23

251 14 0
                                    


الفصل الثالث والعشرين
.......................
أحبك وأحب كل من يحبك
وأحب الورد جوري عبنه بلون خدك أحبك
حبيت ورد الرمان خدك شقائق نعمان
حبيت عود الريحان ميال يشبه قدك
احبك
...............
كلمات الأغنية تصدح في ارجاء السيارة ... الصمت ممتد بينهما لاتقطعه الا نظرات العيون العاشقة ....منذ الساعة السادسة صباحاً ...اتصل بها وليد لكي تتهيئ للذهاب الى الجامعة ... حماسه ونشاطه جعلت الراحة تتسلل داخلها رغم الخوف المسيطر عليها منذ ليلة امس ... اصابعها تسللت رغماً عنها لذلك الجرح الغائر في معصمها والذي يذكرها بضعفها وانهزامها الذي تحاول ان تتناساه بقوة ... لتشعر فجأة بيده السمراء الدافئة تحتضن كفها المرتجف ... التفتت تنظر له بأبتسامة ناعمة بينما هو يكاد لايشبع من التحديق المستمر لها ..... وكأنه يشعر بكل اختلاجاتها وكل ما تفكر به .. حيرتها وضعفها ... خوفها وترددها ....
عندما توقفت السيارة امام باب الجامعة خفق قلبها بعنف ورهبة كانت على وشك البكاء لكن صوته الرجولي المطمئن بث داخلها الهدوء والشجاعة حين قال
- لا تخافي غسق ...ادخلي بثقة ورأس مرفوع ...لاتهتمي لأحد ولاتعيريهم ادنى انتباه !
رمقته بأبتسامة صغيرة ليكمل بصدق وحنان وهو يستدير بجلسته ليمعن التركيز بوجهها الشاحب بينما يده تضغط على يدها بتشجيع
- ثقي ياغسق لو ان دخولي للجامعة كان مسموحاً ...اقسم بالله العظيم لدخلت معك وجلست في قاعة المحاضرات ملاصقاً بك ِ الى ان تملي مني وتطرديني بنفسك !!!!
ضحكت بخفوت ووجنتاها تتحول للون زهري محبب يشبه لون الحجاب الذي تلفه حول رأسها برقة ... لتهمس بحرج
- ليس لهذه الدرجة وليييييييد ...
ليجيبها وهو يثبت نظراته العميقة على عينيها الزائغة
- بلا غسق لهذه الدرجة واكثر ... والان ..كوني قوية من اجلي واجلكِ وصمي اذنيك عن السمع وسترين النتيجة !!!
ترجلت من السيارة تحت انظاره المنتبهة لها ...كان يشيعها بعينان عطوفتان متفهمتان ...يعرف جيداً انها مرتبكة وخائفة ...ربما معها الحق بهذا الشعور ..لكنه متأكد من انها ستتخطى هذه المشكلة ... قد يكون اليوم الاول صعباً عليها ..لكنها ستعتاد وتواصل ..بل يجب ان تواصل ...وهو سيبقى جانبها وقربها الى ان يتأكد من ان صغيرته اصبحت بالفعل قوية ...شجاعة ...
وبالفعل حاولت قدر الإمكان ان تتجنب وجودهم وهم ايضاً تجنبوا وجودها وكأنها غير مرئية بالنسبة لهم ... وان كانت الانظار متوجهة ناحيتها في بادئ الامر ... حتى صديقتها دلجين او من كانت تظنها صديقة لها كانت تتحاشها وتبتعد عنها ... وكأنها كيس قمامة سيصيبهم القرف لو اقتربوا منها ... لكن رغم ذلك كان هناك عدة فتيات تنازلن واخبرنها عن المواد السابقة ... لكن بكلمات مقتضبة وببرود شديد .. كانت مضطرة لسؤالهم ...كما ان الاساتذة كانوا متفهمين ومتعاونين معها جداً وهذا ما اراحها كثيراً ..
حسناً في الحقيقة هي فعلا ليست مهتمة بهم ...فليفكرو كما يريدون ... وجود وليد بالأضافة لمساندة عائلتها اشعرها بالأمان ..الأمان الذي افتقدته سابقاً عندما كانت تعمي عينيها وتغطيها بتلك الغشاوة السوداء ويسكن داخلها الروح المتمرة التي للان تشعر بالخجل كلما تذكرتها !!!
.........................
.....................................
يجتمعون حول مائدة الطعام يتناولون العشاء بجو حميمي يتجاذبون اطراف الحديث بسعادة ... الكل كان موجوداً ماعدا رضاب التي اصبحت تقضي اغلب وقتها بغرفتها رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها حبيبة وتبارك بالإضافة الى خالتها بمحاولة منهن على اقناعها للنزول والجلوس معهم .... هاهي اوشك اتمام الثلاث اشهر على وجودها في اربيل و حالتها تزداد سوءاً وتباعداً يوما بعد يوم خاصة منذ رحيل ملك .... رغم ذهابها الى الطبيبة التي اخبرت تبارك بوجوب تكرار الزيارة اسبوعياً .... ورغم تفائلها الا ان رضاب كانت فاقدة الثقة بنفسها لدرجة ميؤسة منها ....
قالت سعاد فجأة وهي توجه حديثها لزهير
- زهير يا ولدي غداً خذني لمنزل عائلة سلمى !
قطب قائلا بجمود
- لماذا ؟!
اجابت بطيبة وعفوية
- هل نسيت والدة سلمى مريضة ويجب ان ازورها ..انها الأصول يا ولدي !
ضحك ساخراً ثم اجابها ببرود والكلمات تخرج من فمه دفعة واحدة بل وكأنه يحمل هماً فوق اكتافه يريد التخلص منها
- لا داعي امي هي ليست مريضة بل لم تكن مريضة من الأساس ...ثم سلمى صفحة وطويتها من حياتي .... لقد طلقتها وانتهينا !

طلقها !!!! همستها بسرها وقلبها يكاد يتوقف من شدة خفقانه ....يالله طلقها ...طلقها !!! اي انها لن تراها بعد اليوم ! لن تبكي على وسادتها ليلاً ....لن تحترق بنار الغيرة وهي تراها متعلقه في ذراعه ... زهير الرجل الذي حلمت به سراً وتمنته زوجاً لها بكل جوارحها ... و منذ نعومة اظفارها اصبح ... حراً ..حراً .. يالله ...يالها من سعادة تلك الي تشعر بها ....ربما لم تشعر بهذه السعادة طوال حياتها .... رفعت نظراتها لتصطدم بعينه العسليتان العابثتان .... كان ينظر لها بجراءة وتركيز ... غمز لها بشقاوة لتحمر خجلا وتسبل أهدابها من جديد ...وقح ... ومتعالي ... لن تنسى مطلقاً قبلته المهينة ... التي جعلتها تشعر بالرخص ...رغم انها تحبه وتعشق التراب الذي يسير عليه الا ان مافعله لايغتفر ابداً ابداً .... لقد ظلت طوال الليل تحلم بالكوابيس المزعجة ...هذه هي المرة الاولى التي تتعرض لهذا الموقف ! بل لأول مرة تشعر وكأنها لم تعرفه بحياتها ابداً .. لم تعد تثق به .... كيف تثق وتستطيع ان تتواجد معه بمكان واحد وبمفردهما دون ان تتذكر قبلته تلك !!!
رباه للان تشعر بأنفاسه تلمس روحها قبل وجهها .. يديه التي امسكتها وكبلتها بقوة ...عيناه اللامعة التي احتوتها ولفتها بجدار عازل ومتملك .... رائحته الثمينة التي تسربت لخياشيمها .... ادعت الاكل وهي منتبهه لكل كلمة يتفوهه بها هذا المجنون المتقلب

قالت سعاد بتعجب ودهشة بينما شعور بالراحة تسلل اليها فهي منذ البداية لم تكن موافقة على هذا الزواج ... سلمى من بيئة تختلف كل الاختلاف عن بيئتهم .... ليس فقط بسبب الفرق الطبقي بينهم بل بسبب تربيتها المنفتحة ودلالها الزائد ... لكن رغم ذلك شعرت ببعض الشفقة عليها فليس سهلا ان تأخذ الفتاة لقب مطلقة في مجتمع لا يرحم فئة المطلقات والأرامل
- لكن لماذا ياولدي مالذي حصل ؟!
اجابها بجمود وهو يقلب الطعام بالملعقة
- نحن مختلفان امي ..انا بالشرق وهي بالغرب ...
قالت سعاد بصدق
- ربما يمكننا إصلاح الخلاف بينكم !
ابتسم بتهكم وهو يهمس داخله بمرارة ...إصلاح ماذا ؟! إصلاح فضيحتها لنا ام إصلاح رغبتها بوليد !!!! اجابها بلامبالاة
- لاشيء يمكن اصلاحة امي ..لقد طلقتها وانتهينا وللأبد
وجهت سعاد كلامها لوليد الذي كان يراقب شقيقه بصمت
- الن تقول شيئاً يا وليد !
اجابها وليد بهدوء ..فهو فعلا لم يكن ينوي التدخل في حياة زهير ..يكفي ما ناله جراء عناده وولائه المطلق لعائلته ... اجل زهير كان ولائه مطلق لعائلته فهو ضحى بنفسه في سبيل عدم انزال كلمة والده لكن بالمقابل كان الثمن الذي دفعه خلال تلك الاشهر الماضية غالياً جداً ..صحيح هو لم يكن يشتكي له بعد تلك المرة الوحيدة التي نصحه بها الا انه كان يشعر بنفوره وعدم تقبله لزوجته ...اعتقد في بادئ الامر ان ما بينهما مجرد مشكلة بسيطة وستحل بالتفاهم لكن لا ... اذ يبدو ان شقيقه فعلا لايرغب بها ..الطلاق ابغض الحلال عند الله لكنه يظل حلالا حين ينعدم التفاهم والمودة بين الزوجين ... وهو لن يدفع بأخيه لاقتراف الخطأ مرة اخرى والنتيجة الحتمية لزواجه ايضاً الفشل

- انا اثق بقرار زهير امي ...ومتأكد من ان هناك اسباب قوية جدا ومقنعة اجبرته لأتخاذ هذه الخطوة !
عم الصمت بينهم لعدة دقائق لتقطعه سعاد قائلة
- فليكتب الله الخير لكم جميعاً ...انا لايهمني شيء في هذا الدنيا إلا سعادتكم ..لكن مع ذلك اشعر بالشفقة عليها انا لدي بنات ايضاً واخاف الله فيهم ...وما لا ارتضيه لبناتي لا ارتضيه لبنات الناس ايضاً
اجابها زهير ساخراً
- اطمئني اماه هي كانت مرحبة بهذا الأنفصال بل كانت تتوق له !!
ثم وجه كلامه لتبارك
- تبارك من فضلك اذهب في وقت فراغك واجمعي اشيائها ومتعلقاتها في الحقائب وان لم يكن عندكِ مانع خذيه لمنزلهم ..لا اريد اي شيء يذكرني بها
اومأت تبارك متمته بخفوت
- حاضر اخي كما تريد !
ثم عاد ليوجه نظراته العميقة الوقحة ناحيتها .... يتتبع حركاتها دون هداوة ولا خجل من وجود العائلة كلها ... حاولت التهرب من هذا التحديق المستمر حين قالت لوليد بخجل
- وليد متى ستنفذ ما طلبته منك !
ابتسم وليد قائلا
- ان شاءلله غداً سأذهب لوزارة التربية واستفسر عن طلبك
قال زهير مقطباً بجمود بينما اشتعلت نيران الغيرة بقلبه من جديد ...هو يعرف انه سيكون غبياً واحمقاً ان شعر بالغيرة من وليد المتيم بحب زوجته لكن شعوره هذا ليس بيده هو يغار عليها فقط
- خيراً ان شاءلله ..شاركونا مخططاتكم السرية هذه !!!
اجابت غسق بسرعة و بابتسامة واسعة وهي تنظر لحبيبة بسعادة
- لقد قررت حبيبة ان تقدم على الامتحانات الخارجية للدراسة الإعدادية وطلبت من وليد المساعدة !
كتف ذراعية وتراجع الى الوراء قائلا بنبرة غيورة وغاضبة بينما عيناه تنظر لحبيبة بتوعد
- اهااااااااا .... امتحانات خارجية !! وانا اخر من يعلم في هذا المنزل ؟!
كتمت تبارك ابتسامتها وهي تبادل غسق النظرات المتفهمة لغيرة زهير الفاضحة بينما ظهر التعجب على الوجوه الباقية لتجيبه تبارك ببراءة
- والله نسينا ان نأخذ رأيك الكريم سيد زهير اعذرنا لهذا التقصير ...لكن حبيبة لم تخبرنا قرارها الا قبل عدة ساعات مضت ...
ثم اكملت بمكر وهي تنظر له
- والان هاقد عرفت هل لديك مانع ؟!
قال بأستياء وتذمر وهو مقطب الحاجبين
- ابداً لما امانع !! لكن انا من سيذهب لتقديم الطلب بعد اذن وليد طبعاً
اومأ وليد قائلا بهدوء
- حسناً لا فرق بيننا ..اذهب انت غداً واكمل الإجراءات اللازمة !
نظر لحيبية التي كانت تتابع مايجري بصمت وقد علت ملامحها الرفض من تدخله الا انه ابتسم منتصراً وهو يرفع حاجبيه مع ابتسامة سمجة ومغيضة ... ثم قال لوالدته بنبرة متوسلة بينما عيناه تنظر لها نظرة كلب مشرد
- اماه بما اني أصبحت وحيداً من جديد ..هل يمكنني العودة للعيش بغرفتي السابقة ؟!
اجابت سعاد بحنان وقلبها يتقطع الماً على ولدها الصغير خاصة وهو يرمقها بعينان حزينتان
- ياقلب والدتك ..بالتأكيد غرفتك موجود تنتظرك لقد قفلتها واخفيت مفتاحها بصندوقي الاثري القديم ..
ابتسم قائلا ببراءة وهو ينظر لحبيبة
- من فضلك حبيبة هلا فتحتها ونظفتها لي الان ... اقصد بعد العشاء ... سأجلب ملابسي واعود الي.....كم ..
اراد القول اعود اليكِ ... الا انه تدارك نفسه في الوقت المناسب ...ملامحها المتجهمة الغاضبة تنعشه وتجعله ينسى كلمات تلك الحقيرة التي قذفتها بوجهه دون خجل او حياء ... الان انتهى كل شيء ..الامور تسير بمسارها الصحيح والذي سيؤدي حتما للزواج منها ...من حبيبة ...التي تسللت لمسام جلده بهدوء وسرية .... سيفاتح عائلته بأمر الزواج لكن ليس الان سينتظر بضعة اسابيع او ربما ينتظر انتهاء امتحاناتها التي لايعرف كيف فكرت بها الان ! وعندها لاتوجد قوة ستمنعه عنها ... لأول مرة يشعر بالراحة والانانية لعدم امتلاكها لابناء عمومة او عمات ...اساساً والدها لايملك اخاً هي فقط شقيقة واحده وقد سافرت خارج العراق منذ فترة طويلة حتى قبل سقوط النظام السابق ..صحيح هي تتصل في اوقات متباعدة ... قد تصل كل عدة اعوام مرة واحدة الا ان وجودها من عدمة سواء فهي لم تهتم بهم يوماً ... قطعت كل علاقة لها مع سناء وبناتها خاصة بعد وفاة شقيقها الوحيد !!!
............................
.................
البصرة
..............
- هل انت جاد بما تفعله يا معاذ ؟! لقد ظننتك تمزح معها !!
قالتها والدته بتعجب واستنكار ... ليجيبها معاذ مؤكداً بينما يشارك والدته شرب الشاي في الصالة
- اجل امي .. لقد قررت الذهاب الى اربيل بعد غد !
وضعت قدح الشاي على الطاولة وقالت
- لست مضطراً للذهاب يا ولدي ..ثم هل سنجعل كلمة هذه الطفلة التي لم تتجاوز الخامسة تسير علينا !!!!
لم يكن ذهاب معاذ مقتصراً على اصرار ملك ...بل الفضول القاتل الذي كان يتأكله بلا رحمة هي من جعلته يسارع للذهاب ... اجل هو متشوق لرؤية تلك المرأة الغامضة ..التي اصبحت تشغل فكره وعقله مؤخراً خاصة وان ملك لا توفر جهداً لكي تذكرها كل دقيقة ... كيف تسرح شعرها ...كيف تغني لها ...كيف تلاعبها ... يالله هل يوجد هكذا حب !! انها معجزة من السماء ..كيف لطفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة ان تتعلق بأمرة غريبة لهذه الدرجة ؟! ربما هي تدابير القدر !!! كل شيء مقدر ومكتوب بعلم الغيب الذي لايعلمها الا الله تعالى ... ابتسم معاذ قائلا بتسلية
- لابأس امي الصغيرة متعلقة بها جدا وكما ترين هي لم تنساها ابداً
قالت والدته بأستياء وضيق
- لكن ياولدي انت لديك اعمالك ومصالحك ولست فارغاً لأخذها الى الشمال بين حين واخر !
اجابها بتفهم وصبر
- لا تقلقي امي لقد اتفقت مع حيدر على ان يسد وجودي خلال اليومين القادمين
اومأت قائلة
- حسنا يا معاذ افعل ماتراه مناسباً وليعينك الله على عناد تلك الطفلة التي لا اعرف من اين وثته
قهقه معاذ ضاحكاً وهو يقبل رأسها قائلا
- من ابي رحمه الله طبعاً ..الم يعاند الجميع لكي يتزوجك ام انك نسيتِ !!!
ابتسمت بحنين وقد هدأت ثورتها بلحظة واحدة
- اااه رحمه الله ...لم يكن هناك رجل يمتلك شهامة وشخصية والدك القوية الا انت !!
لتكمل بمكر وهي تنظر له بأمل
- ياليتك تجد من تعاندنا وتضرب عادات العشيرة عرض الحائط من اجلها !!
اومأ وقد تغيرت ملامحه المبتسمة ليحمل محلها الوجوم والعبوس وهو يعاود شرب الشاي قائلا بفتور
- الله كريم امي ... لا احد يعرف المخبئ له في المستقبل !
ليكمل بمرح مغيراً بمهارة دفة الحديث
- اين ملك ؟!
تنهدت قائلة باستسلام
- نائمة من شدة سعادتها !!
ثم اخذت تنظر لولدها الوسيم ..الذي يحسده الجميع على وسامته ورجولته بالإضافة لشهامته التي ورثها عن والده ... كل شيء فيه مكتمل ولا كمال الا لله ...لكن يتبقى شيء واحد ...شيء واحد يتحقق لتقص بمقص حاد تلك الألسنة التي لا تخاف الله ..والتي لاترحم ابداً ... يا الهي ...فقط لو يتزوج ...والله ستذبح عشرة خرفان وتوزعها خالصة لوجه الله تعالى ... لقد نذرت ان ترقص بيوم زفافه دون خجل وامام الجميع .... تنهدت وهي تهمس في سرها بحرقة ورجاء صادق ومن قلب ام محبة
" اللهم اهدِ ولدي ..اهده يارب وارزقه الزوجة الصالحة التي تسر قلبه وعينه "
............................
..........................................
اربيل
...........
دلفت لغرفته الذكورية التي للأن تحمل ذكريات جميلة في كل ركن منها .. فهنا كان يعطيها السكاكر ...وهنا كان يقص عليها القصص وهنا كان يشاركها اللعب في العابه الألكترونية عندما كان في بداية العشرين ....اااه منك يا زهير كم كنت مؤدباً ولطيفاً مالذي غيرك لتصبح وقح وتقبلها بذلك الشكل ..ال ..ال ..ال المدهش ... الرائع ... همست بصوت مسموع وهي تهز رأسها بقوة
- لالالا لم تكن مدهشة ابداً .. ولا رائعة ... كانت مقززة ومقرفة ... اوف .. تبا لك زهير ...جعلتني ابدو كالمجانين بالضبط !!!
تقدمت لتستبدل الشراشف بأخرى نظيفة ..أساسا غرفته كانت نظيفة لم تحتاج الى الكثير من التنظيف ..فقط مسحت الأرضية ...والطاولة التي بجانب السرير ... لا تعرف لماذا لم يطلب من تبارك ان تقوم بهذه المهمة !! ام انه تعمد ذلك لأغضتها فقط .... همست بتذمر وهي تتوجه للوسادة تحاول استبدال غلافها
- سيبقى دائما مصدر تعبي وعذابي ..البغيض سيعيش هنا ايضاً .... كيف ..كيف سأتحمل وجوده أمامي طوال الوقت !!
قطع عليها سيل الكلام صوته المسلي وهو يقول بتسلية
- من هو هذا المسكين الذي تتكلمين عنه بهذا الطريقة ؟!
التفتت تنظر له بذعر وهي تضع يدها على قلبها الذي اخذ يقرع بشدة لتقول وهي تزفر الهواء بحرارة
- زهير ..لقد ..اخفتني !!
استدارت تكمل عملها قائلة ببرود
- من المفترض والأصول ان تتنحنح قليلا ... ثم من فضلك اترك الباب مفتوحاً

تقدم ناحيتها وهو يرمي حقيبته ارضاً وبأهمال ... ثم يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بعتب وهو ينظر لها بمسكنة
- اترك الباب مفتوحاً !!! لماذا يا حبيبة هل انعدمت الثقة بيننا !! انا لازلت زهير ابن خالتك وسندك الوحيد !!!
ابتعدت عدة خطوات على الرغم من ان السرير كان يفصل بينهما
- اجل ..اجل انعدمت الثقة ..منذ ..منذ ..منذ ..اقصد
استدار بسرعة ووقف قبالتها قائلا بحرارة
- لا تقولي هذا الكلام حبيبة ....الثقة لازالت موجودة ..انا اكثر انسان يهمه امرك ...و يبحث عن راحتك ..
هتف قائلة بينما وجهها يتلون بحمرة الخجل التي يعشقها
- ابتعد عني رجاءاً .... اترك بيننا عدة خطوات فاصلة ... لقد اصبحت اخاف منك زهير ...
همس مقطباً وهو يقترب منها من جديد
- تباً يا حبيبة ...لماذا تخافين مني وانا ملجئ الأمان لك ؟!
همست بعينان دامعتان والكلمات تنساب من شفتيها بصدق وعفوية
- اجل اخاف منك ....تصرفاتك باتت تحيرني .... لا اعرف لماذا تتعمد إحراجي بهذا الشكل ..ارجوك زهير ..ان اردت فتاة تلهو معها لتملئ عليك فراغك ..ابحث عن واحدة غيري ..انا ابنه خالتك ..ارجووووك !!!
جلست على السرير تبكي بقوة وتشهق كالأطفال تماما ...تمسح دموعها تارة وتغطي فمها بكفها تارة اخرى ... بكائها كان حقيقياً ...نابعاً من صميم قلبها المتيم بحبه ..فهي بالفعل لن تتحمل فكرة ان زهير يتخذها مجرد لعبه يلهو بها ... ستموت ان نبذها وتزوج بأخرى ..ستموت حتماً ....

قطب زهير بأنزعاج بينما صدره ينقبض بقوة مؤلمة ....الى اي حد هي تراه مستهتراً ويتلاعب بعواطفها !!! هو لم يفعلها بمراهقته ليفعلها الان ومع من !! مع قطعة من روحه ...مع حبيبة ..حبيبة التي رباها على يده ...حبيبة التي اكتشف حبها العميق المتشبث داخله منذ الازل ...ربما منذ ان كان مراهقاٌ طري العود وهو لايدري ..كان كالمغيب ..الابله الساذج ..العنيد ..الذي عارض الكل واندفع لأتمام زواج غير متكافئ الاطراف والذي حكم عليه بالفشل منذ البداية ...تقدم ليجثو قرب ساقيها الا انها جفلت وابتعدت بسرعة ..امسك يدها بقوة وهو يركز عينيه الداكنة بعينيها المليئة بالدموع
- انا لن ابرر تصرفاتي لك حبيبة ... ربما ليس هذا هو الوقت المناسب ..لكن ثقي بأن شرفك هو شرفي ...تباً انت عرضي يا حبيبة ... اتفهمين معنى هذا الكلام ..عرضي الذي احافظ عليه من كل شيء واولهم من نفسي !!!
هتفت بمرارة ونبرة أتهامية بينما وجهها يتحول لثمرة حمراء ناضجة
- وقبلتك تلك ماذا تسميها ؟!!!
اجابها بتلعثم بسيط وهو يشيح بيده
- حسناً ..كانت ..كانت ..لحظة ضعف ولن تتكرر ..ثم انت استفزيتني ...
ليكمل كلامه بثقة ونبرة قوية وكأنها الملامة عن قبلته فعلا
- اجل استفزيتني ..اخبرتك مليون مرة ... يا حبيبة لا تضعي الماكياج ..يا حبيبة لا ترتدي الملابس الضيقة ..يا حبيبه لا تفردي شعرك باستمرار امام الناس .. لكنك تعاندين ..وهذه كانت النتيجة !
اجابت بعدم تصديق وعيناها تنظر له ببراءة شديدة وهي تشير لنفسها
- اذن السبب كان مني ؟! أهذا ما تقصده ؟!
أجابها بهدوء واصرار
- اجل انت السبب فيها
فغرت فاها الوردي بذهول مما جعل نظراته العسلية تنحرف ناحية شفتيها لا ارادياً ... ليعبس وهو يهب واقفاً يوليها ظهره بجمود .. يالهي فعلا وجودها معه بمكان منعزل بات خطراً ..هاهي الان تلك الرغبة البلهاء جاءت لزيارته من جديد ...توسوس له بأن يمددها على السرير ويلتهم شفتيها التهاماً .... قال بغضب وانزعاج
- ان اكملت عملك اخرجي من غرفتي ...
مسحت دموعها بينما كانت تحدق بظهره العضلي ببلاهة لكن مع جملته الاخيرة زمت شفتيها بطفوليه وهي تهمس بخفوت
- بعد ان قمت بتنظيف غرفته يطردني بدل ان يشكرني !
التفت وهو يرفع حاجبه بتعجرف
- نعم ؟!!! ماذا قلت حبيبة خانم ؟!
وقفت واتجهت نحو الباب بسرعة وهي تقول
- لاشيء ..لم اقل شيئاً ..تصبح على خير ..
تنهد هامساً بعشق بينما يرتمي بجسده على السرير
- تصبحين على سعادة يا حب عمري الوحيد
..................................
لندن
..............
يجلس امام الطبيب النفسي الخاص بمشفى الأمراض النفسية والعصبية .. الذي يقع في الأطراف البعيدة ... البعيدة جداً عن لندن ...تربط همام مصالح مشتركة مع هذا الطبيب لذلك كان اكثر من مرحب باستقبال حالة سناء .. حيث انكر معرفته بها كلياً ... كان يردد بأنها مجنونة ومشردة تجوب الشوارع على غير هدى ...
بدأ الطبيب كلامه قائلا بلغة انكليزية ماكرة
- لقد تم الكشف عليها وقد تبين فعلا انها تعاني من حالة نفسية عنيفة ... ممكن ان تؤثر سلبياً على سلامة العامة وسلامة نفسها وجنينها أيضا ...هل كنت تعرف انها حامل !
رفع همام حاجبيه بتعجب وقال وهو يقلب شفته السفلى
- حامل !!!
اومأ الطبيب مؤكداً
- اجل حامل والحمل أصبح تقريباً في شهره الثالث .... أتعرف والد الطفل ؟!
هتف همام قائلا باشمئزاز
- عن اي والد تتحدث .. ومن اين لي ان اعرف ؟!!! ما هي الا مشردة ونكرة تقضي اغلب وقتها في شوارع لندن وأزقتها القذرة .... الله اعلم مع كم شخص مارست الرذيلة تلك المجنونة والتي وجودها خارج قضبان المشفى لهو خطر كبير على سلامة المواطنين الأبرياء !!!!
ثم اضاف ببراءة تامة
- الا يمكن إجهاض الطفل ؟!
هز الطبيب رأسه قائلا ..فهو على الرغم من عدم نزاهته بالعمل الا ان إجهاض طفل وقتل روح بريئة لا يمكن ان يسمح بحدوث ذلك مطلقاً .... تحيره هذه المرأة التي منذ وصولها لم تنطق بحرف ..... فقط عندما سألوها عن اسمها قالت باقتضاب وبكلمة واحدة سناء !!!! هذا كل ما عرفوه عنها ..... لاشيء غير ذلك !!!
- بالتأكيد لن نجهضه ثم إجهاضه امر خطير على الأم .... خاصة لمن هم في مثل عمرها !!
ثم بدأ يتحدث معه عن بعض النقاط الواجب أتباعها مع سناء بينما همام يفكر بأنه الان قد تخلص من تهديد سناء وللأبد ..... من الجيد انه احضرها هنا ... لا احد يعرفها مجرد مشردة لا هوية لها ولا اهل يسألون عنها ...
تذكر كيف فتحت رضاب الباب عليهما وهما في فورة مشاعرهم المتأججة ... كانا متناغمين جداً ...جدا في الواقع .. وقد كان مستمتع معها بالفعل ... وكان ينوي اتخاذها عشيقة له ... خاصة وانها كانت مرحبة وسعيدة معه .. يتمتع معها لبضعة اشهر الى ان يتخلص منها بطريقته التي اعتاد عليها مع عشيقاته الاخريات ... بعض المال اوطقم من الماس .. وهكذا تنتهي العلاقة بالتراضي بين الطرفين ... لكنه ارتكب خطئان ...اولا لم يغلق باب الشقة بالمزلاج الخاص به وثانيا لم يستخدم الواقي الذكري عندما اقترب منها ... مما لا يقبل الشك ان هذا الطفل له .. من صلبه ..كما ان شهور الحمل متناسبة تماماً مع شهور اقترابه منا .. لكنه سيكون مجنوناً ان ورط نفسه معها ..ثم ما ادراه ان امرأة في الأربعينيات من عمرها يمكن ان تحمل بهذه السرعة !!!
رؤيته لرضاب التي تمددت على الارض غارقة بدمائها أصابه بالذهول والارتباك لبعض الوقت ..الا انه تدارك الامر وابلغ الإسعاف ثم قال لسناء بأنه سيلحق بها للمشفى بسيارته ..لكنه عوضا عن ذلك سافر الى العراق وقام برفع دعوة لكي يطلقها ... اخذت منه الإجراءات المطلوبة هناك بضعة اسابيع الى ان طلقها رسمياً .. ثم ارسل لهم خبراً بذلك ...مع المحامي الخاص به ..
بعدها عاد وسافر الى لندن وأقام في شقته الجديدة ... ظل هناك لبعض الوقت الى ان تخلص من رضاب ووالدتها نهائياً ... ثم باع شقته القديمة ونقل مكان عمله ..هو طبيب جراح تجميلي والف مشفى تتمنى ان يعمل لديها خاصة وان له هنا معارف كثر .. هم على اتم الاستعداد لتقديم المساعدة له دون عناء يذكر منه ...
لكنه ظل يتسائل عن مصير سناء وظل بعض الخوف والقلق من ان تثير له فضيحة يساوره بين حين واخر ..
لكن الان ...الان ... لقد انتهى منها والى الابد ... خاصة بعد ان قال عنها مجنونة ...والطبيب هنري اكد هذا الكلام ايضاً ...ببعض الأعمال النافعة المتبادلة مع دكتور هنري الجشع سيستطع ان يسيطر على كل شيء ... كما ان هذا الجرح السطحي بكتفه هو خير دليل على جنونها وتأرجحها النفسي ..سيتخذها حجة لأثبات الجنون عليها والتخلص نهائياً من وجودها !!!
...................
............................
اربيل
............
دلف الى المطبخ من الباب الخارجية ... زافراً الهواء بضيق وتعب ... لينتبه لتبارك وهي تقف امام المنضدة تصب العصير في كؤوس مرتبة على الصينية ... تقف جانبها حبيبة وهي تهمس لها وتضحك بخفوت ... قطب قائلا بجفاف
- لمن هذا العصير ؟!
التفتت له تبارك وقالت بهمس
- اششششش اخفض صوتك زهير لدينا ضيوف !
رفع حاجبيه قائلا باستخفاف
- ضيوف ؟!!!!!! ومن هم !!!
التفتت تكمل صب العصير بينما ابتسامة ماكرة ظهرت على شفتيها وهي تجيبه ببراءة زائفة
- امرأة لا اعرفها تماماً ...لكني رأيتها في الحفلة يبدو انها صديقة قديمة لأمي
نقل نظراته بين حبيبة المبتسمة التي لا تبالي لوجوده وبين تبارك التي ركزت نظراتها على ما تفعله ليقول بشك
- وماذا تريد ؟!
أجابته ببساطة وهي ترفع كتفها
- يبدو انها جاءت لتخطب لأحدهم ! ربما لولدها
قالتها ونظرت لحبيبة بتعمد ماكر بينما حبيبة بادلتها النظرات ببراءة شديدة غير واعية ولا مدركة لما تقصد تبارك والذي التقط أشارتها زهير كالرادار الآلي ... ليهمس داخله بشراسة ..اليوم من أوله كان نحساً وكريهاً و ألان عرف سبب شعوره هذا ....
هتف بغضب وجدية بالغة
- مالذي يحدث بالضبط !! الا يوجد بنات للخطبة الا في منزلنا ؟!
ثم أكمل بحدة وهو ينظر لحبيبة
- وانتِ لماذا تبتسمين ؟ هل مستعجلة على الزواج لهذه الدرجة !!!
اتسعت عينا حبيبة بشدة وهي لا تفهم حقاً سبب غضبه منها ليتوجه بخطوات واسعة نحو الصالة ...
-هتفت تبارك بدهشة
- الى اييييييييييين !!!
لكنها لم تجد جواباً على سؤالها لتهمس بخبث
- أفضل فليحترق غيرةً عله يتحرك قليلا ...ابله وغبي
قالت حبيبة بحيرة وهي تنظر لتبارك
- أرأيت كيف يتكلم معي ؟!
اجابت تبارك بلامبالاة وهي تبسم ابتسامة واسعة
- لا تهتمي له ..اتركيه لقد جن زهير على الاخر !
..................
...............................
كانت سعاد تجلس جانب المرأة التي كانت تتحدث معها بانطلاق وتركيز ...ليقطع عليهم سيل الكلام دخوله المفاجئ قائلا بنفاذ صبر
- السلام عليكم
اجابت والدته والمرأة التي أخذت تنظر له بتعجب وارتباك بآن واحد
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قالت سعاد بابتسامة حرجة وهي تنظر لزهير بتساؤل
- خيراً يا ولدي ..ماذا هناك ؟!
أجابها زهير بابتسامة باردة مستفزة وهو يقول
- خيرا يا امي .. انا فقط اردت ان اقول للحاجة
ثم نظر للمرأة الجالسة التي كانت تنظر له ببراءة
- حبيبة مخطوبة يا حاجة ..لذا اذهبِ وابحثي عن زوجة لولدك في مكان اخر
والدته فغرت فاهها بشكل مضحك فيما اتسعت عينا المرأة ببلاهة ...عم الصمت بينهم لعدة ثوان كانت سعاد مرتبكة ولا تعرف ماذا تقول لكن المراة أنقذتها وقالت ببراءة
- ومن قال لك اني اتيت لاخطب المحروسة حبيبة !!!
نظر لها بشك قائلا بوقاحة وكأنه يحاسبها على سبب الزيارة
- اذا لما اتيت لمنزلنا ؟!
وهنا تدخلت سعاد بسرعة قائلة بهدوء بينما نظراتها المتوعدة لم تفت زهير ابداً
- لقد جاءت لتطلب مني ان اكلم وليد لكي يجد عملا مناسبا لولدها في المزرعة !
أكملت المرأة بعفوية وهي تشكي ولدها
- اجل والله يا ولدي ياليتك تحاول ان تجد له عملا انت ايضاً .. لقد اتعبني ..فهو غير فالح في الدراسة ابداً وقد قرر والده ان يجعله يعمل في السوق الشعبي الا اني لا اريد ذلك ..اخشى عليه الاختلاط بأولاد السوء وهو لايزال بعمر المراهقة ... كما ان ولدي طيب وساذج جداَ ..لذلك لم اجد امامي الا وليد ... هو الوحيد الذي اثق به واستطيع ان أأتمنه عليه !!!
ظل زهير حائراً ...بماذا يرد عليها !!! تبا لك يا تبارك لقد وضعته بموقف محرج جداً .. وقفت المرأة مباشرةً ثم ودعتهما ...أوصلتها سعاد الى باب الشارع وهي تعدها بأن تكلم وليد بالقريب العاجل ....لتعود أدراجها بسرعة وهي تقول بغضب وحدة
- مالذي فعلته يا زهير !! أجننت ؟! كيف تدخل الصالة بهذا الشكل !!! ثم مالذي تفوهت به .. ما شأنك ان جائو لخطبة حبيبة ام لا !!
اجابها بجدية وهدوء
- أمي ارجوك ...فلتعلمي جيداً حبيبة أريدها لي انا ..لذلك تلافياً لاي إحراج مستقبلي انشري خبر خطبتي لها في الحي والمنطقة كلها !!

هاقد قالها وارتاح ..اجل هكذا أفضل .. هو لن يظل ينتظر طويلا الى ان تطير من يده ثم هو ابن خالتها ويحبها .. وهي ايضاً تحبه ..متأكد من ذلك .. حسنا ليكن صريحاً مع نفسه هو ليس متأكد مئة بالمئة ... الا ان اهتمامها السابق به جعل جذوة الأمل تشتعل داخله بخفوت
... نظرت له سعاد بدهشة وهي تضع يدها على ذقنها ..صحيح هي تحب حبيبة ...ولن تنكر سعادتها الكبيرة ان تزوج زهير منها ... وصحيح ايضاً في انها بدأت تشك بميل ولدها لأبنة شقيقتها ... اجل لقد كانت تشك فتصرفاته في الفترة الأخيرة كانت فاضحة جداً لكنها اقنعت نفسها ان غيرته واهتمامه اخوي ...كم كانت غبية وساذجة !!!
رغم كل ذلك هي ابداً لن تجبرها على القبول به تحت اي ظرف ... لن تستغل يتمها ابداً ...قالت وهي تجلس على الأريكة
- تعال هنا واجلس لنتفاهم
تقدم بعبوس وجلس قربها قائلا بتذمر
- مالذي نتفاهم عليه امي ...انا ابن خالتها و أريدها والى هنا وينتهي الكلام !
اجابت والدته وهي عاقدة الحاجبين
- لا لم ينتهي الكلام ..يجب ان توافق هي اولا !
هتف وهو يلتفت لينظر ناحيتها بتركيز
- ماذا !!! وهل تتجرأ !! اكسر رقبتها ان فكرت حتى بالرفض !
لتجيبه سعاد بإصرار وقوة
- وانا لن اجبرها يا زهير أفهمت ..لن اجبرها !
اومأ هامساً من بين أسنانه بخفوت
- ستوافق وقدمها فوق رقبتها !
قالت والدته بتساؤل
- ماذا ؟ !!!
اجابها بابتسامة واسعة وبريئة
- قلت حسناً امي ..لكن فلننتظر الى ان تنتهي من تلك الامتحانات التي لا اعرف من اين ظهرت لنا فجأة ثم لكل حادث حديث .. ها مارأيك ؟!
اومأت وهي تربت على فخذه بطيبة وسعادة
- أحسنت يا زهير ...وانا أوافقك الرأي ..وان شاءلله تعالى ستكون ابنة شقيقتي من نصيبك ذلك جل ما أتمناه
..........................
..................................
يؤلمني الصمت ! و تؤلمني أكثر عواقب البوحْ
...............
دلفت حبيبة الى الغرفة لتجد رضاب ممدة على السرير تحتضن الوسادة بشرود ... عيناها شاخصتان الى الأمام ... تعيش بعالم وهمي ... تحيط نفسها بسور عالي ..لا تسمح لأحد باختراقه او حتى الاقتراب منه ...كل يوم تحاول ان تفهم منها او تستدرجها بالكلام الا انها كانت تنظر لها بعينان دامعتان وابتسامة حزينة ... يالله ساعدها والطف بحالها انت ارحم الرحمين ....همستها وهي تقترب من السرير لتتمدد خلفها ...احتضنت خصرها قائلة بهمس خافت
- رضاب ...حبيبتي ...تعالي لننزل الى الحديقة ... الشمس شارفت على الغروب والجو ربيعي ورائع جداً
غرست رضاب أظافرها في الوسادة ... وهي تشعر بحرارة حبيبة تلفحها من الخلف ..رغم قربهم جميعاً منها الا انها وحيدة ...وحيدة ..لاحد يستطيع ان يساعدها ...لا احد يستطيع ان يفهمها ... كيف سيفهموها وهي لاتستطيع البوح .... لاتستطيع ...
تعيش في ظلام ..ظلام دامس هي رحبت به واستسلمت وسمحت له ان يبتلعها ... لقد غادرتها ...غادرتها كل الأحلام الوردية ... طفولتها ...مراهقتها ... شبابها ...طفلتها .... العدم والخواء يحيط بها من كل جانب ...شيء ثقيل ..ثقيل جداً وخانق يكتم على انفاسها
يارب ..يارب هي فقط ..فقط تريد التنفس ...تريد النور ...تريد قشة تتعلق بها ...لكن لايوجد ..لايوجد ... همست بشفتان متيبستان
- ا..نا ..بخير هنا ...
ثم التفتت تنظر لها بحزن
- شكراً لك حبيبة ...انا اعرف انك تحاولين التخفيف عني ..لكن اطمئني ...ان بفضل الله بخير ..اتنفس ..أأكل ..اشرب ...وهذا يكفي ..اليس كذلك !!!!
احتضنتها حبيبة واراحت رأس شقيقتها على صدرها قائلة بحرقة ولوعة
- لا ..لا يا رضاب ليس كافياً ... انت لازلت صغيرة ..والحياة امامك ...
قاطعتها رضاب وهي تندس بحضن اختها تناشد الحنان فيها
- حياة !! ه..هل ..قلت حياة !!! انا انتهيت يا حبيبة ..لا حياة لدي لأعيشها ..لاحياة ..لقد سلبوها مني ..هي سلبتها مني ..عندما ..عندما ....
بترت عبارتها وظلت صامته تبكي بآنين موجع ... هتفت حبيبة بقوة ..ووجع
- عندما ماذا !! تكلمي رضاب ...عندما ماذا ..ماذا بالله عليك .. من هي .. تكلمي وارتاحي و اريحني معكِ !!!
شهقت رضاب بقوة وهي تهمس بجنون
- لن ارتاح ..انا لن ارتاح ..لن اجد الراحة ابداً بحياتي ..لن أجدها ..لن أجدها ... في القلب آنين ووجع لن ينتهي يا حبيبة ..لن ينتهي الا بموتي !!
أجابت حبيبة بلفهة وألم
- بعيد الشر عنك اختاه ...بعيد الشر عنكِ
تدحرجت دموع حبيبة بقهر وحزن على حال شقيقتها ..لكنها لن تيأس ستواصل معها ..ستكون جانبها طوال الوقت يجب ان تعود رضاب القوية ...الناعمة ..الجميلة ..ذات الابتسامة الرقيقة والقلب الحنون المعطاء
......................
................................
تجلس قبالته في المطعم الصغير الذي أخذها اليه وليد ... فهي ما ان جلست بسيارته بعد ان طلب من عمته السماح له بأخذ غسق للعشاء خارجاً ... حتى اعلن بأنه يريد التكلم معها بأمر ضروري ومستعجل ... ثم احضرها لهذا المطعم الجميل الذي يقع قرب شلال رائع حيث انتشرت حوله اشجار البرتقال اليانعة التي بدأت براعمها بالظهور مع هبوب نسائم شهر اذار بينما الأغاني الكردية الخاصة بأعياد الربيع تصدح بكل مكان ..
- عيد نوروز !!!
اومأ قائلا بهدوء
- اجل حبيبتي عيد نوروز ...لاتقولي انك لم تسمعي بعيد نوروز او عيد الربيع !!
صدرت عنها ضحكة صغيرة متسلية ثم أجابت بابتسامة واسعة
- اجل ..سمعت بها طبعاً ثم هي عطلة رسمية في العراق كله ...ماذا ؟! اتظنني غبية لهذه الدرجة !!
تنهد بعمق وقال
- لست غبية غسق ... لكن فعلا هناك من يجهل وجود عيد نوروز ... والان ركزي بما قلت واخبريني ما رأيك ؟!
اجابت بارتباك وخجل
- لكن ... وليد لازال الوقت مبكراً على الزواج ...ثم نحن ببداية شهر آذار وعيد نوروز في الواحد والعشرين منه اي بعد أسبوعين او ثلاث فقط !
اجابها بأصرار
- اجل وماذا في ذلك ؟!
قالت بتعلثم وهي تشيح بيدها
- حسناً هناك تجهيزات وتحضيرات و...
قاطعها بنفاذ صبر فهو فعلا لم يعد يطيق الابتعاد عنها خاصة بعد ان تذوق شفتيها واستشعر بدفئ جسدها واستجابتها الفورية له ....كما انه لايستطيع ابعاد يديه ما ان يراها امامه ...لايزال يذكر ماحدث قبل يومين عندما احس بوجودها في المطبخ بساعة متأخرة من الليل في حينها ذهب اليها مسرعاً ليتجول بفمه على وجهها ورقبتها وهو مندهش من نفسه ..فهو لم يعد يستطيع التحكم بردات فعله خاصة عندما يجدها مستسلمة له بشكل يجعل الدماء تفور فوراناً بجسده ... والله لولا احترام عمته لأخذها لغرفته وامتلكها فوراً لتكون زوجته قولا وفعلا ...
- كل شيء سيتم خلال يومين غسق ..انت فقط وافقي ..
همست بخجل وهي تتلاعب بأصابعها بينما عيناها تتهرب من النظر اليه
- لما الاستعجال وليد والامتحانات لم يتبقى عليها الا ثلاث اشهر !
تنهد وهو يحتضن كفيها بيديه قائلا
- انظري لي غسق !!!
رفعت نظراتها الحائرة ليهمس بصبر وهدوء
- لاني تعبت غسق ..تعبت واريدك جانبي !
همست وهي تزيغ حدقتيها بوجهه
- لكني جانبك وليد وطوال اليوم
ضغط على يدها قائلا بحرقة جعلت الدماء تتدافع لوجهها
- يا الهي غسق انا أريدك ..أريدك ..هل تفهمين معنى ذلك ..أريدك جانبي ... بغرفتي تنامين على سريري وتتوسدي صدري ..اريد ان اشعر بقربك ..اريد أطفالا منك ..أريد تكوين عائلة ...لم اعد اطيق الصبر والبقاء وحيداً
رقت نظراتها بينما ابتسامة ناعمة تظهر على شفتيها ..قلبها كان يخفق بشدة ..يتضخم اكثر واكثر بحبه اجابت وهي تسحب يديها من اسر يديه القوية
- حسنا ..سأوافق لكن بشرط
عاد بظهره الى الوراء ثم كتف ذراعيه امام صدره قائلاً بتفكه
- ماهو هذا الشرط انسة غسق !
رفعت ذقنها وقالت بإصرار
- اريد ان اعرف مالذي قلته لي سابقاً عندما كلمتني باللغة الكردية !
هتف بدهشة حقيقية
- يا الهي انت لم تنسي ؟!
أومأت قائلة بإصرار مثير للضحك
- اجل لم انسى ولن أوفق الا اذا عرفت الترجمة والان حالا !
ضحك برجولة وقال
- انت مصرة اذن ؟!
أكدت بأيمائة صغيرة
- جداً جداً صدقني
سحب نفساً عميقاً ثم انحنى بجذعه ليقبض على يدها من جديد قائلا بهمس
- حسناً وانا لن أخبرك الا اذا سمعت موافقتك !!
كانت تبتسم بسعاد لكن ابتسامتها اختفت عند اخر كلمة لتقول بغضب مصطنع
- ماهذا وليد ؟! ماتقوله ليس عدلاً ...انا من طلبت اولاً !
أجابها وهو يرفع حاجبيه بتحدي
- الاتفاق اتفاق ....اقبلي وسأترجم لك !
ثم اكمل بهمس معذب ومتعب
- هيا غسق . ..اعدك سأدعك تدرسين بجو هادئ ..اقسم على ذلك ! انا تعب جداً وراحتي سأجدها بقربك !!
غامت عيناها الزرقاء بشدة حتى بدأت وكأنها سماء حالكة السواد ...تأثرت كثيراً لنبرة التعب والضعف التي ظهرت بصوته ... هي فقط مترددة بسبب امتحاناتها التي اقتربت كثيراً وهي في مرحلتها الثالثة وتحتاج الى التركيز .. خاصة وان الكثير من الدروس قد فاتتها بسبب الاحداث التي مرت في عليها في الفترة الأخيرة .... لكن كلامه اقنعها ..هما في المنزل نفسه ... مايفصل بينهما الجدار فقط ... هي تحتاجه وتحتاج لحنانه وحبه وصبره وهو على مايبدو انه يحتاجها ايضاً .... سحبت نفساً طويلا مشبعاً برائحة مياه الشلال المختلط بنسائم الربيع العطرة لتهمس بحب وخجل
- انا موافقة على الزواج في عيد نوروز يا وليد !!
تنهد براحة وكأنه فعلا قد وجد ما يبحث عنه اخيراً ... ليجيبها بهدوء وهو يركز على عينيها الجميلتان قائلا
- فراشة ذهبية طويلة اللسان .
قطبت قائلة بعدم فهم
- ما..ذا !!
اجابها وهو يتراجع للوراء بأريحيه
- الترجمة !
هتفت باستياء وهي تزم شفتيها تدعي الغضب
- اذن انا طويلة اللسان !!!
ليجيبها بمرح
- تغافلتي عن فراشة ذهبية !
لتجيبه بإصرار وهي تكتف ذراعيها
- لكن طويلة اللسان !!!
مال بجذعه ناحيتها مرة اخرى هامساً بصوت ابح
- انت فراشتي الذهبية الخاصة بي ....كنت ولازلت اعشق لسانك الطويل غسق تأكدي من ذلك جميلتي
تبخر غضبها بثانية واحدة ..اساساً هي لم تكن غاضبة ...كيف تغضب وهي تعشقه بكل جوارحها وروحها ...في بعض المرات تتخيل ان كل ما يمر بها الان من لحظات سعيدة هي مجرد احلام ستصحو منها ... فهي بحياتها لم تمتلك هذا الحب والأحتواء والحنان المطلق الخاص بها وحدها ...يالله كم تحبه ...تحبه ولا تتصور ان تكون لرجل سواه او ان يكون لأمرة اخرى غيرها ...رباه هي تكاد تموت غيرة عندما يصادفون الفتيات بطريقهم على الرغم من ان وليد يغض بصره وعلى الرغم من ثقتها المطلقة به ..الا انها هائمة بحبه حد الجنون واصبحت متملكة وغيورة جداً وهذه الخصلتان اكتشفتها مؤخراً تحديداً بعد ان اصبح وليد زوجها وحبيبها !!!
.............................
...........................
بعد سفر دام لمدة ساعة وعشر دقائق بالطائرة وصلا اخير الى اربيل .... كانت الساعة تجاوزت الخامسة والنصف صباحاً ... اي لايزال الوقت مبكراً جداً على الذهاب الى الميتم لكي يسأل عن عنوان رضاب كما ان ملك كانت مستغرقة بالنوم بعد حماسها العارم الذي ابدته منذ الفجر فهي تقريباً لم تنم من شدة سعادتها ...
ابتسم بحنان وهو يحملها بين ذراعيه ويدلف الى الفندق الذي حجز به مسبقاً ليومين متتالين ...فهو ينوي اخذ ملك الى عدة اماكن سياحية ايضاً ... ففي المرة السابقة لم تتح امامه زيارة المكان نظراً للأعمال التي تركها دون وجود رقيب عليها ...اما الان فقد طلب من ابن عمه حيدر ان يدير شؤون المكتب الى ان يعود .... ربما حيدر هو أطيب و اقرب ابناء عمومته اليه فهو دائم التواجد معه في العمل بحكم انه ارمل ...توفيت زوجته بمرض السرطان بعد ان تركت له ثلاث ابناء ولدان في طور المراهقة وبنت صغيرة في السابعة من عمرها ...
عاد من رحلة افكاره على صوت العامل وهو يحمل حقيبة السفر قائلا بأدب
- تفضل سيدي ...غرفتك من هنا
....................
..................................

اليوم سأسهَرُ للصباحِ , سأقلّدُ جُنونَ الشُعراءْ
سأكتبُ الشِعرَ فيكي حَبيبتي
سأُحاولُ عَبَثاً وَصفَ العُيون الزَرقاءْ
عَينَاكِ مُعَذِبَتي
طُيُورٌ تُحَلقُ في الفَضَاء
عَينَاكِ مُعَذِبَتي
مِراآآآآآآآآةٌ تعكِسُ وَجهَ السَمَاء
عَيَناكِ مُعَذِبَتي
البَحْرُ مِنها قَدّْ سَرَقَ الصَفَاء
على يَديكِ أميرتي تَعَلّمتُ جُنونَ العِشقِ
دَخَلتُ في دَوَّامة الحاءِ والباء
على يَديكِ أميرتي أصَبحتُ مُختَلِفاً
و لاجلكِ مَسحَتُ قَاموس النِساء
تَكفيني وَحْدَكَ غَاليتي
تَكفيني وَحْدَكَ غَاليتي
فأني ارَاكِ كُلُّ الِنساء

منقول
..............
بخطوات واسعة لحقت به وهي تلف الوشاح بإهمال حول رأسها لتنزل الدرجات بسرعة وخفة ... فهي لم تنم جيداً بسبب سعادتها وبسبب تلك السعادة التي ظهرت على وجه والدتها وعمتها عندما اخبرهم وليد بموعد الزفاف ...فهما بدئتا بالنقاش والاتفاق حول موعد ذهابهم الى السوق لشراء كل ما تحتاجه العروس من تجهيزات وملابس وغير ذلك من الأمور المعقدة التي تسمع عنها لأول مرة ... لم تكن تظن فعلا ان التجهيزات ستكون كثيرة بهذا الشكل !!!
كان وليد قد وصل لبداية الممر المؤدي الى البوابة الخارجية للمنزل ...هتفت بلهاث
- وليد ...ولييييييييد ...انتظر
توقف واستدار ناحيتها ليرمقها بنظرة مندهشة ومتعجبة بينما ابتسامة واسعة ظهرت على وجهه الرجولي ليجيبها بنبرة متعجبة
- غسق !!!!
تقدمت ناحيته وهي تنهل من طوله الفارع ووسامة وجهه الذي تراه بعينيها اوسم رجل في العالم كله ...كان يرتدي بنطال من الجينز الازرق مع قميص قطني اسود اللون .... قالت بنعومة بعد ان استردت انفاسها المتقطعة
- صباح الخير
اجابها بهدوء وهو يتفرس بوجهها الوردي
- صباح الانوار ....لماذا مستيقظة بهذا الوقت المبكر ؟!
تجاهلت سؤاله ثم اجابت بأهتمام وغيرة واضحة ...جعلت السعادة تتدفق داخله وتنفجر كأنفجار الينابيع الحارة
- الى اين انت ذاهب ياوليد انها لم تتجاوز الخامسة !!
مال ناحيتها ثم رفع كفه ليعيد خصلة من شعرها كانت قد تمردت وهربت من حجابها الذي ترتديه
- امممم وهل نزلتي بهذه السرعة لتسألي هذا السؤال ؟!
لم ينتظر ردها اذ قطب حاجبيه وهو يدعي الحزن
- وانا الذي ظننتك مهتمة وجئت لتلقي على تحية الصباح لتنعشي يومي واصبح بهذا الوجه البهي !!!
اجابت بتعلثم وحرج بينما حركة اصابعه التي اخذت تدور على وجنتها شتت تركيزها .. رفعت يدها وامسكت يده برقه
- بلا ..حقاً انا مهتمة جداً ...لكن حسناً ..فقط اجبني وليد الى اين تذهب ؟!
رفع حاجبيه وقال بتسلية
- أهذه غيرة ام عدم ثقة ؟!
هو يعرف جيداً انها تغار ..بل متأكد ايضاً فنبرت صوتها المتملكة ونظراتها الفاضحة كانت واضحة امامه جداً ... اجابت بسرعة واندفاع
- انا اثق بك كما اثق بنفسي وليد ...لكني ..حسناً انا ..انا ...اهتم لأمرك كثيراً ..الست زوجي !!!
زوجها يالله كم كانت كلمتها عفوية وبسيطة لكنها تغلغلت لروحه وقلبه ... جعلت خفقاته تتصاعد لتحلق وتصل لعنان السماء البعيدة ..بل وصلت للفضاء الخارجي ايضاً ....ليجيبها بهمس وهو يركز على عينيها التي اخذت تتهرب من اسر عينيه
- أمن الصعب عليك ان تقولي بأنك تغارين علي !!
ليكمل وهو يعتدل بوقفته
- على اية حال انا ذاهب لأتمام عمل ضروري جداً !
رفعت عيناها وقالت بعبوس
- اخبرني اين تذهب ارجوووك ثم نحن متفقان ... على الصراحة المتبادلة وليد !!
اجابها بمرح بينما فضولها وغيرتها كانت تشعره بالتسلية والسعادة
- انا لم اتفق على شيء !!
ضربت قدمها ارضاً وقالت بحدة وغضب جعلتها تبدو امامه آية من الجمال
- حسنا هاقد اتفقنا الان ...هيا وليد اخبرني !!
نظر لفمها الممتلئ المزموم بطفولية وغضب والتي رطبته بطرف لسانها بعفوية ... يبدو انها لاتعلم مدى خطورة هذه الحركة عليه .. من المصيبة لو انها تفعل هذه الحركة في الجامعة او خارج المنزل ... سيحذرها من مغبة فعل ذلك في وقت لاحق ... قطب بانزعاج .. سيقبلها ... هو يحتاج لتذوق شفتيها الان .. والان حالاً ...
امسكها من ذراعها وتوجه الى زاوية جانبية من المنزل ثم هبط دون ان يصدر كلمة ليمتلك شفتيها بجوع بينما يداه كانت تنتقل على اجزاء جسدها العلوية بجرائة .. يلمسها بقوة ويائس ... وكأنه ليس وليد المسيطر الرزين الهادئ ... جسده يستجيب لأغرائها الغير متعمد بصورة عنيدة وعنيفة وقوية ... بحياته التي قاربت على السادس والثلاثين لم يكن مندفعاً خلف رغبته هكذا ...مالذي فعلته به !!!
هذا حاله وهي ترتدي ملابس منزلية محتشمة جداَ فماذا سيفعل ان رأها بقمصان النوم الفاضحة التي ينوي شرائه لها !!! بكل تأكيد سيجن جنونه ...

اما هي كانت تقف كالمغيبة تماماً بيده .. شعورها بالخجل يتصاعد .. هذا الرجل يبهرها بتصرفاته الغير متوقعة ...اين كان يخبئ كل هذه الحركات الجريئة التي تجعل سيلا من الاحاسيس والمشاعر تتولد داخلها لم تكن تشعر بها ابداً كأرتعاش يديها وتلك الحرارة التي تغزو سائر جسدها لتنتقل وتتجمع في وجهها ... طبع قبلة طوووويلة على رقبتها ثم استنشق عطرها بعمق ووله .... قائلا بتوعد مبطن وشفتيه لاتزال تلامس رقبتها
- من الجيد اننا حدد موعد الزواج !
ابتعد عنها قليلا ثم عدل حجابها الذي تهدل جراء عبثه المحموم بها قائلا بنبرة مثيرة
- اذهبِ الى الداخل ..هيا حبيبتي
اومأت بعينان متسعتان غائمتان ... كانت زرقة عيناها متوهجة وكأنهما بحيرتان صافيتان عميقتان .. وشفتيها منفرجتان وحمراويتان بصورة لذيذة وشهية ... مشت بخطوات متعثرة ومشوشة بينما قلبها يخفق بشدة ...راقبها بابتسامة صغيرة وأنفاسه تخرج حارة وثقيلة .. وهو يهمس بتوعد وعشق
- قريباً ...قريباً يا غسق ستكونين في بيتك الحقيقي ...مكانك الطبيعي الذي خلق من اجلك .. اجل قريباً ستتوسدين صدري وأسجنك خلف قضبان أضلعي
.................
..........................
تجلس بغرفتها امام النافذة كعادتها كل يوم ... تحاول اشغال فكرها بالتطريز فلربما تنسى طفلتها التي تركتها ورحلت شأنها كشأن كل الاشياء الجميلة التي هجرتها رغما عنها ...وحدة .... ضياع ... خوف ووجع لا ينتهي ..هذا ما تشعر به بكل ثانية تمر عليها
كما ان تلك الاحلام المزعجة لا تنفك عن خنقها وتعذيبها .... خاصة هذا الحلم الذي الذي اصبحت تحلم به منذ رحيل يقين بيومين ...فهي ترى نفسها تجلس بحديقة واسعة ترتدي فستان ابيض رائع الجمال .... الشمس مشرقه وصوت العصافير ينساب لمسامعها بعذوبة لكن فجأة يتغير كل شيء ....السماء تتحول لكتله من الرماد الاسود ....الرياح القوية تهب بشدة ورهبة وكأنه ستقتلع الأشجار من جذورها ..تصرخ وتصرخ تنادي على حبيبة ...تبارك ..وليد ...لكنها لاتجد احد ....تركض بضياع وخوف لتسقط بحفرة عميقة سوداء ومخيفة ... تحاول التشبث بقوة .. لكن جسدها يبدأ بالتراخي وكأنها على وشك السقوط بتلك الحفرة لا محالة ... فجأة تجد يد تمسكها من ذراعها بقوة ...عينان دافئتان لامعتان وصوت يهمس مطمئناً ...
- انا معك لاتخافي
ثم تستيقظ فجأة وجسدها يرتعد من هول ما رأت .... العرق يتصبب من جبينها .. وضربات قلبها تخفق بشدة ... يالله الايكفيها تلك الكوابيس الاخرى ...متى ستنام براحة ...متى ستجد السعادة ..متى ...
قاطع عليها صوت تبارك حبل أفكارها السوداء وهي تقول بسعادة ولهفة
- رورو ...احزري من سيأتي الان مع وليد ؟!
توقف يدها لا إراديا عن التطريز ثم نظر لها بأنفاس لاهثة
- م..من !!!!
جلست تبارك على السرير وقالت وهي تتكأ على يديها الى الوراء وتؤرجح ساقيها قائلة بمكر
- لاااااااااا لن اقول احزري انت !!!
رمت القماش من يدها وهبت واقفه لتتجه اليها وتجلس قربها قائلة بصوت مرتجف هامس
- يقين !!! هل يقين هي من ستأتي !! ارجوك ..قولي اجل ....بالله عليك !!!
اعتدلت تبارك وامسكت يد رضاب المرتجف هامسة بشفقة
- اجل اجل لقد احضرها عمها لزيارتك ...افرحي رضاب افرحي !!!
ادمعت عيناها وارتجفت شفتيها وهي تقول
- انت لاتمزحين معي اليس كذلك ؟!
هبت تبارك واقفه وهي تقول بمرح وحماس تحاول اخفاء دموعها المتأثرة على حالة رضاب
- اااااوه يا رضاب ...اقول لك انهم في الطريق وانت تضيعين الوقت بالكلام ...هيا هيا انهضي وارتدي شيء مناسب هياااااااااااا
قالت رضاب بسعاد وحماس
- اخبرني كيف حصل ذلك !!
رفعت تبارك كتفها قائلة
- ابداً ..ببساطة شديدة ذهب معاذ
قاطعتها رضاب مقطبة
- ومن هو معاذ ؟!
اجابتها تبارك قائلة بنفاذ صبر
- مابك رضاب ...ركزي ..معاذ هو عم ملك ... حسناً لقد ذهب للسيدة عبير وطلب منها عنوان منزلنا وهي بدورها اتصلت بوليد لتبلغه وهكذا ذهب وليد اليه ثم اتصل بي ليطلب مني تحضير غداء متأخر يليق بضيفنا الكريم وبملك العزيزة ...
قالت رضاب بسعادة مطلقة
- وانت كيف عرفتِ هذا كله ؟!
أجابتها تبارك بضحكة قصيرة
- لقد اتصلت بالسيدة عبير وهي بدورها أفهمتني كل شيء بالتفاصيل المملة ... والأن كفى كلاماً واستعدي هياااااا لاشك انهم على وصول !
تركتها وغادرت الغرفة .... رفعت رضاب يديها لتمسح دموعها وهي تبكي تارة وتضحك تارة اخرى ... بسرعة اتجهت الى الدولاب وأخذت تفتش عن ملابس ترتديها وقلبها يكاد يتوقف من شدة سعادتها ..لتهمس بابتسامة واسعة
- اخيراً ..اخيراً سأراك يا يقين ..يا طفلتي الحبيبة !!
...............................
.........................................
نهاية الفصل الثالث والعشرون

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن