29

240 14 0
                                    


اللهم صل على محمد وآل محمد
الفصل التاسع والعشرين

.........................
علمني حبك ان أحزن
وأنا محتاج منذ عصور .. لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي .. كشظايا البلّور المكسور
................

بعد ان أنهى معاذ حديثة اخذ ينظر لوليد الذي كان يجلس جانبه على الأريكة العريضة في الصالة صامتاً مطرقاً رأسه بشرود ... علامات القلق والتوتر بدأت بالظهور على وجه معاذ .... والشك اخذ يساوره .....
ماذا الأن ؟! هل هناك احتمالية لرفضه !! ام ربما هو محرج من ان يقولها مباشرة امامه ؟!
هل تسرع باتخاذ هذه الخطوة !! هل كان عليه الانتظار اكثر !!! لكن لماذا ينتظر وهم يعرفونه منذ فترة ليست بقصيرة !!! عقد حاجبيه بتجهم ...ربما تلك الأسابيع كانت غير كافية بالنسبة لهم !! ربما ما قالته والدته صحيح !! ربما سيرفضونه من اجل الاسباب التي ذكرتها !!!! لكن لالا ...مستحيل وليد ليس هكذا ابداً .... هو يعرفه جيداً .... انسان ذو عقل واعٍ ومتفتح ....
سحب نفساً عميقاً وآثر الصمت منتظراً ومترقباً ما سيقوله بنفاذ صبر وخوف شديدين

كان تردد وليد وتفكيره منصب على رضاب ...وعلى حالتها النفسية .. ترى هل ستوافق على الزواج بعد تجربتها الفاشلة مع همام ! خاصة وان فترة طلاقها لم تتجاوز الخمسة اشهر او اقل بقليل ! هل سيكون هذا الوقت كافياً لها لاتخاذ قرارها بهدوء وتعقل !
للأن يتذكر انهيارها وبكائها الهستيري في المشفى وحتى بعد عودتهم لاربيل ظلت مشتته وهائمة .. معزولة في غرفتها ولا تخرج منه ابداً !! لولا تدخل تبارك واقتراحها بأن تأخذ رضاب الى ملجئ الأيتام لكي تتغير نفسيتها وترتاح قليلا ..ولولا التقائها بملك لما وصلت للهدوء والصفاء النفسي الذي هي عليه الان !!
رفع نظراته يحدق بوجه معاذ الذي اخذ يبادله النظرات بترقب ... معاذ شاب شهم يحمل دماء عراقية حارة وغيورة ...معدنه اصيل .. ذو نخوة و مرؤة ... اكتشفها ولمسها بتصرفاته العفوية الصادقة في الاسابيع السابقة .... وهو متأكد من انه سيصون ابنة خالته وسيكون لها نعم الزوج والسند ... لن يجد من رجلا يليق بها افضل منه .... لكنه بنفس الوقت لا يستطيع الموافقة مالم يتأكد منها هي ..صاحبة الشأن ... وهنا تكمن المشكلة الرئيسية !!!

قطع معاذ الصمت قائلا بهدوء ومعالم وجهه محرجة وقلقة
- ان كنت غير موافق يا وليد ..لابأس عليك انا متفهم الامر !!
ابتسم وليد ابتسامة صغيرة وقال بهدوء
- ولماذا تفكر بهذا الشكل يا معاذ ؟!
هز معاذ كتفه واجابه شارحاً
- ربما فكرت اني من الجنوب ومن المعروف ان طريقة حياتنا وتقاليدنا المتحفظة تختلف عن حياتكم وتقاليدكم في بغداد او في الشمال ! وايضا ربما بسبب .....
رفع وليد حاجبيه بتعجب ...فهو بالفعل لم يخطر في باله ما ذكره معاذ الان ...فبالرغم من ان هناك بعض الفروق البسيطة بين المحافظات الشمالية والجنوبية الا ان ذلك لم يؤثر على قراره ابداً ..... بالنهاية كلهم عراقيين ...وكلهم مجتمعون في بلد واحد تربط بينهم روابط الاخوة والاحترام والمودة على الرغم من كل المحاولات الفاشلة التي يتبعها ذوي النفوس الضعيفة للتفريق بين صفوفهم .... اجابه بهدوء
- الحقيقة انا لم يخطر في بالي هذا الامر مطلقاً صدقني يا معاذ ! لكني كنت افكر بشيء اخر مختلف تماماً
قطب معاذ وتساءل بأهتمام وقد اشتعلت داخله جذوة الامل من جديد ..فأذا كان وليد موافقاً ويقف الى صفه فموافقة رضاب حتماً ستكون مضمونة ولصالحة
- ماذا هناك ؟! ان كان الامر يتعلق ببعد المسافة فصدقني هذا لن ....
هز وليد رأسه وقاطعه بلطف
- ليس هذا الامر ايضاً ...
تنهد بعمق واكمل قائلا
- سأتكلم معك بصراحة ودون لف ودوران .... الحقيقة ...رضاب ومنذ طلاقها وهي منطوية على نفسها ومتباعدة عن الجميع .... في بداية الامر كانت مشتته ... حالتها النفسية متدهورة كثيراً .... عندما وصلت الى الشمال كانت تعاني انهياراً عصبياً حاداً .... كنا قد يأسنا من انها قد تعود لحياتها الطبيعية مرة اخرى ... مئات الكلمات لن تستطيع ان تعبر عن حالتها التي كانت تعيشها انذاك ... الى ان حدثت معجزة الاهية تجسدت بظهور ملك في حياتها ... وهذا ما حسن وضعها ونفسيتها المتأزمة كثيراً ...بالاضافة لهذا ...رضاب فتاة حساسة جداً ...وهشة ...لا اعرف كيف اشرح لك ... لكنها ربما سترفض الارتباط مرة اخرى ..وهذا احتمال وارد جداً !!

كان معاذ يستمع له بألم .... هامساً داخله بقهر وحرقة مالذي فعله بها ذلك البائس ليحطمها بهذا الشكل !! اي عذابٍ تكبدته ليوصلها لدرجة الانهيار العصبي !!!!
لقد كان يشعر بها ..يشعر بأنها تحتاج للمساعدة ..تحتاج لشخص يأخذ بيدها ... وصله حزنها ووحدتها من خلال نظراتها التائهة الحزينة ... وابتسامتها التي تحمل خلفها تعاسة لمست شغاف قلبه واستوطنت فيه .....
فقط لو توافق على الزواج منه سيفعل المستحيل من اجلها ...حتى لو تطلب الامر لأن يحارب الجميع ... بحياته لم يريد شيئاً لدرجة اليأس كما يريدها هي .....
هي متعبه وهو منهك ..وكلاهما سيكونان السند لبعضهما البعض ... سيكونان اسرة .. ستكون اماً لأطفاله .... اماً حنونة وعطوفة ... ستضيء بإشراقه وجهها البريء ظلمة روحه الخاوية ...وتنشر الدفئ في اروقة قلبه البارد ....... رضاب نصفه المفقود الذي وجده بعد عناء وطول انتظار ...هي وحدها من ستكمله ... هي المرأة المناسبة له والتي ستسعده وتعوضه عن السنين العجاف الخاوية التي مضت من حياته ...
اخيراً وبعد ان اكمل وليد كل ما في جعبته من مخاوف اجابه معاذ بتفهم ورجولة
- انت حاول ان تفتح معها الموضوع وانا سأنتظر ...لايهم الوقت الذي سيطول به انتظاري .... فأنا صدقاً ارغب برضاب زوجة لي تشاركني حياتي ومستقبلي
اومأ وليد موافقاً وقد استرخت ملامحه ...كل يوم يزداد اعجابه بمعاذ .... وهو فعلا سيكون الزوج المناسب لرضاب .... احساسه يخبره بذلك ....واحساسه دائما ما يكون صائباً .....اجابه موافقاً
- ان شاءلله لن تسمع الا الاخبار السارة يا معاذ
همس معاذ بسره وبرجاء صاااادق
اللهم امين ياارب

.......................
................................
تجلس على الارض قرب ملك المنهمكة باللعب في العابها التي تحرص رضاب على شرائه لها فقد خصص لها وليد مصرفاً شهرياً خاصاً لها ولشقيقتها ... كم شعرت بالخجل من لطفه وطيبته التي لا حدود لها ... ليس وليد فحسب ..بل كل العائلة كانت متفهمة وطيبة معها الى ابعد الحدود ....هذا الدفئ الذي لفها كالبطانية الناعمة في ليلة شتوية باردة كانت تجعلها ترى الأمور بمنظور اخر لم تكن تركز فيه قبلا .... اي عندما كان والدها على قيد الحياة ...ربما لو اكتشفت كل هذا الانتماء والحب والتعاطف او انتبهت له مبكراً لما كان حالها الان هكذا !!! كانت لتجد السند والعزوة الحقيقية لها بجانب وليد وزهير وخالتها سعاد !
ربما لو طلبت العون في حينها من وليد واحتمت به لم تكن لتتزوج من همام ابداً ! لكن هي تستحق كل ماجرى لها .... كانت سلبية وضعيفة ...
كما انها هي من انصاعت لرغبات والدتها وانسحبت من حياة شقيقتها ... لم تحاول ولو لمرة واحدة ان تتواصل مع ابناء خالتها .... فضلت السير خلف والدتها بأعين معصوبة وثقة مثيرة للسخرية !
عادت لتركز فيما تفعله ملك .... منذ وصولها قبل عدة ساعات وهي تتكلم وتهذي بكلام غير مترابط .... جدتها ..الخزانة ..المشفى .... مالذي يحصل بالضبط !!!! هناك امراً ما ومعاذ لم يخبرها به .... قلبها يحدثها بذلك والان زاد يقينها اكثر من ذي قبل !!!
همست بحب وهي تداعب شعر ملك التي كانت لاتزال مطرقة الرأس
- والان اعيدي علي ما قلته قبل قليل ..لماذا ذهبت الى المشفى !
رفعت ملك رأسها وهي تحمل اللعبة بين يدها لتجيبها بأنفاس لاهثة وسريعة
- مريضة !! كنت مريضة ماما ! وضعوا شيء في فمي وعمو مواذ قال ..قال ... لا تعيديها مرة اخرى !
تنهدت رضاب بحيرة وهي عاجزة عن ربط ما تقوله لها .... هاهي للمرة العاشرة وربما اكثر وملك تعيد هذه الكلمات ...لكن دون فائدة !!! فهي فعلا لا تفهم شيئاً !!!
اسندت مرفقها على حافة السرير ووضعت راحة يدها على خدها تحدق بها صامته .... المهم الان ان طفلتها معها وبصحة جيدة ..لكن نحولها وشحوب وجهها لم يعجبها ابداً ... عندما تزورها ملك شهيتها للطعام مفتوحة جداً ..تأكل بنهم ولا تشبع ابداً ...لو انها تعيش معها هنا متأكدة من انها ستكتسب الوزن المناسب في خلال شهر واحد فقط !!!
قضمت شفتها بتوتر .... واخذت تفكر بسرعة ... .. اين جدتها !! لماذا لاتهتم بها ! لولا انها متأكد من حب معاذ الواضح لملك لقالت انه هو الاخر قد اهمل مراقبتها ومتابعتها ! لكن ماذا هناك بحق الله ... هي لم تكن بهذا الشحوب عندما كانت في الملجئ مالذي جرى وغيرها هكذا!
قالت بحنان وهي تحدق برأس ملك المنحني
- اخبريني طفلتي كيف تقضين النهار بعد عودتك من الروضة ! ماذا تفعلين في المنزل ! هل لك صديقات يلعبن معكِ !
صمتت ملك قليلا وهي تفكر بشكل مضحك ثم قالت بدهاء وفطنة
- اانا ...لدي اصدقاء بهذا القدر
رفعت عدت اصابعها الصغيرة وبدت وكأنها تعدهم ببرائة لتكمل قائلة
- جدتي تقول اني اصبحت كبيرة ويجب ان اغسل الصحون
اتسعت عينا رضاب بقوة وذعر وقد اختفت ابتسامتها المتفكهه لتهمس بذهول
- ما..ماذا ..قلت !! تغسلين ماذا ؟!!
اجابتها ملك ببرائة وعفوية
- اغسل الصحون واسقي الزرع واكنس الارض ...و..و...
ابتلعت ريقها بصوت مسموع ثم اكملت بحماس
- و..و..امسح الغبار و...
هتفت رضاب بعينان دامعتان وقلبها يتلوى الماً
- يكفي ..يكفي يقين ..لا تكملي ..ايه جدة تملكين ..كيف تستطيع فعل ذلك بطفلة صغيرة يتيمة !! لا اصدق ..رباااه ..لا اصدق فعلا
رفعت ملك واجلستها في حجرها ثم دفنت وجهها بطيات شعرها الناعم تبكي بصمت وقهر ...ماذا بيدها ان تفعل !!! كيف السبيل للأحتفاظ بأبنتها ... كيف سـتأمن عليها بظل وجود امرأة قاسية القلب متحجرة المشاعر مثل جدتها !!! ومعاذ اين هو من كل هذا الهراء !!! كيف يسمح لها بفعل ذلك !!! عندما التقت به لمست لطفه وحنانه الذي وصل لقلبها مباشرةً ..اذن كيف ..كيف .... ستجن ..حتماً ستجن لامحالة !!
اخذت تبكي بنشيج خافت وبشهقات معذبة ...ابتعدت ملك تنظر لوجه رضاب الباكي لتمسح دموعها بيديها الصغيرتين هامسه بعطف وشفقة جعلت امعاء رضاب تتلوى قهراً وحزناً وسعادة بآن واحد
- لماذا تبكين ماما !! من اجل يقين !!! انا يقين ..لا تبكي ارجوك
تأوهت رضاب بصوت مسموع واحتضنتها بقوة ..قوة كبيرة ..حتى كادت ان تكسر عظامها ...كم تمنت لو كان بأمكانها ان تخفيها داخل اضلعها .... او ان تأخذها وتهرب الى جزيرة نائية لا يوجد بها الا هما الاثنان فقط !
ابتلعت ريقها وهي تهمس داخلها ..يارب ارحم بحالها وحالي ..هي ابنتي ..ابنتي واريدها ..اريدها الى جواري للأبد !!!
فتحت حبيبة الباب ثم ابتسمت بنعومة وهي تحدق بمنظرهما الجميل وكأنهما لوحة فنية مرسومة عنونها الأم وابنتها .... كم هي حنونة رضاب ..المسكينة لو ان طفلتها كانت قد ولدت ربما لم تكن لتتعلق بملك لهذه الدرجة ..سحبت نفساً عميقاً وقالت رغماً عنها فهي صدقاً لم تكن تريد ان تعكر صفو هذه السويعات القصيرة التي تجمع بينهما
- تعالي حبيبتي ملك .... عمك يريد المغادرة الان !!
احتضنتها رضاب اكثر وكأنها تستنكر ما قالته حبيبة وبالمقابل كانت ملك ايضاً تحتضنها لتهمس رضاب مختنقة
- أبهذه السرعة سيذهبون !!!
اجابت حبيبة بشفقة وهي تتقدم الى الأمام
- اجل عمها مستعجل جداً يريد العودة للبصرة اليوم !
ابتلعت رضاب ريقها بصعوبة وابعدت ملك عنها قليلا ثم احتضنت وجهها من الجهتين تحدق بملامحها البريئة الطفولية بعينان دامعتان ثم انحنت وقبلت جبينها هامسة بجدية
- اعتني بنفسك جيداً صغيرتي ..وان طلبت منك جدتك ان تنظفي المنزل ارفضي وقولي امي رضاب لا تسمح لي بذلك ..فهمتِ !!!
اومأت ملك بسرعه وهي تحدق بعيني رضاب ببراءة تامة ....انحنت حبيبة لتمسك يد ملك تحثها على النهوض ... ارتجفت شفتي رضاب وهي تراقبها تبتعد عنها رويداً رويداً الى اختفت تماما ... همست بصوت متألم وجريح ...يا الهي ..احفظها لي ...ليس لدي غيرها في هذه الدنيا !!

بعد مرور عدة دقائق سمعت صوت جلبه في الحديقة .... لتسارع بمسح دموعها ثم وقفت لتتجه نحو النافذة ... تنتظر خروجهم من خلف الستائر الخفيفة المخملية .... لتشاهده يخرج وهو يحمل ملك على كتفه ..خفق قلبها برعونة ... اقتربت من الستائر اكثر وعيناها لاتزال تذرف الدموع ... انفاسها تخرج متقطعه ... جسدها ارتجف بقوة وهي ترفع قبضتها لتعضها ونضغط عليها بين نواجذها .... وكأنها بذلك تمنع خروج نحيبها الذي حبسته في صدرها بشق الانفس .....
ليستدير معاذ فجأة ويرفع رأسه لثانية ..فقط ثانية واحدة جعلتها تحبس انفاسها وتتراجع الى الوراء ...وكأنه شاهدها او احس بوجودها تحدق به ... لكن سرعان ما استدار واكمل طريق الخروج بهدوء ...تاركاً خلفه ودون ان يعرف امرأة شبه محطمة ....مشتته واقفه على مفترق طريق لا تعرف الى اين تتجه وما يجب عليها فعله بالضبط !!!!!!
..........................
................................

كانت تستمع لخالتها سعاد التي ما ان اخبرها وليد بطلب معاذ حتى سارعت ودون اهدار الوقت بالتكلم معها ومفاتحتها بالامر ... راجية من الله ان يهدي ابن شقيقتها لتوافق على هذا الزواج ... فهي لن اتنكر بأنها احبت معاذ وكأنه ولد ثالث لها ... ارتاحت له وشعرت بشهامته وطيبته منذ الوهلة الاولى ... لو وافقت رضاب ستكون سعيدة معه قلبها يحدثها بذلك .... كما انها ستطمئن عليها ايضاً كما اطمئنت على حبيبة .... وان علمت سناء بخطبة ابنتيها فهي لن تستطيع الاعتراض لأنهما بلغتا السن القانونية لتقرير مصيرهما ... بالاضافة لوجود وليد الذي يعتبر حرفياً ولي امرهما والمسؤول عنهما اثناء غياب والدتهما التي لم توفر جهداً حتى برفع سماعة الهاتف والأتصال بهما !!
رفعت رضاب عينان دامعتان حمراويتان .... خطبها .. معاذ خطبها !!!
اغلقت عيناها بألم وقهر ...تحاول ان تتصور نفسها و هي تتزوج من جديد !! تعيد التجربة مرة اخرى !!
لماذا ..لماذا كلما تخطت الماضي قليلا وادعت النسيان يعود ليغزو مخيلتها ويفرض نفسه ساخراً متحدياً ارادتها مرة اخرى واخرى واخرى !
معاذ !!! ذلك الشاب الذي منذ التقته وهي لاتكف عن التفكير المستمر به !!! انسان طيب تستطيع ان تلمس طيبته وشهامته من ملامح وجهه وتصرفاته ...يكفي انه يسمح لها برؤية ملك كل عدة اسابيع ...يكفي انه يتصل بها ويسمح بأن تتكلم معها ... اي احد غيره لم يكن ليهتم ..لم يكن ليفكر بمشاعرها من الاساس ...ابسط تصرف من المفترض ان يتصرفه هو نسيانها الى الابد دون تأنيب للضمير او عناء يذكر !!
هل يستحق امرأة مثلها ... محطمة ...مبعثرة .... ماضيها المظلم يركض ورائها كوحش مخيف يحاول التهامها ... كل ليلة تستيقظ فزغة كالمجنونة وجسدها ينتفض بشدة ...
لولا ظهور ملك لكانت الان مجنونة بالفعل !!!! ماتت مشاعرها ..مات قلبها يوم خذلوه ... ومن الذي خذله وطعنه !! من ..من ...والدتها وزوجها ....
والدتها ..والدتها .... هل هناك شيء اشد خذلانً وقهراً وخيانةً من هذا !!!!!
عادت تنظر لخالتها التي كانت تراقب تعبيرات وجهها بدقة ...كانت سعاد تشعر بصراعها ..ترددها الظاهر على معالمها الشاحبة ... لكنها صمتت تنتظر جوابها ... لتهمس رضاب بصوت بالكاد يسمع
- لا استطيع الزواج خالتي ..انا ..انا ..لم اعد انفع لكي اصبح زوجة من .. جديد !!
امسكت سعاد يدها المرتجفة واحتضنتها بين كفيها المكتنزتان .... كانت متفهمة جداً ردة فعلها ... ما مرت به سابقاً لم يكن بالشيء الهين على الرغم من انها لم تعرف لحد الان سبب الطلاق ... لكن ما ان تتذكر حالتها السابقة وتقارنها بحالتها الان حتى تشكر الله الف مرة على تخطيها لتلك الظروف القاسية .... ابتسمت وهي تجيبها بلطف وتفهم

- لا يا رضاب ..لا تقولي هذا الكلام ..انت شابة جميلة ولطيفة وألف من يتمنى الارتباط بك ..وكون ان تجربتك الأولى كانت فاشلة فهذا لا يعني انك لم تعودي تنفعين لشيء ... لازلت ببداية شبابك ومن هن بمثل عمرك للأن لم يتزوجن !!!
تنهد بمرارة وهي تنظر لرأس رضاب المنحني وكتفيها المرتجفان والذي يدل على انها تبكي بصوت مكتوم
- والله يا ابنتي منذ اليوم الاول الذي رأيت فيه همام لم ارتح له ..لا اعرف ...أحسسته ماكر وخبيث ... كم نصحت والدتك بالتريث وعدم الاستعجال بزواجك الا انها كالعادة فعلت ما برأسها ولم تسمع لكلامي ! وماذا كانت النتيجة !!
بترت جملتها واطلقت تنهيدة حارة وهي تستغفرالله بخفوت واستسلام
مع كل كلمة تنطقها خالتها كانت وتيرة بكائها تتصاعد .. والذكريات تتدافع فيما بينها لتتجمع امام عينيها وكأنهم بسباق مرثوني يتنافسون من يظهر امامها اولا ...أهو اليوم الأول الذي رأته فيه ام ليلة زفافها المشئومة ..ام سخريته وكلامه المسموم الذي كان يلقيه على مسامعها دائماً ... ام ربما صورتهما معا وهما متعانقين عاريين في غرفة نومها وعلى سريرها !!!!!
طال صمت رضاب وطال التوتر والترقب حولهما .. اخذت سعاد نفساً عميقاً وقد قررت ان تتركها لتهدأ وتفكر براحة ودون ضغط
- اسمعيني رضاب ...اعطي لنفسك فرصة ..فكري مرة ومرتين وثلاث ...صلِ الاستخارة .... خذي وقتك حبيبتي وانا سأساندك مهما كان قرارك ثقي بذلك !
تركتها وغادرت وما ان اغلقت الباب حتى اندفعت الدموع تجري على خديها بغزارة لتهمس بوجع وضياع
- ليس لي ما اقدمه للأخرين ...لم يبقى داخلي سوى الحطام والأنقاض ... وهو لايستحق ..لايستحق ذلك ابداً
.........................
..................................
المزرعة عصراً
..............
يقف ينقل نظراته الحائرة بينهما وهو مكتف ذراعيه على صدره ... منذ الصباح وهو غير مطمئن لنظرات غسق الثاقبة التي كانت ترمقه بها .....
زوجته تبدو وكأنها دجاجة منفوشة الريش مستعدة للعراك تنظر للشابه الواقفه قبالتها بنظرات جليدية مع ابتسامة باردة ومفتعله .... تساءل داخله بنفاذ صبر ..هل هي جادة بغيرتها الواضحة هذه !!!! هل فعلا تفكر بأنه ممكن ان ينظر لأمراة اخرى سواها !!!
شعر بأنزعاج كبير جداً ليس من دخولها المفاجئ وكانها عاصفة رملية هبت على المزرعة وشرارات غضبها تكاد تتقفاز من عينيها ... ولا من طريقتها المستفزة الخالية من الذوق عندما القت السلام على المهندسة المسكينة التي كانت تقف جانبه تتناقش معه في امور تخص المزرعة .... لكن انزعاجه الحقيقي كان من عدم ثقتها به ...هي لو كانت تثق به حقاً لما جاءت هكذا فجأة وكأنها كانت تريد ان تتأكد من شيئاً ما !
عندما اعلن عن رغبته بطلب بمهندس زراعي او طبيب بيطري لم يخطر ببالة ان المتقدمة ستكون امرأة وليكن صريحاً مع نفسه هذا الامر لا يشكل اي فرق عنده ..المهم هو ان تؤدي عملها بأتقان وضمير ....وهو قد لاحظ وتأكد فعلا من ذكاء هذه المهندسة ونزاهتها ...
لكن الان يبدو انه يواجه مشكلة جديدة لم تخطر في باله ابداً الا وهي غيرة غسق العمياء والتي لم يحسب لها حساباً !!!!
مدت كلشان يدها وقالت ببشاشة
- اهلا وسهلا سيدة غسق ...انا كلشان سررت بالتعرف عليكِ
نظرت غسق ليدها الممدوة ثم رفعتها لتحدق بوجهها الجميل ..اجل كانت جميلة ...رغماً عنها اعترفت بكآبة وغيض ... عينان عسليتان ووجه ابيض مدور يكلله شعر نحاسي رائع الجمال ... طوال اليوم وهي تفكر بها ... حتى انها لم تركز جيداً في المحاضرات ... كانت تنتظر على احر من الجمر ان تعود للمنزل ثم تذهب مسرعة لرؤية تلك الفتاة التي باتت تعد تهديداً لأمنها الداخلي .... مدت يدها وصافحتها قائلة بغباء
- انا زوجة وليد
اتسعت ابتسامة كلشان وتفهمت جيداً غيرة هذه الزوجة الصغيرة لتجيبها قائلة
- تشرفت بمعرفتك ..اتمنى ان نكون صديقتين !!
صديقتين !!! همستها بصرخة مستنكرة داخل صدرها كادت ان تخرجها وتفضح ما بداخلها .... هذه الفتاة لن تكون صديقتها ابداً ابداً ولو بعد مئة عام خاصة وهي غير مرتبطة ... لقد انتبهت ليديها وهي بالفعل لا تضع خاتماً لا بيدها اليمين ولا اليسار !!!حسناً هي تعترف انها لطيفة وتبدو طيبة ...لكن رغم ذلك قلبها غير مطمئن ...اليوم ستطلب من وليد ان يطردها من المزرعة ويعين بدلا عنها مهندس ... متأكدة من ان لودي لن يرفض لها طلبها ابداً
بعد تبادل عدة كلمات متقتضبة وباردة استأذنت كلشان وخرجت من المكتب بهدوء .... توجه وليد ليغلق الباب ثم يتقدم نحوها مقطباً وهو يقول بضيق
- لماذا اتيت الى المزرعة ولم تخبريني غسق !!
تراجعت الى الوراء خطوة واحدة لتصطدم بالمكتب ...كتفت ذراعيها وقالت بتعجب
- ولماذا اعطيك خبراً هل سأستأذن لكي اتي لمزرعة زوجي !
رفع حاجبه وتقدم ناحيتها اكثر حتى بات شبه ملتصق بها ليجيبها مؤكداً
- كلا طبعاً ..لكني لا اريدك ان تأتي بمفردك ..حتى وان كانت المزرعة ملاصقة للمنزل !!
زمت شفتيها بغضب ثم رمقته بنظرات متضايقة ومنزعجة .وهي تكتف ذراعيها بعناد ..رفعها بخفه من خصرها واجلسها على حافة المكتب ثم انحنى ناحيتها قائلا بهمس
- لو كنا في المنزل لعرفت كيف اعاقبك لكي لا تعيديها مرة اخرى
اجابت بتحدي وهي تحدق بعينيه الفحميتان
- ومن قال اني لن اعيدها !! سأتي دائماً ومتى ما اردت زوجي العزيز !!!
قهقه بخفه .. وهو يفكر معترفاً ..ربما اعجبه وزاد من غروره غيرتها هذه ... القطة الصغيرة تغار فعلا مجنونة لا تعلم ان القلب لم يفتح بابه الا مرة واحدة فقط ... وهي وحدها من تربعت عليه وتوجت نفسها ملكة فيه ورغما عنه وعن ارادته !!
- حسنا غسق لك ذلك ..اعدك ..ان احضرك بنفسي متى ما اردت !!
ظلت تنظر اليه بنظرات منزعجة ومؤنبة وكأنها تخبره بعينيها عن رفضها لوجود تلك الدخيلة في مزرعتها ... اجل هي تعتبر مزرعة وليد مزرعتها ...ملكها هي كما ملكت صاحبها وستعرف كيف تحافظ عليه حتى لو تطلب الامر ان تأتي هنا ليلا ونهاراً
اقترب منها هامسا بلطف وهو يضع اصبعه على عقدة حاجبيها الرقيقان
- لما هذا العبوس الان !!!
اجابت بدلال وهي تمط شفتيها كأنها طفلة صغيرة
- غاضبه ومنزعجة !
رفع حاجبيه بتعجب ثم ابتسم قائلا وهو يلقي نظرة خاطفة نحونافذة المكتب قبل ان يعاود التحديق بها بخبث ومكر
- امممم غاضبة قلت لي !!!! عندما نعود للمنزل سأعرف كيف اصالحك !
تبع كلامه بغمزة وقحة جعلت وجهها يحتقن بقوة اعتدلت بجلستها وقالت وهي تكمتم ابتسامتها
- الافضل ان اغادر الان سيد وليد ...
انزلت قدميها ارضاً لكنه اوقفها قائلا بجدية
- انتظري هنا لعدة دقائق سأذهب و ألقي نظرة على حظيرة الأبقار ثم نعود سوياً
اجابت ببراءة
- لا حاجة لذلك وليد اسطي....
قاطعها بلهجة حاسمة لا تقبل الشك او المناقشة
- قلت اجلسي هنا ريثما اقوم بجولة سريعة لن ادعك تعودين وحدك الى المنزل انسي يا غسق !
وضعت حزام حقيبتها على كتفها وقالت بسرعة
- حسنا وليد سابقى لكن خذني معك لأتفرج ارجووووووك
اجابها قائلا وهو يبتعد عنها ليبدأ بلملمة بعض الاوراق المبعثرة على المكتب ثم وضعها بأحد الادراج الداخلية
- اجليها لمرة اخرى .... الجولة ستكون سريعة كما انك ستعطليني عن العمل !
ضربت قدمها ارضاً ... متاكدة من انه لا يريدها ان تلتقي بتلك المراة مرة اخرى ! اذن هناك امر خفي في الموضوع !
- وانا مصرة وليد .....ارجووووووووك ...اعدك سأظل صامته ولن اتفوه بحرف
تنهد بنفاذ صبر واجاب مستسلما
- حسناً ... غسق حسناً .. هيا بنا
...............................
..........................................

جلست سعاد قربها في الحديقة ... فقد ارسلها ولدها المجنون لكي تحاول ان تسحب موافقتها بحكمة وصبر ... عندما اقتحم غرفتها قبل قليل ظنت ان هناك زلزالا او امر طارئ قد حدث ... ليركع على ركبتيه فجأة جاثياً امام سريرها قائلا برجاء وتوسل
- اذهب اليها امي انها تجلس في الحديقة ...... ارجوك فقط فلتقل لك انها موافقة ... واتركي الباقي علي !!
حاولت ان تتملص من طلبه الا انه ظل يتوسل بصبيانية ودلال لترضخ لطلبه مرغمة .... كانت حبيبة تجلس على الارجوحة الحديدية تعبث بهاتفها شاردة عندما احست بقدوم خالتها لترفع راسها وتستقبلها بابتسامة واسعة
- اهلا خالتي ...
لتجيبها سعاد قائلة
- اهلا حبيبتي ..ماذا تفعلين !!
رفعت كتفها وقالت
- ابداً لاشيء ..اعبث بهاتفي فبعد خروج تبارك ورضاب شعرت بالملل !
ثم قالت بأنتباه وهي تهم بالوقوف
- هل تردين ان احضر لك شيئاً خالتي
امسكت سعاد يدها وقالت وهي تجلسها مرة اخرى
- لا اريد شيئاً طفلتي ..اجلسي اريد ان اتكلم معك قليلاً
اومأت حبيبة واخذت تنظر لخالتها بتركيز منتظرة اياها ان تتكلم
تنحنحت سعاد واخذت تبتسم برقة وهي تهمس داخلها ..سامحك الله زهير لماذا انت عديم الصبر هكذا !!
- حسناً ... حبيبتي ... اريدك ان تخبريني يا حبيبة ..لا تكذبي علي !! اجيبي دون مراوغة ... هل انت غير موافقة على الارتباط بزهير ؟!
فتحت حبيبها فمها لترد الا ان سعاد اوقفتها قائلة
- قبل ان تردي ... اريد ان اقول لك شيئاً مهماً ... لا تفكري او يخطر ببالك اني ممكن اغضب او اتغير ان رفضتيه ...صدقيني حبيبة ...الامر يخصك انت فقط ..هو قرارك وحدك .. انت ابنتي ..ابنتي افهمتِ ..والام لا تغضب من ابنتها ابداً ومهما كان السبب !
تنهدت حبيبة واسبلت اهدابها ...برقة ...اللون الوردي زحف ليغطي سائر وجهها .... الخجل تمكن منها لم تعرف كيف تخبر خالتها بموافقتها ... الحقيقة هي انها موافقة منذ البداية ..كيف ترفض وهي تحلم به ليلا ونهاراً ..كيف ترفض وزهير هو حب حياتها الوحيد ..لكنها ارادت بعض الوقت فقط من اجل كرامتها وكبريائها اولا ثم لتعلم زهير كيف يصبر قليلا بدل اندفاعه وتسرعه المستمر
قطبت سعاد وقالت بهدوء
- هل انت غير موافقة على الزواج وتخجلين من قولها لي ؟!
هزت رأسها وابتسمت بحرج وهي ترفرف بأهدابها هامسة
- اممم كلا خالتي انا ...حسناً ..انا ...
اتسعت ابتسامة سعاد وقالت بمكر
- انت ماذا حبيبة ....
اطرقت حبيبة رأسها وهي تفرك يدها بتوتر بينما اخذت تقضم شفتها السفلى ... لاتعرف كيف تخرج كلمة موافقة التي كانت تتأرجح على حافة لسانها .... تنهدت سعاد وهي تدعي الحزن وخيبة الامل ثم وقفت قائلة
- حسناً وصلني جوابك يا ابنتي انت غير موافقة !! س
امسكت حبيبة ذراع خالتها وقالت بسرعة ولهفة وهي تقف قبالتها
- انتظري خالتي ..انا ..انا ...موافقة ....موافقة على الزواج من زهير
اخيراً قالتها بأنفاس لاهثة وهي متسعة العينين ..لاتعرف كيف خرجت الكلمة من شفتيها ..... احتضنتها سعاد بقوة ثم قبلت وجنتيها وهي تقول بسعادة
- مبارك حبيبتي الف مبارك سأذهب لأبشره المسكين ينتظرني في الصالة وكأنه طالب ينتظر ظهور نتيجة الثانوية !!!
شيعتها حبيبة بنظراتها الخجولة وابتسامته واسعة ... قلبها كان يخفق بجنون وهي تتخيل ما سيفعله زهير عندما يعرف بموافقتها ... لاعبت أصابعها بتوتر ... والسعادة تكتنف حناياها ...همست بصوت خافت
- اااه يا زهير ... لا اصدق ان الحلم البعيد يكاد ان يتحقق اخيراً
.........................
- ماذا قلت !!
قالها زهير وكانه لم يسمع جيداً .... فهو كان يقف امام نافذة الصالة يراقبهما بفضول وترقب .... ملامح حبيبة الخجولة وهي مطرقة الرأس جعل الشك يساورة لوهلة غير ان قلبه بدأ يقفز بسعادة ما ان لمح والدته تحتضنها وتقبلها ...اذن وافقت ..وافقت ..... تنهد براحة واستقبل والدته بأبتسامة واسعة وسعيدة ...
- قلت حبيبة موافقة ..افرح يا زهير افرح
قبل يدي والدته و اجابها وهو يتوجه بخطوات سريعة الى باب الخروج
- لا حرمني الله منك امي ..
هتفت سعاد قائلة وهي تلاحقه بنظراتها الضاحكة
- الى اين يا ولد ..تعال هنا
التفت وهو يبتسم لها ابتسامة ماكرة وسعيدة
- دقائق واعود امي ..عندي مفاجأة !!
..........................
كانت تسير ببطء في الحظيرة بين أروقتها وهي مأخوذة بكل ما تقع عيناها عليه ... الماعز ...الأغنام ..والابقار كل منها لها مكان مخصص بها ... كان من الواضح جداً مقدار الاهتمام والاعتناء بها ...
اما وليد فقد كان يمشي امامها يتفقد المكان بخبرة وانتباه شديدين ... وكأنه بالفعل مهندس زراعي اوطبيب بيطري .... يعطي توجيهاته للعاملين برزانة ..هالة الهيبة والقوة تحيط به ...وكأنه ليس وليد العاشق العابث الذي ينقلب عليه ما ان يكونان وحدهما ! كما انه وسيم جداً بعينيها ... اوسم حتى من عارضي الازياء وممثلي السينما .... حتى وان كان ما يرتديه عبارة عن بنطال جينز قديم وباهت مع قميص رصاصي اللون ذو اكمام قصيرة ! اي شيء يرتديه يليق به ....
تغار عليه وتحبه وهذا ليس بيدها ...تريده لها وحدها .... لو كان الامر يعود لها لعلقت لافته على رقبته كتبت عليها
" هذا الشخص متزوج وممنوع النظر اليه "
هل هي مجنونة !!! هل هي انانية !! ام ربما متملكة ....لايهم ....مهما كان المسمى الذي يطلق على الحالة التي وصلت اليها فهي تعشقه بكل ذره في كيانها ...عشقاً ازلياً لن ينتهي الا بموتها !
استدار ناحيتها قائلا بأبتسامه صغيرة خصها لها فقط
- هل اعجبك المكان ؟!
تقدمت تجاهه بسرعة وامسكت ساعده قائلة بهمس
- ماشاءلله .... كل شيء هنا رائع جدا جداً انت تعتني بهم جيدا يا وليد !
اجابها بهدوء ومعالم الفخر والاعتزاز ظهرت على ملامحه الداكنة
- الحمدلله رب العالمين ... الله وفقني في عملي حتى بت اتقنه واعرف كل ما تحتاجه المزرعة والبستان من نظرة واحده ....
سارا معاً وهو يكمل كلامه قائلا
- يجب الحرص والحذر بكل ما يتعلق بها ..الحيوانات مخلوقات حساسة جداً ... مثلا قطيع الأغنام يجب ان تمنح لها درجات الحرارة والتهوية المناسبة ... لذلك لابد من مراعاة والانتباه لان تكون الحظيرة دافئة في الشتاء ومعتدلة خلال الصيف عند إنشائها .. التحكم التام في كيفية وكمية الأعلاف المقدمة كل يوم عبر بناء نظام علافات محكمة ليمنع ضياعها ... العناية بنظافة الحيوانات بشكل مستمر ...وايضا تعقيم الحظائر أمر مهم جدا على الاقل مرتين في السنة الواحدة

كانت تستمع له بأنتباه وتركيز لكنها توقفت عن السير عندما لفت نظرها منظر جعل قلبها يرتجف بسعادة وهي تصدر تأوه حالم وحنون عندما قالت
- اوووووه وليد تعال انظر ... رباااه ما اجملهم
كان المنظر عبارة عن نعجة ممدده على القش وقد تكور جانبها حملها الصغير .... المشهد زلزل كيانها وجعل قلبها ينبض بعنف .... الأمومة احساس فطري تشعر به كل انثى لا ارادياً ..... تخيلت نفسها وهي تحتضن طفلها الصغير هكذا ... يا الهي كم ستكون سعادتها مكتملة ورائعة ...تنهدت وهي تتقدم نحوهم ثم انحنت لتستند على السور الحديدي بذقنها ...تحدق مأخوذة بسحرهم .... احست بيد وليد على كتفها وهو يقول بتسلية
- البارحة فقط تم ولادتها !!
همست غسق بحب وحنان
- انهما رائعين يا وليد !!!
ضحك ضحكة صغيرة واجابها موافقاً وهو يحتضن كتفها ليقربها منه اكثر
- اجل بالفعل رائعين !
عم الصمت بينهما قليلا وهما لايزالان واقفين يحدقان بالأم ومولودها الجديد وكأنهما ينظران للوحة فنية رائعة وبديعة ... التفت ينظر لوجه زوجته المنبهر بتسلية وحنان ... يتلهم قسماتها الناعمة بلهفة ....وكأنه ينتهز كل ثانية تمر عليه معها لينهل من جمالها الذي لايشبع منه ابداً .... قطع وليد الصمت المطبق قائلا بصوت هامس
- اذا اردت يمكن ان تختاري له اسم !!
استدارت تنظر له بعينان متسعتان من شدة السعادة
- حقاً !!! استطيع ؟؟
اومأ لها بلطف وصمت مؤكداً على كلامه بأبتسامة مشجعة
استدارت تنظر لهما من جديد وهي لاتزال مختبئة تحت ذراع زوجها القوية ... تفكر وتفكر ...فجأة تذكرت صديقة لها في المدرسة الاعدادية كانت تدعى حنان .... كم كانت تحبها وتعتبرها اخت ثالثة لها ... لكنهم سافرو منذ بداية الاحداث الطائفية التي حدثت بالعراق .... منذ ذلك الحين وهي لم تنساها .... حتى مع تعرفها على صديقات اخريات بمراحل عمرها !هتفت قائلة
- حنان ..اسمها حنان على اسم صديقتي !!
حك وليد ذقنه مفكراً لعدة ثوانِ ثم اجابها قائلا
- هو اسم لطيف في الحقيقة ..لكني يا حبيبتي لا يجوز ان نسمي الحيوانات بأسماء البشر اولا هذا حرام ثانياً يعتبر تجريح لمن يحملون هذا الاسم !!
ثم رفع نظراته الفحمية يفهمها بصبر وسعة صدر جعلها تشعر بالخجل الشديد
- وانت فتاة عاقلة وكبيرة وذات عقل راجح لن تكوني سعيدة ان تسببت بجرح شخصاً ما حتى وان لم تتقصدي ذلك !! اليس كذلك زوجتي الذكية !!
هزت رأسها بقوة وثقة وكأنها طفلة مطيعة تسمع كلام والدها بأهتمام
- لالا طبعاً حاشا لله لا اريد جرح مخلق ابداً ..ومعك حق لا يجوز ان نسمي الحيوانات بأسماء البشر ..كانت قلة ذوق مني ....انا غبية حقاً !!
تمتمت مكملة وهي تركز على الحمل الصغير مرة اخرى
- امممممممم سأسميه توتو .. ما رأيك !!!
وافقها قائلا وهو يشدد من احتضان كتفها ويشاركها النظر لحملها الصغير
- احسنت ..هذا اسم جميل جداً احببته !!
دفنت وجهها بصدره ولفت ذراعيها حول خصره بقوة ثم استنشقت رائحته بعمق ووله ....هذا الرجل لها وحدها ..لقد جنت على نفسها كلشان وستعرف كيف تتخلص منها وبطريقتها الخاصة !!!
..........................
......................................

دعيني أقولُ بكلِّ اللغات التي تعرفينَ والتي لا تعرفينَ..
أُحبُّكِ أنتِ..
دعيني أفتّشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليكِ..

الساعة كانت تمام السابعة مساءاً عندما كان زهير يسحب الشيخ من ذراعه يحثه على المشي قائلا بنفاذ صبر
- هيا شيخي ..هيا بسرعة
ليجيبه الاخير متنهداً بلهاث
- على مهلك يا ولدي ...الدنيا لم تطير ..اصبر قليلا
كان يرافقهم عبد العزيز الذي اضطر لتلبيه طلب زهير عندما وجده واقفاً بعتبه عيادته عندما كان يهم بإغلاقها ليتوجه بعدها للمنزل ...
عندما انتبه زهير لمعالم وجهه تسمر مكانه متسع العينين لا يطرف له جفن .... شعر عبد العزيز بالحرج من تحديقه المبالغ به ...أأأه نفس النظرات ...نفس تعبيرات الوجه ...نفس الصدمة التي يتلقاها من اي شخص يصادفه .... صديق كان ام غريب ..... عندما اطال زهير النظر لوجهه تنحنح عبد العزيز قائلا بصوت محرج
- اهلا زهير كيف حالك !!
عندها فقط افاق زهير من صدمته وتقدم ناحيته ماداً يده ليصافحه وهو لايزال يركز على ملامحه
- رباه ..عبد العزيز ..ماذا حصل لك ..وكيف ومتى !!!
سرد ما اصابه باختصار شديد .... القصة نفسها يرويها على مسامع كل من يصادفه الى ان اصبح يحفظ الكلمات عن ظهر قلب و يسردها دون روح او مشاعر .... محاولا قدر المستطاع ان يبدو امامه لامبالياً ...وكأن ما اصاب عينه ووجهه لم يؤثر على ثقته بشيء ...وعندما انتهى من كلامه هز زهير رأسه آسفاً ومتألماً
- اسف فعلا لما اصابك عبد العزيز ...ثق اني لم اعلم برجوعك الا الان وبالصدفة عندما مررت من امام عيادتك
ابتسم عبد العزيز وقال بلطف
- لابأس عليك زهير ... والان اخبرني ما سبب قدومك لعيادتي !!
تنحنح زهير محرجاً وقال
- لاشيء أنسى يا عزوز ... أنسى الامر وأسف مرة اخرى لإزعاجك !
اراد ان يستدير ليغادر الا ان عبد العزيز امسك ساعده قائلا بمزاح وتسلية
- تعال هنا ... لا تدعي الخجل يا رجل وتكلم ... ان جئت لكي تطلب المال مني .. فأبشرك لازلت للأن متورط بتسديد القرض الذي ادينه للمصرف ..اي انني حرفياً مفلس !

ثم قهقه بخفه ليبتسم زهير قائلا وقد زال بعض حرجة خاصة وان تصرفات عبد العزيز تبدو طبيعية جداً
- لا يا ذكي ..لا اريد المال ..حسنا .. كنت .. اريدك ان تكون شاهداً على عقد قراني !!
حينها خجل من الرفض ... لم يكن مستعداً لمواجه تبارك مرة أخرى ... لا يرد ان يلمح النظرات المصدومة المشفقة بعينها السوداء ابداً .... اومأ بالموافقة وأغلق عيادته ثم رافقه في الحال
عاد من شروده وهو ينظر للشيخ المسن قائلا بمزاح
- لا بأس شيخنا الرجل مستعجل جداً اعذره
ليؤكد زهير قائلا وقد وصلا لباب الصالة
- اجل اجل والله اني مستعجل اكثر مما تتصور شيخي
عندما دلف للصالة هب وليدو اقفاً بذهول وصدمة ....وهو يرى زهير يتقدم ممسكاً ذراع شيخ الجامع المسكين الذي كان يلهث بتعب....... فقد اتصل به زهير قبل نصف ساعة طالباً منه ان ينتظره في المنزل لأمر هام جداً وضروري لا يحتمل التأجيل .... لكن ذهوله وصدمته بعبد العزيز كان اكبر وأقوى ... تقدم بسرعة مرحباً بالضيفين ثم التفت ناحية عبد العزيز ينظر له بعدم تصديق قائلا وهو يهم باحتضانه
- عبد العزيز !!!!! خير ان شاء لله مالذي اصابك !!!
تنهد عبد العزيز قائلا بصوت منخفض
- الموضوع يطول شرحه يا وليد اخبرك به لاحقاً
اومأ وليد بتفهم وهو لازال يتفحص وجه صديقة النصف محروق وعينه المفقوعة بنظرات متعاطفة مشفقة ..... هو بالفعل كان يعرف بسفره ...لكنه لم يعلم متى عاد بالضبط حتى انه اتصل بهاتفه مراراً وتكراراً ولم يجد رداً فقد كان لايزال مغلقاً !
قال بصوت هامس
- لنا كلام طويل جدا معا يا عزيز لكن بعد ان نرى ما ينوي فعله هذا المجنون !
هتف زهير وهو يساعد الشيخ على الجلوس
- سأذهب لاعطي خبر لأمي لكي تتجهز
قطب وليد مستغرباً ما دخل والدته برجل الدين هذا ؟؟ تقدم ناحيته قائلا بعدم فهم
- تعال هنا وعلى رسلك قليلا دخلت المنزل كالعاصفة الهوجاء .... افهمني مالذي يجري هنا بالضبط !!!
سحبه زهير عدة خطوات وقال موضحاً بأقتضاب
- سأكتب كتابي على حبيبة ! وانت وعبد العزيز ستكونان شاهدين !!
ارجع وليد رسه الى الوراء وهتف مستنكراً
- الان ! تكتب كتابك الان وبهذه الطريقة !! الا تعير احتراماً لاحد في هذ المنزل!!!!!
اجابه زهير متنهداً وهو يهمس بضعف
- ارجوك وليد افهمني ..احبها وأريد ..ان ..ان ...انت تعرف اكون على راحتي معها لا استطيع الصبر لشهر او شهرين اخرين !!! على الاقل اعقد عليها الان ونتزوج على مهل
اجابه وليد بنفاذ صبر وهو ليقي نظرة على الضيفين الجالسين في الصالة
- ومن قال ان ابنة خالتك موافقة !!
اجابه زوهير بحماس وسعادة
- موافقة موافقة ..وهل كنت ساحضر الشيخ والشاهد الذي سيشهد على العقد معك دون ان املأ يدي من هذا الامر !! والان اتركني اذهب لاخبر امي ..... واذهب لكي تجلس معهم لايجوز تركهم هكذا !
تركه وغادر الصالة مسرعة تحت انظار وليد الذي هز رأسه بلا حول ولا قوة وهو مذهول من تصرفات شقيقة الطائشة المتهورة ! حتى وان عارض طريقه عقد القران هذا فالاعتراض لن يفيده بشيء فالشيخ والشاهد يجلسان في الصالة ! تنهد وعاد ليجلس مع ضيوفه وهو يشعر وكأنه قد حوصر بين المطرقة والسندان ..لقد وضعه زهير امام الامر الواقع ولا مناص من تنفيد رغبته !!!
...................
...................................
- ماذا !!!
همستها حبيبة بخفوت وعيناها البنية متسعة للغاية ...هذا المجنون ماذا فعل !! عندما اخبرت خالتها عن موافقتها لم تظن انه سيتصرف بهذا الشكل السريع وكأنه كان يقف يستمع لها خلف الباب !!!
اجابت سعاد متنهده .. وهي تتوجه الى الدولاب تختار لحبيبة فستان يليق ترتديه لهذه المناسبة
- مثل ما سمعتي ... زهير احضر الشيخ لكي يكتب الكتاب يرافقهم عبد العزيز ..هيا حبيبتي تعالي لكي اجهزك ...
ما ان سمعت اسمه حتى رفعت تبارك رأسها بسرعة واخذ قلبها بخفق بشدة ... لم تعرف كيف تتصرف ....اذن فهو موجود في الاسفل الان !!! اغمضت عينها وتنهدت بخفوت .... سمعت والدتها تأمرها بلطف
- هيا تبارك تجهزي ... وانت ايضاً رضاب وتعالا لتساعداني في اعداد العصير والحلويات للضيوف
لتكمل وهي تخرج فستان زيتوني اللون ضيق من الاعلى ومتسع من الاسفل مع حجاب تداخل به اللونين الزيتوني والكريمي ..تحت أنظار الفتيات الذهلات اللاتي كن يراقبن ما تفعله سعاد بأفواه مفتوحة
- لم ارغب ان يتم الامر بهذا الشكل السريع لكن ماذا اقول .... اخيك زهير مجنون ومتهور وضعنا امام الامر الواقع
ثم التفتت تنظر لحبيبة قائلة بفخر
- هيا حبيبة تجهزي اليوم هو يومك حبيبتي الف مبارك
وقبل ان تخرج مسرعة من الغرفة قالت
- ساعديها تبارك والحقا بي الى الاسفل
كانت مشاعر حبيبة متضاربة فهي سعيدة وغاضبة بنفس الوقت .... لكن مشاعر السعادة كانت هي الغالبة عليها .... فهي للأن لا تصدق انها اخيراً سترتبط بزهير ...ستكون زوجته .... شعرت وكأنها تعيش حلم جميل ... سيكون زوجها .... زهير اخيراً سيكون زوجها !!!!!!!
ساعدتها تبارك بوضع مستحضرات التجميل البسيطة .... كما لفت لها الحجاب بطريقة رائعة ... رضاب كانت تراقبهم بذهن شارد ووجه شاحب تفكر بما قالته لها الطبيبة .... فهي قد طلبت من تبارك ان تأخذها الى الطبيبة ... كانت تحتاج للتكلم معها ...تحتاج لا تفضي بمكنونات صدرها لأحد ما .... لم تستطع التكلم مع حبيبة ولا مع تبارك او غسق ... احتاجت الى شخص لا يعرفها ...شخص غريب عنها لكي تتحدث براحة وحرية ....
للأن هي حائرة حقاً لا تعرف ما عليها فعله ...منذ ان اخبرتها خالتها بشأن معاذ وهي لا تنفك عن التفكير .... متأرجحة بين القبول والرفض .... فهي ترغب بالموافقه من اجل ملك كما انها مترددة وخائفة من تجربه الزواج نفسها !!
تنهدت بضعف وهي تعاود النظر لحبيبة ...تحاول رسم ابتسامة صغيرة على شفتيها ... يجب ان تشارك شقيقتها سعادتها .... تضرعت الى الله في سرها ان يوفقها بحياتها القادمة مع زهير ويعطيها السعادة التي لم ولن تجدها هي وتحصل يوماً ابداً
..........................
.......................................
تم كل شيء بسرعة جنونية ... رددا خلف الشيخ الكلمات والجمل المتعارف عليها ... واصبحت له بالفعل ...عندما نطق الشيخ جملته الاخيرة " بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما بخير " تنهد براحة وكأن ثقل الجبال ازيل عن ظهره ....
ثم اخذ ينظر لها بمكر ...ينهل من جمال وجهها وهي ترتدي هذا الحجاب الذي عكس صفاء بشرتها المتوهجة احمراراً .... يعد الثواني لكي ينفرد بها ويمتلك هذه الشفتين اللتين سلبتا العقل منه .... ما ان سمع والدته تقول موافقة لم يكذب خبراً .... ذهب بسرعة البرق لكي يحضر الشيخ ...اليوم ستكون زوجته وليحدث ما يحدث .. الكل سيوافق ورغماً عنه ...وقد كان ....هاهي ورقة زواجهم يمسكها بيده ...و زوجته تقف امامه مرتبكة ...ياااسلام ..هل يوجد سعادة يمكن ان يحصل عليها اكثر من هذه ! الان هو مرتااااح البال .... وكأن قالب كبير من الثلج وضع فوق نيران قلبه التي كانت مشتعلة غيرة وعذاباً عليها .... الان هي زوجته وهو ولي امرها الوحيد ....
عاد يحدق بها وجهها كان يشع احمراراً وخجلا ... همس داخله متوعداً بمكر ... حسناً حبيبة لم تري شيء مني بعد لكي تصابي بالخجل ... فقط لو تعرفين ما انوي فعله معك لكنت اختفيتي من الخجل !
ذهبت حبيبة مع تبارك وغسق ورضاب الى الغرفة المجاورة وهي تحاول قدر استطاعتها ان تشغل نفسها عن التفكير بزهير وبما جرى قبل قليل .... عندما قال كلمه موافق شعرت وكأن الدماء تفور فوراناً بجسدها .... بل وكأن هناك قوة خفية ساحره التفت حولهما هي وزهير فقط .... نظراتهما تلاقت وكأنهما الوحيدان في الصالة ... عضت شفتها وهي تتذكر كيف كور شفتيه الشهوانيتين وبعث لها قبله هوائية صغير مع غمزة وقحة ومتوعدة ! الحمدلله لم ينتبه له احد ! منحرف ووقح ليس بيده !!!

.............................
.................................................. .

دلفت لغرفة نومه وهي تحمل صينيه صغيرة تضع عليها دواء للصداع مع كأس من الماء ... زفرت بضيق وهي تهمس داخلها متذمرة هل من الضروري ان أحضره له بنفسي !! فبعد ان غادر الضيوف وانتهى الاحتفال الصغير الذي قامت به خالتها والخالة سعدية بالتعاون مع الفتيات الثلات طلبت منها ان تاخذ الدواء لزهير ! من اين اتاه الصداع فجأة قبل قليل لم يكن يعاني من شيء فقد كان بوزع ابتساماته الواسعه هنا وهناك !!!
لولا الحاح خالتها لما اقدمت على ان تخطو داخل غرفته خطوة واحدة !
نظرت له بفضول ... كان ينام على الفراش منزلاً ساقيه على الارض ..يغطي عينيه بساعده .... الازرار الاولى من قميصه مفتوحه ...وانفاسه منتظمة ...ربما هو نائم الان !!! تمتمتها براحة وصوت منخفض وهي تنحني لتضع الصينيه على الطاولة القريبة من الباب ...الا ان صوته القوي اجفلها حتى كادت ان توقع الصينيه من يدها حين قال آمراً بغرور
- لالا ..لا تضعيها هناك لا استطيع الوقوف رأسي يؤلمني هاتيه هنا على هذه المنضدة
ثم اشار للمنضدة الموضوعه بجانب السرير ...اومأت قائلة بنفاذ صبر وارتباك
- حاضر
منذ انتهاء الحفلة وهي اختفت من امامه كلمح البصر .... لم يكن ليدع هذه الليلة تمضي على خير دون ان يتذوق شفتيها ...سيكون ملعوناً لو فعلها !! ذهب لوالدته التي كانت تقف امام المجلى وقال بتعب مصطنع وهو يمسد جبينه بأرهاق
- امي ..رأسي يؤلمني جداً .... أريد دواء للصداع مع فنجان من القهوة !
اجابت والدته ببراءة تامة وهي تلتفت لتنظر له بأهتمام
- تعال اجلس وحالا سأعدها لك !!
هتف بسرعة قائلا
- لالا ...انا سأذهب لغرفتي ولتحضره حبيبة لي ..ارجوك اماه !!
رفعت سعاد حاجبيها بتعجب وابتسامة ماكرة ارتسمت على شفتيها ربما عرفت ما يفكر به !! لكن لالا كيف لها ان تعرف بأنه ينوي الانتقام عشقاً من حبيبة !! اجابته بهدوء وقالت
- حاضر يا ولدي الان سأبعث القهوة ودواء الصداع مع حبيبة .... من عيوني !

تقدمت بخطوات مترددة تحت انظاره المنتبهه لها ...لتنحني وتضعها الى جانبه وما ان حاولت الاعتدال حتى امسك معصمها بقوة وكأنه نمر اقتنص فريسته المسكينة الساذجة .... مبتسماً ابتسامة ماكرة وواسعة وهو يقول بأنتصار
- اخيرااااااا امسكت بك ايتها الفأرة الهاربة الجبانة !!
حاولت سحب معصمها وهي تقول بخوف وخجل شديدين
- اتركني زهير .. اتركني والا ..والا ...
اعتدل جالساً وهو لايزال ممسكاً بها ليجيبها متهكماً من ضعفها بين يديه وكأنه عصفورة صغيرة مبلله وشهية
- والا ماذا حبيبة خانم !! ماذا ستفعلين !!! هل ستصرخين وتجعلين كل من في المنزل يأتي ليرى ما افعله معك !!!
لوت ذراعها بينما قلبها يخفق بشدة ... قالت بجراءة وشجاعة مزيفة
- اتركني زهير انت وقح وعديم الحياء لن ادخل غرفتك مرة اخرى ابداً
سحبها بسهولة شديدة ليجلسها على فخذه بينما ذراعه التفت حول خصرها بقوة ...وجهه كان قريباً من وجهها وهي تحاول الابتعاد عنه ودفع صدره بأستماته ليجيبها بخبث
- وهل دخول الحمام مثل خروجه يا نور عيني !!!
اتسعت عيناها بذهول وهي تشعر بالحيرة والارتباك ..ماذا دهاه هل جن هذا الرجل !! همست قائلة بصوت حاولت ان تجعله مؤنباً ومعاتباً عله يشعر بأفعاله المحرجة ويتركها تغادر بسلام
- مابك زهير مالذي جرى لك وغيرك !! انت لم تكن قليل الادب هكذا !!
سحب نفسا عميقا واجابها بصدق وهو يدعي الاسف بينما يده لم تهدأ من لمس مفاتنها بجراءة وبطء جعلها تشعر بالارتباك والتوتر
- لاني سابقاً لم اكن افكر بك كما افكر بك الان ..نظرتي لك تغيرت ...زهير المؤدب بح .. طار ذهب مع الريح ولن يعود ابداً !!!
فتحت فمها ورددت بغباء وعدم فهم وقد استكانت واخذت تحدق فيه مقطبة
- ماذا تقصد !! كيف تفكر بي زهير لم افهمك!!
اجابها وهو يطوق خصرها اكثر قبل ان يلتقط شفتيها بنهم
- الأفضل ان لا تفهمي لانك لو فهمتي سيخدش حيائك !!
وبحركة مباغته وسريعة قلبها على الفراش وهو لايزال يلتهم شفتيها بقوة ....دفعت صدره عنها وهي تحاول التقاط انفاسها المسلوبة بينما جسدها يرتجف وقلبها يخفق بعنف ....آنت بخفوت وهي تحرك راسها يميناً ويساراً ... كانت يداه تعبث بجسدها بحميمة بالغة ... ادخل أحدى يديه تحت قميص نومها العلوي الذي طبع عليه رسوم كارتونية مضحكة ... يلمس بشرة خصرها الدافئ ويصعد رويداً رويداً الى صدرها العارم ... يضغط عليه بقوة ولهفة .... تركها ليلتقط انفاسه وصدره يعلو ويهبط بسرعة وجنون .... همست بخفوت وخجل
- يكفي زهير ..اتركني اذهب ارجوك !!!
هز رأسه قائلا بعناد واصرار
- ليس بعد ...لم اشبع منك حبيبة ...ماذا فعلت بي لتجعليني جائع اليك بهذا الشكل المثير للشفقة !!!
همست بشفاه متورمة حمراء ومرتجفة
- لايجوز ماتفعله يا زهير !!!
ليجيبها مؤكدا بهمس مبحوح وهو يخرج يده ليبدأ بتمرير اصابعه على خط فكها وطرف شفتها السفلى ..
- بل يجوز يا حبيبة يجوز فعلا ...ورقة زواجنا هاهنا ..لاتزال طازجة في جيب سترتي ..اضعها بعيني كل من يقول حرام اختلائك بزوجتك ...اسمعت .. زوجتك ..زوجتك ..وانت الان زوجتي ...
لم تركز حقاً بما يفعله ..بل كان تركيزها منصباً على هذا الوجه الوسيم الآسر الذي طالما زار احلامها ...ليلا ونهاراً ...كيف هو قريب منها لهذا الدرجة ..كيف باتت تشعر بكل عضلة صلبة في جسده الضخم الجاثم فوقها تضغط عليها بحميمية ... كيف تستنشق هذه الرائحة الرجولية الممتزجة برائحة جسده القوي .... هل مايحدث الان هو حقيقي ام حلم !!!!!
عاد ليقبلها من جديد ..يقبل كل انش من وجهها ... مقدمة صدرها المكتنز الذي ظهر له بعد ان فتح السحاب من مقدمة قميصها المحتشم .... طار صوابه ... وهو غير مصدق الى ان تلك العصفورة الناعمة اصبحت ملكة يفعل بها ما يشاء ..ولا احد مطلقاً له الحق بالاعتراض او الرفض ... اجبرها جبراً على الاستجابه لمطالبة المشروعة .... اثملها وجعلها كالدائخة تنظر له بعينان ناعستان .... اطرافها مخدرة ...لاتقوى على دفعه .. بل كل مافيها اصبح يتحرك عكس ماتريد ....امسكت كتفه بأصابعها الرقيقة ودفنت وجهها بتجويف رقبته ..طبعت قبلة صغيرة هناك وياليتها لم تفعل فقد اخرجت بفعلتها تلك المارد النائم داخله وجعلته يتهور ويتمادى اكثر واكثر !!! كان يقبلها هامساً من بين قبلة واخرى ..احبك ..احبك ..اعشق صغيرتي ...فتح حجابها واخذ يقبل عنقها بحرية اكثر وهو يقول
- لماذا ترتدين الحجاب !!! لا اريد ان اراه منذ الان وصاعداً انا زوجك وكل مافيك اصبح لي

تقدمت سعاد ناحية غرفة زهير .... لقد اطالت حبيبة المكوث هناك !!! ااااخ منك يا زهير ..كانت تعرف أن رأسه لا يؤلمه ..هي فقط حجة اتخذها لينفرد بحبيبة .... وهذا من حقه ...فهي لاذت بالفرار ما ان انتهى الشيخ من عقد القران وجلست معهم طوال الوقت .... والظاهر ولدها متلهف للاختلاء بزوجته .... هي عذرته لكن يبدو انه سيتمادى كثيراً ويتعبها !!!!
طرقت الباب قائلة
- حبيبة هل انت موجودة هناك !!
نفس هذا المشهد تكرر عليها مرة اخرى ..اولا وليد والان زهير ...مالذي جرى لأبنائها ...وكأنها تكتشف جانب اخر منهما لم تكن تعرفه سابقاً ...لكنها لاتنكر سعادتها وراحتها وهي تلمس سعادتهم وراحتهم ....
فتح زهير الباب وهو يبتسم لوالدته ببراءة تامة بينما اصابعه تمشط شعره الكثيف من الجهتين
- كنت اتحدث معها عن مستلزمات الزواج امي !!!
اومأت وهي تنظر لحبيبة التي كانت محمرة الوجه تعدل حجابها بأرتباك شديد لتهمس بتعلثم وحرج
- ا..جل .خالتي ..كما قال بالضبط ... تحدثنا ...عن ..عن ...مستلزمات الزفاف !
اومأت سعاد وهي تنقل نظراتها بينهما بتفحص وتركيز
- حسناً حبيبتي اذهبِ لغرفتك الان الوقت تأخر
غمغمت حبيبة بتحية المساء وانطلقت مسرعة تخرج من الغرفة وكأن الاشباح تلاحقها ...تمطى زهير قائلا بنعاس بينما جسده للأن تتحكم به الرغبة لأمتلاك شفتيها ولمس جسدها من جديد
- وانا ايضاً اشعر بالنعاس ...تصبحين على خير يا حاجة !
قالت والدته توقفه
- تعال هنا لا تظنني غافله عما كنت تفعله بحبيبة !!
جلس على طرف الفراش وقال مدعياً عدم الفهم
- لا افهم ما تقصدين يا امي ؟!
تقدمت وهي تلوي شفتها بسخريه بينما كتفت ذراعيها على صدرها بأصرار
- لاتدعي البرائة زهير .... كلانا نعرف ما اقصده ... يا ولدي اصبر ..اصبر وان شاء لله سأزوجها لك نهاية هذا الشهر !
هتف باستنكار
- نهاية الشهر !!! وهل تريديني ان اصبر الى نهاية الشهر ؟!! ثم حبيبة زوجتي شرعاً استطيع الان امتلاكها دون ان .....
قاطعته والدته بصبر وهدوء
- اعرف انها زوجتك ...لكن ياولدي الزواج اشهار وانت لم تشهر زواجك بعد !!
اجابها بأريحية وقد ارتخت ولانت ملامحه وظهرت التسلية بعينيه الكحيلتان
- غداً سأحضر مكرفون وادور في الشوارع معلناً زواجي من حبيبة قد تم هل يرضيك ذلك !!
رفعت سعاد حاجبها وقالت
- انا لا امزح على فكرة !!!
ليجيبها وهو يتخلص من حذائه
- وانا ايضاً لا امزح ...اخبريني ما علي فعله وانا سأفعله حالاً ....
لينظر لها قائلا بجدية
- اريدها امي ...اريدها الى جانبي ولا طاقة لي للصبر والانتظار !!
تقدمت سعاد وربتت على كتفه قائلة بطيبة
- انتظر اسبوعان او ثلاث فقط ...البنت بحاجة الى جهاز وملابس والكثير من الأمور التي تجهلها انت ....ثم هي عروس ..ومن حقها ان تتجهز كما يجب !!! لا اريد ظلمها يا زهير البنت يتيمة وامانة في اعناقنا .... وانا لن اقصر معها ...حتى لو كان على حسابك ...
والدته محقة تماماً للأسف الشديد .... وهو ايضاً لايريد ظلمها ...بل جل مايريده هو ان تكون حبيبة سعيدة وان لاتشعر بالنقص او انها محرومة من شيء خاصة وان والدتها لم ترفع الهاتف لتسأل عنها وعن رضاب ولو لمرة واحدة خلال الأشهر الماضية ..وكأنها كانت تتحين الفرصة للتخلص منهم
- حسناً امي كما تريدين سأصبر اسبوعين فقط لاغير !!!
لتأمره والدته بلهجة صارمة
- ولن تنفرد بها بتاتاً وتحت اي ظرف !!!
هتف مستنكر بقوة
- ولماذا لا انفرد بها !! هل انا وحش سيلتهمها !!!!!
اجابته سعاد بسخرية
- كلا لست وحشاً لكنك متسرع ومندفع .... وانا لا اثق بتصرفاتك الطائشة التي بت لا اخمنها ابداً..والان عدني بأنك لن تنفرد بها اوتطلب منها الحضور لغرفتك ! والا طردتك الى شقتك تبقى هناك الى ان يتم الزفاف !!
هم ليجيبها معترضاً الا انها رفعت يدها لتوقفه قائلى بلهجة امرة
- عدني يا زهير !!!!
تنهد مقطباً بصبيانية وهو يزم شفتيه برفض وعدم قبول ...الا انه قال بعد صمت دام لثوانِ
- اعدك امي اعدك لكني لن اعدك بأبعاد يدي عنها او تقبيلها ان رأيتها في ارجاء المنزل !
ضيقت عينيها واخذت تنظر له ببرود وكأنها تقول ومالذي استفدته من وعدك !! وكأنه شعر بما يخالجها ليسارع بالتبرير والتوضيح
- قبلات بريئة ..بريئة جداً اقسم لك !
تنهدت باستسلام ...هي مرغمة على القبول خاصة وانها الان اصبحت زوجته شرعاً ... ابتسمت له ابتسامة ذات مخزى ثم ربتت على كتفه قائلة بتعمد وهي تشدد على كلامها
- بارك الله بك يا نور عيني ... انا متأكدة من انك ستكون حريصاً عليها اكثر منا جميعاً !
قطب حاجبيه وقال بثقة و رجولة
- بالتأكيد ..لاتشكي في هذا ابداً ..حبيبة شرفي وعرضي يا اماه ... ادافع عنها وافديها بروحي !
تنهدت براحة ...الان هي فعلا مطمئنة على حبيبة ... واصبحت على يقين بأن ولدها بات رجلا يعتمد عليه بصدق ..اجابت بحنان
- وانا اثق بك يا زهير ...تصبح على خير يا ولدي ...احلام سعيدة !

تابع خطوات والدته وهي تخرج من غرفته مغلقة الباب ورائها بهدوء
- ومن اين يأتيني الخير والاحلام السعيدة وحبيبة بعيدة عني !!! صبرني يارب !
...............................
عندما تقدمت وانحنت لتقدم له العصير سمع همسها الخافت وهي تلقي عليه السلام .... لم يستطع السيطرة على نظراته من ان تنجرف على وجهها برعونة ولهفة ...تبارك الناعمة ...قريبة منه وبعيدة عنه بنفس الوقت ...بعيدة بعد النجوم عن الارض ! كانت ترتدي فستان بلون الكرز وحجاب اسود لائم وجهها الخمري الناعم ! رباه كمبدت جميلة ورائعة ! ابتسم ساخراً وهويهمس بخوف ... اجل يا عبد العزيز ...جميلة ورائعة ومحرمة عليه !
هتف صوت قوي داخله ...انت من تجعلها محرمه عليك ... انت من تبعدها عنك بعنادك وبرودك ! هز رأسه وهو يجيب نفسه بخفوت ...كلا ..كلا لقد ابعدتها عني من اجلها هي ...قسماً بالله من اجلها هي !!
ثم هو تصرف بحكمة ...قبل ان يحرجها وتتركه مختلقه أعذار واهية هو يعرف انها غير حقيقية ....تركها لتجد نصيباً افضل ..مع رجل يستحقها ...يسعدها ويقدرها
الوقت بوجودها كان يسير ببطء شديد .... كان يشعر بها وهي تختلس ناحيته النظرات ....لم يعرف ان كانت نظرات مشفقة ام محبه ... ااه يا تبارك ... لا اعرف حقاً لما الدنيا تسرق مني كل ما احبه ...كنت ولازلت اغلى واجمل احلامي ....ظننت ان الحياة ابتسمت لي ...ظننت اني اخيراً سأجد الراحة معك .... لكني كان يجب ان لا اثق بالبدايات ...لأن النهايات دائما ما تكون صادمة !!!
عاد من شروده على صوت وليد الذي كان يقترب منه وهو يحمل صينيه وضعت عليها صحن من الحلويات والعصير
- والان اخبرني بكل ما جرى معك يا عبد العزيز ؟؟
قالها وهو يضع الصينيه على الطاولة الدائرية في الحديقة ثم تقدم ليجلس جانبه على الكرسي المقابل له ...تنهد عبد العزيز بتعب وانهاك نفسي مستنزف ليسرد له بالتفصل كل ما جرى .... كان يشعر بالاختناق مع كل كلمه ينطقها وكل مشهد يتذكره .... وكأن رائحة الدماء الممزوجة براحة البارود قد استوطنت رئتيه ....
عندما انهى كلامه عم الصمت بينهما .... صوت الحشرات الليلية كانت تتصاعد في الحديقة ... قطب وليد متجهماً غاضباً وكأنه اختار الصمت ليعبر عما يجيش في صدره من الم وقهر على حال بلاده وحال الشباب الابرياء الذين يرمون بأحضان الموت دون ذنب يرتكبوه ..... حقاً لم يجد الكلمات المناسبة التي ممكن ان يقولها ....
همس عبد العزيز بيأس
- ما ينهكني الان يا وليد هي نظرة الناس لي ...
قطب وليد متسائلا وهو يعتدل بجلسته
- مابها نظرت الناس ياعزيز ؟
- الشفقة يا وليد ...نظرات الشفقة تطعنني بالصميم .... ربما اكثر من نظرات الخوف والقرف ! بت اشعر بالخجل منها !!
هز وليد رأسه وقال بهدوء وحكمة
- هذه الجراح التي تحملها على وجهك يا عبد العزيز يجب ان تفخر بها ..فهي وسام شجاعة ورجولة تضعها على صدرك ...
كان عبد العزيز يستمع له بصمت مدقع ... عينه جامده على الارض ....كل كلمة قالها وليد لم تحرك ذرة واحدة من مشاعره المتعبة .... لماذا يصيبه هذا التلبد !! لماذا لم يعد هناك شيء يرضيه او يخفف عنه !! هل فقد جزء من مشاعره في ذلك الانفجار ! اكمل وليد كلامه المشجع الذي كان يثير داخله المزيد من السخرية والثراء على نفسه وما آلت اليه احواله
- انت لازلت شاباً يا عبد العزيز والحياة امامك طويلة ..انسى الماضي وابدأ في بناء مستقبلك من جديد ...تزوج وكون عائلة و ..
قاطعه عبد العزيز وهو يرفع نظراته المتهكمة قائلا بمرار
- عائلة ؟؟ أكون عائلة ؟؟
اومأ وليد مؤكداً كلامه بلطف بينما ينظر بتعجب واستغراب الى ملامح عبد العزيز الجامدة الساخرة ...ونظراته الباردة التي يكاد يقسم بأن برودته تشابه برودة محيط من الجليد
- اجل يا عبد العزيز ... تتزوج و تكون عائلة ... مابك ؟! الاتريد ان يكون لك اطفالاً يستقبلوك عند عودتك من العمل !!! زوجة محبة تشاطرك الحياة بحلوها ومرها تكون لك السند والرفيقة لبقية حياتك !!!!!
رفع عبد العزيز عينا المتألمة واجابه بنبرة مريرة تحمل بطياتها البؤس واليأس
- لنتكلم بصراحة يا وليد ..... من هي المرأة التي ستوافق على الزواج من شخص معوق ... ذو وجه نصف محترق مثلي !!!!
اجابه وليد وهو مقطب الحاجبين
- اية عائلة ستفخر وترحب بنسبك يا عبد العزيز لاتستهن بنفسك ... ابدا لم يقاس الرجال بأشكالهم ولا بأموالهم ولا الوانهم او مذاهبهم ...انما يقاسون بالرجولة والشهامة والشجاعة ...وجميع تلك الصفات تتوفر لديك يا صديقي ... فلا تبتئس وتفاءل للحياة !
ابتسم ساخراً من كلامه واخذ يحدق امامه صامتاً ...وهو يهمس داخله ..ترى يا وليد هل سيكون هذا ردك لو طلبت يد تبارك منك !!!!! هل ستوافق على زواج شقيقتك الوحيدة من رجل مشوه الوجه لا يملك الا قوت يومه ليعيش ويحيا به !!!! اشك بذلك .... الكلام سهل جداً .... لكن الفعل شيء اخر وهو من المستحيل ان يعرض نفسه للأهانة والاستصغار مهما بلغ مقدار حبه السري لتبارك !
.......................
...................................
كانت تقف ام ام المرأة تمشط شعرها وهي تبتسم ابتسامة ساحرة .... هذا النهار كان مليئاً بالمفاجآت السعيدة لا يعكره الا وجود المهندسة كلشان الان ستفاتح زوجها بأمر التخلص منها نهائياً واستبدالها بمهندس زراعي .... ووليد لن يرفض هي متأكدة !
حسناً فعلا تثق بوليد ثقه عمياء لكن غيرتها نابعه من عمق حبها له ... منذ ان رأتها والنار تنشب وتتصاعد داخل صدرها بقوة .... وليد يتصرف معها بطيبة واخوية وما ادراها ان شعور تلك المرأة سيكون اخوياً ايضاً !!!!!
لالا ...هي لن تستطيع العيش ودوامة الشك تبتلعها كل يوم .... يجب ان تضع حداً لقلقها المبكر هذا ...استئصال المرض وهو في بدايته افضل من الانتظار الخطر ....
دلف وليد الى الداخل بتعب وهو ينشف شعره المبلل بالمنشفة ... كان يرتدي بجامة سوداء مع ملابس داخليه علوية بيضاء اللون ... توجه ليجلس على طرف الفراش ... اسرعت غسق وجلست جانبه وهي تبتسم له بتوتر ... عيناها القلقتان أخبرته بأن هناك امرا ما يجول بخاطرها .... رمى المنشفة على الكرسي والتفت ينظر لها قائلا
- هل تريدين ان تقولي شيئاً ما يا غسق ؟!
ابتسمت بتوتر ثم شجعت نفسها وقالت بسرعة
- متى ستوقفها عن العمل !
قطب وهو ينظر لها بأهتمام وتساؤل
- ومن هي التي سأوقفها يا غسق ؟!
- المهندسة .... المهندسة التي تعمل بمزرعتك ...
اكتسى البرود معالم وجهه ...برود وجمود يماثل جبلا من الجليد ... اجابها قائلا بهدوء قاتل
- اممممم ولماذا اوقفها عن العمل ! مالذي فعلته بالضبط وانا لا علم لي !!!!!
قطبت وهي تعتدل بجلستها ثم وضعت خصله شاردة من شعرها خلف اذنها وقالت بتوتر
- لا اريدها في المزرعة وليد انا ..انا ...لست مطمئنة لوجودها هناك !!
وقف ثم توجه الى النافذة .... صمت مطرقاً لعدة دقائق ...رفعه راسه و شبك يديه خلف ظهره واجابها قائلا
- وهل هذا يعد سبباً كافياً لأطردها يا غسق !!!!!
رفعت عينيها الدامعة وهي تقول بهمس
- اجل ...فأنا اغار عليك يا وليد ..اغار عليك بجنون ...ارجوك ان كنت تحبني
رفع كفه واقفها قائلا بغضب
- يكفي تفاهات وكلاما طفوليا يا غسق ...قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق وانا لن اقطع رزقها بسبب اوهام تدور بعقلك انت فقط !!!!
- ليست اوهام يا وليد ...أرجوك ...اطردها من اجلي
تقدم نحوها وامسك كتفيها قائلا
- مابك غسق هل جننت ....لاااا بل انت مجنونة بالفعل ...كيف تريدين مني ان اطردها هكذا وبدون مبرر او سبب مقنع .... هل اقول لها زوجتي لا ترغب بوجودك هنا لأنها تشعر بالغيرة هل تريني عديم الشخصية والرجولة لهذه الدرجة !!!
اجابته بسرعة ورعونة ودموعها تتساقط من عينيها بغزارة
- ان لم تفعلها من اجلي فأنت فعلا عديم ال..........
توقفت عن الكلام ووضعت يدها على فمها وكأنها أحست بفداحة ما تفوهت به للتو ..ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر لوجه وليد الذي اصبح مظلماً وجامداً برعب حقيقي ... هز رأسه وقال بهدوء مخيف
- حسنا غسق انا عديم الشخصية والرجولة ... شكرا لرأيك الصريح بشخصي !!
تركها وغادر الغرفة بخطوات هادئة ... شرارات الغضب تكاد تقفز من حوله ... تسمرت مكانها تراقب خروجه الحاد وهي تهمس بندم وخوف
- ربااااه مالذي فعلتيه يا غسق ....مالذي فعلتيه !!!!!!!!
.........................
.....................................
ممده على الفراش تنظر للسقف بشرود ... الغرفة كانت شبه مظلمة ... ضوء القمر الفضي يخترق اطراف الستائر ليلقي ظلاله على الحائط المقابل لها ... فروع الاشجار العالية كانت ترسم اشكال غريبة تتحرك تارة مع تحرك الهواء في الخارج ...وتستكين تارة اخرى
دموعها لم تكف عن الهطول ..تكتم انينها بشق الانفس .... تذكرت محادثتها اليوم مع الطبيبة وكيف انهارت بلحظة ضعف واخبرتها بكل شي حينما كانت تجلس امامها .....
انفجرت بعدها ببكاء حاااار ... شهقاتها كانت تدوي في الغرفة .....
في بادئ الامر كانت تبكي بسبب عرض الزواج الذي عرضه عليها معاذ ... كانت كلماتها متقطعة ...لا تعرف ماذا تقول او بماذا تبرر سبب رفضها وترددها ....هزت الطبيبة رأسها ثم هبت واقفه من خلف مكتبها لتتقدم وتجلس على المقعد المقابل لها ... هامسه بهدوء
- يكفي بكاءاً يا رضاب واخبريني ..... هل هناك من يجبرك على الزواج منه ؟!
هزت رضاب رأسها نفياً واجابت بصوت مهزوز
-ل..لا...احد يرغمني على فعل شيء لا اريده .... بالعكس خالتي ووليد متفهمان جدا ... حتى ..حتى ...ان خالتي أكدت لي ان وليد سيوافق على اي قرار اتخذه !!!
قطبت الطبيبة بأستفهام وقالت
- اذن ما المشكلة عزيزتي ...ان كنت لاتريده ارفضيه وكفى !!!!
وهنا لم تتمالك رضاب نفسها ...اخذت تبكي اكثر واكثر ... تبكي بقوة وقهر ..... فهنا مربط الفرس واساس المشكلة ...هي تريده وتشعر بالراحة معه ..لكنها بذات الوقت خائفة ومترددة ....فهي تشعر بأنها لن تسعده ...حياة معاذ معها ستكون مملة وكئيبة ....لم يعد لها شيئاً لتقدمه للأخرين ....
قواها خائره ومشاعرها مستنزفة ...... مخزون طاقتها للعطاء نفذت ...نفذت واختفت نهائياً
همست بصوت مبحوح
- هنا المشكلة دكتوره ..انا ..انا .....انا
مدت الطبيبة يدها ومسدت ركبه رضاب بأمومه وحنان وهي تحثها قائلة
- انت ماذا طفلتي تكلمي ....اعتبريني صديقتك المقربة !
رفعت رضاب عينان حمراويتان دامعتان ....كبحيرتان صافيتان متلألئتان
- انا ....حائرة ....مشوشة ..انا ....اريده واخاف ...اخاف من من ...
اومأت الطبيبة تحثها بصمت لتكمل رضاب بكأبة وحزن
- اخاف من الارتباط وتجربة ما عشته سابقاً مرة اخرى !!!
كتفت الطبيبة ذراعيها على صدرها وقالت بدهاء وفطنة وهي تنظر لها بتركيز بدت وكأنها تتعمد ان تستفزها
- هيا رضاب ...كوني شجاعة واعترفي انك لازلت تحبين زوجك السابق وتنتظرين اليوم الذي سيأتي به راكعاً امامك يطلب الصفح والغفران منك !!!!!
هزت رضاب رأسها بجنون وقالت تستنكر بسرعة وبأنفاس لاهثة
- لاااااااااااااا لااااااااااااااا ليس هذا .......
قاطعتها الطبية وهي تتعمد ان تشدد على كل كلمة تقولها ....كانت تحاول ان تستدرج رضاب لكي تخبرها بكل ما يعتمر بصدرها والذي للان ترفض ان تصرح وتعترف به امامها
- لما تطلقتي منه يا رضاب !!!! هل كان يضربك !
كانت رضاب تنظر لها بعينان متسعتان لايطرف لها جفن ودموعها تهطل على وجنتيها بغزارة لتكمل الطبية كلامها
- يشتمك !!!! يؤذيك عندما يأخذ حقوقه الزوجية منك ؟! ام ربما خانك !!!
ضيقت عينها وقالت بهدوء عندما لاحظت انفاسها التي اخذت تتصاعد بسرعة وجسدها الذي بدأ يرتجف بصورة واضحة جدا
- هل خانك يا رضاب ؟! ان كنت تحبيه لهذه الدرجة سامحيه !!! في وقتنا الحالي اصبحت الخيانة شيء عادي جداً خاصة بعد دخول النت ...مواقع التواصل الاجتماعي ... بعض النساء يسامحن ازواجهن بحجة المحافظة على بيتهن و أولادهن وبعضهن يسامحنهم عندما يقسمون بأن يتوبوا الى الله توبة نصوحة ... يتعهدون على عدم تكرار الخيانة مرة اخرى ...
كانت رضاب تهز رأسها بهذيان ودون ان تشعر بأي شيء اخر سوى القرف والاشمئزاز
- اخبريني رضاب مع من خانك !!! هل كانت صديقتك ؟! قريبه لك ؟! شخص تعرفينه ؟! زوجة صديقه ؟! او...
قاطعتها رضاب بألم ووجهها يتحول لكتله من الشحوب والاصفرار والعرق الغزير تجمع كالبلورات الصغيرة على جبينها وهي تهتف بوجع يدمي القوب
- كانت اميييييييييي ..امييييي ....لقد ..لقد ...خانني مع امي ..كلاهما ...كلامها قاما بقتلي ..كلاهما حطماني ....حطمانييييييي
انهارت وأخذت تبكي بهستيرية وصوت شهقاتها يكاد يخترق جداران الغرفة الصغيرة .... استكانت ملامح الطبيبة واخذت تنظر لرضاب بعينان حنونتان عطوفتان .... كانت على يقين بأن زوجها ووالدتها هما المسئولان عن هذا الغموض والانطواء الي يلف هذه الشابة ..... تقدمت من رضاب ومدت لها منديلا ورقيا وهي تقول بلطف وامومه
- امسحي دموعك يا رضاب ... وكفى بكاءا
التقطت رضاب المنديل واخذت تمسح دموعها التي لم تهدأ على النزول وهي تشعر وكأن السكين المغروس بصدرها تحرك من مكانه واخذ الجرح ينزف من جديد ..هدأت انفاسها ... السكينة حلت عليها وكأنها تخلصت من ثقل كبير كان يجثم على انفاسها ... اجل تكلمت .... تكلمت وارتاحت من هذا العبء ... سحبت نفساً مختنقاً ثم همست وهي لاتزال مطرقة أصابعها تتلاعب بتوتر وتشنج بالمنديل الذي كانت تمسكه بقوة
- دكتورة ...لا ..لا اريد لأي احد ان ..ان ...يعرف ما ...قلته لك الان ...انا ... انا لا استطيع
قاطعتها الطبيبة وهي تضغط على يد رضاب بلطف
- اي كلمة تقال هنا يا رضاب لا تخرج ابداً خارج نطاق هذه الجدران الاربعة ...كل المعلومات الخاصة بالمرضى سرية ...وستبقى سرية الى الأبد
اومأت بخنوع وعم الصمت المدقع في الغرفة لبضعة دقائق .... لتقطعه الطبيبة مرة اخرى وهي تقول بهدوء
- هل تثقين بي يا رضاب !
رفعت رضاب رأسها بدهشة وعيناها متورمتان من البكاء ... انفها شديد الاحمرار وشفتيها لاتزال ترتجف تهدد بموجة جديدة من البكاء .... كانت تنظر للطبية بحيرة وتشوش ...لتردف الطبيبة بأبتسامة ناعمة
- اجيبي هل تثقين بي ؟!
هزت رضاب رأسها بهذيان ودون أدنى إرادة
- اذن غداً صباحاً ان شاء لله سأمر لأخذك إلى مكان يجب ان تزوريه ومن ثم فكري بعرض الزواج بصورة جدية !!

عادت رضاب من رحلة أفكارها وهي تمسح دموعها المنهمرة بيدين باردتين مرتجفتين بينما عينيها لاتزال شاخصة على سقف الغرفة ... لتهمس بسرها
- ترى الى اين ستأخذني الطبيبة وما علاقته ذلك المكان بقرار زواجي من معاذ !!!!!
..................

نهاية الفصل

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن