44

177 12 0
                                    


الفصل الرابع والأربعون
...................

المنزل كان مكتظ بالجيران والأقارب اللذين جاءوا لكي يباركوا لحبيبة ...خاصة وان اليوم هو اليوم السابع على ولادتها .... في اليوم السابع هناك عدة طقوس يفعلها العراقيين للطفل .... فما ان يتم الطفل أسبوعه الأول تتولى إحدى النساء الكبيرات بالسن مسؤولية تحميمه ... حيث يوضع له في إناء كبير ماء يخلط به بعض أوراق الأشجار كالبرتقال والياس والتفاح
كما يقومون بذبح العقيقه ... وقد قرر زهير بالاتفاق مع وليد على ختان ولده فهذا الامر هو من التقاليد المتعارف عليها والتي تقوم بها عائلته منذ سنوات طويلة ... والدته ايدت قراره قائلة ختان الطفل وهو صغير افضل من ختانه وهو كبير فالجرح سيلتئم بسرعة خاصة وانهم الان في فصل الصيف ....
عندما سمعت حبيبة قرار زوجها رفضت بشدة وقالت له بتوسل
- أجل هذا الأمر زهير ارجوك عمر لا يزال صغيراً !!!
اجابها كاذبا ... اجل فهو مضطر للكذب عليها فقد توقع رفضها طبعا ولو يبقى الامر مرهونا على موافقتها فهي لن توافق حتى لبعد سنوات وسنوات ...زوجته ويعرفها جيدا ..قلبها رقيق وعطوف لن تتحمل رؤيته وهو يبكي
- لا استطيع التأجيل حبيبة لقد تم أعداد وتهيئة كل شيء استعداد للختان وقد خرج الموضوع من يدي !!!
وبالفعل مع ظهيرة اليوم السابع كان كل شيء قد انتهى .... امتزجت صرخات ولدها ودموعها الساخنة التي ذرفتها خوفا عليه مع أصوات الأهازيج والزغاريد التي أخذت تصدح في أرجاء المنزل ....
........................
...............................
دلف وليد الى الغرفة ليجدها تجلس على الأرض وهي تضع دفترا للرسم على ساقيها ..كانت ترسم باندماج وتركيز ....وما ان احست بدخوله حتى أغلقت الدفتر بسرعة وهي تبتسم له بخجل
اقترب منها باسما ثم جلس جانيها وأراح ظهره هو الآخر على حافة السرير ... سألها بفضول
- ماذا كنت ترسمين ؟!
هزت رأسها وقالت وهي مطرقه
- لاشيء مهم ..مجرد رسومات عادية لن تعجبك حتما
اجابها بابتسامة صغيرة
- وما أدراك انها لن تعجبني ؟!! هاتي لأراها واحكم !

اعطته الدفتر بتردد وحرج ثم ادارت وجهها الى الناحية الاخرى لكي لا يرى دموعها المترقرقة .... نظر وليد الى الصورة التي رسمتها بالقلم الرصاص .... كانت مؤلمة وجميلة بنفس الوقت ..... عبارة طفل صغير يجلس على ضفة النهر تجلس قبالته فتاة شابة يغطي ملامح وجهها شعرها الكثيف ...يفصل بينهما نهر طويل .... المسافة بينهما بعيدة جدا .... لون الرصاص القاتم كان يعطيها منظرا حزينا وكئيبا .... سحب نفسا طويلا ثم زفره بتعب .... حسنا من الجيد انها اصبحت هادئة ومستكينة في الفترة الاخيرة ...لم تعد تفتح موضوع الاطفال او الزواج معه ..... لقد ظن انها نست الامر ... لكن ومع رسمها هذا الظاهر بأنه اخطأ في ظنه

اجابها وهو يحاول ان يتصنع المرح
- اوه .... رائع ....بل جميل جدا ...لم اكن اعرف انك تجيدين الرسم يا غسق ؟!!!
احتضنت ساقيها وهمست بخفوت وكآبة
- انا نفسي لم اكن اعرف بأني بت اجيد فعل امورا جديدة كنت اجهل بقدرتي على فعلها سابقا !!
اجل كالتمثيل والادعاء بأنها غير مهتمه وأنها تناست آلمها ومصابها ..... بينما هي تكاد ان تموت حسرة وقهراً ... همستها داخلها بسخرية مريرة
اعاد الدفتر لها وظلا جالسين ينظران للامام ... كلا منهما شارد بدوامة افكاره .... وضعت رأسها على كتف وليد وهمست بصوت خافت ومبحوح
- وليد ...
همهم متسائلا بصمت ....لترد عليه والدموع تتقافز من عينيها
- لماذا انا الوحيدة التي حرمت من الاطفال ! لماذا انا دونا عن الجميع يحصل معي هذا !
اريد طفل يا وليد ...طفل واحد فقط ....

سحبها الى صدره محتضنا اياها بقوة .... قبل اعلى رأسها متنهدا بعمق ...ثم اجابها وهو يريح وجنته الملتحيه على راسها

- أخبرتك حبيبتي ربما هو امتحان من الله سبحانه وتعالى ليرى مدى صبرنا وتحملنا
لترد عليه باختناق وقهر كتمته على مدى الأيام السابقة
- لكني لم اعد احتمل سماع كلامهم الجارح ياوليد

ابعدها عنه مقطبا ثم امسكها من كتفيها و قال بجديه وتساؤل وهو يحاول التقاط نظراتها التي كانت تتهرب منه
- ومن اسمعك كلاما جارحا يا غسق ؟!!
لم ترد عليه الا بشهقة خافته ليعاود سؤالها بإلحاح وحدة
- تكلمي ؟!!
شهقتها هذه المرة خرجت قوية وجارحة .... ورغما عنها اجابت بنحيب يقط نياط القلوب
- في اليوم السابع عندما حضر بعض الجيران للمباركة سمعت احد النسوة تقول للخالة سعاد لا تدعي غسق تحمل الطفل ربما ستحسده !!
قطب ونار الغضب المختلطة بالحزن على حال زوجته اخذت تتصاعد ألسنتها داخله ليقول بغضب مشتعل
- من هي التي قالت ذلك ؟!!! اجيبي !!! من !!!!
هزت رأسها بلا وهي غير قادره على الرد ليردف قائلا بتوعد
- لقد عرفتها حتى وان لم تخبريني .... هي امرأة واحدة معروفه في الحي بكلامها المسموم وتدخلها بأمور لا تعنيها كما انها مشهورة بافتعال المشاجرات بين الجيران ....
رفعت رأسها ونظرت له وهي تحاول تهدئته بينما شهقاتها كانت لا تزال تخرج منها دون ارادة
- أرجوك وليد ...لا داعي للمشاكل ...خالتي سعاد لم تسكت لها اقسم لك ... لكن ... لكن ... كلامها كان جارحا جدا جدا .....

عاد ليضمها الى صدره بقوة حتى كاد ان يكسر عظامها .... كيف يمنع اذى الناس عنها .... كيف يحميها من الوحوش البشرية .... الذين اصبحوا يملئون الدنيا كالوباء .... يبثون سمومهم وحقدهم وكأنهم يفتخرون ويتنافسون فيما بينهم على اذية الناس وجرح مشاعرهم !!!
لو كان الامر بيده ...لو لم يكن مسؤولا عن عائلته ...صدقا لأخذها وسافر الى اي دولة عربية مجاورة .. .... يعيشان وحدهما فقط .... لا يعرفان احد ولا احد يعرفهما .....
يدللها ويجعلها تشعر بأهميتها بالنسبة له و التي تناستها هي في خضم انشغالها بأمور الحمل والأطفال ......

همس قائلا بصوت متحشرج كان يحاول ان يتحكم بأنفاسه الحارة المتسارعة من شدة غضبه وقهره
- لاتهتمي لأحد ...ولا تلقي بالا لأقوالهم الفارغة ...... قسما بالله لو لم تكن امرأة لعرفت كيف أأخذ حقك منها !!!
هزت رأسها بصمت وهي تبكي بين ذراعيه كالطفلة الصغيرة التي تحتمي بظل والدها ... شددت من احتضانه هي الاخرى .... كل ما تتمناه هو ان تظل مزروعة هنا على صدره
اكثر مكان في العالم يشعرها بالأمان والطمأنينة .... المكان الذي يتوقف الزمن فيه ويصبح لا وجوده له ....


........................
................................

البصرة مساءا
....................
كانت تجلس على الأريكة وهي تمد ساقيها ....تركز على تطريز الملاءة الوردية الخاصة بطفلتها .... فبعد مرور عدة اشهر على الحمل ذهبا هي و معاذ للطبيبة لكي يتعرفا على جنس المولود وقد كانت انثى .... للان تتذكر ملامح معاذ وهو يركز على شاشة الفحص يحاول ان يتابع حركات الطبيبة التي اخذت تشرح له بإسهاب وحماس عندما لاحظت اهتمامه الجدي .... كانت السعادة تبدو جليه عليه ..... استقبل الكل خبر حملها بسعادة وفرحة .... جاسمية ملأت المنزل بالزغاريد المختلطة بالدموع .... وقد تكفلت هي بنشر الخبر وبكل فخر وغرور بين نساء العشيرة ....وكأنها تقول لهم انظروا ابن عمي الذي كنتم تتهمونه بالعجز !!!
منذ معرفتها بأنها تحمل طفلة في احشائها وهي لا تكف عن التطريز ...فهي طرزت كل المفروشات والملابس الصغيرة الخاصة بها .... كل دقيقة تمرر يدها على بطنها .... وكأنها تريد التأكد من انها فعلا حامل وان تلك الركلات الخفيفة هي حقيقة وليست حلم او خيال ...حتى انها بدأت بوضع يد معاذ عليها ... الاخير الذي كان يستقبل ركلات ابنته بابتسامة حنونة ومتعجبة !

بعد مرور بعض الوقت دلف معاذ الى الصالة ليجدها كالعادة تمسك القماش الوردي بين يديها تطرزه بلا ملل او تعب .... تقدم ناحيتها وألقى السلام ثم جلس قربها وهم بتدليك قدميها الصغيرتين ..... قال متسائلا
- اين ملك ؟!!
اجابت وقد عادت لتكمل عملها
- لقد نامت مبكرا ...
اومأ ثم اجابها بمرح
- ألم تتعبي من التطريز ؟!!!
بحماس وسعاد قالت له
- ابدا يا معاذ بالعكس اشعر بالحماس والنشاط يدب بأوصالي ما ان امسك القماش بيدي ....
لتردف وهي ترفع الملاءة وتضمها لصدرها
- اكاد استنشق رائحتها الطفولية يا معاذ وكأني ولدتها بالفعل ! اتمنى ان تمر الشهور المتبقية سريعا ....لم يعد لي طاقة للصبر ....أريد ان احملها بين ذراعي ....
اندس معاذ و تمدد جانبها على الأريكة التي بالكاد استوعبت ضخامة جسده ... ثم وضع رأسه جانب بطنها .... تنهد براحة واخذ يمسح ذلك التكور الرائع برفق قائلا بحنان
- ان شاءلله ستأتي وتنور حياتنا يا رضاب ..انا ايضا انتظر انقضاء الشهور بشوق ولهفة ....
وضعت القماش على الطاولة الصغيرة المجاورة لها ... ثم مشطت شعره الكثيف بأصابعها ..... عم الصمت بينهما ....لا يسمع بالغرفة الا صوت xxxxب الساعة وهي تسير ببطء ..... سحبت نفسا عميقا ثم تنحنحت وقالت له بجدية فهي في احدى المرات السابقة كانت قد سمعت عمه يقول له عندما جاء لزيارتهم ... أرجو ان ترزق بولد يحمل اسمك ... رد معاذ في حينها اثلج صدرها حيث قال له بأن كل ما يأتي من الله خير وبركة ولا فرق بين الذكر والانثى ... الا انها ارادت ان تتأكد لكي تطمئن اكثر
- معاذ اريد ان أسألك سؤالا مهما !
غمغم براحة وهو لا يزال مدد جانبها
- لقد أخبرتك في وقت سابق انت زوجتي ومن حقك ان تسألي ما تشائين ودون اخذ الاذن ....لكن بشرط
ردت متسائلة
- ما هو ؟!
احتضن فخذيها بحميمية وقال
- ان تلعبي بشعري هكذا ولا تتوقفي ابدا !!
أجابت بابتسامة واسعة وهي تمرر أصابعها بفروه رأسه ببطء
- انا أتكلم بجدية يا معاذ
غمغم قائلا وهو مغمض العينين
- وانا ايضا ! والان هيا اسألي ماذا هناك ؟!!!
اجلت حنجرتها وقالت بخفوت

- هل ...هل كنت ترغب بأن يكون اول ابنائك صبي ؟! ارجوك معاذ لا تكذب عليَ !

فتح عينيه وصمت لعدة دقائق .... كان يحاول ان يختار الكلمات المناسبة لكي يطمئنها فهو يعرف بأنها قد اخذت فكرة عن اغلب الرجال الشرقيين الذين يفضلون الذكور على الإناث كأول مولود لهم ..... اجابها بهدوء
- سمعيني جيدا يا رضاب .... اولا نعمة الاطفال هو رزق من الله سبحانه وتعالى .... يوجد غيرنا من يتمنى رائحة الطفل ولا يحصلون عليه !! ... ثم سواء كان ذكر ام انثى المهم انك حامل وسأكون اب بفضل الله ثم بفضلك انتِ ...وابنتي ستكون شوكة قوية اضعها بعين كل من نعتني واتهمني بالعجز ..... وبعد كل هذا تقولين ارغب او لا ارغب !!!!! من اكون لا تبطر او اعترض على نعمة الله !!
اردف قائلا بحزن
- لكني حزين على امر واحد فقط كنت اتمنى ان يحصل
اجابت بهمس وعينيها مليئة بالدموع المتأثرة
- م...ماهو ؟!!
- امي ...امي يا رضاب كنت اتمنى ان تكون حاضرة لترى هذا اليوم وتفرح بأول أولادي !
همست قائلة بنعومة وهي لا تزال تمشط شعره بحنان ورقة
- رحمها الله وجعل مثواها الجنة بالتأكيد ستشعر وتفرح كثيرا حتى وان لم تكن معنا !!

غمغم باختناق وهو يشدد من احتضانها اكثر
- رحمها الله وغفر لها .... ربما معك حق !
......................
............................................
تسير بنا الأيام ونحن نسير

هي تأخذ وتنقص من أيامنا
ونحن نطوي أوقاتها مروراً بلا عوده

فينا من تمر رحلته على محطات الأمل
وفينا من تمر رحلته على محطات البؤس والألم


فينا من يستطيع تسخير الحزن والبؤس
ويحولها الى قناعه وانشراح للصدر


وفينا من تنقلب حياته سلباً بسبب إبتلاء

.................

بعد مرور عامين ونصف


جلست القرفصاء أمام صغيرها الذي كان يجلس على الأريكة يلعب بسيارته الحمراء الصغيرة وهو يصدر أصوات غير مفهومة ...... كانت تلبسه حذاءه بسرعة لكي تأخذه الى منزل جدته فالفترة التي تقضيها في المعهد المسائي كانت تضع عمر عند جدته
فهي تذهب الساعة الثانية عشر والنصف وتعود الساعة الرابعة عصرا .... للان هي غير مصدقة انها بالفعل تخطت الاختبارات الوزارية بنجاح ....صحيح معدلها كان لا بأس به وذلك بسبب ولادتها التي جاءت متزامنة مع فترة الامتحان ..فلم يكن يفصل بينهما الا أسابيع قليلة وقد كانت تلك الأسابيع غير كافية بالنسبة لها للدراسة جيدا .... على الرغم من انها درست قبل ولادتها ومنذ نجاحها في الامتحانات التمهيديه .... المعدل الذي حازت عليه اهلها لدخولها معهد الإدارة ...لم يهمها ما تدرسه ولم تدقق باختياره لقد تركت امر ملئ استمارة القبول بيد زهير .... زهير الذي لم يتركها لحظة واحدة كان معها خطوة بخطوة ...... هي فقط كل ما تريده ان تكون خريجة بشهادة عالية ..تتباها وترفع رأسها امام الجميع .....دون ان تشعر بعقدة النقص التي لازمتها لاعوام طويلة كاللعنة

خرج زهير من الغرفة وهو يعدل ياقه قميصه قائلا
- هيا بسرعة يا حبيبة لكي أوصلك الى المعهد وأعود الى العمل وعند الساعة الثالثة والنصف ستجديني اقف لك في المكان المعتاد
اومأت وهي تجلس قرب ولدها قائلة بتوسل
- حاضر يا زهير لكن بالله عليك لا تفتعل مشكلة اخرى .... قف وانتظرني بصمت ... للان اتذكر مشاجرتك الاخيرة قبل عدة اشهر !! لقد جعلتني اشعر بالحرج الشديد !!
رفع حاجبه الايمن وقال متهكما بسخرية
- وماذا تريديني ان افعل وانا أرى رجلا يقف مع زوجتي في الشارع !!! هل اسكت ؟!!
اجابت متذمرة
- كان مجرد زميل يسألني عن الدروس يا زهير
- زميل او غيره ..... انا لا اعترف بهذا الكلام ... ثم الم يجد غيرك امامه ليسأله ؟! حسنا لم يعد الامر مهما الان ... مايهم فعلا هو الدرس الذي لقنته له .... اعتقد بأنه لن ينساه ابدا لا هو ولا غيره !!!
تأففت بضجر ثم غيرت مجرى الحديث قائلة له ببراءة
- زهير بأذن الله ان اكملت دراستي ستسمح لي بالعمل في أحدى الدوائر الحكومية اليس كذلك ؟!!!
اجابها بأستهزاء وتهكم
- نعم ... نعم ؟!!! ماذا قلتِ ؟! دوائر حكومية !!! فليعطينا الله العمر الطويل لننال شرف التعيين الحكومي حبيبتي ... ثم تعالي هنا اين هي تلك الوظائف الحكومية التي تخططين لها منذ الان ؟!! اذا كان زوجك الذي تخرج منذ سنوات عديدة للان يعمل بمكتب خاص تريدين انت التي ستتخرجين حديثا ان تجدي التعيين بانتظارك .... الم اقل لك سابقا انت طيبة القلب وبريئة جدا !!

نهضت من مكانها واقتربت منه قائلة بدلال وهي تمرر يدها على صدره الصلب
- حسنا اذن اعمل لديك في المكتب !!!
رفع حاجبيه وردد خلفها بغباء
- مكتبي !!!
اجابت بغنج ودلال وهي ترفرف بأهدابها
- اجل .... عيني سكرتيرتك الخاصة او حتى محاسبة وسأقبل براتب رمزي ... المال لن يقف بيننا زوزو !! ها ما رائيك ؟!
صمت قليلا ومشت عينيه على معالم انوثتها الواضحة رغم الفستان الواسع الذي ترتديه بدا وكأنه يفكر بكلامها ..... ثم قطب قائلا بوقاحة
- لا ..فكرتك مرفوضة وقبل ان تسألي عن السبب ساقول لك بأني لن استطيع ان اتحمل رؤيتك وانت تسيرين امامي هناك بجسدك ومؤخرتك المثيرة هذه ! هذا كثير جدا !
قالها وهو يضغط على ردفها الممتلئ .... ضربته على صدره وهي تنهره بغضب مفتعل
- انت دائما وقح و افكارك منحرفة !!!
اجابها قائلا بمرح
- مساءا سأريك الانحراف كيف يكون وعلى اصوله ... هيا بنا سنتأخر !
ابتعدت عنه متوجهة الى الغرفة وهي تقول
- احمل عمر وانا سأحضر حقيبتي الصغيرة وملازمي وسألحق بك حالا
التفت لولده الذي كان ينظر له ضاحكا وقد برزت اسنانه الصغيرة البيضاء ليتقدم اليه ويهم بحمله قائلا بأبوة
- تعال هنا ايها الظريف
حمله تحت ذراعه كما يتأبط الجريدة تماما .... بينما بيده الاخرى حمل حقيبة اوراقه الخاصة ...خرجت حبيبة وشهقت قائلة باستنكار
- يا الهي ...احمل الولد جيدا يا زهير ....!!!!

اجابها بلا مبالاة وهو يفتح الباب

- انا احمله جيدا يا حبيبة لا تخافي عليه !!
هتفت بخوف وهي تلحقه بخطوات سريعة
- معدته ستنقلب زهير ارجوك !

قال وهو يخرج دون ان يلقي بالا بما قالته
- هيا حبيبة لا وقت لدي بسرعة
بينما عمر يضحك ويلوح بيديه وقدميه ... يتكلم مع والده بكلمات مبعثرة لا يفهم منها شيئا وكأنه يتمتع بطريقة حمل والده له
همست حبيبة بتعب ويأس
- زهير سيبقى لا مبالي كما هو ولن يتغير ابداً


...........................
..........................................
اربيل ظهراً

...............
تقف امام المرآة تمشط شعرها بشرود ... هاقد مضى ثلاث أعوام ونصف وهي لا تزال كما هي ... لم يتغير بها الا ملامحها الفتية التي زادت جمالا وفتنة مع دخولها لعمر الثالث والعشرين ....الكون حولها يتغير ويدور بسرعة ونشاط كخلية النحل وهي واقفة مكانها وكأنها تنظر لهم بعجز !
هاهي رضاب رزقت بطفلة جميلة ورقيقة كم احبتها حين ذهبت للمباركة لها !! وكم بدا منظرها رائعا وهي تضم طفلتها لصدرها يجلس جانبها زوجها الذي شاركها سعادتها اضعاف مضاعفة !!! وتبارك حامل بشهورها الأخيرة الان ...تنتظر الصبي الذي بدأت تعد له جهازه ذو اللون الازرق منذ الان !!! هي لا تحسدهم ويشهد الله ...لكنها فقط حزينة ومنكسرة الخاطر والفؤاد ليس من اجلها هي فحسب بل من اجل وليد المسكين الذي يحاول ان يبدو غير مبالي !!
من يراها يحسدها على هدوئها وصلابتها الا انهم لا يعلمون ما يشتعل داخل صدرها من نار حارقة لو خرجت لأحرقت الأخضر واليابس من حولها ... لا يعلمون بأنها مضطرة ... مضطرة على الصمت والسكوت ... وكأن شفرة حلاقه حادة عالقة بحنجرتها ... لاهي تستطيع ابتلاعها ولا هي تستطيع إخراجها لترتاح ... يجب ان يتزوج .. يجب ان يصبح له ولد من صلبه ... خاصة بعد ان فشلت حتى تجربة طفل الأنابيب الذي اجرته العام الماضي ... والذي كلف وليد ثروة طائلة وقد فشلت العملية ولم ينجح الحمل الذي استمر اقل من عدة ايام فقط !!

تدمرت نفسيتها .... انطوت على نفسها اكثر .... انطوائها لم يكن جسديا بل نفسيا ...فهي كانت تشاركهم الجلوس والكلام ...غير ان هناك شيء في داخلها انكسر ...اخر امل تعلقت به وفشل .... تقضي اغلب الوقت في المنزل خاصة بعد ان تخرجت من الجامعة .... حتى المزرعة اصبحت تذهب اليها بأوقات متباعدة .... في الصباح كانت تلهي نفسها بالأعمال المنزلية او تشارك والدتها وخالتها في اعداد الغداء .... وفي فترة الظهيرة تلعب مع ابن زهير ....الذي اصبح يحبها ويأنس لها كثيرا ....
تعرف ان وليد لن يتحمل .. لن يتنازل عن الأبوة لأجلها حتى لو ادعى واصر على رفض فكرة الزواج الا انه بالنهاية سيحن ... للان نظراته الحنونة التي تتبع عمر اينما ذهب تطعنها وتؤلمها بشدة .... ربما لا بل بالتأكيد سيفعلها ويتزوج سراً في يوماً ما ... اجل حتما سيفعلها ويضعف في النهاية ..... عندها لن تسامحه ابدا حتى لو كانت تعشقه حد النخاع ... لن تسامحه ....السماح سيكون امرا مستحيلا خاصة مع امرأة تحب زوجها وتغار عليه بجنون !

اغمضت عينيها عندما احست بدخوله .... ظلت تمشط شعرها تدعي اللامبالاة ... بينما فستانها الصيفي الخفيف كان يظهر منحنياتها امام عينيه العاشقة بوضوح تام ... أشعه شمس الظهيرة اخترقت الستائر والقت بضوئها على جسدها وشعرها الذي بدا وكأنه سرق من الشمس خيوطه وتوهجه ..... كل يوم تزداد جمالا فوق جمالها ... رغم غضبه منها مؤخرا ..لانها عادت لإلحاحها السابق بل إلحاحها الان اصبح اكثرا ضغطا و ازعاجا ... الا انه لا يملك الا ان يسامح تلك المجنونة .... كيف .. كيف تفكر بأنه ممكن ان يوافقها على فكرة الزواج ! رباه هو لايستطيع النظر ...مجرد النظر لفتاة غيرها فما بالك بأقامة علاقة !!!
تقدم منها ببطء شديد الى ان وقف خلفها ثم احتضن خصرها بذراعيه القويتان غارساً انفه برقبتها يستنشق عطر الزهور الجبلية المنبعثة منها ... مرر لحيته على بشرتها ليدغدغها كما في كل مرة ... فهي تتتذمر من هذه الحركة وتظل تضحك وتتوسل به ان يكف ويبتعد عنها الأمر الذي يجعله يزيد من أغاضتها وكأنها طفلته الصغيرة .... التقت نظراتهما الصامتة في المرآة ... مشت عينيها بلهفة وعشق على ملامح وجهه التي زادت مع تقدم السنين وقارا وجاذبية ... لحيته وشعره اللذان غزاهما اللون الفضي بكثافة اكثر من السابق ... وهذا لم يجعله يبدو بعينيها الا اكثر وسامة وهيبة ...... احتضن خصرها بذرعه بينما مشت يده الاخرى على معالم انوثتها بجراءة .... لكنه تجمد وتوقف عن الحركة حين تنهدت وهمست بأصرار
- وليد ارجوك ان كنت تحبني وافق على موضوع الزواج ارجوووك من اجلي ؟!!!

ابتعد عنها وأدارها ناحيته وهو يضغط على كتفيها قائلا بصوت منخفض وحاد
- ألازلت تفكرين بهذا الأمر التافهة ؟!
لترد عليه بتوسل
- ليس تافها وليد ...ليس تافها ..انت يجب ان تتزوج ويكون لك اولاد ما ذنبك لتعيش محروما من الذرية بينما الحل بسيط وسهل جدا !!
أجابها بصوت اجوف وبارد
- ومن قال لك بأني أعاني من الحرمان ؟!!! يكفيني وجودك جانبي !!
هزت رأسها وقالت بتسرع
- لا ..لا يكفي ...وكف بالله عليك من ادعاء المثالية ولا تمثل دور المضحي

اتسعت عيني وليد عندما سمع ما قالته ...ليشتعل لهيب الغضب داخله ويمتد منعكسا على معالم وجهه ليجيبها بغضب مشوب بنبرة عتاب جعلتها تكره عجزها وحياتها ونفسها ايضا ...هي جرحته وتعلم ذلك جيدا لكنها لا تعرف كيف خرجت هذا الكلمة الغير مقصودة من فمها لقد أتعبته وتعبت هي ايضا .....
أجابها بصوت عالي وحاد
- يكفي ..يكفي ...ما بك غسق ..الا تملين ..الا تتعبين من تكرار نفس الموضوع كل عدة أسابيع !!!! لقد تماديت كثيرا ... تماديت اكثر من اللازم .... لقد وصل الحال بك للتفوه بكلام اقسم لو انك كنت قلتيه وانت بحالة أخرى لكنت عاقبتك بشدة واريتك وجهي الاخر ... اما الان فانا فقط اصمت واصبر على جنونك هذا لاني مقدر ومتفهم للحالة التي تمرين بها لكن طاقة صبري قد نفذت أأكد لك ذلك وربما اتصرف معك بطريقة اخرى لن تعجبك ابدا !!
هتفت ببكاء وعناد
- ها انت قلتها وليد تقدر حالتي ..اي انك تشفق علي ..وانا لا اريد الشفقة ...تزوج امام عيني افضل من ان تتزوج سرا ...اقسم بالله يا وليد ان فعلتها فأنت فعلا ستخسرني والى الابد ..سمعت الى الابد

هتف بغضب وقوة غير مبالي فيما لو سمع احدا ما شجارهما فهو بالفعل لم يعد يتحمل اسلوبها المستفز في الكلام
- الكلام معك ضائع ولا طائل منه ابدا ...وكأنني اكلم الحائط ...اتعلمين شيئا ...سأترك المنزل لك لتتشاجري مع الجدران ومع نفسك !!
قالها وغادر الغرفة بسرعة وكأن شياطين الارض تلحق به بينما تبعته غسق وهي تهتف ببكاء وحدة
- وليييييد انتظر .....وليد هذه ليست طريقة للتفاهم وليييييييد

لكنها لم تسمع ردا منه الا صوت الباب وهو يصفق بقوة .... مسحت دموعها واستدارت لتعود ادراجها لكنها تجمدت عندما شاهدت والدتها تقف تنظر اليها بعينان دامعتان تقف جوارها خالتها سعاد تنظر لها هي الاخرى لكن بعتب وتأنيب ..لتصرخ بوقاحة ولاول مرة تفعلها وتثور بهذا الشكل
- لا تنظري لي بهذا الشكل خالتي .... انا اعرف انك تريدين ان تري اطفاله .... لكن ماذا بيدي ان افعل اكثر من هذا لترتاحي ؟!!! ها انا اتشاجر معه يوميا ..ادفع بزوجي وحبيبي لكي يتزوج بأخرى ويحضر لك حفيدك الذي تتمنينه ..... لكنه يرفض ... يرفض ..ماذا افعل ..هل اقتل نفسي لترتاحوا جميعا !!!!!
قالتها وغادرت مسرعة وصوت شهقاتها تكاد ان ترج ارجاء المنزل ...ظلت سعاد واقفة ...جامدة في مكانها تطالع اثرها بتجهم وصمت لتقول سعدية بحرج وخجل
- هذه الفتاة قد جنت واصبحت وقحة جدا ...لا تأخذيني يا سعاد الان حالا سأذهب والقنها دراسا لن .....
قاطعتها سعاد بهدوء وقالت

- لا بأس يا سعدية انا سأذهب وأتكلم معها ...
- لكن ...
قاطعتها مرة اخرى بصرامة
- قلت انا سأذهب ... ارجوك ..احتاج لان اتكلم معها على انفراد
هزت راسها باستسلام وهي تراقب خطوات سعاد التي ابتعدت عنها بهدوء لتهمس بحزن وغم
- فليهدك الله يا ابنتي ويطفئ النار المشتعلة في قلبك ..انا اشعر بك وأعذرك لكن ماذا بيدي ان افعل ... كل شيء مقدر ومكتوب !!

.........................
.....................................

دلفت سعاد الى الغرفة بهدوء وهي تنظر لغسق التي كانت تجلس على الفراش تحتضن ساقيها بقوة دافنه وجهها بينهما .... تشهق بشهقات خافته .... تقدمت وجلس قبالتها على السرير وقالت بحنان وهي تمسح رأسها برفق
- غسق ...
رفعت غسق رأسها بسرعة ثم قاطعتها بلهجة معتذرة وكأنها أحست بفداحة ما فعلته قبل لحظات ..فهي فعلا لم تعد تعرف نفسها ... أصبحت حادة وعدائية مع الجميع ....رباه هل ستجعل الكل ينفر منها ويكرهها !!!
- انا آسفة خالتي ...اسفة لأني تكلمت معك بتلك الطريقة ...لكني اتألم واتمزق من الداخل ولا احد يشعر بي ... احاول إسعاده على حساب سعادتي وكبريائي ... لكنه يرفض ...يرفض الحل المنطقي لمشكلتنا المعقدة !والتي لا حل لها الا بالزواج !!

سحبت سعاد نفسا عميقا ثم استغفرت الله بخفوت وقالت
- لا تعتذري يا غسق ...انا لست غاضبة منك ..انت بمثابة ابنتي .... وبالنسبة لموضوع الاطفال ف...
مسحت غسق وجنتيها وقاطعتها بخفوت
- لقد سمعتك في مرة من المرات ودون قصد مني عندما تحدثت معه في المكتب بشأن التفكير بالزواج من اخرى !
اتسعت عيني سعاد بصدمة وذهول وقالت مبررة بحرج
- غسق يا ابنتي انا ...
قاطعتها مرة اخرى بكآبة وهي تسبل اهدابها
- - لا تقولي شيئا خالتي .. انت معك حق ...وانا من حينها ادركت الصواب والذي يجب ان يكون .... اصبحت الح عليه لكي يتزوج حتى اني اخترت له العروس في وقتها ...لكنه عنيد ...وكما ترين يرفض الفكرة رفضا قاطعا ماذا عساي ان افعل لأقنعة ؟!!!
صمت سعاد وهي تشعر ولأول مرة بأنها محاصرة بين خيارين متعبين ..... فمن جهة هي تحب غسق كثيرا وتعتبرها كأبنتها تبارك بالضبط ومن جهة اخرى وليد ولدها البكري واول فرحتها من حقها ان ترى له اولادا قبل ان تموت بحسرتها عليه !! الحيرة والحزن يكادان ان يفتكا بها

- اعذريني يا غسق ... اعذريني يا ابنتي ...انا اعلم ان الامر صعب عليك ...اقسم لك لو كانت تبارك قد مرت بظروف مشابهة .....
قاطعتها غسق بسرعة وصدق وهي تمسح دموعها
- باسم الله عليها خالتي فليحفظ الله لها حملها وزوجها ..انا لا اتمنى حتى لعدوي ان يكون بموقفي هذا ..اسأل الله ان لا يحرم اما من ولدها ولا يحرم اي امرأة من نعمة الإنجاب ....
لتردف باختناق ودموعها تعود لتنسكب مرة اخرى
- هذا قدري وانا راضية به الحمد لله على كل شيء
اقتربت منها سعاد واحتضنتها بقوة وحنان وهي تهدئها وتمسح شعرها بأمومة
- رضي الله عنك واقر عينك وعين ولدي بالولد الصالح ...موضوع الزواج انسيه الان ياغسق ولندع كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى ....
ثم اردفت بابتسامة صغيرة وهي لا تزال تحتضن غسق التي القت رأسها على كتف خالتها بطفولية
- اتصلي به حبيبتي ..اتصلي وصالحيه وليد لا يستحق منك هذا الجفاء والعناد

همست غسق باختناق وخجل
- لقد خرج غاضبا مني ربما لن يرد على مكالمتي !!
- بل سيرد وليد ورغم طبعه الحاد الغاضب الا انه يهدأ ويسامح بسرعة صدقيني ! مابك الم تعرفي طباعه رغم مرور سنوات على زواجكما ؟!!!
هزت غسق رأسها وهمست قائلة بصوت مرتجف وابتسامة صغيرة رغم دموعها المتدفقة على وجنتيها
- حاضر خالتي سأتصل و أصالحة من لي غير وليد في هذه الدنيا !!

..........................
...................................

البصرة مساءا


صدفة التقينا ..
وماأجملها من صدفة
لم نعرف بعضنا من قبل ولم نخطط لهذا
معك غدوت امرأة اخرى
كل ما أتعبني قبلك حزم أمتعتهُ ورحل ملوحاً للوداع
...................

دلفت للغرفة وهي تلف المنشفة على رأسها .... كانت ترتدي قميص نوم بلون الشكولاته الذي يشبه لون عينيها .... جلست امام المرأة تمشط شعرها المبلل وهي تنظر لمعاذ الذي كان يجلس على طرف السرير منحنيا يداعب وجنة يقين الممتلئة ... كانت تنام بعمق وهالة البرائة تحيط بها ..... كم تغيرت حياتها منذ ولادتها لطفلتها بل حتى قبل ذلك ... منذ التقت به وهي تعيش بعالم خيالي وساحر حتى مشاكلهم الزوجية تكاد تكون معدومة ... فمعاذ رجل متفهم وحنون
لا يتشاجر معها ابدا ... ملك طفلتها الجميلة اصبحت الان في المدرسة في بادئ الامر عندما لاحظت اهتمامهم بيقين كانت تشعر بالغيرة ...حاولت قدر استطاعتها ان توزع الحنان والعاطفة الامومية بينهما بالعدل والتساوي والحمدلله ...بعد مرور فترة قصيرة استطاعت ان تقرب بين الطفلتين ...كانت تشجع ملك على الاعتناء بها وتقول لها دائما هذه شقيقتك الصغرى اعتني بها جيدا ....بدهاء وذكاء منها كانت تترك يقين معها وتذهب لتكمل اعمال المنزل ....وبالفعل زاد التآلف والتقارب بينهما بسرعة كبيرة .....
تذكرت يوم ولادتها عندما داهمها آلم المخاض ... كيف كان يتصرف بخوف وذعر .... كيف كان يمسك يدها بقوة وهو يدعي تاره ويقرأ القرآن تارة اخرى قبل ان يدخلوها لصالة الولادة ... كيف حمل طفلته اول مرة وكيف أكد للمرضة ان اسمها يقين !! فهي قد توقعت ان يغير رأيه بعد ولادتها الا انه اثبت لها بأنه رجل بحق قولا وفعلا ....وما زادها تصرفه هذا الا حبا وعشقا به اكثر واكثر !
وضعت الفرشاة على المنضدة والتفتت اليه هامسة بتذمر
- اتركها لتنام معاذ لقد اتعتبني كثيرا !!
اجابها وهو لا يزال يمرر ابهامه على وجنتها الوردية ...كانت طفلته جميلة جدا محبوبة كقطعة السكر ... بعينين زيتونيتين ورثتهما عنه وبشرة مخملية ناعمة وشفافة ..مكتنزة الجسد وكأنها دب الباندا الصغير ...خديها ممتلأن وورديان خلقتا للاكل والقبل
- اشتقت اليها كثيرا ...هذه الماكرة اصبحت تشغل تفكيري طوال والنهار ..اتخيل ضحكتها وانا في العمل بين العمال !!
قالت رضاب وهي تتصنع الغيرة
- تشغل تفكيرك ؟!!! وماذا عن والدتها المسكينة !!
التفت لينظر لها بغمزة صبيانية وهو يقول بمكر
- والدتها تشغل القلب والروح ولا احد يستطيع ان يأخذ مكانها ابدا !!
ابتسمت ونهضت متجهة الى السرير .... تمددت جانبه ووضعت ذقنها على ذراعه تشاركه النظر اليها قائلة بحنان
- لقد سمعتها اليوم وهي تقول بابا !!
التفت لينظر اليها بلهفة وسعادة
- حقاً !!! هل قالت بابا !!!
هزت راسها مؤكدة
- اجل ...هي في الحقيقة لم تقل بابا بالحرف الواحد لكنها تمتمتها بحروف مبعثرة ومبتورة ..
تنهد بعمق وقال وهو يسحب زوجته الى احضانه
- آه طفلتي ..تحب والدها جدا ...هذه الفتاة ستكون حنونة مثلك حبي !
همست وهي تمرر اصابعها على لحيته المشذبة
- بل مثلك انت ..انت بطلي يا معاذ !
بحركة سريعة سحبها لتكون ممدده فوقه ليقول وهو يدعي البراءة وعدم الفهم
- بطلك !!!
هزت رأسها بأبتسامة واسعة بينما اطراف شعرها الرطب كانت تلامس وجهه من الجهتين
- اجل بطلي
- مثل هرقل تقصدين ؟!!!!!
قربت وجهها منه حتى لمس انفها انفه وهمست بنعومة وجدية وهي تركز بعمق عينيه الحنونتين
- اجل يا معاذ اجل ....
غلغل اصابعه بخصلات شعرها الحريري بينما اصبحت عينيه داكنة وعميقة .... ورد قائلا بصوت خافت و مبحوح قبل ان يسحبها ليتناول شفتيها برغبة جامحة لم تنضب او تقل يوما
- اذن سأريك الان ماذا سيفعل بطلك هرقل مع حبيبته ! انت من جنيت على نفسك !!

وكالعادة اخذها معاذ برحلة ورية ودوامة لا تنتهي من دوامات عشقة اللامتناهي ..... وانتهت ليلتهم بليلة جامحة وحارة تماما كما يفعل كل ليلة !!

......................
.......................................

اربيل
.........

اسبوع كامل مر على خروج وليد من المنزل غاضبا منها .... اسبوع وهي تتصل به ولا يرد لا على اتصالاتها ولا على رسائلها ... فقط كان يقرئها بصمت .... اين ذهب .... اين ينام وماذا يأكل ؟!!! تبا لها هي السبب ...اجل هي .... لقد حولت حياتهم الهادئة الجميلة الى جحيم لا يطاق ... لقد ترك المنزل بسببها هي ..هي ....
الخالة سعاد قالت بأنه يتصل بزهير بين الحين والاخر يقول بأنه مشغول بعمل مهم جدا ولن يستطيع العودة الان !!!
هو يكذب بكل تأكيد ...عدم رجوعه للمنزل ....كان بسبب المشاكل والمشاجرات التي تفتعلها بغبائها .... بعنادها وإلحاحها المقرف جعلته ينفر من وجوده قربها ... ربما اصبح يكرهها الان رباه !! هل حقا وليد بدأ يكرهها ؟! هل تحول كل ذلك العشق والحب العاصف الى كره وبغض ... هي حقا لم تكن تعرف لما كانت تعانده وتلح عليه !! كانت تعرف بأنه سيرفض الفكرة كلما عاودت طرحها عليه وهذا كان يسعدها ويجعلها تلح اكثر واكثر ... وكأنها برفضه المستمر هذا تزداد طمأنينة وراحة !!
لكن يبدو انها أخطأت كثيرا وتمادت برعونتها .... فقط فليعود وهي تقسم على عدم فتح الموضوع معه مرة اخرى ..... لا تعرف ماعليها فعله والى من تلتجئ ...اين من الممكن ان يكون قد ذهب ؟!
لقد سألت حتى زهير عنه الاخير الذي قال لها بصدق بأنه لا يعرف مكانه ...هو يتصل ليطمئن عليهم فقط !!! حتى المزرعة لم يذهب اليها ايضا .... تركها بعهدة عبد العزيز ...هذا ما أخبرته لها تبارك !!!

الكل كان ينظر لها بعتاب صامت والدتها والخالة سعاد وحتى زهير وحبيبة .... هي مذنبة وغبية وتعترف بذلك .... يا ليته يعنفها او يصرخ عليها او حتى يضربها والله سترضى بذلك فقط فليعود الى المنزل ويكون امام عينيها ....

........................


نهاية الفصل

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن