35

176 10 0
                                    


الفصل الخامس والثلاثين ...
................

عندما نطقت رونق بتلك الجملة شعر وكأنها وجهت طعنة حادة إلى منصف جهته ليسرى .... طعنة شطرت قلبه لنصفين ..... تبارك ... ستتزوج !!!!
ها قد حدث ما كنت تتنبأ به يا عبد العزيز .... حدث الأمر الصائب ... اجل تبارك من المستحيل أن تكون له في يومٍ من الأيام !!!
ظلت نظراته المتجمدة ثابتة على وجه أخته ... الأخيرة التي شعرت بما يختلج بصدر أخيها
من مشاعر مؤلمة ...إذا كانت هي قد أحست بألم مزق أحشائها فكيف سيكون الحال معه هو ...
ابتلع ريقه الجاف وقال بلامبالاة يجاهد لكي تظل ملامحه باهته وفاترة
- اهااااا ... ومن هو سعيد الحظ هذا ؟!!
أجابت بصوت منخفض وكأنها تخشى رفع صوتها في حضرته
- قالت بأنه رجل أعمال ..تعرف عليها في المصرف ...
قاطعها بابتسامة صغيرة ومريرة
- انتظري قليلا ... دعيني أخمن .... أهو السيد فاروق ؟!!!
هزت رأسها قائلة وهي متسعة العينين بدهشة ..
- أ..أجل ..كيف ..عرفت اسمه ؟!!!
أجابها وهو يضع الملعقة جانباً
- لا يهم كيف عرفت .... فليوفقها الله في حياتها ...
وقبل أن تنطق بحرف كان عبد العزيز يقف قائلا بجفاف وهو يتجنب النظر اليها
- سأذهب إلى غرفة المكتب ...اعدي الشاي واحضريه لي هناك ....

تركها دون أن يستمع لما كانت تحاول قوله ... دلف إلى الغرفة وأغلق الباب بهدوء عجيب .... توجه ليجلس خلف المكتب ..اخرج جهازه المحمول ثم فتحه بصورة آلية ... كان يتصرف بجمود ..وكأن كل ذرة بداخله كانت متجمدة ....لا بل كانت ميتة

هل قالت رونق أن تبارك ستتزوج !!!!
اجل اجل ... ما سمعه لم يكن وهماً كاذباً أو صدى خداع ....قالت لقد تقدم فاروق لخطبتها .... فاروق ..ضيق عينه التي بدأت الرؤية فيه تصبح مشوشة
أصابعه كانت تضغط على أزرار جهازه المحمول بقوة ... عينه مثبته على الشاشة البيضاء .... وكأنه بضرباته هذه يخرج ما بداخله من الم وقهر ومعاناة ....

لقد توقع هذا الأمر مسبقاً ..واعد العدة لاستقبال الخبر بلا مبالاة ... لكن اتضح ألان
أن كل ما كان يفكر به كانت مجرد أفكار خرقاء وسخيفة ...وان القشرة الصلبة التي كانت يتقوقع خلفها ما هي إلا قشرة ضعيفة وواهنة ... تكسرت منذ الوهلة الأولى التي سمع فيها الخبر فما بالك لو تحقق الأمر بالفعل !!! وباتت حقيقة ملموسة !!!

الألم الذي ينخر قلبه ألان لم يشعر بمثله طوال حياته كلها ... وكأن سقف أحلامه ونجوم أمنياته قد بدأت تتهاوى فوق رأسه ...لا بل هي تهاوت بالفعل .... الحزن يحتضن جسده بقوة
ورياح الخذلان والفقد تعصف بكل ذرة في جسده ....لكن مهلا ...من خذله ؟! أهي من خذلته ام هو من خذل نفسه وخذلها ؟!!!

لماذا تتألم يا عبد العزيز ولماذا تحملها ذنباً لم تقترفه هي ... وأنت بنفسك من أقصيتها وأبعدتها عن حياتك المشئومة

همس داخله بيأس مناجياً ربه بحزن ...لماذا أنا يا الله ..لماذا !!
لماذا كتب علي أن احمل هذا الوجه البشع طوال حياتي !!!!
سحب نفساً واستغفر ربه مرة أخرى بخفوت ..لا اعتراض على قضائك وقدرك يا ارحم الراحمين ...

دلفت رونق إلى الداخل وهي تحمل صينية الشاي ... نظرت لأخيها بحزن ..
تكاد تشعر بما يشعر به الآن ... بل هي تلمس حزنه وقهره بالفعل ... مهما حاول الادعاء فمشاعره مفضوحة أمامها ... كيف لا ... وهو ليس أخوها فحسب بل هو والدها أيضا وكل ما تملك في هذه الدنيا ...

كان لازال يركز نظراته على شاشة المحمول .... تقدمت منه ثم وضعت الصينية على المنضدة الجانبية .... جلست قبالته وهمست بصوت منخفض ومواسي
- عزيز ...
لم يرد عليها بل وكأنها لم تناديه قط ...لتعاود الهمس مرة أخرى
- عزيز ...أنا اشعر بك ... الأوان لم يفت بعد ... أن كنت تحبها ولازلت تريدها لماذا لا ...
قاطعها بحدة وهو عاقد الحاجبين ... كانت الخطوط الدموية الحمراء بارزة في عينه المتألمة
- لماذا ماذا يا رونق ؟!! هااا ؟؟ أجيبي !!! لماذا ماذااااا .... لقد تصرفت تبارك بالشكل الصحيح ...يجب أن تتزوج من الرجل الملائم ..الرجل الذي يليق بها ....لقد فكرت بمصلحتها ومستقبلها ...
أجابت رونق بقوة
- أن وافقت تبارك فهي ليست مذنبه في شيء أخي .... الفتاة حاولت بشتى الطرق ان تفهمك بأنها تريدك ....

نظر لها عبد العزيز بحدة وغضب إلا أنها لم تبالي ولم تتردد بإخراج كل ما في جعبتها خاصة بعد ان أخبرتها تبارك بزيارته الأخيرة في المصرف وعن المحاورة التي جرت بينهما ..وكيف حاولت بل تذللت له وبينت بأنها تريده هو دون سواه لكنه تجاهلها برعونة وتكبر ....لتكمل كلامها بصلابة وشجاعة

- اجل ..لا تنظر لي بهذا الشكل ... لا تعتقد بأنها لم تخبرني بكل ما يحصل بينكما ... هي كانت ولا تزال متمسكة بك .... أنت من توهم نفسك بأوهام لا صحة لها في الوجود ..تبارك لا تزال تحبك وتريدك ....لكنك لا ...

قاطعها بغضب وهو يهب واقفاً
- الذنب هو ذنبي أنا ..أنا ... اجل يا رونق ..أنا رجل معقد وفاشل ... هل ارتحت ألان ! أهذا ما تريدين سماعه !!! أذن اسمعي جيداً ... أنا فاشل وجبان ومعقد ...

ترك الغرفة وخرج مسرعاً بينما ظلت رونق باهته وشاحبة الوجه لتهمس يعينان دامعتان
يا الله ارحم بحالة ودله على الطريق الصواب الذي يتجاهله هو بإرادته ...
..................................
............................................
البصرة

كانت تقف في سطح المنزل ... أمام حبل الغسيل تقوم بنشر الملابس والملاءات ...بينما ملك تدور حولها بغنج و دلال وهي تعطيها الملابس بين حين وآخر ...قالت رضاب بحنان
- اجلسي في الظلال أو اذهبِ إلى الداخل الجو حار هنا صغيرتي ...
أجابتها ملك بطفولة وعفوية
- أريد أن أساعدك ماما لتنهي عملك بسرعة
وضعت رضاب القميص على الحبل ثم أجابتها بابتسامة صغيرة
- ولماذا تريدين ان انهي عملي بسرعة يا شقية ؟!!
هتفت بقوة وهي ترفع يديها الصغيرتان إلى الأعلى
- لكي نلعب كثيراً ماما
أجابتها رضاب بضحكة صغيرة وهي تثبت القميص بالمشبك
- أنت لا تشبعين من اللعب أبدا أليس كذلك ؟!!

لترد عليها الطفلة بحماس وشقاوة
- ابدا ابدا مامااااا
هزت رضاب رأسها وعادت لتكمل عملها بهدوء .... بينما تعود ذاكرتها لتلك الأيام التي مضت منذ أن وصلت للبصرة .... تحديداً ليلة زفافهم ...كانت متوترة وخجلة جداً ...تفكر بأستماته
أين ستنام ؟!! على السرير ام تفترش الأرض ...فهي من المستحيل ان تنام الى جانبه ... غيرت ملابسها بقميص نوم محتشم نوعاً ما ...وعادت تجلس على طرف السرير ...
عندما خرج معاذ من الحمام دلف الى الغرفة بهدوء ..توجه الى الفراش واخذ مكانه على الجهة اليمنى منه ... وضع ساعده على عينيه بلا مبالاة ...
اخذت تحدق به حائرة بما ستفعله ...وكأنه احس بحيرتها اذ ابعد يده وقال لها بصوته الهادئ
- نامي يا رضاب ...أرجوك لا تجعليني اشعر وكأنك ستقضين الليلة مع وحش مفترس ...
أجابت بهمس مرتبك
- انا ..انا ..فقط ..فقط ..
قاطعها بلهجة منزعجة
- من فضلك رضاب نحن كبيران وواعيان جداً لتصرفاتنا .. و أنا وعدتك وعد شرف لن اقترب منك نهائياً ...
هزت رأسها بإذعان ثم تمددت عل الطرف الأخر من الفراش ..تحاول ان تبتعد عن حرارة جسده قدر استطاعتها ...أولاها ظهره ليسمح لها بأخذ حريتها أكثر ... وضعت يدها تحت خدها و أخذت تحدق بعضلات ظهره الصلبة ... عيناها تتراكض على كل عضلة فيها ... كانت على وشك أن تسدل أهدابها ... تحاول ان تستجدي النوم ... لينفتح الباب وتدخل ملك وكأنها عاصفة طفولية مرحة كانت تقفز كالكرة المطاطية بينهما قائلة بسعادة
- أريد أن أنام بحضنك مامااااااااا
ابتسمت لها رضاب بسعادة لا تضاهيها سعادة ..وكأن ملك أنقذتها من موت محتم ...لتجيبها بحنان وأمومة خالصة
- تعالي حبيبتي
سحبتها لتنام على ذراعها ..غارسه رأسها في رقبة رضاب كالعصفورة بالضبط ...
توسطت ملك الزوجين بتملك مضحك ...عندها فقط استطاعت رضاب ان تغمض عيناها وتنام بعمق وراحة ...
تكرر نوم ملك معهم يومياً إلى أن استسلم معاذ وأذعن لطلب تلك الصغيرة بأن تبقى معهم في الغرفة .... تنام بحضن والدتها الروحية ...
بعد مرور بضعه أيام على زواجها قل عدد المهنئين ...وأصبح المنزل هادئاً ...
... بدأت الخالة هدى بإفهامها على طبيعة عملها كزوجة لولدها البكري قائلة بجدية
- اسمعيني جيداً يا رضاب ..أنا لا أحب الكسل أبدا ..منذ اليوم نتفق على أمر واحد .. وهو ... لا أريدك ان تناقشيني بكل ما أقوله لكِ ...تفعلين ما أمليه عليكِ بهدوء ..فهمتي ؟!!!
هزت رضاب رأسها باهتمام وهي تقول
- حاضر خالتي سأحاول أن ....
قاطعتها هدى بانزعاج وصرامة
- لا أحب كلمة أحاول ..أنت ستنفذين ما اطلبه منك بصمت !!!
- حاضر خالتي ..أن شاء لله سأكون عند حسن ظنك
تنهدت بنفاذ صبر ثم قالت وهي تلوي فمها ببرود
- أتمنى ذلك حقاً .... وألان ..أولى مهامك هو الاستيقاظ في الساعة السادسة صباحاً

اجابت رضاب بعدم فهم
- لماذا خالتي ؟!
لتجيبها الأخيرة بسخرية مبطنة وهي تنظر لرضاب بتهكم
- لان زوجك يستيقظ مبكراً يا روح خالتك .. وإعداد الفطور يحتاج وقتاً طويلا فهو يحتاج لفطور دسم لكي يتغذى جيداً ...
همست رضاب بحيرة
- كيف فطور دسم لا افهم ما تقصدين خالتي ؟!!
هتفت هدى بضيق وانزعاج واضحين وهي تعبس بملامحها
- كفي عن ترديد خالتي ... خالتي ... خالتي .. بين كلمه وأخرى كالببغاء ...اف لقد رفعتي ضغطي ..وألان أين كنا ؟!! اجل تذكرت ...تستيقظين الساعة السادسة تشوين له اللحم .. هو يحب ان يفطر اللحم المشوي

اجابت رضاب بعفوية وبراءة
- لكن تناول اللحم صباحاً مضر بالصحة !!

شهقت هدى بقوة وهي تضرب على صدرها متسعة العينين وكأنها لا تصدق ان كنتها ترد على أوامرها وتعترض

- نعم ..نعم ..مضر بماذا !! لااا افهمي كلامي جيداً ...لا تتدخلي بما يأكله ولدي أتريدينه ان يموت جوعاً بسببك !!!!
هزت رضاب رأسها بسرعة وهي تقول
- لالا خالتي بعيد الشر عنه ..حاضر ..اشوي له اللحم !!
تنهدت هدى وهي تلوي فمها قائلة
- اذهب ونظفي المطبخ ألان وان تذكرت شيئاً اخر سأخبرك به ...
وبالفعل ... في اليوم التالي استيقظت في الساعة السادسة صباحاً ... وبدأت بتقطيع اللحم ثم تتبيله ثم قامت بشيه على نار الموقد ....
عندما استيقظ معاذ كانت الساعة تشير الى السابعة تماماً ... دلف الى المطبخ والقى تحية الصباح عليها ثم جلس أمام الطاولة يعبث بهاتفه المحمول .... بدأت برص أقداح الشاي ثم وضعت طبق اللحم والخبز أمامه
رفع معاذ حاجبيه قائلا بتعجب وهو يطفئ هاتفه ويضعه جانباً بينما عيناه مثبته على طبق اللحم المشوي بغرابة
- ما هذا يا رضاب ؟!
جلست قبالته وهي تضع السكر في القدح قائلة ببرائة
- لحم مشوي ..
هز رأسه بتفهم وأجابها قائلا
- اعرف انه لحم مشوي ..لكن لماذا قمت بأعداده لي ألان !!!
رمشت بعينها وهي تزيغ حدقتيها في وجهه بحيرة ثم أجابت بقلق
- حسناً ..خالتي هدى قالت بأنك تتناول اللحم على الفطور وطلبت مني ان ...
قاطعها بهدوء وملامح وجهه باتت غامضة وغريبة
- لا بسأسأأس يا رضاب فهمت ما تحاولين قوله ....
ابعد الطبق من أمامه ثم شرب الشاي بصمت مطبق ....كانت تجلس تراقبه بانتباه شديد ...يا الهي أصبحت تحب كل ما يقوم به .... تراقبه بخفية كالطفلة الصغيرة ... كيف يأكل ..كيف ينام وهو يضع ساعده على عينيه ... كيف يبتسم ...كيف يلاعب ملك بحنان وأبوة ....
أما وقت الصلاة فقد كانت من أحب الأوقات إليها .... كان يفرش سجادته أمامها وهي تقف خلفه تصلي معه بخشوع ...صوته الشجي عندما يتلو القرآن كان ينساب على روحها كالماء العذب الرقراق ..... كل يوم يزداد انجذابها إليه ويكبر إعجابها به ... حتى باتت لا تستطيع الأكل ان لم يكن هو موجوداً .... وحتى عندما يذهب إلى العمل فهي تتصل به باستمرار بحجة ملك تريد ان تكلمه .... كانت تكذب فهي من تريد سماع صوته الذي يجعل خفقاتها تدوي بصخب غريب وجديد عليها ....

عادت رضاب من دوامة أفكارها على صوت معاذ وهو يقول بذهول
- رضاب ماذا تفعلين عندك ؟!!!
...................

دلف إلى المنزل وهو يبتسم ابتسامة صغيرة تكاد لا تفارق شفتيه منذ دخولها بحياته ...فما إن يتخيل بأنه سيجدها بانتظاره ككل يوم حتى تتقافز خفقاته بسعادة و بهجة ... لا ينكر بأنها في بداية وجودها في البصرة كانت خجولة وتتصرف بتحفظ ...لكنها بعد مرور عدة أيام استطاعت أن تتأقلم معهم .... خاصة معه ...أصبحت لا تخجل منه مثل السابق ..تأكل معه ..تبادله الكلام ... كما انه لعدة مرات انتبه إلى نظراتها المختلسة التي ترمقه بها ... تظن بأنه لا يراها وهي لا تعلم بأن كل ذره في جسده منتبهة ومتحفزة لها على الدوام ....
كل ذلك في كفه ونومها إلى جانبه في كفه أخرى ... رائحتها المنعشة ونومها الطفولي يجذبه بقوة ...اغلب الليالي يستيقظ فجراً ليحدق بها دون ملل .... كم كان يود لو أن التقارب بينهم يزداد أكثر لكن وجود ملك يعيق ذلك ...حاول أن يعيدها لغرفتها التي تقع ملاصقة لغرفتهم ألا أنها أبت إلا أن تنام معهم .. لكن لا بأس ...هو راضٍ بهذا القليل معها إلى أن تقر وتعترف بزواجهما الحتمي وتتوسد صدره قريبا كما أصبحت تتوسد قلبه وفراشه .....

المنزل كان هادئاً على غير العادة ...ترى أين هم ؟!! ألقى نظرة نحو غرفة والدته ...كانت تجلس على سجادة الصلاة تسبح بهدوء .... سحب نفساً عميقاً ثم توجه إلى الأعلى ...ربما هي في الغرفة الآن ...
عندما وصل إلى الممر المؤدي لغرفة النوم سمع صوت ملك الضاحك يأتيه من جهة باب السطح ..عقد حاجبيه بغرابه ...ماذا تفعله ملك في السطح ؟! ومن فتح لها الباب الحديدية الثقيلة ؟! وكيف سمحت لها والدته او رضاب بالذهاب الى هذا المكان الخطر بالنسبة لطفلة لم تتجاوز الخامسة وبهذا الوقت من النهار حيث حرارة الشمس وصلت الى اوج ذروتها !!!

مشى بخطوات مسرعة يريد ان يعرف مالذي يجري هناك بالضبط ... لكنه ما ان وصل الى عتبه السطح حتى وقف مكانه يراقب المشهد امامه بتعجب ....كانت رضاب تقف امام حبل الغسيل وهي تلف حول رأسها الحجاب بينما خصلاتها الناعمة كانت متهدلة على وجنتيها الحمراويتين ....تتأرجح مع رياح الصيف الحامية ...ابتسامتها واسعة وهي تنظر لملك التي كانت تعطيها الملابس بين حين وآخر وهي تتقافز حولها كقردة صغيرة ونشطة ....
لم يعرف عدد الدقائق التي كان وقف ليحدق بها كالأبله ...لكنه انتبه فجأة إلى أنهم يقفون في السطح ..هذا المكان المكشوف ....وجميع المنازل المطلة عليهم ربما رؤوا رضاب بشكلها الجذاب ...رأوها بوجهها المحمر هذا !!!
هو متأكد من أن رضاب لن تصعد إلى هنا وتفعلها من نفسها ..هذه أوامر والدته بكل تأكيد ... رباااه ستصيبه الحاجة هدى بأزمة قلبيه لا محالة ..للان يتذكر ذلك الصباح الذي وضعت به رضاب طبق اللحم المشوي أمامه ... منذ متى وهو يفطر اللحم !!!!
اااه يا أمي ماذا تحاولين فعله بهذه المسكينة !! والى أين تريدين الوصول بالضبط !!
تقدم للأمام وقال بهدوء
- رضاب ماذا تفعلين عندك ؟!!!

رفعت رأسها ناحيته بسرعة وقالت بابتسامة صغيرة
- معاذ متى عدت ؟!!!
قطب بانزعاج وعاود سؤالها بلهجة حادة

- سألتك ما الذي تفعليه هنا !!
نشرت أخر قطعه من الملابس وقالت ...
- كنت انشر الغسيل !!
تقدم ناحيتها أكثر وقال
- تعالي إلى الداخل واخبريني من أمرك بنشره هنا !!

...............................
.....................................
اربيل
........

لم ينتهي حديثي عنكـ ...سأذهب لألتقط أنفاسي وأعود ...وفي الطريق منكـ وإليكـ سأفكر في جملتكـ ما الحياة إن لم تكن؟أنت الحياه

خبر زفاف زهير الذي جاء متزامناً مع خبر ظهور براءته ... والتي تم اعلانه في نفس الجلسة التي حددت مسبقاً ... وبما أن جميع الأدلة وأيضا وجود الشاهد الجديد عزز موقفه هو وكورشير فقد تم تبرئتهم من التهمة التي كانت منسوبة إليهما .... كل ذلك جعل جميع من في المنزل بحالة سعادة وحماس ... رغم معارضة والدته السابقة على استعجال زهير ..إلا أنها الآن أصبحت هي من تستعجله الزواج ..قلبها يؤلمها عندما تشاهد حالة ولدها المتدهورة ...

فما أن يجتمعوا على الغداء أو العشاء فهو لا يبذل جهداً لإخفاء نظراته الملحة لحبيبة التي كانت تتحاشى بخجل النظر إليه أمامهم ....

كان يقف أمام البوابة الخارجية للمنزل ينتظر حضورها بلهفة وحماس ... اليوم سيذهبان الى الأسواق والمراكز التجارية .... من اجل شراء الملابس الخاصة بتجهيز العروس ....
رغم معارضة والدته وإلحاحها بأن ترافقهم ... إلا انه أصر على أن يذهبا لوحدهما فقط ... وهو بنفسه من سيختار الملابس لها .... خجل حبيبة وترددها بمرافقته ... توسلها الطفولي له بأن
يسمح لوالدته لتذهب معهم كاد أن يصيبه بالجنون ...

طوال الوقت كان ينظر لها بحدة وتوعد وهو مقطب الحاجبين لكي تكف عن إلحاحها هذا إلا أنها لم تفهم أشارته ...الحمد لله انه استطاع أقناع والدته بعد جهدٍ جهيد !

خرجت حبيبة وهي تجر قدميها جراً ...تشعر بالخجل الشديد ..كيف ستختار أمامه الملابس
الداخلية وملابس النوم وغيرها من المستلزمات !!!!!
يا الهي لقد بذلت ما بوسعها لكي يغير قراره هذا ... إلا أنها عبثاً كانت تحاول !!!
ما أن أحس بخطواتها حتى استدار بسرعة ينظر لها بمكر ممزوج بالإعجاب ..كانت ترتدي فستان صيفي ابيض اللون يحتوي على ورود زرقاء كبيرة .... مع حجاب ازرق باهت ...وجهها الخالي من الزينة كان أجمل وجه رأه في حياته على الإطلاق ....
بابتسامة لعوب زين بها شفتيه قال بخبث وهو لا يزال يرمقها بنظراته العسلية الماكرة
- هيا بطتي لقد تأخرنا كثيراً ...

هزت رأسها بصمت ومشت خلفه باستسلام وهي تدعو ربها بأن يمر اليوم على خير ودون مواقف محرجة .....

قاد زهير السيارة وملامح الفرح واضحة على وجهه بكل ثانية كان ينظر لها
بابتسامة واسعة ..وكأنه يقول لها ..قريباً جداً ستكونين في متناول يدي !!!

ادعت عدم الانتباه وهي تنظر إلى الطريق المؤدي للشارع الرئيسي .... كانت الأشجار مصطفة على جانبي الطريق بأوراقها الخضراء اليانعة .... شغل زهير جهاز التسجيل على أغنية

صغيرة جنت وأنت صغيرون
حب عرفنا بنظرات العيون

وبدأ يدندن معها بخفة وهو ينقر على مقود السيارة بأصابعه .. خطف ناحيتها نظرة جانبيه وقال بخفة وبلهجة مبطنة

- أتعلمين يا حبيبة ما هي الأحلام التي ارسمها بخيالي والتي اخطط لفعلها في ليلة زفافنا ؟!!!
بادلته النظرات ببراءة ثم قلبت شفتيها مفكرة
- اممممم اعتقد بأني ربما اعرف ما تريد فعله !!
رفع حاجبيه بدهشة وأطلق ضحكة صغيرة ومتعجبة ...ثم سألها بفضول وشك
- أحقاً تعرفين ؟!
هزت رأسها مؤكدة وهي تقول بفخر
- بكل تأكيد سيد زهير ..
أجابها بمكر وخبث
- حسناً أذن اخبريني ما الذي انوي فعله !!
أجابت بحماس مضحك وعيناها تلمعان ببريق خطف المزيد والمزيد من ضربات قلبه الهادرة
- ستشارك المدعوين بالرقص والغناء تماماً كما فعلت في نزهتنا الأخيرة !!

التفت لها زهير بسرعة وعيناه متسعة ... كان مندهشاً متعجباً من مدى سذاجتها وبراءتها العجيبة ... لينطلق ضاحكاً مرة أخرى .... لكن هذه المرة بقوة اكبر من سابقتها ..... لدرجة جعلتها تبادله الضحكات بعفوية تامة ..... همس بعد أن هدأ من نوبة ضحكة الهستيري

- ااااااه يا الهي .. قلبي سيتوقف من الضحك ... لم اعد استطيع التحمل ... انت غير معقولة يا حبيبة !! احقاً هذا ما تظنيه ؟!!!!
رفرفت أهدابها عدة مرات وقالت بلامبالاة
- وماذا قد تفعل غير ذلك يا زهير ؟!!
هز رأسه ونظر إلى الأمام قائلا وهو يقول بمكر

- هناك أشياء أكثر أهمية من الرقص والغناء حبيبة !!!
التفت لها مرة أخرى وهو يرقص حاجبيه بوقاحة جعلت الدماء تندفع لوجهها بقوة ...ربااه
كم هو وقح ومنحرف ..لقد فهمت ما يقصده !! تباً كيف لم تفهم منذ البداية ؟! كم هي غبية وساذجة
التفتت ناحية الشباك وقالت
- أنت وقح زهير وأنا لن اتعب نفسي بالكلام معك

امسك يدها ورفعها الى فمه ليلثمها برقة وهو لايزال يثبت نظراته على الطريق قائلا
- هياااااا بطتي ... أنا بريء ومسكين ..أنت لن تخاصمي زهير ... قلبك لن يطاوعك حبيبتي !!
كتمت ابتسامتها وهي تحدق إلى الشوارع الشبه فارغة تقريباً ....رفع زهير صوت الأغنية ليتردد صداها في أرجاء السيارة بصخب ....
كانت سعادته لا تضاهيها سعادة أبدا ... وكأنه ملك الكون بيده ...وبينما يقود السيارة ليخرج من شارع فرعي ...شاهد رجلا عجوزا يمشي ببطء وهو يشبك يديه خلف ظهره المنحني ... ليفتح الزجاج ويهتف قائلا بصبيانية وسعادة
- أيها العم ..أيها الجد ..أيها الحبيب ...
التفت له الرجل المسن بغرابة وكأنه يشاهد مجنونا يقف أمامه ليهتف زهير قائلا وهو يشير ناحية حبيبة
- أترى هذه البسكوته الشهية التي تجلس جانبي
شهقت حبيبه بخجل وحرج وهي تمسك كم سترته تحاول منعه من الاسترسال في الكلام
- زهير ..زهير اسكت لقد فضحتنا !
الا انه لم يبالي ليكمل كلامه قائلا بمرح
- هذه البسكوته هي زوجتي .. سأقيم حفلة زفافي قريباً جداً ... أنت مدعو يا جدي ....
ضحكت حبيبة بخفوت وهي تقول
- رباااه لقد جن جنون هذا الرجل لا محالة !!!
ما ان ابتعدا عنه قليلا حتى سارعت حبيبة قائلة بلهجة معاتبة
- رباه زهير كيف تقول له مثل هذا الكلام ... بكل تأكيد سيفكر بأنك مجنون !!
اجابها بمرح وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه

- انت لا تعرفين مقدار سعادتي يا حبيبة ..لو كان الأمر بيدي لخرجت إلى شوارع اربيل وهتفت بقوة ... أخيرا سأتزوج حبيبة يابشرررررر
ابتسمت بصمت وهي تنظر له بحب ...هي الأخرى تكاد لا تصدق بأنهما سيجتمعان في غرفة واحدة بعد طول انتظار وتعب ...خاصة هي ... لقد تكبدت الكثير ..وتحملت المرارة والقهر أكثر ... للان عندما تتذكر ليلة زفافه من سلمى وكيف كانت تحبه بصمت ...تحبه حباً يائساً نهايته غامضة وغير مفهومة او ربما فاشلة دون ادنى شك ... فأنها تكاد أن تموت قهراً وكمداً وكأن ما حصل كان البارحة فقط ..
لكنها رعاية الله ولطفه هو من ألف القلوب ..وجعله يشعر بها ويبادلها الحب بل يبادلها حباً اكبر وأقوى من حبها أضعافا مضاعفة ....

أكملا الطريق وسط مزاح وتفكه زهير الذي لم ينقطع أبدا بينما نظرات العجوز الضاحكة وكلماته الرنانة لا تزال عالقة بذهنه ..إذا دعا لهما بالحياة السعيدة الهانئة ... وهو يودعهما ملوحاً بيده المجعدة !!


رحلة شراء الملابس كانت كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ...كان ينتقي لها بنفسه الملابس الخاصة بالمنزل والخروج لكن المشكلة الحقيقة لم تكن هنا بل عندما دخل والى القسم الخاص بالملابس الداخلية وقمصان النوم ..... مع كل قطعه كان يشاركها باختياره كانت تهمس داخلها بذعر وخجل
ومصيبتاه .. عليك يا حبيبة ..كيف ستلبسين كل هذا أمامه ...ليس هذا وحسب بل جهاز زفافها لم يحتوي على قميص نوم واحد محتشم ...كل ما اشتراه زهير كان فاضح بشكل يجعل الحرارة تتصاعد إلى وجهها دفعة واحدة !!!!
كلما كانت تهمس له بخفوت وكأنها طفلة تستعطف والدها
- زهير ..زهير ..هذا ليس عدلاً .. أنت تتدخل بكل شيء ... لا تعطيني الفرصة لأختار ملابسي بنفسي ..

كان يسكتها قائلا بهدوء وخفوت
- اششش اسكتِ يا فتاة ...أنت لمن سترتدين كل هذا ؟!! هاا أجيبي !! أليس لي أنا !! أذن يجب أن يكون على ذوقي أنا ... ويجب ان يعجبني أنا وليس أنت ..فأنا بالنهاية من سأتفرج عليك وأنت ترتدينه !!!

...........................
........................................

البصرة
.........
كانوا يتناولون الطعام بصمت ... رفع معاذ نظراته الهادئة ليحدق بوجه والدته ... بقلة حيلة وحيرة ... لماذا تتصرف بهذا الشكل مع رضاب ؟! هي ليست هكذا !!! والدته ورغم قوتها الخارجية إلا أنها طيبة القلب جداً ... كيف طلبت منها أن تصعد إلى السطح لنشر الملابس وهي
تعرف جيداً مدى انزعاجه من هذا الأمر !! حسناً حتى لو كانت للان غير متقبلة مسألة زواجه من رضاب فهذا لا يعني أن تعاملها بهذه الطريقة الفضة القاسية !!

اجل هو لديه عينان ويرى الطريقة التي تتعامل بها مع رضاب ...الأخير التي كانت تتلقى أوامرها بهدوء وطيب خاطر !!!
عندما أخبرته رضاب أن والدته هي من طلبت منها شي اللحم له .... ادعى انه بالفعل كان يأكل اللحم سابقاً إلا انه اقلع عن تناوله بعد زواجهما ... فقط كي لا يحرج والدته ويظهرها بمظهر غير لائق أمام زوجته .....وقد طلب من رضاب بعدم أعداده مرة أخرى كما انه لم يسأل والدته عن سبب تصرفها هذا ! فهو يعرف جيداً بأن لا عذر ولا سبب منطقي لديها لترد عليه ..لذلك الصمت كان هو الحل الذي اختاره !
أما الآن لن يستطيع السكوت أبدا ! جل ما يكره هو صعود أهل بيته إلى السطح ... حتى والدته قد منعها من فعل ذلك !!!
سابقاً عندما كانت زوجة أخيه رحمها الله تعيش معهم في نفس المنزل .....طلب من والدته
بعدم السماح لها بنشر أي شيء في السطح وان أرادوا نشر المفروشات أو السجاجيد فهو وأخيه رحمه الله سيتكفلان بذلك ... فالسطح مكان مكشوف للناظرين خاصة وان عدد من الشباب الساكنين في حيهم هم ممن يربون الحمام ..وهم متواجدون في السطح باستمرار ...
رضاب زوجته ...عرضه وشرفه ..وهو يملك من الغيرة بما يكفي لكي يحافظ ويغار على عرضة وشرفة هذا ... حتى وان تطلب الأمر لأن يعاتب والدته كما سيفعل الآن

شرب القليل من اللبن ثم أعاد القدح لمكانه قائلا بهدوء ... يتعمد الكلام معها أمام رضاب لكي تعرف الأخيرة بأنه لا يقبل بهذا الشيء أبدا حتى وان طلبت والدته منها هذا مرة أخرى ..
- أمي ..اليوم عندما عدت من العمل وجدت رضاب تنشر الملابس في سطح المنزل من سمح لها بهذا ؟!
نظرت هدى له وهي تقول بهدوء
- انا ...
زوا معاذ حاجبيه بانزعاج قائلا بصوت حاد
- ولماذا تطلبن منها هذا يا أماه وأنت تعرفين جيداً بأن هذا الأمر يزعجني ... وقد حذرت سابقاً من مغبة فعله !

كانت رضاب تنظر لهما بصمت وارتباك ..متفاجئة من حدته التي تلحظها للمرة الأولى ..لم تكن تعرف أن لهذا الأمر أهمية عنده لهذه الدرجة ...

أجابت هدى وهي ترجع ظهرها إلى الوراء قائلة بلامبالاة
- وماذا في ذلك ؟؟؟ ثم من اليوم سننشر الملابس في السطح ...لا تقلق على زوجتك هي ليست نجمة من نجوم السينما لكي تغار عليها إلى هذه الدرجة !!!
رفع معاذ حاجبيه بذهول ...اجل كان مذهولا من رد والدته الجارح له ولزوجته التي أطرقت رأسها بصمت وهي تلهي نفسها بإطعام ملك ... ليجيبها معاذ بقوة وقد تلاشى عنه الذهول ليحل
محله خيبة الأمل والقهر من تصرفها هذا
- حسناً ...سواء كانت زوجتي جميلة أم لا هذا ليس موضوعنا الآن .. رضاب لن تنشر الملابس في السطح يا أماه ... لدينا حديقة كبيرة .... كما أن الجهة الخلفية من المنزل واسعة جداً والشمس تصلها صيفاً وشتاءاً ... ننشر هناك كما كنا نفعل سابقاً ...

ليكمل بصرامة وبلهجة جافة وحادة
- ما سأقوله هو ما سينفذ في هذا المنزل وهذا اخرما عندي ... إلا أذا كنت بنظرك لست رجلا بما يكفي لأغار على أهل منزلي وأصون حرمته !!!!
هتفت هدى بسرعة وهي تلقي نظرة على تلك الصامتة المنشغلة بإطعام ملك
- حاشاك يا ولدي أنت رجل وسيد الرجال ...كل شيء سيتم كما تريد ..فقط اهدأ ولا تنزعج ...
أومأ وهو لا يزال مقطباً ثم هب واقفاً وهو يقول لرضاب بجمود
- اعدي لي الشاي واجعليه ثقيلا رأسي يكاد ينفجر
همست رضاب بتوتر
- حاضر ..
ما أن خرج معاذ حتى هبت هدى قائلة بغضب وتوبيخ
- كل ما حصل بسببك أنت !
أجابت رضاب بدهشة
- أنا !!! لكن لماذا خالتي ما الذي فعلته !!!
تأففت هدى بانزعاج وقالت
- لا تدعي البراءة يا فتاة لو انك أكملت عملك قبل وصوله لم يكن ليعلم أبدا ... لكنك تعمدتي أن توقعي بيني وبينه ... لكنك لن تستطيعين ان تفرقي بيننا معاذ لا يستطيع الاستغناء عن والدته فهمتي !!!

تركتها وغادرت مسرعة ...تاركه رضاب تحدق بأثرها فاغرة ألفاه بدهشة ... يا الهي ..كيف يمكنها أن تظن بأنها تفكر حتى مجرد التفكير بهذا الأمر !!!!
في الأيام السابقة كانت والدة معاذ تطلب منها مسح المنزل وتنظيف كل ركن فيه لأكثر من مرة ...على الرغم من نظافته ... كما أنها ترهقها بالأعمال الجانبية الأخرى .. وهي تقوم بما تستطيع القيام به فقط من اجل إرضاءها فهي فعلا تحبها كثيرا يكفي انها والده معاذ وجدة ملك الحبيبة ....لكن الآن ومع تفكيرها هذا باتت تخشى ان تكرهها الخالة هدى حقاً وتظن بها ظن السوء وهي يشهد الله لم تتعمد فعل ما اتهمتها به !!
همست بخفوت وهي تتنهد بتعب
- يا الهي الخالة هدى حادة المزاج جداً .....لقد احترت بكيفية إرضاءها أو التعامل معها !!

...............................
......................................

اربيل
...........
بعد مرور أسبوعين .. من العمل المتواصل كل من في المنزل كانوا يعملون كخلية نحل نشطة
تم تجهيز شقة زهير السابقة وتغير غرفة النوم القديمة بأخرى جديدة ...
كما اشترى لها شبكة بسيطة متكونة من حلقة مع خاتم وأقراط ذهبية .... قائلا بلهجة حرجة ووعد صادق
- اعرف أن نيشان الذهب قليل جداً ... وبسيط لا يلق بك بطتي ... لكني اقسم بالله بأني سأعوضك ... فقط اصبري علي قليلا ... فما أن تمر هذه الأزمة المالية على خير وأنا سأغرقك ذهباً وألماسا ...أعدك بذلك
لتجيبه حبيبة بسعادة وتفهم وهي تحدق بالخاتم الذهبي الذي يزين بنصر أصبعها الأيمن
- الشبكة رائعة وجميلة جداً لقد أحببتها وأعجبتني كثيراً ..كما ان...

رفعت نظراتها اللامعة وهي تحدق بعينيه الغائمتان لتكمل هامسة بحب

- كما أن وجودك قربي وحبك لي هو أغلى من كنوز الدنيا كلها زهيرررر

احتضن خصرها وقربها منه وهو يشعر بأن قلبه لم يعد يتسع لحب هذه الفتاة الصغيرة بعمرها والكبيرة بعقلها ووعيها ...تمنى فعلا أن يملك قلبين ليتسع عشقها الذي يكبر كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله
- ما الذي فعلته لأحظى بهكذا زوجة جميلة ولطيفة وواعية وفوق كل هذا أنا من ربيتها على يدي .... لابد أنها بركات دعوات أمي الراضية عني ....

تم دعوة الأقرباء والأصدقاء والجيران .... كان حفلا رغم بساطته وضيقة إلا انه احتوى
على الكثير من المدعوين الذين جاءوا ليهنؤوا زهير مرة بزواجه ومرة أخرى ببراءته ....
وقفت حبيبة أمام المرأة في غرفة نومها ... تنظر لانعكاس صورتها وهي ببدله الزفاف ... منذ الصباح وهي تشعر بالتوتر والخوف ... لكنها تخمد ثورة خوفها هذا وهي تهمس داخلها ... مراراً وتكراراً ... ما بك حبيبة كيف تخافين وأنتِ ستزفين إلى حبيبك وابن خالتك زهير ...زهير حبيب الطفولة والمراهقة والصبا ....
لكنها ما أن تتذكر نظراته المتوعدة وطريقة كلامه المبطن الذي تكلم بها اليوم ظهراً قبل ذهابها مع تبارك وغسق إلى مركز التجميل حتى يصيبها تلبك معوي مرة أخرى
اذ كان يقف أمام السيارة متكأ وهو يوصيها بتملك
- تعالي هنا زوجتي ..
تقدمت ناحيته وهي ترمش بعينها
- نعم زهير ماذا تريد ؟!
حك رأسه قائلا وكأنه تذكر شيئاً مهماً
- كنت أريد أن أوصيك بشأن شعرك
رفعت حاجبيها متعجبة وهي تردد بعدم فهم
- شعري !! وما به شعري زهير !!

ليجيبها بجدية وهدوء
- إياك ثم إياك أن تفكري بقص ولو ربع سم منه .... أنا حسبت طوله جيداً فإياك كان تفعليها حبيبة !!
عقدت حاجبيها بتأفف وهي تقول
- أساسا أنا لا أفكر بقصه ..لا داعي لتوصيني زهير ..عن أذنك ...
كانت تريد اللحاق بغسق وتبارك اللتان دلفتا قبلها إلى المركز ألتجميلي ... إلا انه أوقفها مرة أخرى قائلا
- انتظري دقيقة حبيبة هناك شيء أخر أريد قوله لك

تنهدت واجابت بنفاذ صبر
- ماذا الأن زهير ؟!!!

ليأمرها بغرور وتملك

- لا تضعي الكثير من مستحضرات التجميل ...لا أريد لزوجتي أن تكون كالمهرج ...أنت جميلة دون الحاجة للمبالغة ...
عقدت يديها على صدرها وأجابت بانزعاج
- لماذا لا تدخل وتتكلم مع خبيرة التجميل بنفسك !!!
قال بجدية وهو يحك ذقنه النامية
- والله فكرة رائعة لكني للأسف مستعجل وهناك الكثير من الأمور التي علي القيام بها استعداداً لزفافنا المنتظر بطتي
قال جملته الأخيرة وهو يغمز لها بمكر جعل وجهها يحتقن خجلا .... لتتركه وتدخل إلى المركز بسرعة قصوى .....

عادت من شرودها على صوت غسق وهي تقول بمرح
- ما بها العروس ..بماذا تفكر يا ترى ؟!!

عضت حبيبة شفتها السفلى بخجل وهمهمت بكلمات غير مفهومة وهي تسبل اهدابها بتوتر بينما يتحول وجهها لثمرة حمراء ناضجة .... لتسارع تبارك قائلة وهي تنظر لغسق بتأنيب كاذب وهي تدعي الصرامة
- اتركي الفتاة غسق ...المسكينة .... اليوم زهير لن يرحمها أبدا ..لن تكوني أنت وهو عليها !! يكفي ما هو بانتظارها مع ذلك المجنون !!
نظرت حبيبة لتبارك بذعر وخوف شديدين وهي تقول بارتباك

- ما..ذا ..تقصدين ...تبارك ...
أجابتها تبارك ببراءة
- لا اقصد شيئا حبيبة أنا امزح صدقيني ... لا تأخذي كلامي على محمل الجد ..
تدخلت غسق قائلة بمكر ...وهي تتقدم ناحية حبيبة لتعدل لها طرحتها
- لا تخافي حبيبتي كل شيء سيكون على ما يرام ..اممم .... حسناً ...اذا كنت خائفة جداً ومتوترة ... يمكنني أن أعلمك على طريقة .... تجعل زهير يدعك بسلام لهذه الليلة ؟!! ويرقق قلبه لك أيضا ...
هزت حبيبة رأسها بسرعة وهي تقول بطفولية
- ما هي هذه الطريقة غسق

رفعت غسق كتفها وقالت بدهاء
- قولي له انك متعبه ولم تأخذي قسطا من الراحة منذ الصباح وحاولي ان تدمعي بعينيك قليلا وحينها أأكد لك بأنه سيشفق عليكِ ويجعلك تنامين بهدوء وعمق حتى الصباح !!
شهقت تبارك قائلة وهي تضرب صدرها بقوة
- ربااااه ..... يا لك من ماكرة غسق ...لا تقولي بأنك أتبعتي هذه الحيلة مع أخي المسكين !!!

رفرفت غسق برموشها وهي تدعي البراءة قائلة
- كنت فعلا متعبه يا تبارك !!!

ظلوا يتبادلون الكلام والمزاح بينما رضاب تنظر لحبيبة بحنان ...لولا معاذ وإصراره لما استطاعت السفر إلى اربيل ...فخالتها هدى وما أن سمعت بخبر سفرهما حتى هتفت محتجة بقوة

- الم ننتهي من موضوع السفر هذا يا ولدي ؟!!!
ليجيبها معاذ بهدوء

- انه حفل زفاف شقيقتها يا أماه كيف لا تحضره !!
أجابت هدى بلامبالاة وهي مقطبة الجبين
- ليس من الضروري ذهابكم الان ..تستطيعون تأجيل السفر الى وقت لاحق ...

تدخلت هي وقالت بخجل وحرج
- ربما خالتي محقة يا معاذ ...نستطيع ...
قاطعها معاذ بصرامة قائلا
- كلا رضاب لقد وعدت زهير ان احضر الى الزفاف ..وزهير صديقي ولن ارفض دعوته واخذله ابداً ....
وهكذا حسم الأمر بسفرهم الى اربيل قبل موعد الزفاف بيومين ...وفي وقت لاحق علمت من خالتها سعاد بأنها قد اتصلت بوالده معاذ ودعتها بنفسها الى الزفاف الأخيرة التي اعتذرت متعللة بإصابتها بوعكة صحية ....خالتها هدى باتت تحيرها بتصرفاتها هذه ... اصبحت مؤخراً تعاملها تاره بشكل طبيعي وتارة بقسوة ...... عادت من شرودها وهي تتقدم ناحية شقيقتها وهي دامعة العينين
همست بسعادة
- الف مبارك صغيرتي ..أكاد لا اصدق بأنك كبرت واصبحت عروس جميلة !!
احتضنتها حبيبة وهي تقول بتأثر
- اااه رضاب تمنيت ان تكون امي معي اليوم لتشاركني سعادتي
ابتعدت عنها قليلا وكملت هامسة
- اعرف بأنها لم تحبني يوماً لكنها ستظل امي !!
تصلب جسد رضاب بينما اكتسى وجهها الجمود ... بذلت مجهودا جبارا لكي تحافظ على هدوئها وتماسكها وهي تجيبها بابتسامة صغيرة ومتكلفة

- انسيها حبيبة ... والدتنا العزيزة مشغولة بأعمالها المهمة ومستقبلها المهني الزاهر ... هي ليست متفرغة لنا .... من الأن وصاعداً يجب ان تعتادي على عدم ذكرها مرة اخرى والى الأبد ....

وقبل ان ترد عليها حبيبة وقد ارتسمت على ملامحها الحزن والمرارة دلفت سعاد وهي تطلق الزغاريد قائلة بحماس وسعادة
- هيا حبيبتي العريس بأنتظارك في الأسفل ...

.............................

كان يبحث عنها هنا وهناك بين جموع المدعوين يتمنى ان يراها فقط ... منذ ان عرف بموضوع خطبتها المحتملة وهو يشعر بالغيرة ...غيرة حمقاء لا مبرر لها ....
من هو ليغار عليها ..من هو ليتدخل ويمنعها من الموافقة ...تبا لك عبد العزيز اترك الفتاة بسلام
ما الذي تريده منها بالضبط ...لا انت تتقدم لها وتخطبها لك ..ولا انت تتركها تعيش حياتها كما ينبغي لها ان تكون .....

فجأة ووسط صخب الجميع رآها تقف عند مدخل الصالة ... لا يعلم لماذا ولا اي قوة غريبة امتلكته ودفعته ليتوجه نحوها و يسحبها من ذراعها هامسا بخفوت
- أريد أن أتكلم معك تبارك !!!

.....................

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن