان تغمضهما حتى يظهر امامها كشريط سينمائي !!
هي تعرف همام عينه زائغة ودنيء النفس ... لكنها لم تظن ان تصل به الدناءة لينظر لوالدتها ... وهي ... هي والدتها الوقورة ...كيف سمحت له ... كيف استطاعت فعلها !!! ستجن ... ستجن ... لامحالة ... لم يعد لها طاقة لتتحمل ... تريد ان تنسى ...تريد ان ترتاح حتى و لخمسة دقائق ... ويقين ... يقين طفلتها الصغيرة ... ذهبت ... تركتها وذهبت ... ارتاحت من هذه الحياة ... الله كان رحيما بها عندما أخذها اليه ... فما ذنبها لتأتي الى الدنيا ولها اب وغد ونذل مثله ...وجدة خائنة وحقيرة كسناء .... رباه ... حتى لاتريد ان تذكر ... لاتريد ان تذكر اسميهما ابداً !
............................
.....................................
اربيل
................
تقف امام الموقد تطهو الطعام وهي تلقي على ابنتها النظرات الخاطفة بين حين واخر ... وجهها شاحب للغاية ودائمة الشرود ... عيناها ذابلتان .... مابها .. قلبها يحدثها بأن خلف حزنها هذا مصيبة كبيرة ... ترى ما ورائك يا ابنتي ... ياليتني كنت امتلك اخاً او سنداً ليساعدني بتربيتك ... تحملت كل انواع المهانة والعذاب من اجلها ... جل ما تخشاه ان تخطئ ابنتها مع احدهم فأفندرا جميلة جدا وهي تعلم بأنها محط اطماع النفوس الضعيفة .... كما انها باتت تخاف عليها من سليم وتخاف من ان تضعف ابنتها امام وسامته وثرائة .... مهما كانت تثق بأبنتها الا ان النفس تظل امارة بالسوء ...اطفئت الموقد وتقدمت ناحيتها لتجلس جانبها قائلة
- افندرا !
نظرت لها افندرا ببهوت وقالت
- نعم امي !
مسكت والدتها يدها وقالت
- مابك يا نور عيني .. بماذا انت شاردة ؟!
تصنعت الابتسامة وهي تقول بهدوء
- لاشيء امي فقط افكر بأن ...ان ...اجد عملا افضل من هذا العمل !
نظرت لها والدتها بشك وقالت
- أأنت متأكدة ان هذا هو السبب فقط ؟!
أومأت افاندرا هامسة
- اجل امي صدقيني
اجابت والدتها وهي تمسك يد ابنتها تحتضنها بحنو
- يا ابنتي ... بالله عليك ... عديني ان واجهت اي صعوبة او مشكلة ... مهما كانت كبيرة ام صغيرة فقط اخبريني وبأذن الله سنجد الحل المناسب .. فقط لا تكتمي الحزن والهم في قلبك ....ارجوك حبيبتي !
همست بابتسامة متألمة
- ا..اعدك .. امي
هل تستحق منها والدتها ما فعلته بها وبنفسها !!! اليس من المفترض ان تعيش والدتها معززة مكرمة في بيتها وهي من يجب ان تعمل وتكد لاعالتها ! اليس من المفترض ان تفخر بها وتسلمها هي لعريسها الذي يستحقها والذي يصونها !! اليس الاحرى بها الان ان تخبر والدتها بشأن حملها لتفرح بحفيدها القادم !! كلها امنيات واحلام مستحيلة ستظل بعيدة عنها !
للاسف افندرا ... اكتشف خطئك الفادح بعد ان فات الآوان ... لا بل فات الاوان كثيراً جدا جداً
.....................
..................................
لندن
.........................
وصلا الى المشفى ... وقلب حبيبة يخفق بعنف ... تتساءل داخلها بقلق مابها رضاب ؟ ومالذي جرى لها وجعلها ترقد في المشفى !
اخذتهم الممرضة الى غرفة الطبيبة ... لتشرح لهم كل شيء .. ابتداءاً منذ لحظة وصولها واجهاضها مروراً بانهيارها وصراخها ما ان تلمح والدتها ...انتهاءاً بفقدانها النطق والانطواء على نفسها ... وعززت ذلك بسبب الصدمة المجهولة التي تعرضت لها ... نصحتهم بضرورة اخذها لطبيبة نفسية متخصصة لكي تتعالج ...لان حالتها غير مطمئنة ابداً ... قد تؤدي بها الى الجنون او الانتحار ! كانت حبيبة تستمع لها وهي تبكي بحرقة على شقيقتها ... كيف واجهت كل هذا وحدها !! مالذي فعلته والدتها لتجعل رضاب منهارة بهذا الشكل !!!
اخذتهم الممرضة الى غرفة رضاب وهي تشرح لهم بأختصار بأن والدة المريضة هي من طلبت عدم البوح والشرح لهم بالهاتف عما تعانيه رضاب لحين وصولهم الى لندن .. وليد كان يستمع لها بصمت وسكون بينما ينبئه حدسه بأن سناء وهمام هما السبب الرئيسي الذي أوصل رضاب لما فيه ألان ! ترى مالذي فعلتيه بابنتك يا سناء ؟! الم يكفك تحطيمك لحياة بحبيبة !!! اي امٍ انت يا سناء !
دلفت الممرضة تسبقهما لغرفة رضاب قائلة
- سيدة رضاب لقد جاء اشخاص لزيارتك !
ثم التفتت نحوهما وهي تدعوهما للدخول ... دلفت حبيبة اولاً وببطء وخوف لتقع عيناها على شقيقتها .... صدمها ما رأت ... كانت رضاب باهته الملامح وجهها شاحب للغاية وشفتيها متيبستان تجلس على الفراش بشرود وهي تحتضن ساقيها ... كانت بحالة يرثى لها .. عندما التقت نظراتهما اتسعت عيناها لتتجمع الدموع بهما ... فتحت ذراعيها ببطء وصمت
اندفعت حبيبة لتحتضنها بقوة وهي تبادلها البكاء الحار ...تبكي على حظ شقيقتها العاثر ... كيف فقدت طفلها ... كيف تركها زوجها .... ومالذي فعلته لها والدتها !!!!
همست حبيبة قائلة بحرقة وألم
- ااااه يا رضاب ... رضاب ..اختاه ...
تنفست حبيبة بعمق ... استنشقت رائحة شقيقتها ... يا الهي ...وكأنها تستنشق رائحة والدها ... تشعر بالدفء ...تشعر وكأنها وجدت ما كان ينقصها ... قوتها ... سندها ... هي ورضاب الان بحاجة لبعضهما البعض ... بحاجة ان تساند أحداهما الأخرى ... رضاب شقيقتها وتؤم روحها ...ولن يفترقان ابداً!
بالمقابل تسلل الاطمئنان والراحة لجسد وقلب رضاب ... وكأنها بأحضان حبيبة قد وجدت العوض ... وجدت الصدر الحنون الذي هي بحاجة له ... دفنت وجهها بصدر شقيقتها واجهشت بالبكاء ... بكاء حاااار جدا ... كانت بحاجة لهذا الحضن ... بحاجة لهذا الشعور ... بحاجة لهذه القوة !
نظر وليد ناحيتهما بهدوء وقد التمتع عيناه تأثراً على منظر الأختين ... هز رأسه هامسا ... سامحك الله خالتي كيف تتركين ابنتك وهي بهذه الحالة وتفري هاربة !!!
تقدم وليد ليحييها بلطف قائلا
- حمدلله على سلامتك يا رضاب ... كيف تشعرين الان ؟!
نظرت له رضاب بتشوش وهي تبتعد قليلا عن حبيبة ... لم ترد ... ظلت تحدق به بجمود ... وعيناها تنتقل بارتباك وحيرة بينه وبين حبيبة ... لتنكمش حول نفسها وتحتضن ساقيها ثم تدفن وجهها بحضنها تبكي مرة اخرى بقوة والم وآنين خافت ... ثم أخذت تبكي بشهقات متقطعة وعميقة تقطع القلوب ... احتضنتها حبيبة فورا وهي تهمس لها بكلمات رقيقة تهدئها بلطف ... بينما وليد يراقبها بتجهم وعيناه غامضتان وحادتان !!!
يجب ان يذهب لهمام في المشفى الذي يعمل فيه ... يجب ان يعرف ويفهم مالذي حصل بالضبط !!
........................
..........................................
اربيل
..............
كانو مجتمعين حول مائدة الطعام يأكلون بصمت ... للان لا يصدق ما فعلته حبيبة ...كيف سافرت مع وليد ...كيف لم تعره ادنى انتباه ولم تهتم لخصامه وغضبه من تصرفها ! كسرت كلمته ... لم تحاول حتى الاعتذار منه بمكالمة هاتفية واحده ... حسنا ...حسنا حبيبة ... عندما تعودين سيكون لي تصرف اخر معك !!
منذ سافرت والبيت اصبح لا يطاق ... كل دقيقة يسمع صوتها وضحكاتها التي يعشقها .. مالذي يجري معه بالضبط ... اصبح يفكر بها ليلا ونهاراً ... هناك شيء داخله تغير ... منذ ان سافرت .. لالا بل حتى قبلها ... تحديداً منذ رجوعه من شهر العسل ... يا الهي ... لم يعد يطيق المكوث في المنزل ولا يطيق التحدث مع احد ... حتى سلمى اصبح لا يطيق منها كلمة واحده ... خاصة بعدما اكتشف كيف كانت تخدعه طيلة تلك الأيام والأسابيع الفائتة ... عندما فتح الدرج الأخير للمنضدة في غرفة نومهم ليفاجأ برزمة من الأموال ...اتسعت عيناه بغرابة تصاعد الغضب داخله ... لينادي عليها بشراسة وهو يحاول ان لا يتصرف بتهور
- سلمى ... تعالي هنا !
- نعم حبيبي ماذا هناك !
قالتها بكل براءة وهي تمسح يديها بالمنشفة ... استدار لينظر لها بجمود وهو يرفع المال بيده قائلا
- ماهذا ؟!
أجابت بتعلثم
- انه .. اممم ..مال !
قال بغضب وهو يلقي الرزمة على وجهها بقوة لتجفل وهي ترفع يدها تتلقفها بسرعة
- اعرف انه الزفت الأسود ... اخبريني ايتها السيدة المحترمة من اين احضرتيه ؟!
ابتلعت ريقها وقالت بهدوء
- من ابي !
نظر لها بهدوء خطر وقال وهو يكتف ذراعيه
- اهااا ... ولماذا أحضرت المال من السيد الوالد ؟!
أجابت بوقاحة وهي تحاول ان تبين تماسكها وعدم مبالاتها لغضبه
- احضرت المال من ابي لاني ...لاني ...اقصد ..ان المال الذي تعطيه لي لا يكفيني ... لايكفي ... انا معتادة على شراء كل ماهو غالي ...وأنت ..أنت .. حسنا ..
رفع يده ليسكتها ثم اتجه ليلتقط سترته ... اخذ المال منها وقال ببرود قاتل
- أخبرتك مراراً وتكراراً ... اما ان تعيشي بمستواي وحسب إمكانياتي ... او ان يذهب كل واحد منا في طريق ...اعتبري هذا اخر تحذير لك ...
ثم اقترب منها أكثر وغرس أصابعه في ذراعها ناظراً لها بحدة
- اقسم بالله ... اقسم بالله يا سلمى .. غلطة اخرى ...وانا سأأخذك بيدي وأرجعك الى منزل والدك .. فهمتي !!!
تركها وهم بالمغادرة لتقول بتساؤل وهي تمسد ذراعها التي آلمتها بسبب قبضة القوية
- الى اين ستذهب ؟!
أجابها ببرود وصلابة
- سأرجع المال لوالدك ... ماذا تظنين غير ذلك !!
لحقت به لتمسكه من سترته وهي تهتف بتوسل
- انتظر زهير ... ارجوك ... لاتأخذ الأمور بهذه الحساسية ... ليس عيباً لو ساعدنا ابي قليلا ...ثم هو يقول بأنه ...
نظراته الحمراء الغاضبة أسكتتها بالحال ليخرج ويتركها صافقاً الباب بقوة ... عندما أعاد المال لوالدها للان يتذكر ملامحه المذهولة المحرجة ليقول وهو يحاول تلطيف وتجميل المسمى الذي يطلقه على مساعدته لابنته ...انت بمثابة ولدي ولا يوجد فرق بين الاب وابنه .. ومااغضبه اكثر هو اقتراح والدتها وهي تقول له بكل برود وهدوء
- انسب حل لك يازهير هو ان توافق على العيش معنا هنا ... والعمل مع مراد في الشركة وبهذا سيزوال الحرج بينكما !!!
أجابها بهدوء مماثل لهدوئها بينما داخله يغلي غضبا فليس هو من يقبل العيش والأكل على حساب زوجته وأهلها
- لقد وافقتم على زواجي من ابنتكم وانتم خير العارفين بوضعي ووضع عائلتي المادي ... وعلى هذا الاساس تم الاتفاق على كل شيء ... وانا لن اغير رائي لا الان ولا غداً ولا حتى طوال العمر !
منذ ذلك اليوم وهو لا يطيق النظر لسلمى وشعوره بالندم لأنه تزوجها بدأ يتزايد داخله ... صوت هاتفه المحمول جعله يعود من رحل أفكاره ... اجاب بهدوء
- نعم ! اهلا رزكار .. اجل ...
قطب قائلا بشك
- لا غسق ليست في المنزل
ثم نظر لعمته وكأنه يريد التأكد
- عمتي هل غسق موجودة !
تركت سعدية الملعقة وأجابت بشحوب
- كلا لم تعد من المفترض ان تذهب الى منزل رزكار اليوم ..ماذا هناك؟!
وقف زهير بسرعة ثم اتجه لباحة المنزل ليتكلم معه بهدوء ... فالجميع بدأو يسألونه بخوف وذعر مالذي حصل .... ماذا هناك ... بعد عدة دقائق عاد زهير إلى الداخل ... ابتلع ريقه قائلا بشحوب وارتباك
- عمتي غسق .. اختفت من الجامعة
ما ان سمعت سعدية ما قاله حتى وقعت مغشياً عليها وسط صرخات الجميع الذين التفوا حولها بسرعة وذعر !
...........................
.....................................
لندن
..............
بغرفة صغيرة .. شبه مظلمة ... رخيصة وقذرة ... تجلس على الأرض قرب السرير تنظر لملابسها الباهظة الأنيقة المرمية بكل مكان وبإهمال ... عيناها كانت حمراء ... منتفخة ... اين كانت أمس واين أصبحت اليوم ... أغمضت عينيها تبكي بصمت ...
لقد جمعت ملابسها من منزل همام بسرعة جنونية ... كانت تريد الخروج ...تريد الذهاب لمكان نظيف ...مكان بعيد ومجهول ...لايعرفها به احد ... تحاول الرجوع لنفسها .... لسناء القديمة ... سناء التي كانت اكبر طموحاتها اكمال دراستها والعمل ... قبل ان تدخل الجامعة ... تختلط مع قريناتها ...تتحسر على مالديهم ... لم يكن الامر منحسر على مستواهم المادي ...لالا بل حريتهم واستقلالهم ...كانو يتصرفون بحرية ... يخرجون .. يسهرون يقيمون صداقات مع الشباب ... يتبادلون الهدايا بينهم ... يذهبون لاعياد الميلاد .. الا هم .. والدها كان صارماً ... بل صارماً جدا ... كل شيء عيب ..عيب ... وممنوع بحجة الحرام والحلال ... وانهن بنات ويخاف عليهن من الاختلاط بمن هن حسب وجهه نظره منفلتات ... سعاد كانت هادئة ومتقبلة قوانين والدها بطاعة عمياء ... حتى بعد زواجها وخروجها ن المنزل كانت تحترم والدهم ايضاً ... اما هي .. لم تتحمل ... هذا الخناق والحزم جعل مشاعرها .. طامعة .. متطلبة وجموحة ...مشاعر مسيطرة وقاسية ... ارادت ان تخرج وتتحرر من دائرة التحكم والقيود التي كانت تحيط بها ... كانت تحلم بزوج ثري وسيم ... ذو شخصية قوية ... زوج تتباهى به امام الناس كلها ... يكون هو الحافز لها لتتقدم .. يأخذ بيدها ليدخلها عالم السطوة والنفوذ ... الى ان جاء هو زوجها والد رضاب وحبيبة ... كان ضابطا في الجيش العراقي ... يكبرها بعشر سنوات ... حسنا لم يكن لفارق العمر ان يشكل عائقاً في سبيل تحقيق ماتريده ... تزوجته بسعادة واندفاع ... تزوجته حتى دون ان تتعرف عليه جيداً .. فترة الخطبة لم تدم الا اسبوع واحد وبعدها عقد قران وزواج مباشرةً ... سعادتها كانت متكاملة خاصة وان عائلتها ايضا كانوا موافقين ومرحبين بهذا الزواج ... لكن ما حدث بعد الزواج كان مختلفاً جداً
فزوجها كان عكس ما تمنت ... عطوف ... حنون ... وطيب لدرجة السذاجة ... طيبته وضعف شخصيته مقارنةً بقوة شخصيتها هي ... كان مصدر سخرية للجميع ... الى ان كرهته .. وكرهت كل ما يتعلق به ...اصبحت تراه لا يرتقي ليكون زوجاً لها ... بدأت تنسحب من حياته شيئاً فشيئاً ... اصبحت تخرج ..تسهر ... تضحك وتكون صداقات كما يحلو لها ...بنت لنفسها عالماً خاصاً بها !
بالنسبة لابنتيها كانت رضاب دائما هي الاقرب لقلبها ... جميلة وذكية ... ملفته للنظر تماما مثلها هي ... لكن حبيبة ... حبيبة .. اكبر غلطة ارتكبتها بحياتها هي انجاب حبيبة ... ضعيفة ... خجولة ... كسولة ..استيعابها بطيء ... وافعالها وتصرفاتها تماما كوالدها ... ساذجة وطيبة مثله ... وما زاد الطين بله هي تأتأتها المضحكة ... كانت تخجل منها ... تخجل ان تقول هذه الغبية ابنتي لذلك نبذتها ... تركتها تتربى بيد الخادمات في ايام المدرسة اما في العطلة الصيفية كانت تبعثها لمنزل شقيقتها سعاد ... وفضلت رضاب ... قلبها كان يميل لرضاب اكثر وهذا لم يكن بيدها .... رضااااااب ... ترى ماذا تفعل ألان ... هل جاء وليد وحبيبة ام لا !!!
لا تستطيع الذهاب للمشفى ... لا تستطيع ان تريهم وجهها وهي متأكدة بأن رضاب قد حكت لهم كل شيء الان !!!!
........................
.....................................
اربيل
.............
لم يبقي مسشفى ولا مركز شرطة ولا اي واحدة من صديقاتها الا وسأل عنها هناك ...لكن لايوجد ... حتى رزكار كان يرافقه خطوة بخطوة وهو بالفعل يشعر بالذعر والخوف عليها .. حتى انه بكى كالأطفال ... وجلس على الرصيف يندب ويولول ... مما جعل زهير يضطر لمواساته وإسكاته بصعوبة ... وصل للمنزل وهو يشعر بالعجز والقهر ... اين ذهبت كيف اختفت هكذا ! لقد ذهب ليقدم بلاغاً في الشرطة الا انهم قالو يجب ان تمر فترة 24 ساعة على اختفائها ليقدمو البلاغ ويبدأوا البحث عنها ! ترى هل اختفائها هذا متعمد !! هل تم اختطافها ؟! خاصة بعد ان علم بالمكيدة المدبرة حين صرخ احدهم منبهاً بوجود السيارة المفخخة المزعومة والتي اتضح فيما بعد انها مزحة !! هذا ما اخبره به الحارس الأمني للجامعة !! كانت مزحة سمجة من شخص مجهول !!
استقبلته تبارك ووالدته في مدخل البيت لتهتف والدته بلهفة وهما تتبعانه للداخل
- ابشر يا ولدي هل وجدتها !!
تنهد وارتمى على الأريكة ليقول بتعب وضعف
- لا اثر لها يا امي ... لقد بحثت بكل شبر في المحافظة ولا يوجد لها اي اثر اوخيط يدلنا على مكانها !
جلست والدته قربه وأخذت تضرب على فخذيها قائلة
- ياللمصيبة ... ياللمصيبة .... يارب احفضها من كل مكروة من اجل خاطر تلك المسكينة المرمية منذ الظهيرة الى الان بلاحول ولاقوة !
قال زهير بحزن وألم
- كيف اصبحت عمتي ؟!
قالت تبارك وهي تذرف الدموع
- نائمة ..تنهض قليلا تبكي وتهتف بأسم غسق ثم تنام مرة اخرى
همس زهير بيأس وشفقة
- لاحول ولاقوة الا بالله
هب واقفاً وهو يقول
- سأذهب لاستحم واغير ملابسي ثم أعاود الخروج للبحث عنها من جديد !
.........................
.........................................
بعد حمام سريع وساخن خرج وهو يلف خصره بمنشفة بينما ينشف شعره بمنشفة اخرى اصغر... ارتدى ملابسه البسيطة بإهمال وسرعة ليسمع صوتها المتهكم وهي تقف مكتفه ذراعيها تتكئ على طاولة الزينة
- خيراً ان شاءلله ... الى اين العزم .. لقد وصلت لتوك ؟!
نظر ها ببرود وهو يزرر قميصة
- سأذهب لاكمل البحث
ضحكت وهي تنظر له ببرود .. ضحكتها كانت شامته وهازئة ... ليقطب قائلا باستغراب
- مابك ؟! أجننتِ ؟!
ليكمل باشمئزاز
- هذا بدل ان تساندي عمتي في محنتها ...تقفين هنا وبكل برود تضحكين !
قالت ساخرة وهي تقترب منه
- اضحك لانك بالفعل ساذج وغبي !!
احتدت نظراته وهم ليجيبها الا انها اكملت بخبث
- اراهنك بأنها هربت مع عشيقها !!
تجمد مكانه وقد اتسعت عيناه بقوة لتكمل ببساطة وهي ترفع حاجبها
- اجل لاتنظر لي بهذا الشكل ... لربما احبت رجلاً وقد خافت من ردة فعلكم ان عرفتم بأمرها لذلك قررت بأن تهرب معه .. عزيزي اغلب بنات هذه الأيام يفع....
لم تكمل كلامها اذ فاجئها زهير بصفعة مدوية على وجنتها جعلتها تشحب وهي تنظر له بذهول ودهشة ... لعدة ثوان لم تستوعب ان زهير ضربها فعلا ... هتفت بقوة
- كيف تجرؤ ؟! كيف !!! كيف تصفعني ؟!
قال زهير بغضب وهو يخرج الكلمات من بين أسنانه المطبقة بينما أصابعه تنغرز عميقاً في ذراعها
- أجرؤ على ذلك بل أجرؤ على المزيد ايضاً ...انت إنسانة مريضة وحقودة ... لا اعرف حقاً كيف تزوجتك ... كيف لم الحظ خبثك ومكرك المريض هذا !!!!
فتحت فمها ليسكتها بسرعة قائلا بصوت خطر ومخيف وهو يهزها بقوة
- كلمة اخرى وسأكسر رقبتك واريك شيئا لم تريه بحياتك التافهه كلها !
همست بجنون وهي تتخلص من قبضته
- ستدفع الثمن ... ستدفعه غالياً ... وانا لن ابقى بهذا المنزل القذر
اتجهت للخزانة لتبدأ بحزم حقيبتها ... قال زهير باستخفاف وأنفاس لاهثة قبل ان يخرج ويصفق الباب بقوة
- اذهبِ لا بارك الله فيك ... وارجوا ان لا تعودي الى هنا مطلقاً ... وقحة وعديمة التربية !
..............................
..........................................
كان الوقت شارف على الغروب عندما دلف للغرفة يتبعه باران بهدوء ...نظر سليم لعينيها التي اتسعت بقوة وذهول وهي تتلوى لتتخلص من القيود التي تحيط بمعصميها بينما انين خافت يخرج من فمها المغلق ... ليقهقه ضاحكاً ويقول بتشفي وغل وهو يجلس قربها القرفصاء
- اجل ..اجل ...اجل ... انه ..انا سليم ..سليم الذي رفضته ... سليم الذي رميتي طلبه عرض الحائط ... ماذا كنت تظنين ؟!!! انك ستفلتين من يدي ؟!!
وقف قائلا وهو يطرق بأصابعه وكأنه يتذكر شيئاً
- امممممممم ماذا أردت ان اقول .... ذكرني باران
تقدم باران قائلا وهو يدعي التفكير
- أردت ان تتكلم عن خطيبها ؟!
هز رأسه نافياً وهو يقول بملل
- لاااااا ليس خطيبها المخنث ذاك ..لانه ببساطة لن يقدم ولن يؤخر شيئاً .... فقط فلأنفخ في وجهه نفخة صغيرة ليهرع الى الماما باكياً
سارع باران ليقول بخبث
- اذن ابن خالها وليد !!
أومأ سليم قائلا بابتسامة واسعة
- اجل أحسنت وليد العجوز ... لن يكون موجوداً لينقذك مني .. لن يستطيع تغير المحتوم ... اجل حبي ستكونين لي .. بالفعل ستكونين لي وبالكامل ولمدة اسبوع ...لو استمتعت سأمدد شهر العسل لأسابيع اخرى ... سأفعل بك ما اريد ... وبعدها أرميك كالقمامة ... كفضلات الطعام ...ولنرى حينها من سيتزوج منك !!!
تقدم ناحيتها ليجلس امامها مرة اخرى ليمد يده يتلمس وجهها ثم كتفها ثم خصرها .. بينما غسق تتلوى وهي تبكي بقوة ...بقهر ... باشمئزاز ... تبكي وهي تناديه بقلبها ... تخرج الأنين من شفتيها المطبقتان ...تناديه ... ترجوه بأن يسمعها ... وليد .. ووووليد اين انت ... يالله ... يالله دعه يأتي دله على طريقي يارب ... قلبها كان يرتجف بقسوة ... وارتعاشه قوية مرت بجسدها ... وهي تبتعد عنه قدر استطاعتها ... توسلت بعينيها الدامعتان ... ان يكف الا انه كان يتمادى أكثر وأكثر بلمس انحناءتها بهستيرية وجنوووون ...ورغبة مشتعلة!
بينما يده الأخرى تمتد لفتح حجابها !
.................................
..............................................
نهاية الفصل الرابع عشر

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن