12

194 12 0
                                    


الفصل الثاني عشر
......................
تَرَيَدَ اَلَنَاَسَ اَسَوًّلَفَ وًّآنَهَ كَلَيَ هَمَوًّمَ
خَاَنَگنَيَ اَلَدَمَعَ مَاَأگدَرَ اَحَچيَ
إذاَ حَتَهَ اَلَدَمَعَ مَنَ شَاَفَنَيَ بَهَاَلَحَاَلَ
لَبَسَ أسَوًّدَ عَلَيَةٍ وًّگاَمَ يَبَچي
................
منذ الصباح و سعاد لا تكف عن الحركة واصدار الأوامر...كانت سعيدة جداً ... تعمل بحماس وتطبخ الأكلات الشهية التي يحبها زهير وهي تدندن الحاناً قديمة ... اجل كيف لا تكون سعيدة واليوم سيعود العروسان !!!!
كانت تحاول قدر استطاعتها ان تجاريهم حماسهم ...تخفي ألمها بقلبها ... تبتسم لخالتها عندما توجهه لها الكلام ... حتى غسق وتبارك بالرغم من محاولاتهما التقرب منها وخلق موضوعاً للحوار الا انها كانت متباعدة ... ومنطوية .. حتى عندما اقترحت تبارك موضوع رجوعها إلى الدراسة صحيح هي شعرت ببعض السعادة الا انها كانت سعادة وقتية .... لم تكن تريد الا شيئاً واحداً هو الجلوس بمفردها والتفكير بماضيها ... ذلك الماضي الذي لم يحمل بطياته الا الآلم ... زواج زهير اعاد لها ذكرياتها التي تحاول ان تنساها بأستماته ...بكائها ونحول جسدها لم يكن بسبب زهير فقط .. بل بسبب كل شيء .. كل ما مر بحياتها التي لم تتجاوز التاسع عشر بقليل كان عبارة عن سلسلة من الخيبات والقهر ...
فمنذ طفولتها وهي لم تشعر يوما بالأهمية ... ينطبق عليها ذلك المثل ... اذا وجدت لم تحسب وان غابت لم تذكر ... فقط والدها الحنون هو من كان يدللها ويحميها ...كانت تنام بأحضانه تستنشق رائحته المسكية ... لم تكن رائحته هي رائحة عطور ثمينة كلا .. كانت رائحة الدفء و الأمان والاطمئنان ...
اما والدتها ... اه من والدتها ..كل الحب والدلال والاهتمام لشقيقتها ... لكن صدقاً .. رغم ذلك هي لم تكره رضاب ابداً ... رضاب الرقيقة الناعمة الجميلة ... كانت دائما تحاول التقرب منها لكن والدتها لم تسمح ... رضاب تخاف من والدتهم كثيراً ... حتى هي كانت تخاف منها ... لذلك كان الكلام بينهما بارداً باهتاً ومتباعداً .... كم مر عليها من ليالاً تعيسة مخيفة تبحث عن من تلجئ له تناشد الامان الذي تفتقده بذهاب والدها الى المعسكر ... فقد كان والدها يعمل ضابطاً في الجيش ... يقضي اغلب الايام هناك ولا يعود الا يوم او يومان في الشهر ... لكن لايوجد .. لم تجد من يحتضنها ويحتويها الا وسادتها الباردة ... تفاقم الامر بعد وفاته اثر حادث مؤلم ...
فقدت بموت والدها جزءاً من روحها ... والجزء الاخر كان معه ... مع زهير... زهير الذي احبته منذ ان تفتحت براعمها وبدأت تشعر بأنوثتها ... لكنها ايضا فقد جزئها الاخر بزواجه ... الان هي وحيدة ... ضائعة ... تائهة في طريق مظلم ومجهول .... الى متى ستستمر حيرتها وضياعها لاتعرف .... متى ستجد واحة الامان بصحراء روحها القاحلة ... ايضا لاتعرف ...
........................
.............................
كان الوقت ظهراً عندما وصل كلاً من زهير وسلمى ليستقبلوهم بالزغاريد والمباركات التي انهالت عليهم من الجميع .... القى وليد عليه التحية وبارك لهما ثم جلس قيلا قبل ان يستأذن للذهاب بينما تبارك وغسق تجلسان مع سلمى تتكلمان معها بمرح ... بعد ان ذهبا كلا من عمته سعدية ووالدته لكي يكملا الغداء....
اما هو فقد بحث عنها بعينيه ..... اين ذهبت ..... لقد القت عليهما السلام وانسحبت بهدوء !!!
رمق زوجته التي كنت تبادل كلا من تبارك وغسق الكلام دون ان تعيره انتباهاً ...لينتهزها فرصة ويغادر الصالة بهدوء ... دلف الى المطبخ ... والدته كانت تقلب الطعام بينما عمته سعدية تقطع الخضراوات استعدادا لعمل السلطة ... احست والدته بدخوله فالتفتت تنظر له بحنان وهي تقول
- دقائق وسيجهز الطعام بني !!
اقترب وقبل كتفها قائلا
- سلمت يداك امي ... احم .. اين اختفت حبيبة ؟!
قالت وهي منهمكة بتقليب الرز
- اعتقد انها ذهبت الى غرفتها !
هز رأسه وغادر المطبخ متجها الى الطابق العلوي بسرعة ... فقط اللهفة والاشتياق هو ما يشعر به ويشده إليها كالوتد ... لقد اشتاق الى عينيها البنية ... جديلتها الطويلة ...ابتسامتها ... حتى ضعفها و اتكالها عليه اشتاق له كثيراً ... تلك الصغيرة ... احتلت وتربعت ودون ان يشعر على جزء ليس بقليل من قلبه ... ابنة خالته الصغيرة الناعمة الأن امن وصدق المثل القائل البعد يعلم الاشتياق... كما انه خلال تلك الايام الفائته اكتشف أن لحبيبة لها اهمية خاصة بداخله ..اهمية تختلف عن اهمية كل من حوله بمراحل ...
طرق الباب بخفه ثم سمع صوتها الرقيق وهي تقول
- تفضل
......................
..............................
بغيابك اني تعبت ونحل جسمي
انا بحبة نسيت الالم والآه
على نبضات قلبة نام حلمي
محتاجة لحنانك ضل خالي مكانك
وانسى وياه نفسي وانسى اسمي
حبيبي حياتي موتني القهر نشفلي دمي
.............
الشاعر مأمون نطاح
................
لم تستطع ان تظل جالسة في الصالة تنظر لهما وهي مشتته المشاعر لاتعرف كيف تتصرف او ماذا تفعل ... سيظهرعليها ... هي متأكدة ...ان الحزن سيظهر جلياً عليها ... لن تحتمل ... كل مايجري يضغط على أعصابها التي تمسكها بشق الانفس ... لذلك اسلم طريقة لحفظ ماء وجهها هو الانسحاب والانزواء وحدها ... بالتأكيد لن ينتبه احد لغيابها ... هذا هو الطبيعي !!!
نزلت دموعها دون ارادتها وكأنها تعاندها ... وتتحدها ... فجأة سمعت صوت طرقات على الباب ... مسحت وجنتيها بسرعة وسحبت نفساً مرتجفاً وقالت بخفوت
- تفضل !!!
سقط قلبها لقدميها وسرت الحرارة بجسدها عندما فتح الباب ودلف للداخل ... رباااااااه كم هو وسيم ورجولي ... وكم هي تعشقه وستظل تعشقه الى الابد ....كل قراراتها التي اتخذتها بأن تنساه وتحاول ان تمحي حبه وتقتلع جذورة المتشبثة بقلبها ذهبت ادراج الريح .... ومنذ الان سفنها التائهة رفعت رايات الاستسلام المذل له ... قال زهير بعتاب وهو يتقدم تجاهها
- اين اختفيتِ حبيبة !! اهذا اشتياقك لي ! مجرد سلام عابر وتفرين هاربة ؟!
اغتصبت ابتسامة صغيرة وقالت بصوتها المخملي الناعم
- اولا ا..نا ..لم اهرب .. وثانيا .. لقد ... لقد .. اشتقت لك كثيراً زهير !
اتسعت ابتسامته وهو يتقدم ليتكأ على حافة المنضدة القريبة منها ينظر لوجهها بجوع شديد .. يشعر بالراحة والسعادة بدأت تتسلل لقلبه .. وكأنه برؤيتها وجد شيئاً قد إضاعة في الايام السابقة .. قال بمرح وهو يمد يده بعلبة كبيرة مغلفة بشكل انيق
- الا تريدين رؤية هديتك التي اشترتها لكِ !
ابتلعت ريقها وقالت بابتسامة حزينة ومفاجأة وهي تأخذ العلبة من يده
- احضر...ت .. لي ...هدية !!
اعتدل بوقفته قائلا بحنان افتقدته منذ سفره
- بالتأكيد حبيبة ...اول هدية اقتنيتها كانت خصيصاً لك ..افتحيها وانظري ما بداخلها !
فتحتها بيدين مرتجفتين وقلبها يخفق بشدة لتتسع عيناها بدهشة حقيقة كانت عبارة عن دمية قطنية متوسطة الحجم ذات شعر بني طويل مصفف على شكل جديلة تشبه جديلتها وعينين بنيتين كعينيها ... تجمعت الدموع بمقلتيها وقالت بتأثر ودون تعلثم
- لاول مرة من بعد وفاة ابي يتذكرني احدهم بهدية !!
رفعت نظراتها ودموعها تهبط ببطء وبالتناوب على وجنتيها لتهمس
- شكرا... لك زهير ... هذه الدمية ستعني لي الكثير
لا ينكر بأنه عندما اشتراه لحبيبة اشتره بدافع الأخوة والاهتمام او هذا ما حاول ان يكرره داخل عقله مرارا وتكرارا ...
لكن الان ومع نظراتها وفمها الصغير الذي ارتجف عندما شكرته ..اراد ان ينهض ليحتضنها بقوة حتى عندما دلفت للصالة لتسلم عليه كان ينتظر وصولها وكأنه قد فارقها لأشهر وليس اسبوعاً واحداً .. هي الوحيدة التي عيناه بحثت عنها بتلهف وشوق جارف !!
عندما طلب من سلمى ان تشتري لعائلته الهدايا على ذوقها اخبرها ان تترك هدية حبيبة عليه ... هو من سيختاره لها ... كم تجول بين المحلات يبحث عن هدية تناسب رقتها وحزنها الصامت ... الى ان وقعت عيناه على هذه الدمية ذات الملامح الناعمة الرقيقة خاصة شعرها الذي ذكره بصغيرته وربيبة يديه ! اجل حبيبة ربيبة يديه هو الذي رباها منذ كانت في الثاني عشر من عمرها او ربما كانت اصغر من ذلك ... عندما كانت ترميها والدتها اغلب الوقت بمنزلهم لان زوجها في المعسكر وهي مشغولة بحفلاتها وسهراتها مع ابنتها المراهقة رضاب !
هو الوحيد الذي كان يحضر لها السكاكر ويقص عليها مغامراته المضحكة ... يخترع لها القصص المسلية ! يفعل كل ذلك فقط ليرى ابتسامتها الحلوة ووجنتيها الحمراويتين تنهد وقال لها بلطف
- انت عزيزة جداً على قلبي يا حبيبة ... اكثر مما تتخيلي .. والان هيا بنا الى الأسفل
قالت بأبتسامة شاحبة متجاهلة خفقاتها الهادرة
- اذ...هب ...انت وان ...ا .. سألحق ...بك
اجابها وهو يهز رأسه نفياً
- كلا آنستي ... لم تحزري قدمي على قدمك لن أتركك ابدا
اهٍ منك يا زهير ...ليتك لا تتركني ابداً !! ليتي اموت قربك .... تحت قدميك ... ليتك فقط تشعر بي يا حبيبي !!
هل فعلا انا عزيزة على قلبك !!! لكني لا اريد معزة أخوية ..انا أريدك انت انت .... لكن حتى لو صرخت بكت توسلت ما حدث قد حدث وقد تزوجت الان يا حبيب الطفولة والصبا ... وحلم العمر كله !!!
...................
...................................
لو أطلق على الغداء اسم ... لأسمته غداءاً كارثياً بكل ما للكلمة من معنى ... الحمد لله ان وليد لم يكن موجوداً ...ليشاهد المهزلة التي افتعلتها سلمى بغنجها ودلالها المقزز ... كان زهير يستقبل تصرفاتها بهدوء وابتسامة صغيرة ..وكأنها تتعمد فعل ذلك ... تنقل نظراتها بينهم بتحدي ومكر ....والدته وعمته كانتا تنظران لها بغرابة واحراج ...بينما تبارك وغسق يتبادلان النظرات السرية الساخرة ...
اما هي فقد صلت ودعت بسرها ان ينتهي هذا الغداء الكارثي ...ما يحصل امامها هو امتحان كبير لصبرها وقدرة تحملها ... كيف ستكون حياتها القادمة وهي تشاهدهما معا طوال الوقت ؟ كيف ستتحمل ؟!!! كيف ستصمد وتدعي أللامبالاة وهي تكاد أن تموت كمدا وقهراً ؟!!
يارب ساعدني ومدني بالقوة همستها حبيبة وهي تدعي الأكل .. سمعت صوت تبارك وهي تقول لها
- حبيبة ...ان أكملت غدائك تعالي معي لنعد الشاي والكعك
أرادت ان تقبل تبارك على اقتراحها هذا اذ وقفت بسرعة قائلة بلهفة
- ا..جل ...انتهيت ..هيا ..بنا
..............
..........................
يتجول في البستان بضيق وقهر ... لا يستطيع الجلوس وهي امامه تبتسم بسعادة ...تتكلم عن تجهيزات الخطبة وكتب الكتاب وكأنه شيء عادي جدا ... بل وكأنها تغيضة ... و تتحداه ان يعارض ... وأنى له ان يعارض !!!!
طوال حياته كان يدعي القوة ... يتحمل كل شيء بصلابة ... أعباء المزرعة ... الحراثة ... تقليم الأشجار مع العاملين ... لم يعيش حياته كأقرانه من الاطفال والشباب ... حياته كلها اوامر وصرامة ... افعل هذا لا تفعل ذاك ... وكأنه بثكنة عسكرية ...
ابتسم بمرار ... حتى عندما وجد الفتاة التي خفق قلبه لها ولاول مرة ... لم يستشعر بطعم الحب والسعادة كبقية العشاق والمحبين ! للأسف ما بينه وبين محبوبته لا يمكن اختصاره بكلمة و كلمتين ... اه منك يا غسق !!!!
تنهد بحرارة ثم انتفض على صرخة متألمة استدار حوله بفضول ليشاهد مراهق صغير يقف امام والده الذي كان يقرعة ويصرخ عليه بشدة حتى انه صفعة بقوة ودون رحمة !
عندما وجه الرجل لولده الصفعة كأنه هو من تلقاها لتو من والده .... مباشرة تذكر قسوته واستبداده ...رغم شخصية وليد الصارمة الا انه كان حريصا على طاعته ... لكن طاعته لوالده لم تكن عمياء ... كان يعارضه على بعض الأمور المصيرية .... لم يكن ليسمع لوالده بالتدخل في حياته خاص بعد فشل زواجه الاول .... لم يكن فشلا بقدر ما كانت خيانة بشعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى .... نحى تلك الخيالات من امام عينيه والتفت للصبي ذو الأربعة عشر ربيعا .... كان يقاوم الضربات الموجعة وهو يرفع ذراعيه بحركة حماية غريزية ... توجه له فورا ليخلصه من براثن والده ليهتف الاخير بغضب
- ارجوك سيدي دعني أعلمه معنى إطاعة الأوامر ... لكي يتجنب إغضابي وعصياني مستقبلا !!!
لم يلقي وليد بالا بما قاله بل دفع الصبي خلف ظهره وهو يقول بهدوء
- مهما يكن ما فعله لايجب عليك ان تضربه !!
التقط المزارع أنفاسه المضطربة قائلا بلهاث
- لقد كسر قربة السمن يا سيدي ... وانا كنت على وشك الذهاب الى السوق لأبيعه ...
قاطعة وليد قائلا
- انا سأدفع لك حقها ... فقط اخبرني كم يبلغ ثمنها ؟!!!
اجابه الرجل بحرج مصطنع
- هذا لا يجوز سيدي ما ذنبك لتدفع حماقة ما اقترفه ولدي !!
اعاد سؤله من جديد
- كم ثمنها ؟!!!
اخبره الثمن وهو يدعي الخجل وما ان أعطاه المال حتى اختفى غضبه ... هتف الرجل موجها كلامه لولده الذي كان يطرق وجهه أرضا
- هيا امامي لنكمل حرث الأرض يا غبي !!!!!
اجابه وليد قائلا بصبر
- اذهب انت ... سأتحدث معه قليلا قبل ان يلحق بك !!!
غمغم موافقا وهو يبتعد بتذمر .... التفت ينظر للفتى بحنان .... الهي كم يشبهه ... كم يذكره بنفسه عندما كان بمثل عمره ... اجل هو كان يشعر بما يشعره هذا الشاب الصغير .... جثا وليد على ركبته ثم قال بهدوء
- ما اسمك صغيري ؟!
همس الصبي باختناق
- عمر
ابتسم وليد قائلا
- ارفع وجهك يا عمر الرجال لا ينكسون رؤوسهم ابدا
رفع عمر رأسه ينظر له بعينان دامعتان ثم قال بحزن
- انا اسف سيدي بسبب ....
قاطعه وليد بلطف
- لا تتأسف عمر ... تعلم ان لا تتأسف على ذنب لم تقترفه ... لا تحني رأسك ابدا ... بل كن قويا دائما ...
اجابه عمر ببراءة طفل وكأنه ليس مراهق في الرابعة عشر من عمره
- لكن ابي يقول ان لا فائدة ترجى مني في المدرسة ... كما ... كما.. اني اخفق دائما بكل عمل يكلفني به !!!
انشطر قلبه نصفين وهو يستمع لنبرة اليأس التي تقطر من كلمات الصبي ... اي فكرة غرسها والده برأسه ... اجل فقد غرس فكرة الفشل داخله ويبدو انه نجح بهز ثقته بنفسه
- لاتقل هذا عمر ... لاتجعل الفشل واليأس يتمكنان منك ... ان فشلت مرة اعد التكرار مرة اخرى واخرى واخرى الى ان تنجح ...
اطرق عمر رأسه بصمت ليتنهد وليد وهو يقول بنبرة حنونه
- اخبرني عمر ماذا تريد ان تصبح بعد ان تكمل دراستك
نظر له عمر وهو يقول بترددة
- عدني انك لن تهزئ وتسخر مني مثل ابي ؟!!!!
اجابه بتعجب وهو يرفع حاجبية
- ولما اهزأ بك عمر ؟!!!! من حق اي شخص ان يحلم ويسعى لتحقيق حلمه مهما كان الطريق صعبا !!!
ابتلع عمر ريقه وهو يجيبه بخفوت
- اتمنى ... اتمنى ... ان ...ان ... اصبح طبيبا للاطفال !
ابتسم وليد قائلا بلطف
- هذه امنية رائعة يا عمر ستتمكن من تحقيقها بان الله .... لكن لما تريد ان تكون طبيبا للاطفال بالذات ؟!!
اجابه عمر بحزن وعيناه غارقة بالدموع
- اختي الصغيرة ماتت بالحمى عندما كنا نسكن في مخيم النازحين .... فقد لازمتها لثلاث ايام ولم ياخذها والدي للطبيب فلم يكن لنا المال الكافي لعلاجها
اغمض وليد عينيه بألم بينما استقرت نغزة حادة في قلبه ... الهي ايوجد فقر وقهر وقلة حيلة اكثر من كل هذا .... عندما اتاه ابو عمر قبل عدة اشهر يطلب منه العمل في مزرعته ... لم يكن يتصور انه نازح من المحافظة المجاورة ترك بلدته بسبب الارهاب والطائفية ... بل ظن انه من سكان المنطقة ... لكنه تفاجأ فيما بعد عندما علم بالامر .... الهي لما يحصل هذا لبلادة ؟!!! لماذا اصبحوا يتخذون الدين كستار يدارون به فداحة وقذارة اعمالهم ! قال بأبتسامة شاحبه
- حسنا عمر عدني انك ستكمل دراستك !!
هز عمر رأسه بصمت ليحثة وليد بأصرار
- هيا عمر اريد وعداً من رجل لرجل بأنك ستنجح وتصبح طبيبا مشهورا وناجحا !!!
اجابه عمر وقد التمعت عيناه بسعادة
- اعدك سيدي سأبذل جهدي
تنهد وليد براحة ثم ربت على كتفه قائلا باستحسان
- احسنت اريدك هكذا دائما ... وان احتجت لأي شيء ... اي شيء ... فأنا ساكون بانتظارك دائما ان شاءلله !!!!
ليكمل بحنان
- اتفقنا ايها البطل ؟!
اجابه بحماس وقوة
- اتفقنا سيدي
- والان هيا اذهب لتكمل عملك
تنهد وليد بحرارة وهو يراقب ابتعاد الصبي عنه ... لتختفي ابتسامته فجأة ويعود وجهه الى التجهم ... وهو يفكر من جديد ... كيف سيضع يده بيد رزكار ...ويسلمه نبض قلبه بيده ... بل يسلمه له مع ابتسامة سعادة ورضا !!
لكن لا ... يجب ان يبقى شامخاً ويقاوم .... لن يحطم بغمضة عين كل ما بناه من اسوار وحصون منيعة وقوية منذ تلك الخيانة المهينة التي تعرض لها ... سيكون قوياً .. صارماً ... غامضاً .. كالعادة وسينتصر عقله على قلبه بكل تأكيد ... بل هذا ما يجب ان يكون !
..............................
......................................
حيل اتعذبت بس انتَ مــا حسيت
لأن نار گلبي وگلبك البـــارد
جنت بس انتَ أشوفك ما شفت ناس
وصافن بس أفكر والذهن شــارد
وإنتَ تعيش صــافي وهادئ البال
وتشلع باب گلبي بصمتك الجـاحد
آه شكد صعب مـن تعشك انسان
وتحسه ابمحبتك يجهلك قــاصد
آه شكـــد غشيم وهيج حبيت
وادري هواي گلبك للعشك جـارد
...........
جلست على الأريكة وهي تتلفت يمينا ويساراً تتلقى التهاني من الضيوف وكأنها ملكة متوجة بفستانها الذهبي الناعم والأنيق بنفس الوقت .. كانت تخطف الأبصار بجمالها وأنوثتها ... فنازدار كانت حريصة على شراء كل ماهو غالي وثمين لكنتها الحسناء ... حتى المجوهرات اشترت لها اضعاف ما طلبت ...اصوات الزغاريد والأغاني الكردية كانت تصدح في الصالة ... اقارب رزكار و شقيقاته الثلاث لم يوفرن جهدا للرقص والتعبير عن سعادتهن بخطوبة شقيقهم الوحيد ... سعدية ايضاً كانت فرحة هي الاخرى رغم انقباض قلبها والذي لاتعرف له سبباً ... الا انها حاولت ان تتجاهل احساسها هذا وهي تدعو بسرها وتتلو الآيات القرآنية على ابنتها خوفاً عليها من الحسد !

قالت رونق وهي تنظر لتبارك بعتاب واضح
- كيف حالك تبارك ..
اجابتها تبارك ببشاشة
- الحمدلله .. كيف حالك انتِ ؟!
اجابت وهي تتصنع البرود
- بخير ... اتعلمين .. رغم اني حزينة من تصرفك ... حزينة جدا جدا ... الا اني لم استطع ان اتجاهل الحفلة واعتذر لخالتك ولغسق عن حضورها !
قالت تبارك بدهشة
- اعتذار ؟! و حزينة !!! مني انا !! لكن لماذا ؟!
قالت رونق بغضب مصطنع
- سأذهب لأبارك لغسق اولا ثم نذهب لمكان هادئ لكي نتكلم فيه بمنتهى الصراحة !
راقبتها تبارك وهي مقطبة الحاجبين تفكر بالسبب الذي جعل رونق تخاصمها وتغضب منها !!! ترى ماذا هناك !!!
ماان عادت رونق حيث تجلس تبارك حتى هبت تبارك واقفة لتسحبها من يدها قائلة بلطف
- تعالي لغرفتي لنرى لماذا هذا الخصام والوجه المتجهم !!
توجهتا الى الطابق العلوي وماان اغلقت تبارك الباب حتى حثتها لتجلس على الفراش قائلة لها بتعاطف
-والان اخبريني مالذي اقترفته بحقك لتخاصميني هكذا !!
كتفت رونق ذراعيها وقالت وهي تدعي البرود
- عزوز!
ابتسمت تبارك عندما سمعت الاسم المصغر الذي تنادي به رونق على عبد العزيز لتجاريها قائلة بمزاح
- ومابه عزوز ؟!
تنهدت رونق وقالت وهي تمسك يد تبارك
- لماذا لاتوافقين على الزواج منه !
اتسعت عيناها واحتقن وجهها وهي تقول بأرتباك
- ه...هل...اخبرك .. بانه ..انه .. !!
قاطعتها رونق قائلة بهدوء
- لم يخبرني شيئاً صدقيني ... لكني احسست به ... عزوز ليس اخي وحسب ياتبارك بل هو اخي وابي وصديقي هو كل مالدي في هذه الدنيا ... فكيف لا اشعر به !!!
ابتسمت تبارك وقالت بتأثر
- لا حرمك الله منه ابداً
همست رونق خلفها بخفوت
- اللهم امين يارب
ثم قالت بجدية وهي تركز نظراتها الثاقبة على وجه تبارك الخجول
- والان اخبرني ... لماذا هذا التردد الذي المحه بعينيك كلما تطرقت لموضوع اخي !!
قالت تبارك بحزن وهي تنظر لرونق بأبتسامة شاحبة
- حسنا ... سأكون صريحة معك ... وارجو منك ان تتفهمي موقفي !!
اعتدلت رونق بجلستها وقالت بأنتباه
- هات ماعندك كلي اذان صاغية!!
اخبرتها عن كل شيء ... لم تترك امراً يخص خطيبها السابق الا وقالته لها ... بتداءاً من تحكمه ... قسوته ...لامبالاته ... تجريحه المستمر ... انتهاءاً ببخله وطمعه ... رغما عنها نزت دموعها عندما كانت تقص عليها ما جرى وهي تتذكر الماضي المؤلم ... الذي تحاول نسيانه بأي وسيلة .... وعندما انتهت مسحت وجنتيها قائلة بلهجة معتذرة
- اسفة ... ربما ...ضايقتك بكلامي !!!
قالت رونق بعطف وحنان وهي تحتضن يد تبارك بدعم ومساندة
- حبيبتي ... لم تضايقيني ابداً ...بالعكس أسعدني جداً انك وثقت بي واخبرتيني كل شيء ..
لتتنهد وهي تكمل برفق وروية
- من حقك ان تكوني حذرة في اختيارك القادم انا اتفهم موقفك ... لكن ومع احترامي يا تبارك ... انت استعجلتي بموافقتك على ذلك التافهة ...كما انه لايوجد وجه مقارنة ولو بمقدار ذرة بين خالد و عبد العزيز !! شتان بين الثرى والثريا !!!
ابتسمت تبارك بضعف فعبد العزيز شقيقها وبالتاكيد ستدافع عنه ... وكأن رونق احست بما تفكر فيه لتقول لها بجدية
- صدقيني انا لا اقول هذا لانه اخي بل تلك هي الحقيقة ... ارجوك تبارك اعطيه فرصة ليثبت لك صدق نواياه !
همست تبارك وهي تسبل اهدابها
- ليس الامر بهذه السهولة رونق !
تنهدت رونق وقالت
- اخبرتك يا توتو من حقك ان تتمهلي قبل اتخاذ القرار لكن على الاقل عديني ان تفكري جديا مرة أخرى بهذا الموضوع !
اومأت تبارك بأبتسامة صغيرة وهي تقول بموافقة
- حسناً بالرغم من اني حسمت امري منذ زمن .. الا اني اعدك بالتفكير مرة اخرى !
اجابت رونق بسعادة وحماس
- اجل عزيزتي فكري جيداً ... ثم ضعي في بالك .. عزوز نفسه عزيزة جداً ومن المستحيل ان يفكر في يومٍ من الأيام على الأتكال والعيش من عرق زوجته ابداً ...
صمتت قليلا واكملت
- انت تعرفين جيداً باني اتقاضى راتباً شهرياً من الدولة لانني زوجة شهيد! اقسم لك .. اقسم لكِ بالله العظيم .. ان عبد العزيز لم يلمس قرشاً واحداً منه !! بالرغم من انه بأمس الحاجة للمال لكي يكمل تجهيزات العيادة !! وبالرغم من الحاحي الشديد وعرضي عليه ان يأخذ مبلغاً لن اقول لك بانه ضخم الا انه يفي بالغرض ! لكنه رفض بشدة ... وخاصمني لمدة يومان !حتى قبل العيادة لم يكن يسمح لي بشراء تفاحة واحدة للمنزل كان يقول لي مادمت تعيشين معي فأنا من يصرف عليك ... كل ما يخصك هو مسؤوليتي انا ... والان هل تصدقين كلامي ام لا !!!
ابتسمت تبارك وقالت بتأثر
- اصدقك رونق .. اصدقك !!
اجابت رونق بأنتصار وهي تشعر بالفخر والاعتزاز برجولة وشهامة اخيها الوحيد
- اذن فكري جيدا وانا اعدك بانك لن تندمي ابداً !
.............
...............................
جاء الشيخ الذي سيعقد القران و جلسو جميعاً في الصالة ... بدأ الشيخ يتلو بعض الايات والمواعظ واقوال الرسول ثم شرع بعقد القران .. سألها لعدة مرات ان كانت موافقة ...وفي المرة الأخيرة رفعت نظراتها لتلتقي بنظراته الغامضة لتقول بقوة وصلابة وكأنها تتحداه
- موافقة
لتتعالى اصوات الزغاريد والمباركات ...بينما وليد ظل ينظر لها بنظرات مظلمة .. عاصفة متألمة ... انفاسه بالكاد تخرج ... وقلبه يهدر بعنف ... رسم على شفتيه المتشنجة ابتسامة صغيرة ... أيبتسم وهو يرى حبيبته تزف لغيرة ؟!
أيكون سعيدا وفرحاً وهو يستقبل الضيوف ويتبادل معهم المباركات والكلام الزائف ؟! الهي ... ان كان هذا اختبار تضعني فيه اذن فهو اختبار صعب ..صعب جداً ... وبكل ما اوتي من قوة وصبر ... غلف قلبه بجدار ثلجي صلب ... ورسم على ملامح وجهه الجدية والوقار ... اخفى مشاعره الجريحة بمهارة يستحق عليها جائزة ... ثم انسحب بهدوء الى الحديقة ...
خرجت ليستقبل ذرات الثلج التي اختارت هذه الليلة لتهطل ... ربما هطلت لتطفئ لهيب الاحتراق الذي يعتمر بصدره !!!
اخرج علبه السكائر ووضع سكارة في فمه ثم اشعلها وسحب نفساً عميقاً ... لازالت صورتها وهي تضحك بسعادة حقيقية مطبوعة امام عينيه .... تهدمت اسوار صلابته الوقتية التي بناها قبل قليل ...واندحرت حصونه العنيدة رافعة رايات الاستسلام وخيبة الامل ... غامت عيناه وهو يتكأ على العمود الرخامي الموجود في الممر الجانبي المظلم من المنزل ... يحدق بذرات الثلج المنهمرة ببطء .... ابتسامة حزينة ظهرت على شفته وهو يهمس بسره متنهدا ... ليس وليد من ينعى حظه كالنساء... ليس وليد من يتحطم من اجل امرأة ... ليعاود الهمس بيأس ... لكنها ليست اي امرأة ... انها غسق ... غسق !!
............
.....................
بعد خلو المنزل من المدعوين ظلا رزكار وغسق وحيدين في الصالة ...
كان رزكار يهمس لها بكلمات باللغة الكردية لم تفهم منها شيئا لكن من ملامح وجهه العاشقة عرفت بأنها كلمات تحببية .. قال بهمس
- قبلة ... قبلة واحدة غسوقة ... ارجوكِ !!!
ابتعدت عنه بنفور ... وهي تتلفت حولها هامسة بحدة
- أجننت ...عن اي قبلة تتحدث... مستحيل ... أسمعت !! مسـتـــــــــــــــــــــــــــحيل
اجابها مقتربا منها مرة اخرى وكأنها لم تقل شيئاً ولم تعنفه الان ببرود
- ارجوك دلم ..
نظرت مقطبة من كلمة دلم وتعني قلبي باللغة الكردية ... تأففت بضجر وادارت وجهها إلى الناحية الأخرى ... لاتعرف لما شعرت بالانزعاج من الحاحة المستمر .. احست وكأنها تريد التقيؤ ... ياربي ..لماذا ينتابني هذا الشعور المقرف ! وكأنها مجبرة على تحمل الجلوس قربه ..رغم انه وسيم ولطيف !!
لكن لماذا لم تشعر هكذا ؟؟ في الايام السابقة كانت تتقبله وتريده ... لماذا تغيرت الان بعد ان اصبحت زوجته وانتهى الامر !!!
قالت ببرود
- يكفي رزكار ... ثم انا اقولها لك منذ الان ... لاقبلات ولا لمسات الا بعد الزواج .. واضح !!!
تنهد قائلا وهو يدعي الغضب الذي لا يليق به بتاتا
- حسنا حسنا سأتحمل فقط لأني احبك
همست بخفوت ..يارب صبرني .. قال لها بعدم فهم
- ماذا قلت ِ ؟!!
هزت رأسها قائلة بأبتسامة باردة
- لاشيء كنت اقول يالي من محظوظة !
عدل سترته بفخر واجابها
- بالتأكيد محظوظة حبي !
ابتسمت بغيض وهي تهمس بخوف وقلق ... يا إلهي مالذي يحصل لي بالضبط ...لماذا لا اطيقه بهذا الشكل المفاجأ !!!
..................
.........................
في الايام التالية أصبح رزكار هو من يوصلها للجامعة ...لم يستطع وليد الاعتراض هي تعتبر شرعاً زوجته .... لايزال يذكر كيف كان يقف امام منزلهم بسيارته الفارهة .. وهو يتكأ عليها يوزع ابتساماته المقرفة بسخاء ... قطب وفتح الباب الخارجية الحديدية للمنزل قائلا بأستغراب وحدة
- نعم !!! خيراً ان شاءلله ؟ اراك قد اتيت مبكراً هذا الصباح !
اجابه بأبتسامة واسعة وسمجة
- لقد جئت لكي اقل خطيبتي الى الجامعة
عندما قال خطيبتي اراد ان يمسكة من تلابيبه ليهزه بقوة هاتفاً بعلو صوته ...لاتقل خطيبتي ايها الابله المخنث ...الا انه صمت ...حبس صرخته بصدره ... ليتنهد قائلاً بصبر وهو عابس الوجه
- ومن طلب منك ان تفعل ذلك ؟!
وقبل ان يجيب وصله صوتها البارد وهي تقول بتحدي
- انا ...
التفت لها وهوعقد الحاجبين ينظر لوجهها الجميل بتجهم وصمت لتردف موجه كلامها لرزكار الذي فتح فمه كالأبله ما ان رأها
- صباح الخير زيكو..هيا بسرعة سأتأخر عن المحاضرة الاولى لدي امتحان مهم جدا !
ثم نظرت لوليد قائلة ببراءة
- عن اذنك وليد !
شبك يديه خلف ظهره يراقب اختفائهما وهو يعتصر قبضتيه بقوة ... ليهمس بخفوت .. حسنا غسق ... افعلي ماتشائين ! ولنرى الى اين سيوصلك عنادك وتهورك !
...................
..........................
- حبيبة !!!!
التفتت حبيبة تنظر لها بتساؤل بينما تحمل بيدها كومة من الملابس المتسخة استعداد لغسلها
- اجل سلمى ؟!!!
اجابتها ببراءة
- هل من الممكن ان تغسلي ملابسنا ... اقصد انا لا استطيع ان اغسلها خاصة وان السخان اصيب بعطب والماء بارد جدا ... كما ان يدي حساستان من الماء البارد
اجابتها حبيبة بطيبة فأحب شيء لقلبها هو غسل ملابس زهير واستنشاق عطره العالق بطياته
- اجل بكل تأكيد ..
ابتسمت سلمى بخبث وقبل ان تتحرك من مكانها وصلها صوته الحاد وهو يقول
- شكرا حبيبة ... زوجتي ستغسل الملابس بنفسها لاحاجة لأن نتعبك معنا
بروده حادة وقاسية هزت جسدها بقوة بينما احتضنت الملابس وكأنها تحاول ان تدفن خجلها وخزيها من شعورها المذل وكأنها تتدخل بأمورهم وتفرض وجودها بينهما ... ربما زهير لا يحب ان تشارك امرأة اخرى مهام زوجته ؟!!! ربما لايريدها ان تلمس ملابسه ؟!!! لا تعرف كيف اومأت بخذلال وعينان انعكس بهما بحيرتان من الدموع الحبيسة قبل ان تستدير وتغادر المكان بسرعة ... نظر لزوجته وقال من بين اسنانه
- تعالي معي يا مدام !!
امسك ذراعها بقوة ثم سحبها معه وهو يتوجه الى شقتهم ... ارتقى الدرجات بغضب بينما سلمى تتلوى وهي تحاول تخليص ذراعها من قبضته افلتها ما ان وصلا للداخل لتصرخ بأستنكار
- مابك ؟!! اجننت ؟!!!
اجابها بغضب وهو يغلق الباب بقوة
- مالذي فعلتيه قبل قليل ؟!!
اجابت ببرود وهي ترفع حاجبيها
- ماذا تقصد ؟!!!
- كيف تطلبين من حبيبة ان تغسل ملابسنا ؟!!!!
هزت كتفيها وهي تقول بلا مبالاة
- وماذا في ذلك ... انا كنت تعبه وهي ...
قاطعها بحزم
- اسمعيني جيدا يا ابنة الناس اعمالك المنزلية تقومين بها بنفسك ... ثم الشقة صغيرة عن اي تعب تتحدثين !!!!!!
ليكمل بتهكم وسخرية
- ااه تذكرت انت تعبه من الجلوس امام التلفاز ومشاهدة البرامج والمسلسلات التركية و لا انسى تعبك في مواقع التوصل الاجتماعي فانت تتعبين جدا في تنزيل المنشورت التافهة !!!!
قالت بغضب
- ارجوك زهير لا داعي للسخرية .... ثم انا اتنقل في مواقع التواصل الاجتماعي لانسى القرف الي اعيشه هنا !!
هتف بصوت عالي و بعدم تصديق وذهول
- قرف !!!!!!!! انت تعيشين معنا بقرف ؟!!!!!
اجابت بصوت اعلى من صوته
- اجل حبيسة بين اربع جدران ولم يمضي على زواجنا الا اسبوعين اوربما ثلاث ....
ثم بدأت تردد كلماته وهي تقلد صوته متخصرة
- لاتخرجي ... لاتذهبي للسوق .... لا تبذري المال ... لاتتصلي بصديقاتك ...لا ...
قاطعها بغضب اسود
- هل قصرت معك بشيء ؟!!! نحن نخرج كل ثلاث او اربع ايام ... اليوم الوحيد الذي انا بحاجة فيه الى الراحة هو الجمعة وانت يوم الجمعة ايضا تريدين الخروج .. اما بالنسبة للملابس وباقي اغراضك التي لا تنتهي فانا اوفر لك كل ما تريدين ولا ... !!
قاطعته بسخرية وهي تكتف ذراعيها
- وهل تسمي ما تعطيه لي مالاً ... انها حتى لا تكفي لشراء علبتين من طلاء الاظافر ذي الماركة المشهورة !!
قطب قائلا وهو يضيق عينيه مبتلعا اهانتها بصعوبة
- هذا ما لدي يا سلمى وانت وعائلتك كنتم تعرفون ظروفي المادية قبل الزواج .. لذلك لاتتحججي بكلام تافه ... ثم ان لم يعجبك الامر انت حرة
قالت بعدم فهم وهي مقطبة الجبين
- ماذا تقصد ؟!
اجابها بلامبالاة وهو ينزع سترته ويتجه لغرفة النوم
- اقصد حرة اما ان تتقبلي وضعي هكذا او ...
همست بشك وهي تلحقة بسرعة
- او ؟!!
اكمل ملتفتاً ناحيتها بتحدي
- او ان تذهبِ الى منزل ابيك لتأخذي دروس بالاعمال المنزلية التي يبدو ان والدتك نسيت ان تعلمها لك !!
قال جملته هذه واتجه الى الحمام ...
مضطرة ... اجل هي مضطرة للسكوت الان .. تعرف ان الغضب والمشاجرة لن تجدي معه نفعاً ... لكن حسنا زهير ... اعدك ... بقائك بأحضان عائلتك المقرفة لن يطول كثيراً ... ستذهب لتعيش في منزل والدي وعندها ستكون ورغما عنك تابعاً لنا وانت مسلوب الاراده والرأي !
...............
...........................
لندن عصراً
..................
دلفت الى الداخل ثم أغلقت الباب بهدوء .... همست بتعب وهي تضع يدها على ظهرها
- ااااه يا الهي كم انا غبية أكان علي ان أنسى اوراق التحاليل التي طلبتها الطبيبة مني !!!
تنهدت بعمق وهي تهمس لطفلها بحنان ...
"اليوم سأتعرف على جنسك ياحبيبة ماما ... بالرغم من اني متأكدة من أنني احمل بأحشائي طفلة جميلة تشبه خالتها حبيبة ...طفلة أسميتها يقين "
همام قال لها بأنه مشغول اليوم في العيادة ...ووالدتها منذ تلك الليلة التي تشاجرا بها وهي أصبحت تتجنبها كثيراً ... حتى في أوقات الطعام لا تنظر لها ولا تبادلها الكلام ....سارت في الروق الطويل المؤدي لغرفة النوم .... لكنها توقفت قاطبة جبينها وهي تستمع الى صوت همهمات .... اقتربت أكثر لتستمع الى الأصوات بوضوح كانت أصوات تنهيدات وأنات خافتة ..... ابتلعت ريقها بصعوبة وخفق قلبها بقوة .... هذه ليست أصوات لصوص عقلها حلل الأمر بسرعة .... رباااااه هل .... هل ....همام يخونها ؟!!!! هل تجرئ على إحضار عشيقاته هنا أيضا !!!!!
تسلل الغضب واليأس لداخلها .... تفكيرها باقتحام الغرفة لم يدم الا ثوانٍ لتتخذ قرارها .... اندفعت لتفتح الباب بقوة وسرعة لكنها تجمدت واتسعت عيناها عندما رأت زوجها يخونها على فراشهم الزوجي ..... ومع من ..... والدتها !!!
.........................
نهاية الفصل الثاني عشر

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن