الفصل الرابع

260 15 0
                                    


الفصل الرابع
............................
...............
يا عود اعزف صبا ... راحن ايام الصبى
واحد يعذبه الزمن واحد هله تعذبه
يا عود ما خالفت بس خالفو خلتي
زرعوني وسط الجمر واتنطرو شجرتي
من كل كتر مشتعل يالغرتك ضحكتي
يا عود كلك حزن ؟! ما للفرح حصه ؟
ويصير نقضي العمر غصه بأثر غصه
يا عود عندك علم ما ظل إلي صاحب ؟
تركوني وسط البحر وتكسر القارب
يا عود وين الصدق ضاعت قياساتي
والناس الاحبهم صفو اسباب مأساتي
............
الشاعر كريم العراقي
...........
..............................
يجلس بمكتبه الهندسي المتواضع ... صحيح هو ليس مكتباً ضخماً وكبيراً إلا انه يفي بالغرض ويناسبه .... فهو يعرف ويقدر الظروف التي تمر بها المزرعة خاصة بالآونة الأخيرة ... حتى وان لم يتكلم وليد عن وضعه المالي أمامه أبدا .... يتمنى أن يقدم المساعدة إلا انه صدقا لا يفهم بأمور الزراعة والحيوانات !!!
لم يكن يريد أن يثقل على أخيه .... غير أن وليد أصر على استئجار هذه الشقة البسيطة وتحويلها لمكتب تصاميم هندسية خاص به ...
تعالى صوت رنين الهاتف ليرفعه ويجيب وهو لايزال يركز على الأوراق المبعثرة
- مرحباً !!
وصله صوتها الناعم وهي تقول بليونة
- مرحبا زهير ... كيف حالك !
أجابها وهو يرفع رأسه ثم يرجع بظهره إلى الوراء
- أهلا سلمى ... الحمدلله بخير ..... كيف حالك أنت ؟!
قالت بضجر
- بخير .. غير أني اشعر بالملل !
زفر بضيق .. لقد بدأت موشح التذمر والتشكي الذي تلقيه على مسامعه يوميا أجابها بصبر
- لقد اقترحت لك الحل المناسب لتشغلي وقت فراغك لكنك لا ترغبين حتى بالتجربة .
قاطعته بسرعة وذكاء
- اتركنا من هذا الكلام وركز معي
قطب قائلا
- خيرا ماذا هناك ؟!
أجابته بهدوء وحذر
- اممممم ... لقد سمعت أمي تتحدث مع والدتك وتقول بأن عمتك وابنتها جاءوا ليسكنوا معكم ؟!
أجابها موافقا وهو لا يفهم مغزى سؤالها
- اجل لقد وصلوا قبل بضعة أيام !!
قالت بضيق واضح
- ولماذا ؟!
رفع حاجبه بتعجب قائلا
- ما هو الماذا ؟!!
أجابت وهي تتململ بجلستها
- لماذا جاءوا .... اقصد هل سيعيشون هنا إلى الأبد ؟!
قال بعدم اهتمام وهو لا يزال متعجب من أسألتها الغريبة
- اجل أظن ذلك ... تعرفين الأوضاع الأمنية المتدهورة في بغداد !!
قالت بحقد وبنبرة لم ترق له أبدا
- ولماذا يسكنون في منزلكم ؟! لما لا يستأجرون منزلا خاصا بهم لقد ...
قاطعها بحده وغضب وقد فهم تماما مقصدها
- ماذا هناك سلمى ؟! ما شأنك بعمتي وابنتها سواء سكنوا معنا أم لا ؟!
أجابته ببراءة وهي تبتلع ريقها بتوتر
- بالتأكيد ليس من شأني أنا فقط اقصد أن منزلكم صغير ولا يتحمل وجود عدد أضافي خاصة بعد أن سكنت حبيبة معكم !
أجابها بصرامة لا تقبل الجدل
- شكرا لك على خوفك واهتمامك ... لكن أعيد و أأكد عليك مرة أخرى هذا ليس من شأنك !! عمتي وابنتها لا ليس هما فقط بل كل أفراد أسرتي .. خط احمر لا تحاولي المساس أو التدخل بأي أمر يخصهم بتاتاً... اتفقنا ؟!!
أجابت وهي تلوي فمها بغل بينما تهمس بصوت منخفض
- كنا بابنه خالتك المعاقة لتأتي آنسة غسق وتكملها !!
أجابها بقوة
- ماذا قلتِ !!
قالت بنعومة وطيبة
- كنت أقول يجب ان أزوركم لأتعرف على عمتك وابنتها هذا واجبي حبيبي!
تنهد وقد لانت ملامحه قليلا
- حسنا .... بالفعل كنت أريد أن أكلمك بهذا الخصوص ... ما رائيك أن تأتي اليوم على الغداء ؟!!
أجابت بلهفة وسرعة فهي تريد أن تراها لتعرف هل هي جميلة أم لا !!
- اجل .. اجل .. أود ذلك ...
قال بهدوء قبل أن يودعها
- حسنا سأمر لاصطحابك ما أن انهي العمل .
أغلقت الهاتف وهي تلوي شفتها بعدم رضا
- فلنرى الآنسة غسق ما وراءها هي الأخرى
دلفت والدتها إلى الصالة وهي تنظر لأبنتها بتعجب
- ماذا ؟! هل أصبت بالجنون لتكلمي نفسك ؟!!
أجابتها وهي ترمي هاتفها على الطاولة الصغيرة
- الظاهر ان نهايتي الجنون بسبب أفعال السيد زهير وعائلته الموقرة
قالت والدتها بتساؤل وهي تجلس جانبها
- ماذا هناك ؟!
أجابتها وهي مندهشة من برود والدتها ولامبالاتها
- الم تقولي بنفسك أن عمته وابنتها جاءوا ليعيشوا معهم في المنزل؟!
قالت والدتها بعدم فهم
- اجل لكن ما شأنك أنت بهما
أجابتها بحدة
- كيف ما شأني ؟!! الم يتفق مع أبي أن أعيش معهم في المنزل !! وأنت تعرفين أن منزلهم بالكاد يكفيهم مع تلك المعوقة الخرساء لتأتي عائلة عمته وتكمل احتلالها !!
رفعت والدتها حاجبها باستغراب
- وهل هذا ما يعكر مزاجك ؟!
لتجيبها وهي تقضم شفتها بتأفف
- هل هذا قليل بنظرك أمي !! أعيش بغرفة صغيرة طوال حياتي !!
ابتسمت والدتها بمكر
- يا غبية لقد اشترطنا عليه بأن يبني لك جناح منفصل في منزلهم إنسيتي !! أجابتها سلمى بتوتر
- لم أنسى أمي لكن على الرغم من ذلك أنا أيضا سأضطر للنزول إليهم في أثناء الوجبات وهذا يعني بأني سأبقى تحت أنظارهم ومراقبتهم المستمرة !
قالت والدتها بنبرة استخفاف وسخرية
- ومن قال بأني سأبقيك هناك طوال حياتك !!
نظرت سلمى لوالدتها وعيناها العسليتان تلمع بسعادة
- ماذا تقصدين أمي ؟!
أجابت والدتها بخبث
- عندما يتم الزواج ستعرفين ليس وقته ألان ... المهم أن تتمتعي وتفرحي مع خطيبك ولا تحملي هما أبدا
انحنت سلمى لتقبل والدتها وهي تقول بسعادة
- لا حرمني الله منك أمي
نهضت بنشاط لتكمل
- سأذهب لأستعد لقد قال بأنه سيأخذني اليوم لا تعرف عليهم
وقفت والدتها توافقها
- اجل اذهبِ وحاولي أن تكوني لطيفة مع الكل لا نريد مشاكل فهمتي ؟!
أجابتها بسرعة قبل ان تنطلق لغرفتها
- حسنا أمي سأحاول من أجلك فقط !
.............................
..................
كانت تسير في الممر المؤدي إلى قاعة المحاضرات عندما شعرت بشخص يصطدم بها فجأة .. لا تعرف من أين ظهر أمامها !!!
تبعثرت الكتب من يدها ... انحنى بسرعة البرق قائلا لها بليونة وعيناه تلمعان
- أسف آنستي لم أرك أمامي
تمتمت بكلمات مقتضبة وهي تأخذ كتبها منه ثم تنحت جانبا لتكمل طريقها غير ان صوته الرجولي أوقفها ثانية
- أنا سليم معك في نفس القسم وأنت غسق أليس كذلك ؟!
أومأت بحذر وهي تجيبه ببرود
- اجل انا غسق وسررت بالتعرف إليك
مد يده ليصافحها ... نظرت الى يده الممدود بجمود ثم قالت
- أسفه لا اصافح الرجال
سحب يده بحرج وهو يتوعدها بسره على برودها وتعجرفها ماذا تظن نفسها
- هل من الممكن أن ادعوك لشرب شيء ما ؟!
نظرت له بدهشة ليسارع بالقول
- فقط كعربون صداقه واعتذار
هزت رأسها بالنفي قائله
- لم يحدث شيء لتعتذر عنه ... عن أذنك !
تركته وابتعدت بسرعة وهي تتمتم بانزعاج
-اف ياله من علقه ألا يفهم أنني لا أريد التكلم معه ... غبي !
اما سليم فقد ظل يراقب ابتعادها شارداً وبعينيه نظرة إصرار على إيقاعها مهما كلفه من ثمن ...شعر بيد صديقه وكاتم أسراره ( باران ) وهو يربت على كتفه بسخرية
- يبدو أن خطتك لم تنجح .... أنها ليست سهلة كما كنا نتصور !
أجابه دون ان يبعد عينيه عن طيفها البعيد
- المعركة لاتزال في أولها وسنرى من يضحك أخرا !!!
.......................
.................................
ما ان اتصل زهير بوالدته يعلمها أن خطيبته ستأتي معه لتشاركهم الغداء حتى أحست وكأن الهواء بدأ ينسحب من رئتيها ؟!
بكل مرة تراهما معا تتمنى ان تصرخ قائلة بأعلى صوتها .. اتركيه ... هو لي .. من حقي أنا ... أنا أحببته قبلك ... أنا ابنة خالته و أولى به ... لكنها ما ان تراها وتقيس مقدار الفرق بينهما حتى تلوذ بالصمت ... وتسقط على صخور الواقع المرير .... فما هي سوى خرساء تخرج الحروف بشق الأنفس وبتأتأة بغيضة ... مثيرة للضحك والسخرية ... لا يوجد علاج لهذا المرض ... فمرض هو مرض نفسي وليس عضوي ... فهي بالفعل عندما تكون سعيدة وفرحة تتكلم بصورة طبيعية ودون تلعثم وان كان تلعثمها طفيفا لكن المشكلة هي عندما ترتبك او تخجل ...الكلمات تخرج لاهثة متقطعة...وهي ما شاء لله مع زهير طوال الوقت تشعر بالخجل والضآلة!!
كانت تقف تجلي بعض الصحون عندما سمعت سعدية تسأل خالتها سعاد بفضول
- من هي خطيبة زهير هل هي من العائلة ؟ أأعرفها ؟!
أجابتها سعادة وهي تقطع الخضراوات استعدادا لعمل السلطة
- كلا عزيزتي لا تعرفيها .... هي ابنه صديق أكرم .
أومأت سعدية ثم قالت بشك
- اممممم لا اعرف لماذا اشعر بأنك لا تحبيها !!
رفعت سعاد حاجبيها ونفت قائلة
- بالعكس يا سعدية ... الفتاة لم تفعل شيء يغضبني والله يشهد ... لكن ...
حثتها سعدية
- اجل ...لكن ماذا ؟!!
انحنت ناحيتها وقالت بخفوت
- بيني وبينك ... أنا اشعر بأن ولدي لا يميل لها !!
بادلتها سعدية الهمس
- ولماذا تشعرين بذلك !!
وقبل أن تجيب قالت حبيبة بهدوء بينما داخلها شعرت وكأنها متلصصة وطفيلية عليهما .... ومما بدا لها انهما تتهامسان بشيء لا يردانها ان تسمعه لذلك فضلت الانسحاب بكرامة
- خالتي سأذهب لأستحم ... عن أذنكما
أومأت سعاد قائلة بعطف
- اذهبِ حبيبتي
وما أن خرجت حتى قالت سعدية
- أكملي لماذا تشعرين بان زهير لا يميل لها !! هل قال لك ذلك !!
هزت رأسها وهي تمسح يدها بالمنشفة
- كلا طبعا ... زهير لا يتكلم أبدا ... لكن انا اعرفه جيدا ... قلب والدته يحاول ان يبدو سعيداً ومتحمساً .... قد يستطيع خداع الجميع إلا انه من المستحيل إن يخدعني !!
تنهدت وأكملت بحسرة
- لكن ماذا أقول رحم الله أخيك هو السبب !!
قطبت سعدية قائلة
- كيف ؟!
أجابتها وهي تلوي فمها بعدم رضا
- لقد فرضها عليه فرضاً دون حتى أن يعطيه الفرصة للاختيار !
تنهدت سعدية وهي تقول بشرود
- أكرم كان قاسيا جدا ... رحمه الله
شددت سعاد على ما قالته
- جدا جدا صدقيني .... أخيك لم ينصف اي من ابناءه .... ربما تبارك فقط من كانت محظوظة بأن والدها كان عطوفاً عليها على غير العادة !!
قالت سعدية بجدية وصدق
- لما لا يفسخ الخطبة ان كان لا يحبها ... اعذريني سعاد لكن هذا زواج وليس لعبة للأطفال ... كيف سيقضي حياته مع فتاة لا يكن لها أيه مشاعر !!
أجابتها سعاد وهي تهز رأسها بأسى
- يا ليته يفسخها يا أختاه .... لقد نصحته بذلك لكنه قال بأنه موافق وهو يريدها فعلا .. متعللا بأنه و بكل الأحوال سيتزوج ولما لا تكون هي ... كما انه لا يريد أن ينزل كلمة والده !!
قالت سعدية
- منطق غريب وغير مقبول أبدا .... على أية حال هو أدرى بمصلحته ... فليوفقه الله ويكتب له السعادة
آمنت سعاد خلفها برجاء وخوف من المستقبل المجهول والذي قلبها غير مطمئن له ابداً
- اللهم أمين
..................
...........................
كالعادة رمت السلام بهمس وجلست في المقعد الخلفي للسيارة .... بدأت تشعر بالضجر والاختناق من تدخل وليد بكل أمر يخصها ... لازالت تذكر ذلك اليوم عندما أصابها مغص شديد في بطنها ... كانت علامة على اقتراب دورتها الشهرية .... بذلك اليوم لا تعرف كيف أكملت المحاضرات وخرجت من الكلية بسلام ... لكنها ما أن جلست في السيارة حتى سارع وليد باستجوابها بنبرة فضولية
- مابك غسق لما أنت شاحبة ... هل هناك شيء ؟!!!
هزت رأسها وهي تقول بإنهاك
- كلا ... لا يوجد شيء اطمئن !
قطب وهو ينظر لها من المرآة ليعاود سؤالها بإلحاح مستفز وبلهجة استجوابيه تكرهها بشدة
- تكلمي يا فتاة ماذا هناك ... هل تعرضتي للمضايقة ... هل أسمعك احد الشباب كلاما أزعجك !
ايضا هزت رأسها بلا وقالت بضيق
- بطني تؤلمني قليلا !
ليوقف السيارة بمحاذاة الرصيف قائلا وهو يلتفت و ينظر لها بتركيز واهتمام
- ربما اكلت شيئا فاسدا ... سأأخذك إلى المشفى !
قالت بسرعة بينما وجهها الشاحب تحول لكتله من الون الأحمر والعرق البارد بدأ يتجمع على جبينها
- لا داعي ... هو مجرد الم بسيط ربما تعرضت للبرد ... احتاج لشراب دافئ وأصبح بخير .
عندها فقط كف عن إلحاحه المزعج ... ألان ذعرها وخوفها من وليد تحول لاستنكار وبغض ...بغض ليس منه هو بل من تصرفاته وأوامره التي أصبح يمليه عليها بتعجرف ولامبالاة !!!
عادت من رحلة أفكارها على صوته الرخيم وهو يقول لها
- غسق أود ان أتكلم معك بموضوع مهم جدا
رفعت نظراتها الزرقاء لتصطدم يعيناه الداكنتين عبر المرآة .. قطبت وقالت بتسأل
- تفضل ماذا هناك ؟!
سحب نفسا عميقا ثم نظر الى الطريق الممتد أمامه بصمت .... يحاول إيجاد كلمات مناسبة ليبدأ كلامه معها ... هو لا يردها أن تفهمه خطئاً لكن يجب ان ينبه عليها وينصحها بحكم انه ابن عمتها واكبر منها سناً وخبرةً ... ثانياً هي جميلة جدا بالتأكيد ستكون محط انظار الشباب المستهترين الذين يعبثون بمشاعر الفتيات تحت مسمى الحب والصداقة ... لا يريد لها ان تقع في هذا الفخ الحريري الناعم والذي يشبه بنعومته شباك العنكبوت الماكرة .... أجلى حنجرته وقال بهدوء
- حسنا ... انا فقط أود ان أنصحك بأن تنتبهي جيدا لتصرفاتك في الجامعة بعض الشباب يفهمون الابتسامة والتصرفات العفوية خطئاً كما ان اغلبهم غير صادقين بمشاعرهم يحاولون التسلية ... يعقدون الرهانات فيما بينهم على مشاعر الفتيات لذلك .....
كانت تستمع له بذهول وعيناها متسعة من مدى وقاحته ... ماذا يعتقد !! هل هي طفلة ام ساذجة يمكن ان تخدع بكلمتين ناعمتين يلقوه على مسامعها وكأنها فتاة خفيفة ومستهترة تصطاد الشباب !!!!
هتفت تقاطعه بحدة
- ارجوك لا تكمل !
صدرها اخذ يعلو ويهبط بسرعة بينما تجاهد ليخرج صوتها هادئا وقد نسيت حذرها منه وأخرجت من حالة السبات تلك الروح المتمردة التي تتلبسها عندما تكون غاضبة
- ماذا تظنني !!! هل انا بنظرك سهلة لهذه الدرجة لكي اصدق اي كلام يتناهى إلى مسامعي ....ام ربما بدا لك بأني فتاة أعاني من جفاف عاطفي !
قطب قائلا بتعجب واستغراب
- جفاف ماذا ؟!! مالذي دهاك يا فتاة !!
أجابته بوقاحة وجراءة
- ماذا دهاني انا !!! بل ماذا دهاك أنت لتكلمني بهكذا موضوع !! مالذي رأيته علي ليثير الشكوك لديك ؟!!!
قال بحدة وبنبرة مرتفعة نسبياً
- لقد فهمتني الأمر بشكل خاطئ .. أنا أردت أن أقدم لك النصح لا أكثر
أجابت بلهجة حاسمة وهي تمسك الكتاب الذي بين يديها بقوة
- أرجوك ... لا احتاج للنصح لا منك ولا من غيرك ... لذلك وفر نصائحك لنفسك وشكرا لك كثيرا على خوفك وحرصك ! أنا اعرف كيف أتصرف جيداً !
هذه الفتاة بحاجة الى أعادة تأديب وتربية وعلى طريقته الخاصة همسها داخله غاضباً ... قبل ان يرد عليها ببرود وجدية وهو يقطب حاجبيه الكثيفان
- اولا تعلمي انه عندما تتكلمين معي تتكلمين بأدب ...وصوتك هذا لا يعلو بحضوري أبدا !! هل هذا واضح ؟!
ليكمل بجمود وعيناه مثبته على الطريق
- وثانياً وهو الأهم والذي يجب ان تعرفيه وتعيه جيدا هو أن كل من في المنزل لا يتصرفون الا بمشورتي انا عدا والدتي طبعاً ... ومادمت تسكنين تحت سقف منزلي فأنا مسئول عنك شئت هذا ام ابيتِ ..هل فهمتِ يا ... ابنة عمتي الصغيرة !!
مالذي عليها ان تفعله ألان ! أخذت تفكر بسرها !! هل تغرس اظافرها بوجهه الكريه الهادئ ام تفتح الباب وترمي نفسها في الشارع لتتخلص منه !!
لكن لا لن تعطيه الفرصة لإذلالها اكثر ... ظلت صامته تنظر الى الشباك بعد ان حدجته بنظرة باردة لا مبالية وكأنها تخبره بأنها لا تهتم بكل ما قاله
بينما وليد يشعر بأن الأيام القادمة ستكون صعبة جدا مع تلك المتمردة الصغيرة ! همس بخفوت يا الهي أعطني الصبر وطولة البال لا تحمل تصرفاتها الطفولية من اجل عمتي المسكينة وإكراما لذكرى والدها الطيب !
.............................
........................................
دلفت سعدية إلى الغرفة ثم قالت بهدوء
- من الجيد انك أتيت اليوم مبكراً من الجامعة فخطيبة زهير مدعوة على الغداء وكان سيكون من غير اللائق عدم وجودك معنا
أومأت غسق بصمت ووجه متجهم وهي تجلس على طرف الفراش
قالت والدتها وهي تنظر لها بفضول وانتباه
- مابك غسق لما أنت منزعجة !!!
أجابت غسق بضيق
- لست منزعجة أمي !! أنا فقط تعبه من الدراسة !!
قالت والدتها بحب
- ليكن الله بعونك صغيرتي
ثم أكملت وهي تتوجه إلى الخارج
- استعدي وانزلي لتساعدينا فهم على وشك الوصول
راقبت غسق اختفاء والدتها ثم همست ببرود
" هل يجب علي أن أتحمل وجود ذلك المغرور المتكبر وأتصرف بصورة طبيعة ... ثم حتى لو تحملت ...إلى متى سيظل يتدخل بشؤون لا تعنيه !! لماذا يضعني في رأسه ومالذي يريده مني بالضبط !!!
هي تستطيع وبكل بساطة ان تخبرها بكل شيء يفعله وليد معها ..لكنها لا تريد ان تزعج والدتها المتعبة التي ألان فقط وجهها عاد لتورده قليلا ...كما أنها بالإضافة لذلك لا تريد افتعال المشاكل ولم يمضي على وجوده سوى عدة أسابيع قليلة !!

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن