38

179 11 0
                                    


الفصل الثامن والثلاثين
.......................

نظر لها وهو يرفع حاجبيه بدهشة .. لأول مرة رضاب تسأله عن أمر يخصه !!
هل كانت لهجتها تعكس ومضات من الغيرة !!
اجل رضاب تغار ... أمن المعقول هذا ؟!!! ان كانت تغار فعلا فهذا ليس له الا تفسيرا
واحدا ... زوجته تسير بخطوات متعثرة نحوه وكأنها طفل صغير لايزال يتعلم الحبو حديثاً ... يحبو وببطء شديد ليشق طريقه .. أذن هي بدأت حبه ....
الغيرة هو شعور مرادف للحب والاهتمام .... تسللت السعادة الى قلبه كما تتسلل المياه العذبة إلى الأراضي الجافة لتبتلعها بلهفة وعطش ...لتطالب بالمزيد والمزيد .... رغم ما مر به سابقاً ... ورغم انه كلما كان يتذكر تلك الطعنه المؤلمة التي تعرض لها من اقرب أصدقائه ... الا انه الآن لم يعد يتذكر منها سوى ظلال باهته لم تعد تؤثر به ابدا !!!

ظل صامتاً لبعض الوقت يحدق بها بهدوء ...ملامح وجهه غامضة مبهمة لا تعكس ما يختلج في داخله من مشاعر الغبطة والسعادة ....
أسبلت أهدابها بخجل ... ثم همست وهي تحاول النهوض والتوجه نحو ملك
- اسفة يا معاذ ..لم يكن علي ان .....
قاطعها مسرعاً وهو يمسك معصمها بقوة ليمنعها من النهوض
- انتظري رضاب .....
عاد لتسترخي مكانها وهي تنظر له بملامح خجلة ومحمرة ....ليكمل بهدوء وشبح ابتسامة سعيدة تتراقص على شفتيه

- لا تعتذري يا رضاب .... أنت زوجتي ومن حقك ان تعرفي كل شيء عني ...وان تسألني ما تريدين دون الحاجة لأخذ الأذن ....

سحب نفسا طويلا وهو يدير وجهه ليحدق أمامه بشرود .... عاد بذاكرته إلى عدة أعوام مضت ... قبل 2003 بعام أو ربما عامين ...عندما اكمل دراسته وصار لابد له من ان يلتحق بالخدمة العسكرية ...والتي كانت في حينها إلزامية .... كان يتكلم بهدوء وهو لايزال يركز نظراته الى الأمام .... متذكرا سوسن ... تلك الفتاة التي كانت تسكن على مقربه من حيهم حيث انتقلوا للسكن هناك حديثاً ...تدرس في كلية الآداب المرحلة الأولى ..كانت تصغره بعامين ....
عندما رآها لأول مرة كان لايزال شاباً في مقتبل العمر ..مشاعره متشبثة بقوة بأذيال المراهقة على الرغم من اكتمال هيئته الرجولية .... شعر .. أو توهم بأنه يحبها .... في بادئ الامر اقتصرت علاقتهم على النظرات الصامتة .... أصبحت تشغل عقله ليلا ونهارا ...ملامحها السمراء الجذابة تكاد لا تفارق مخيلته ابدا ...

تطور الأمر فيما بعد لتتحول النظرات الى بعض الإيماءات الصغيرة كتعبر عن تحية الصباح او المساء عند ذهابها وايابها من والى الجامعة ....شيئا فشيئا وعندما لاحظ القبول والاهتمام المتبادل منها تشجع وكتب ما يكنه لها مترجما حبه اليافع على شكل سطور في رسالة مقتضبه .... سلمه لها بيد مرتجفة وقلب يعصف بجنون
وعندما أتاه الرد بالإيجاب ...شعر وكأنه امتلك العالم كله بيده .... تكرر تبادل الرسائل بينهما
في ذلك الوقت لم يكن هناك رفاهية الهواتف النقالة ولا مواقع التواصل الاجتماعي .... لذلك كانت يتصل بها في الهاتف الأرضي ..يسترق الأوقات ليسمع صوتها ....الذي كان يشعره بالخدر والغرور ألذكوري ... اجل كان يشعر بالزهو والغرور ... فلأول مرة بحياته يتكلم مع فتاة وتبادله هذه المشاعر الحارة ..وقد كان صادقا معها ونيته شريفة ... فقط ينهي خدمته ويستقر بعمل يناسبه ثم يتقدم لخطبتها ..هذا ما اتفقا عليه ..وقد وعدته بالإخلاص والانتظار

وعندما بدأ المباشرة في الخدمة العسكرية كانت الأوقات التي يبتعد بها عنها من اصعب الأوقات لديه .... كان يتحرق شوقاً ولهفة لرؤيتها او لسماع اخبارها .... حتى انه اخبر صديقه الذي تعرف عليه في الجيش بقصة حبه الجنونية لها ....
ظل الحال هكذا لبضعة اشهر ....الى ان اقترح عليه صديقة الصدوق المقرب ...او هذا ما هيئ له ....بأن يكتب الرسائل لها وهو بنفسه من سيذهب الى الجامعة ليوصله اليها ... بما ان صديقه كان ينزل قبله في الإجازات التي كانت تمنح لهم مرة كل شهر ..... شكره بحرارة وامتنان وبالفعل بدأ بكتابة الرسائل التي واظب عليها أسبوعيا ....
استمر هذا الحال طوال فترة الخدمة و دون ان يلاحظ اي تغير يطرأ على الصديق الذي قاسمه الزاد والملح ..
الى ان حدث في مرة من المرات و نزل في اجازة لعدة ايام ..لكن قبلها كان صديقه قد سرح من الجيش و انقطع عن زيارته لعدة اشهر قليلة .... مما اثار داخله القلق عليه ....
همس مكملا بصوت جامد وجاف
- هل تتخيلين شعوري وانا اسير في الشارع المؤدي لحينا حاملا حقيبتي العسكرية على كتفي ... ملابسي وجسدي مليئان بالغبار .... كلي لهفة على رؤيتها رغم التعب الذي كنت اشعر به ...ثم أتفاجأ بمظاهر الزفاف .... الموسيقى التي تملئ الجو .. والزغاريد .... والرقص في الشارع .... لتخرج هي بكامل بهائها وجمالها تردي فستان الزفاف متأبطة ذراع عريسها المبجل ... لكن أتعلمين شيئاً .... ليس هذا ما صدمني يا رضاب ...
التفت ينظر لها بهدوء وهو يكمل بسخرية
- الذي صدمني اكثر هو عندما تعرفت على هوية العريس ..
اتسعت عينا رضاب بقوة وتأثر وهي تهمس بألم

- لا تقل بأنه ..
قاطعها بابتسامة شاحبة

- اجل كان صديقي ... تصوري ..كان صديقي الذي تطوع برجولة وشهامة على ايصال الرسائل لها !!
ليردف بسخرية وتهكم
- كنت مغفل وغبي .. ينطبق علي المثل الذي يقول اغرقها برسائل الحب فتزوجت بساعي البريد

رغما عنها ..ورغم تأثرها بما اصابه ..الا ان نيران الغيرة العمياء كانت تندلع داخلها اكثر من السابق ..... تنهش قلبها نهشاً .... هل احب تلك المدعوة سوسن ؟! هل لا يزال يحبها ؟!
أبسببها امتنع عن الزواج كل تلك السنين ؟!!!
لقد اخبرتها جاسمية بامتناعة الغريب عن الزواج رغم الحاح والدته وعمه ..المستمر ...
اذا كان لا زال يكن لفتاته الخائنة الحب لماذا تزوجها هي !!! رباه هل كان يشفق عليها بسبب ملك ؟!!!
تنحنحت وشجعت نفسها وسألته بجراءة
- هل ... هل لازلت تحبها ؟!
التفت لينظر لها وهو يرفع حاجبيه قائلا بتأكيد غير قابل للشك
- بالتأكيد لا ...انا لم أحبها من الأساس يا رضاب ..مشاعري كانت مجرد مشاعر صبي مراهق ....هذا ما اكتشفته فيما بعد ....
لتباغته بسؤال اخر كانت اجابته هو الاهم بالنسبة لها

- اذن لماذا امتنعت عن الزواج كل تلك الفترة ؟!!!

سحب نفسا عميقا واجابها بصدق

- خيانتها لم تكن لتشكل فرقا كبيرا عندي لو انها تزوجت بأي رجل ..اي رجل اخر يارضاب عدا صديقي .... انت لم تعرفي مدى التقارب الذي كان بيننا ...رباه ..لقد تقاسمنا الزاد معا ...نقضي ليالي الشتاء بالسمر والجلوس في الوحدة العسكرية امام النار نحتسي الشاي ...نتبادل الآراء والأفكار ..كان لي بمثابة حيدر بالضبط .... لم يكن هينا ما فعله بي .... لقد طعنني من الخلف ..وبأقبح وابشع طريقة ...عندما شاهدته معها ...تحول كل شيء امامي الى سواد ... طعم الخيانة لاتزال مرارتها تسري بدمي يا رضاب .... اعتزلت التعامل مع اغلب الناس عدا البعض منهم ....شعرت بالراحة والهدوء ...كنت متصالحا راضيا عن حالي سعيدا بعزلتي ..... ومادمت مرتاحاً خالي البال لم ولن يهمني ما كانوا يقولوه عني ....

التفت لينظر لها بابتسامة صغيرة ليردف قائلا بتساؤل

- هل وصل الى مسامعك ما كانوا يقولوه عني عندما امتنعت عن الزواج لعدة سنوات ؟!
هزت رأسها بلا وهي لاتزال تنظر له ببراءة ليكمل قائلا بهدوء

- عاجز جنسياً ...أشاعوا بأني عاجز جنسيا ...

فغرت فاها بشكل مضحك وأخذت تحدق بوجهه وقد تصاعد الاحمرار لوجنتيها .... أدارت رأسها الى الأمام وهي مرتبكة وخجلة ... يا الهي ..... هي حقا لم تكن بأنهم كانوا يقولون هكذا كلام عنه !!!
معاذ رجل ومن ظهر رجل ...الامر لا يقبل الشك حتى ...للان تتذكر كيف كان على وشك امتلاك جسدها بأجمل وأروع طريقة ممكنه لكنها أفسدت كل شيء بسبب ماضيها الاسود الذي كان ولايزال ينغص عليها حياتها ومستقبلها ...صمتت لوهلة ثم همست تسأله بهدوء بمحاولة منها لتغير دفة الحديث المحرج لكليهما خاصة له

- الم يحاول الاتصال او التبرير لك ؟!!
اجابها بلا مبالاة وهو يركز نظراته على ملك المشغولة باللعب والقفز حولهما

- لا لم يتصل ...لكن حتى وان اتصل هل تعتقدين بأن هناك ما يمكن تبريره او شرحه !! وهل كنت سأسامحه على فعلته الخسيسة تلك حتى وان كان حبي لها وهميا ؟! كان من المفترض ان يراعي الصداقة بيننا ؟! ثم هل خلت الدنيا بما فيها الا منها هي !!! حبيبة صديقه ؟!!!!
هزت رأسها بأسى وهي متفهمة ومستوعبة جدا لما يقوله .... لكنها احتاجت للتأكد اكثر ليطمئن قلبها وتنطفئ تلك النيران المندلعة في جوفها

- وما الذي دفعك لتغيير رأيك و ....... اقصد تغير رأيك بموضوع الزواج .....

ابتسم لها بحنان وهم بالرد لولا تدخل ملك وهي تقترب و تقول له بطفولية ...

- عمو معااااذ احملني اريد ان انظر للأسماك كيف تسبح في المااااء ..هياااااا ارجوك

ضحك بخفة وهم واقفا وهو يحملها ويتجه الى حافة القارب ... تتبعه عيون رضاب العاشقة ...كم كبر معاذ بعينيها ... كلا هو منذ البداية كان في نظرها رجلا خرافيا ... لا يشبه اي احد مر عليها ابدا ..وكأنه ..فارس من فرسان العصور الوسطى ..اجل يشببهم بشهامته ورجولته المتدفقة ..والتي تكملها وسامته المحببه الي قلبها .... وعيناه اه من عيناه الجميلتان بلونهما المميز والذي يتغير بتغير مزاجه .... فتارة تكون فاتحة وصافية تماما كصفاء الغابات الخضراء الواسعة ..وتارة تكون غامقة ولامعة كحجران نفيسان ونادران ...
بعد ان انهوا تلك الجولة الممتعة ... اصطحبهم معاذ الى احد المطاعم وقام بشراء وجبه العشاء المكونة من بعض الشطائر والسندوتشات .... بالإضافة لعلبة ايس كريم كبيرة محشوة بالمكسرات والفراولة ....وما ان ادار محرك سيارته حتى التفت اليها قائلا بحنان
- في المرة القادمة ان شاءلله ... سأخذك الى افضل المطاعم التي تقدم الوجبات البحرية الشهية ... اهل البصرة مشهورون بمنتجاتهم البحرية الرائعة ..متأكد من انك ستحبينها

عندما عادوا الى المنزل كانت هدى تجلس في الصالة برفقة جاسمية التي كانت تواظب على زيارتهم بين حين وأخر ... أرادت العودة لمنزلها الا انها أقسمت عليها ان تشاركهم وجبه العشاء .... لتلبي الأخيرة دعوتها بسرور ... وهي منتبهة جيدا لوجه هدى المتجهم الذي كان يرمقها بعدم رضا وبرود تعودت عليه دائما ...ولا تعرف سببا لذلك !!
.....................
...........................................

اربيل
...........

كانت تجلس في الجهة المقابلة له ... تجاورها رونق التي لم تكف عن همساتها ولكزاتها التي وجهتها لتبارك ....
أما هو فقد وجه نظراته الباسمة نحوها .. بين حين وأخر ... منذ ان اتصل به وليد واخبرنه
بموافقتهم وهو لا يكاد يصدق بأن أحلامه المستحيلة باتت واقعا ملموساً ...
رغم انه كان واثقا من حب وموافقة تبارك الا انه لم يستطع ان يمنع ذلك الشك الضئيل والخوف الذي كان يساوره رغما عنه ... ما كان يطمئنه ويصبره هو رفضها لفاروق وما حصل بينهما في المرة الأخيرة التي التقيا بها في المصرف ....عندما قالت له تلك الكلمات المؤثرة والتي استقرت بكل خليه في عقله ...
اتفقوا على جعل الخطبة و عقد القران في نهاية الاسبوع القادم بينما اتفقت رونق مع سعاد وتبارك على الذهاب بعد يومين الى الصائغ لشراء المصوغات الذهبية بمرافقة عبد العزيز .

احنت رونق رأسها قرب تبارك وهي تهمس بصوت خافت

- اه منكما .. أهكذا يا صديقتي ..اعلم بأن عبد العزيز قد خطبك فجأة ودون ان تعطيني خبرا بذلك !!!
ابتسمت تبارك بحرج ..فهي فعلا لم تتصل برونق في الأيام السابقة ...خجلها وحيائها منعاها من فعل ذلك ..كما أنها لم تكن تضمن نفسها ..فهي ما أن تتذكر ما حصل حتى تترقرق عيناها بالدموع ... ربما كانت ستنهار أمامها وتصبح فعلا مثيرة للشفقة .... أجابتها بصوت خافت ومحرج

- لا تغضبي مني يا رونق أنا ..فقط ...كنت متوترة ومرتبكة .... سامحيني واغفري لي خطئي من فضلك ....

ضحكت رونق برقة وهي تحتضن كف تبارك لتجيبها بصدق
- انت مجنونة ؟!! من هي التي ستغضب !!! لو كان الأمر بيدي لوقفت وتحزمت الان ورقصت في منتصف الصالة ...وانا اغرق الدنيا بالزغاريد ....
لتكمل بمزاح
- لكن خجلي يمنعني ...انت تعرفين كم انا خجولة
ابتسمت لها تبارك بينما حواسها وانتباهها مركزة عليه حتى وان كانت لا تنظر ناحيته ... لتهمس رونق مرة اخرى
- سنكون كالشقيقتين يا تبارك ..يا الهي للان لا اصدق ان ما يجري هو حقيقة وليس حلم سأصحو منه قريباً !!!
لترد عليها تبارك بصدق وعفوية وهي تضحك بخفوت

- وانا ايضا لا اصدق يا رونق .....

لم تتسنى لها الفرصة للجلوس معه على انفراد لكن نظرات العيون التي تبادلاها كانت كفيلة لشرح وقول آلاف الكلمات العاشقة .... بينما تلك الابتسامة التي خصه لها عبد العزيز كانت اكثر من كافية لجعل ضربات قلبها تطير فوق السحب لتحلق هناك بسعادة لا تضاهيها سعادة ابدا...

.........................
...............................
دلفت حبيبة الى الصالة بغضب وهي متجهمة الملامح عاقدة الحاجبين ... ليتبعها زهير متعجباً من ثورتها المبالغ بها ....والتي لا مبرر لها اطلاقاً ... ما ذنبه هو ان تحرشن به بعض الفتيات وبادلنه النظرات الوقحة !!!
هو لم يكن لينتبه إليهن ما لم تخبره هي بذلك ... فاليوم قرر ان يخلي سبيل زوجته الحبيبة بعد ان حبسها لأكثر من عشرة ايام في المنزل ...تحديدا كانت حبيسة في غرفة النوم ..حتى منزل عائلته لم يكن يدعها تذهب اليه الا لدقائق معدودة فقط ....أصبح شرها معها جدا ..لا يشبع منها ابدا ...
منذ ان دخلوا الى ذلك المطعم الذي كان يضج بالزبائن والسائحين كانت تجلس قبالته بتوتر ... تسترق النظرات هنا وهناك ... وبينما كانا يأكلان
الطعام ..همست من بين أسنانها قائلة

- زهير ..هيا فلنعد الى المنزل
رفع حاجبيه قائلا بعدم فهم
- ماذا ؟!!!
أجابت بغيض
- قلت هيا لنعد الى المنزل
ترك الشوكة من يده و أولاها انتباهه قائلا بتعجب ودهشة

- لكن لماذا ؟ الم يعجبك المكان ؟!!
اجابت بجفاف وهي متجهمة الوجه

- لا تدعي البراءة وتقول بأنك لم تنتبه لهن !!!
هز رأسه وهو يركز نظراته البريئة عليها قائلا بصدق
- انتبه الى من ؟!!!!
أشارت برأسها وهي تزفر الهواء قائلة
- هؤلاء الفتيات هناك !!!
التفت ليلقي نظرة خاطفة الى المكان الذي أشارت اليه ثم عاد ليركز على وجهها قائلا بمزاح وعفوية جعل السنة غضبها وغيرتها تتصاعد اكثر

- وماذا في ذلك بطتي ...دعيهم ينظرون .... ثم الم تعرفي للان ان زوجك كان ولازال محطم قلوب العذارى !!!

لتجيبه بحدة وغضب
- اهاااا ...اذن محطم قلوب العذارى سيد زهير !!!
لتردف وهي تهم بحمل حقيبتها
- الان .. وحالا سنغادر هذا المكان ... هيا زهير ....

انصاع لإلحاحها وهو حتى لم يكمل وجبه العشاء ... عز عليه ان يترك كل ذلك الطعام وهو لم يأكل منه إلا القليل ...دفع فاتورة الحساب وعيناه تنظر بأسى الى الإطباق الشهية التي هو مضطر لتركها على مضض ....ثم تبعها خارجاً وهي لاتزال تهمس بالكلمات الغاضبة ...

اخرجه من سلسلة افكاره صوتها الحاد وهي تقول بغيض
- كنت سعيدا بنظراتهن اليس كذلك يا زهير !!!!

ليرد عليها بذهول
- يا الهي حبيبة !!! انا حتى لم انتبه لهن ابدا اقسم على ذلك !!!

توجهت الى غرفة النوم وهي تدب الارض بغيض قائلة بتهكم
- لا تدعي البراءة .... هي لا تليق بك سيد زهير
فتحت الدولاب بقوة لتخرج لها قميصاً للنوم ... كانت تتصرف بآلية ... لا تنظر لوجهه حتى ... كانت تستعد للذهاب الى الحمام عندما اوقفها امام الباب وهو يمسك ذراعها قائلا بتعجب
- تعالي هنا يا فتاة ويكفي جنونا ...انا بريء لم افعل شيئا ...ماذنبي ان كنت وسيما ومحط انظار الفتيات ..

ليكمل بمزاح وهو يدعي الغرور

- ثم انت يجب ان تتعودي على كون زوجك رجل وسيم وله معجباته !!

وما ان نطق بهذا الكلام حتى كان هو الجاني على نفسه ...ظلت حبيبة ترغي وتزبد بكلمات حادة وغاضبة ...كانت غيرتها مبالغ بها جدا .... نفضت ذراعه عنها وتوجهت الى الحمام وصوتها الحاد لايزال يصل لمسامعه .... هز رأسه وهو مندهش من افتعالها المتعمد للشجار على سبب تافه كهذا ...ليس هذا وحسب بل هو بريء ولم يفعل شيئا .... عادت الى الغرفة بعد عدة دقائق ثم جلست أمام المرأة ... تمشط شعرها بحركات حادة وكأنها تنتقم وتخرج غضبها بشعرها المسكين لينهرها زهير قائلا وهو يفتح أزرار قميصه
- لا تمشطي شعرك بهذه ألطريقه يا حبيبه ..هو ليس ملكك !!

التقت نظراتهم في المرآة ... المغرور المتعجرف ...ويأمرها ايضاً !!!
تمدد على السرير بعد ان خلع ملابسه ... ظل عاري الصدر ..مكتفيا بارتداء بجامة قطنية سوداء .... وضع يديه خلف رأسه منتظرا اياها ان تأتي ليصالحها بطريقته .... لكنها عوضا عن ذلك نهضت وذهبت لأخرج بساط إسفنجي و غطاء قطني ... ثم فرشته أرضا بجانب السرير
تمددت عليه واولته ظهرها وهي تغطي رأسها .... حدق بها ذاهلا ...لا هذه الفتاة قد جنت بالفعل !!!
قال لها بحدة وجدية
- ماهذا حبيبة ؟! اجننت !! تعالي ونامي في مكانك لا تتصرفي كالأطفال !!

اجابت بفتور وهي لا تزال تدفن وجهها في الغطاء كالنعامة تماما
- لا تتحدث معي زهير ...ما بيننا انتهى
هز رأسه بيأس وظل يحدق بها وهو للان لا يصدق ما تفعله !! كل هذه الغضب من اجل لا شيء .... ثم على ماذا تعاقبه !! يا الهي ... سيصاب بالجنون فعلا .... لم يطل التفكير ...نهض من مكانه ثم توجه اليها ليندس قربها على هذا البساط الضيق الذي لم يتسع ضخامته .. اذ ظل جزءاً من جسده ممدداً على الارض الصلبة ... كبل خصرها بذراعه وهو يقول بليونة ومكر

- حسنا حتى وان لم تنامي قربي ..انا سأنام قربك ... ورائك ... ورائك يا جميلة لن تتخلصي مني ابدا ...

ابتسمت بسعادة وراحة ... هي تعرف انها بالغت بأظهار غيرتها ...لكن الامر ليس بيدها ..عندما شاهدت الفتيات كيف ينظرن اليه اشتعلت نيران الغيرة داخلها وما زاد الطين بله هو مزاح زهير وغروره ..على الرغم من انها موقنه ومتأكدة ان كلامه كان مجرد مزاح لا اكثر ...لكنها رغم ذلك تغارعليه ..تغار حد الجنون ...
ظل زهير يهمس لها بكلمات لطيفه ومحببه ...وهو يقبل رقبتها وكتفها وذراعها بتوسل لتقاطعه قائلة وهي لاتزال توليه ظهرها
- ارجوك زهير الامر لا يحتمل المزاح من الواضح انك سعيد جدا بتغزل الفتيات بك !

ادارها ناحيته قائلا بجديه وهو يركز نظراته على عينيها الجميلتين
- اسمعيني وافهميني جيدا يا حبيبة ... لاني لن اعيد الكلام مرتين ... لايهم من ينظر لي ولا يهم من يزحفن لينالوا القرب مني ..المهم إلى من انظر انا !! من هي التي احتلت قلبي وفكري ... من هي التي استحلت كل ذرة بكياني !! انا لم ولن اهتم بهكذا امور ... لم افعلها سابقا وانا مراهق او اعزب لا فعلها الان وانا مرتبط و متزوج وممن !! من اجمل وارق مخلوقة في الدنيا وفوق كل هذا انا اعشقها بجنون ..عيني لا ترى ولا تريد ان ترى سواها ابدا ....
انطفأت بثانية واحدة السنة الحرائق المندلعة داخلها ..كما تنطفئ النيران المشتعلة في الغابات الاستوائية بعد سقوط المطر عليها ...رفعت نظراتها وهي ترمش بأهدابها قائلة بصوت خافت ورقيق من يراها ألان لا يصدق الحال الذي كانت عليه قبل قليل ...تحولت من لبوه شرسة الى قطة سيامية اليفة

- حقا يا زهيررررر !!!!
ليجيبها بسعادة ويداه تداعب جسدها اللين الغض بحميمية

- حقا يا عيون زهير وقلبه وكبده ....

لتنهي ليلتهم التي ابتدأت بمشاجرة عنيفة الى ليلة اخرى لا تشبهها اطلاقاً ... كانت ليلة عاصفة جنونية ... لفتهما وقذفتهما بمشاعر محمومة لن ولم تهدأ ابدا

......................
................................

البصرة
فجراً
..........
حبك يملأ الدنيا عبيراً
وقربك يملأ الوِجدان سِحرا
أقول إذا افتقدتكِ لا أماناً
ولا فجراً يلوحُ سناً وطُهرا
يعذبني الحنينُ بغيرِ رفقِ
ويغدو الكونُ في عينيَّ قفرا
فإن حان اقترابك من عيوني
وفاح سناكِ فوق المسك عطرا
وعاد القلب ينبض من جديدٍ
ملأتُ الكونَ أنغاماً وشِعرا


كانت تقف أمام الموقد تهيئ الفطور لمعاذ ...اليوم سيذهب مع الفرق التطوعية التي أخذت على عاتقها إيصال المئونة الى أبناء الوطن الذين ذهبوا في المناطق الساخنة للدفاع عن الأراضي المنتهكة ...وإرجاع الحقوق والأمان لتلك المحافظات مرة أخرى ...كان هذا اقل ما يفعله معاذ ومن معه لمساندتهم ومؤازرتهم .... رغم انه أكد بأنه لن يدخل الى المناطق الخطرة الا أنها لاتزال خائفة عليه جدا ....
كيف ستفارقه لعدة ايام ...كيف ستستطيع النوم وهو ليس قربها !!
تذكرت ما جرى قبل ساعات قليلة عندما نهضت من النوم بفزع ... تتنفس بسرعة والعرق الغزير يتصبب من جبينها ... هناك صرخة مكتومة ومحبوسة في صدرها ... الكابوس الذي شاهدته أثار رعبها ...كانت والدتها تجلس في مكان مظلم مشعثة الشعر مكبلة اليدين تصرخ باسمها وتطلب الصفح والمسامحة منها !!!

منظرها كان مخيفا وبشعا ...بينما يقف خلفها همام ...هو الاخر شكله لا يقل رعبا عن والدتها ... جسده محترق ووجهه اسود ومخيف ... يقف وهو يحدق بها بعينين حمراويتين .... لكن خوفها وفزعها تلاشى عندما شعرت بذراع معاذ تحتضن كتفيها بقوة هامسا وهو يقرب من فمها قدح الماء البارد
- بسم الله الرحمن الرحيم ..مابك رضاب ؟!!
التفتت ناحيته وكانها افاقت الان من كابوسها البشع وهي تهمس بعينان دامعتان وجسد يرتعد ذعرا
- كابوس ..كابوس مخيف يا معاذ
اجابها وهو يساعدها لتشرب من الماء قليلا
- انفثي عن يسارك ثلاثًا واستعيذي بالله من الشيطان ولا تخبري احد عن رؤياك ....
هزت رأسها ثم فعلت ما قاله لها ..... القت نظرة على ملك التي كانت تنام في الجهة الأخرى من السرير ... هدئها بلطف لتعاود النوم مرة أخرى ....لكن هذه المرة نامت على ذراعه ...دافنة وجهها برحابة صدره العريض ... تستمع لدقات قلبه العنيفة ... كانت أصابعه تمشط شعرها ببطء ورقة ... قرأ عليها بعض الآيات القرآنية التي ما أن سمعتها حتى أسبلت جفناها وعادت للنوم من جديد وهي أمنة ومطمئنة البال ....

عادت من شرودها عندما دلف معاذ الى المطبخ وهو يرسم ابتسامة رضا على وجهه قائلا
- صباح الخير
اجابت وهي تبادله الابتسامة
- صباح الخير يا معاذ ..هيا الفطور جاهز ...
جلس امام الطاولة الدائرية بصمت ... لتجلس هي على الكرسي المقابل له تراقبه بوجه حزين وعينان عاشقتان تلتهمان كل حركة يقوم بها ... رباه ..كيف ستتحمل غيابه عنها ...كيف يا الله
ازدردت ريقها ووقفت متوجه الى الثلاجة لتخرج قنينة ماء باردة ..وضعته على الحوض واتكأت على اطرافه بيديها تحاول السيطرة على دموعها التي تجمعت بعينيها وشوشت عليها الرؤية ...

كان يراقبها بانتباه ....شعر بحزنها وقلقها ... كانت تجلس بارتباك ..حركاتها متوترة ...نظرتها المهتمة أعطته شعورا بأنها ممكن او ربما من المحتمل ان تبادله مشاعره الدفينه والتي بات الان يظهره لها دون خجل ..خاصة وان التقارب بينهما زاد اكثر من السابق بعد ان عرف كل واحد منهما ماضي الاخر ولم يعد هناك اي اسرار او حاجز يعيق من اكمال جسر الود والوصال بينهما ..... ابتسم بلطف ووقف بدوره واتجه اليها بخطوات هادئة .... وقف خلفها هامسا بلطف وتفهم
- رضاب !!!
لم يجد ردا منها ..... عاد ليهمس وهو يمسك كتفيها
- رضاب يا صغيرتي .. اديري وجهك الي واخبريني مابك ؟!!!
التفتت تنظر له بعينين دامعتين .... لتهمس قائلة بصدق
- ارجوك يا معاذ عد سريعا ..انا ..انا ...
رفع يده واحتضن جانب وجهها قائلا بصوت ابح
- انت ماذا حبيبتي ؟!!
ما ان قال حبيبتي حتى هبطت دموعها برقة لتجيبه بعفويه
- انا لا اقوى على الابتعاد عنك يا معاذ ...لا اقوى ابدا

قالت كلمتها الأخيرة وأطرقت رأسها بيأس ... ابتلع ريقه بصعوبة ..بينما جرت الدماء الحارة في جسده الضخم بقوة وسرعة ... قلبه هدر بعنف .... اغمض عينيه وانحنى قليلا ليستنشق رائحتها بوله ... وكأنه يريد ان يختزن داخل رئتيه اكبر كمية ممكنه من رائحتها العبقة ..... ليجيبها بعد برهة من الصمت ... وهو يرفع وجهها بسعادة انعكست على تقاطيع وجهه الوسيم

- سأغيب لعدة ايام فقط حبيبتي .. عدة ايام اعدك بذلك
هزت رأسها وهي تبتسم من بين دموعها التي اخذ يمسحها بطرف ابهامه ... اسبلت اهدابها برقة .... رباه هي لا تريده ان يبتعد عنها ..ليته يقف قربها هكذا والى الابد ....

حرارة جسدها الرشيق انتقلت اليه كالشرارات الكهربائية ... تقف امامه دون تردد او خوف
تقف بقامتها القصيرة الناعمة التي بالكاد تصل لمقدمة صدره ... مطأطئة الرأس كالطفلة تماما
اقترب منها اكثر حتى تلامست أجسادهما الحارة ...ضربات القلوب كانت تخفق بشدة ..متراقصة على ايقاع انفاسهما الهادئة ... فكر ... ربما حانت الفرصة الأن ليخبرها بحبه وولهه بها ..يخبرها بمشاعره التي باتت تحرق جسده حرقاً ...لم يعد للصبر مكانا في قلبه المتيم بحبها حد الهيام ... لم يعد له القدرة على الكتمان ... احتضن وجهها اكثر متغلغلا اصابعه بطيات شعرها المسافر على كتفيها الرقيقان بحرية وبعثرة .. قائلا بصوت اجش

- رضاب ..هل تريدين ان تعرفي السبب الذي دفعني لتغير رأي بخصوص الزواج ؟!

رفعت عينيها ونظرت اليه بفضول وترقب ليردف قائلا بابتسامة صغيرة ..بينما غامت عيناه الزيتونيتان بعشق وحب لم تخطئه ابدا

- لان قلبي اصيب بمقتل منذ ان وقعت عيناي على ارق واجمل مخلوقة في الدنيا ...هل تعرفين منذ متى ؟!!!
كانت لاتزال تحدق بعينيه لا تقوى على ابعاد نظراتها عنه ليعترف لها بصدق

- منذ ان التقت نظراتنا وانت تنزلين السلم ...هل تذكرين !!! عندما فتحت ملك الباب لثوان معدودة بل كانت اقل من ثانية ..لكنها كانت كفيلة بجعل قلبي مكبل بحبائلك الناعمة ... انا احبك رضاب ..احبك حبا لم اعرفه ولن اعرف مثله ابدا بحياتي كلها .. ولم اعد أطيق الصبر أكثر .... أريدك يا رضاب أريدك وبشدة ...

لا تعرف حقاً ماهي المشاعر التي عصفت بها الان ... سعادة ..لهفة ...حب ...عشق ... امل ولد بداخلها من جديد ...امل بحياة جديدة مليئة بالألوان الوردية .... لقد تلاشى الضباب لتسطع الشمس الدافئة ناشرة اشعتها اخيرا بعتمه حياتها المظلمة .... لترد عليه بهمس وعينيها باتت غارقة بالدموع فهي الاخرى لم تعد تستطيع احتمال بعده عنها ... تريده زوجاً وحبيباً واباً وصديقاً ..بل تريده ان يكون هو وحده محور حياتها .... يلفها بحبه واهتمامه وحنانه وصبره حتى اخر العمر
- وانا ..انا ايضا معاذ
زاغت نظراته على وجهها بلهفة وترقب وهو يسألها بانفاس محتبسة
- انت ايضاً ماذا ؟!!!
لتهتف وهي ترمي رأسها على صدره القوي
- احبك ..احبك يا معاذ ..ولن انكر او اهرب من مشاعري ابدا ...احبك ولا اعرف منذ متى تحديداً ...
كبل خصرها بذراعه القوية ليقربها منه اكثر ... يشعر بكل اختلاجه من اختلاجاتها الخجولة ...بينما يده الاخرى لاتزال تحتضن جانب وجهها ...يمسد بأطراف اصابعه فروة شعرها الحريري ... قبل جبينها بقوة ... ليرفع راسها وينظر لوجهها المحمر بعشق وسعادة ... اخذت يده تنتقل لتلمس اذنها ثم وجنتها وهو لا يكف عن التحديق بعينيها ... انزل راسه ببطء وقبل ذلك العرق النابض برقبتها لتهمس اسمه بخفوت وهي تتنهد برقة ..وكأنها بهمستها هذه اعطته الضوء الأخضر ليواصل ما ينوي فعله معها .... انتقلت قبلاته المتعطشة لكل انش من وجهها ليحط رحالة التائهة اخيراً على شفتيها .... يتناولهما برقة وشراهة ...

كانا مندمجان معا ... مستمتعان بتلك اللحظات القليلة المسروقة ... والتي لم تشبع معاذ ابدا تمنى ان يحملها الان الى مكان بعيد ..بعيد جدا ...لا يحوي احدا غيرهما ...ليظهر لها حبه وعشقه ...يدللها ويعاملها كما يجب ان يكون ...كالاميرات تماما ..هي اميرته وملكته ... هي زوجته وحلاله ...
لكن احلامه تبخرت عندما سمعا صوت ملك الناعس وهي تقف عند باب المطبخ حامله دبها الصغير بيدها ....بينما تفرك عينها بيدها الاخرى
- عمو معاااااذ مالذي تفعله بماما !!!!
ابتعدا عن بعضهما بسرعة .. وجه رضاب تحول لثمرة ناضجة وهي تتجنب النظر لمعاذ الذي اخذ يمشط شعره بحرج طفيف ... قائلا بتوتر ونظراته السعيدة المسترخية مثبته على وجه محبوبته التي اعترفت بحبها له بعد عناء وصبر طوووويل

- هل تذكرين تلك القشه التي كانت بعين والدتك والتي كانت تزعجها جداً ؟!!

هزت ملك رأسها بطفولية ليردف معاذ بمكر وهو يحدق برضاب التي بادلته النظرات بتعجب وابتسامة صغيرة

- كنت اخرجه لها ففي المرة السابقة لم انجح بإخراجها
لترد ملك بفضول واهتمام طفولي
- وهل اخرجتها يا عمو !!

توجه ناحيتها ثم حملها بخفه قائلا بمرح وحماس

- اجل ... الحمدلله خرجت ولن تعود ابدا ..... والان لنرى ... مالذي أيقضك الان ؟!!!

ليكمل هامسا بسره ..أهو حظي العاثر !!!
لتجيبه ملك بشقاوة

- لم اجدك لا انت ولا ماما في الغرفة ...فخفت من الشبح !!!

قبل وجنتها بحنان لتقترب منهما رضاب وتقبلها هي الاخرى قائلة بأعتذار

- ااه طفلتي المسكينة سامحي خطأ والدتك لم يكن علي ان ابقيك وحدك !!

رفع معاذ حاجبيه واجابها بلهجة مبطنة ومتوعدة وصلت اليها وجعلت ضربات قلبها تتصاعدة بخجل وسعادة
- كلا رضاب ملك باتت كبيرة ويجب ان تعتاد النوم في غرفة منفصلة ...عند عودي ان شاءلله ستتغير امور كثيرة .....
ليردف وهو يعاود النظر لملك
- ما الذين تريدين ان احضره لك عندما أعود ؟!!!

هتفت ملك بسعادة وقد غادرها النعاس فجأة
- اريد حلوى الدهينة عمووو واريد الكثير من السكاكر الملونة ....
قهقه معاذ ضاحكا بقوة وهو يرد عليها بصبر

- حاضر طفلتي سأحاول ان احضر لك ما تريدين ....

انزلها ثم اعتدل قائلا وهو يوجه نظراته لرضاب التي كانت تقف تراقب ما يجري بأبتسامة حنونة

- سأذهب لأودع والدتي وبعدها أتوكل على الله ...
أومأت وهي تراقب خروجه وقد اختفت ابتسامتها فجأة ليداهمها القلق من جديد .... بعد مرور عدة دقائق خرج معاذ من غرفة والدته التي كانت تسير خلفه وهي تردد الآيات القرآنية لتحفظه وتدعو له بالعودة سالما ...وقبل ان يخرج من المنزل غمز لها بصبيانية هامسا بمرح

- انتظري عودتي حلوتي ...
ودعته بعينان دامعتان ولسان حالها يلهج بالدعاء له ..بينما سكبت هدى خلفه ما ان خرج الى الشارع ... دورقاً مليئا بالماء ..... ( سكب الماء خلف المسافر من العادات القديمة التي بقي العراقيين محافظين عليها لوقتنا هذا .... وهي كالدعوة للمسافر بالتوفيق وتسهيل الامور والابتعاد عن الصعوبات بمعنى إذهب وارجع مثل الماء )
.......................
..............................

اربيل
.........
كانت تجلس في الكرسي المجاور للطبيبة ووالدتها تجلس قبالتها ... تنتظران ما ستقوله الطبيبة بلهفة .... اليوم عصرا أوصلها وليد بنفسه الى أشهر طبيبة نسائية في المحافظة ....على الرغم من عدم اقتناعه باستعجالها وإلحاحها لإجراءات الفحوص الطبية ..ففي وجهه نظرة ان الوقت لايزال مبكرا على التفكير في الانجاب ....
كان من المفترض ان ترافقهم الخالة سعاد الا انها كانت مشغولة بالتجهيزات الخاصة بعقد قران تبارك ....عند وصولهم للطبيبة وبمجرد ان اجرت لها الفحص ألسريري .... طلبت منها ان تقوم ببعض الفحوصات الاخرى كأجراء روتيني للاطمئنان اكثر ...

هي تعرف ان وليد محق وان الوقت لايزال مبكر لكي تشعر بالقلق ..لكنها تريد طفل ... تريده بقوة ...ليس من اجلها فقط بل من اجل زوجها الحبيب ايضا ...كما يحاول هو إرضائها وإسعادها بأي طريقه ..هي ايضا بالمقابل تريد ان تسعده بخبر الحمل ...

شعور الأمومة والأبوة ..هي مشاعر فطرية لا تعادلها اي مشاعر اخرى في الدنيا كلها ...كم هي متلهفة لتلك اللحظة التي ستحتضن بها طفلها الصغير بين ذراعيها ... طفل هو جزء منها ومن وليد ... تشاركا بتكوينه .... طفل يكون لهما وحدهما فقط ..... ترضعه ..تحممه ... تضعه على صدرها ..تغني له ..كم رسمت بمخيلتها اشياء ستقوم بها مع طفلها الحبيب ... فقط فليأتي هو بسلام وسهولة يارب .....

رفعت الطبيبة عينيها بهدوء لم ترتح له غسق ... قالت لها بلطف وهي تنزع نظارتها لتضعها على سطح المكتب
- اخبريني يا ابنتي ....منذ متى انت متزوجة ؟!!!

ارتبكت غسق واخذت تنقل نظراتها لوالدتها التي سارعت بأخبار الطبيبة وهي تقول بترقب
- بضعة أشهر يا دكتورة ....

لتردف قائلة بقلق
- طمئنيني دكتورة هل كل شيء على مايرام ؟!!!

سحبت الطبيبة نفسا عميقا وبدات بشرح حالة غسق بإسهاب .... كانت غسق تنظر لها بذهول وجمود ....صوت والدتها التي كانت تتكلم مع الطبيبة بتعاسة ودموع مترقرقة ..كان يصلها من مكان بعيد ..بعيد جدا ...وكأن كل أصوات الكون أخذت تصرخ حولها ...
لم يكن هناك اي كلمة او مشاعر يمكن ان تصف ما تشعر به الان ..... خيبة ...قهر ..حزن ..يأس ..عدم فائدة ....اجل هي عديمة الفائدة ... كالمرآة المكسورة التي لا تظهر انعكاس الشخص بصورة كاملة وواضحة ...اذ هي عبارة عن نصف امرأة .... لا فائدة يرجى منها !
خرجت من العيادة وهي تستند على ذراع والدتها ... كانت تسير كالمخدرة تماما ..قدماها لا تلامس الارض .... هناك حجارة كبيرة جاثمة على صدرها ... تريد الصراخ ..تريد اخراج صوت واحد لكنها لم تستطيع ....كانت تعلم ..اجل كانت متأكدة ان سعادتها لن تكتمل ...

كانت والدتها مجمدة وخائرة القوى هي الاخرى ....لا تعرف ما عليها فعله ...وكأن الخبر اصابها هي ..وكأنها هي من عادت عشرين سنة الى الوراء وهي التي لا تستطيع الانجاب وليس ابنتها الوحيدة !!!!
نزلت غسق من المبني الذي يقع فيه العيادة والشمس شارفت على الغروب ... جلست على الرصيف بأعياء وبدأت تبكي بصوت خافت ..سرعان ما تحول لعويل وآنين يقطع نياط القلوب
همست والدتها بقوة وشجاعة مزيفة وهي تحتضن ابنتها بذراعيها عاجزة ومكبلة
- كفي عن البكاء غسق .... نحن سنجري الفحوصات من جديد و...
قاطعتها غسق بقوة وقهر ودموعها تجري على وجنتيها بالتناوب

- و ... و..ماذا يا امي ماذا !!! الطبيبة هي من افضل الاطباء في اربيل ... وهي قالت بالحرف الواحد باني لا استطيع ان اكون اما ...انا عاقر ..عاقر ....
صرخت كلمتها الاخيرة وهي تضرب وجهها بيدها لتردف والدتها بأمل وهي تشاركها البكاء
- لم تقل عاقر .... قالت بأن هناك احتمال

لتقاطعها غسق بيأس
- اجل احتمال ضئيل وقد يكون مستحيلا
- لا شيء مستحيل مادامت رحمة الله موجودة يا ابنتي ....
عادت غسق للبكاء مرة اخرى وهي تهمس بخفوت وبنبرة متقطعة
- لا استطيع التنفس ...اشعر بالاختناق ....انا اختنق يا امييييي

فما كان من والدتها سوى ان تحتضنها اكثر لتدفن غسق وجهها في صدر والدتها تبكي بيأس وقوة ..تتمنى ان تعود طفلة صغيرة ..بل تتمنى ان تتلاشى الان ولا تعود وتخبر وليد ما قالته الطبيبة لها ....
وبينما هما جالستان على قارعة الطريق غير عابئين بنظرات المارة المستغربة ...وقف شاب وقال لهما بشهامه
- هل تحتاجان للمساعدة يا امي ؟!!!
رفعت سعديه رأسها وأجابت بصوت متحشرج من شدة البكاء

- كثر الله خيرك يا ولدي ..فقط نريد سيارة اجرة وجزاك الله كل خير

......................
.............................

لندن ..المشفى
........
دفعت الممرضة الباب بقوة وهي تقول بأنفاس لاهثة ومنقطعة
- دكتور .... المريضة سناء !!

رفع الدكتور رأسه قائلا بتقطيبه صغيرة
- ما بها الولادة لازالت مبكرة جداً

لترد عليه الممرضة باضطراب وارتباك

- لقد ... حاولت الانتحار من جديد وهذه المرة نجحت بذلك و حالتها حرجة جدا ...لم نستطع الوصول اليها في الوقت المناسب ...اسرع من فضلك لقد نقلناها لغرفة العمليات

..............................


نهاية الفصل الثامن والثلاثين

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن