37

191 11 0
                                    


الفصل السابع والثلاثين !!!
.....................
اربيل صباحاً


مجتمعون حول مائدة الإفطار ... الكل منشغل بشيء يفعله ... والدته كانت تخرج الخبز من البراد ..بينما غسق تضع صحون البيض على المائدة ...
سلط نظراته الداكنة على شقيقته المنشغلة برص أقداح الشاي في الصينية ...
تذكر ما جرى البارحة ....عندما زاره عبد العزيز وطلب يد تبارك ... في الحقيقة هو لم يتوقع
ان يطلب منه هذا الطلب !!!
في حينها ظل صامتاً متفاجئا بعض الشيء ..... حقاً هو لم يتوقع منه ان يطلب يده شقيقته ... الأمر لم يخطر بباله أبدا .... لكنه لا ينكر بأنه سعيد جدا ... وهو بالفعل لن يجد رجل شهم وطيب وغيور كعبد العزيز ...... فهو قد عاشره شهور عديدة واكتشف معدنه ...ومدى صدقه وأمانته
لما طال صمته تنهد عبد العزيز بحرج قائلا

- حسنا ... وليد ... صدقني ...ان رفضتني ... ثق بأني لن ...
قاطعة وليد مسرعاً وهو يهب واقفا بسعادة

- ومن الذي يرفضك يا عبد العزيز !!!! أخبرتك سابقا وسأكررها الآن ..نسبك يشرف أي عائلة .... وأنا يشرفني أن تكون زوج شقيقتي ....لن أجد لها من هو أفضل منك
تهللت أسارير عبد العزيز وهو يقف بدوره قائلا

- وأنا أعدك يا وليد .... تبارك ستكون أمانه في عنقي ان شاءلله ..
اومأ قائلا بتفهم وابتسامة سعيدة تزين محياه
- انا واثق من ذلك يا صديقي ...
ليستأنف وليد كلامه
- سأفاتحها في الموضوع ان شاءلله ... وارد لك الخبر في القريب العاجل

عاد من شروده ليركز على تبارك مرة اخرى ..تمنى فعلا ان توافق شقيقته على عبد العزيز
فهو بالفعل سيكون نعم الزوج الصالح لها ....
تبارك ليست شقيقته فحسب بل هي ابنته ايضا ... منذ ان فسخت خطوبتها السابقة قبل عدة سنوات وهو يحمل همها في قلبه ...يؤلمه ان يراها هكذا ... وحيدة ومتباعدة .... رغم انها لا تبين ذلك .... اي اخ في الدنيا يتمنى لشقيقته الخير وان تكون مرتاحة في حياتها مع رجل يقدرها ويسعدها ... وشقيقته تكبر كل عام أمامه ..هذا لا يعني بأنه مل من وجودها ابدا ... حتى لو ظلت امامه العمر كله ..... لكن رغم هذا هو لن ينكر بأنه تمنى سراً ان يرزق الله شقيقته برجل يصونها ويقدرها .... رجل يشعر بالراحة له ويستطيع أن يأتمنه على تبارك وهو مطمئن البال ...
كان يكتم تلك المشاعر السرية داخله بمهارة ...خاصة أمامها هي بالذات ...خشيه ان تفكر بأنه يشفق عليها ... او ربما تظن بأن وجودها هو عبئ عليه .....كان يدعمها ويساندها باستمرار يدعها تفعل ما يحلو لها ..خاصة وهو يعرف مدى رزانة ورجاحة عقل شقيقته الصغيرة .....

رغم تقدم الكثيرين لخطبتها في السنوات الماضية ..ورغم ان اغلبهم كانوا مناسبين لها من حيث العمر والمنصب ...الا انه لم يجبرها او يفرض رأيه ابدا ....
كان من الممكن ان يقترح عليها الموافقة على احدهم وهي بكل تأكيد لم تكن لترفض له طلبا ...شقيقته ويعرفها كم هي حنونة ومطيعة ... لكنه رغم كل ذلك لم ولن يفعلها ..يريدها ان تختار شريك حياتها بإرادتها وقناعتها هي .... دون تدخل احد ..حتى وان كان هو .....

وقفت جانبه ووضعت قدح الشاي امامه ..ابتسم لها قائلا بلطف
- سلمت يداك يا عروس

اختفت ابتسامتها وشحب وجهها وهي تقول بارتباك

- سلمك ...الله اخي ...
هتفت سعاد بفضول يشوبه الترقب والامل وهي تقول

- عروس !!! ما الذي تقصده يا ولدي !!!
اجابها قائلا وهو يركز نظراته الثاقبة على وجه تبارك المرتبك

- لقد تقدم احدهم لخطبة تبارك ...
بهتت وقلبها بدأ يخفق بشدة وقوة ... تترقب بانتباه وحرص ما سيقوله ...لتهتف والدتها بسعادة وغبطة
- من هو يا ولدي هل نعرفه ؟!!!
ابتسم بحنان قائلا

- عبد العزيز ...الطبيب البيطري الذي كان يعمل بمزرعتنا .....

قالت والدته بتساؤل وملامح السعادة لا تغادر وجهها المجعد
- عبد العزيز شقيق رونق ؟!!!!
اومأ قائلا بضحكة صغيرة
- هو يا امي هو .....
تهللت أساريرها وهي تثني و تشيد به وبشقيقته ....بينما عمت السعادة في ارجاء المطبخ ...كانت تبارك تقف مشدوه ...غير مصدقة لما تسمعه حقاً ... رباه ..هل قال عبد العزيز طلبها للزواج !!! سقط القدح من يدها على الأرض لينكسر وتنتشر شظاياه بفوضى ...انحنت وهي تثني ركبتيها ...تحاول السيطرة على ارتجاف يدها ..ولملمة تلك القطع المبعثرة ...لتهمس غسق بحب ورقة وهي تربت على كتفها قائلا

- انا سأنظفها تبارك ...لا تهتمي ...
رفعت تبارك رأسها ونظرت لغسق بامتنان ..ثم هبت واقفه تستأذن بخفوت وتنطلق خارج المطبخ تمشي بخطوات متعثرة وضربات قلبها تكاد تتوقف من السعادة والصدمة


...................
...........................

عندما أحببتك لم أبحث في قلبك عن مكان فارغ كي أملأه...
بل بحثت عن مكان صادق كي أملكه.

دلفت الى غرفتها بأنفاس لاهثة ... الأن فقط تستطيع ان تطلق العنان لمشاعرها ودموعها التي كبحتها امامهم بقوة ويأس .....لتهبط على وجنتيها بالتناوب .. جلست على طرف السرير وهي تهمس بوجع
- اخيرا ...اخيرا يا عزيز ..اخيرااااااا
في بادئ الأمر عندما قال وليد ان احدهم تقدم لها ..ارادت ان تصرخ باندفاع ورعونة قائلة لا اريد ولا افكر بالزواج ...لكنه ما ان افصح عن هوية الخاطب حتى تلاشى كل شيء حولها ...رباه لقد كادت ان تكشف مشاعرها أمامهم فعلا .....
ابتسمت من بين دموعها وشهقاتها تعلو اكثر واكثر .... لماذا تبكين يا تبارك !!!!
همستها بصوت مرتفع .....لماذا تبكي ..اهذه دموع السعادة ام عدم التصديق ام ربما دموع الانتظار المتعب ...لقد كانت على وشك اليأس من ان يقدم ذلك العنيد على هذه الخطوة
ما الذي جعله يغير رأيه يا ترى ؟!!! ااه وما حاجتها لمعرفه السبب بعد ان فعلها وحطم الحاجز الوهمي الذي كان يبنيه بينهما .....
ضربات خافته على الباب جعلتها تمسح دموعها وهي تقول بخفوت
- ت..تفضل ...
دلفت غسق وهي تبتسم برقة ...جلست قربها على الفراش ثم احتضنت كتفها قائلة
- مابك تبارك ؟؟؟ لما هذه الدموع حبيبتي ان كنت غير موافقة لا تقلقي ابدا ف وليد لن يرغمك ..ثقي بذلك !
هزت تبارك رأسها بصمت وعادت دموعها تهبط على وجنتيها دون ارادة منها ... ثم رفعت نظراتها المتلألئة التي تعكس مدى سعادتها وسرورها ... لم يحتج الامر لكثير من التفكير لتكتشف غسق بأن دموع تبارك ماهي الا دموع السعادة !
رباه كيف .. كيف نسيت !!! اجل اجل ..للأن تتذكر نظرات عبد العزيز لها في المرة الأولى التي التقوا فيها في البستان ! كانت نظرات مهتمة ومعجبة ! لكنها في ذلك الحين لم تركز كثيرا ولم تهتم للامر حتى !!
ربما تبارك تحب عبد العزيز !!!! اجل تحبه وهذا واضح جداً .... كيف لم تكتشف هذا الامر مسبقاً ... كيف ابتعدت عن صديقتها تبارك الحنونه لهذه الدرجة !

همست غسق بتأثر
- انت تحبيه يا تبارك !!!!
رفعت تبارك راسها وابتسمت بألم وهي تقر معترفة دون خجل و لأول مرة
- جدا جدا يا غسق ..احبه منذ وقت طويل
احتضنتها غسق بطيبة وهي تشاركها دموعها بهمس
- اذن امسحي دموعك حبيبتي وافرحي .... الحزن والدموع لا يليق بعروس جميلة ورقيقة مثلك .....

ابتعدت تبارك عنها ومسحت دموعها بطوعية وطفولية وهي تبتسم لها ابتسامة سعادة وامل
سحبت نفساً مرتجفاً ..وتلك الصور الوردية تتراقص امام عيناها .... صورتها هي وعزيز يسيران جبناً الى جنب ...نحو مستقبلهم الذي سيكون بأذن الله مستقبلا مليئاً بالسعادة والفرحة

........................................


البصرة
............
طول النهار وهو يفكر برضاب ...صغيرته ..ما الذي فعلو بها أولئك الأوغاد ...
حسبي الله ونعم الوكيل ...هل يوجد مثل هذه الخسة والدناءة والحقارة ؟!
كيف ..: كيف يا الله .... زوجها مع والدتها ...رباه ....كم هو عظيم ما تكبدته رضاب
لا عجب من انطوائها وتباعدها عن الجميع ... الله لطف بحالها ولم تصل للجنون .....

أغمض عيناه ...واتكأ على مكتبه وهو يحتضن رأسه من الطرفين ...وكأن مصابها قد أصابه هو ...وكأن الطعنة وجهت له هو ...ما الذي يحدث في هذه الدنيا يالله .... ما الذي يجري!!
هل انقلب حال البشر !!!
تذكر شكلها المرتعب وهي تدفن وجهها في صدره ..تذكر بكائها ونحيبها ....
الان عرف سبب شرطها بأن يمهلها الوقت لتعاد عليه ... الان اكتشف سرها ... سر ذاك الحزن المرسوم بعينيها .... اميرته الحزينة ... حتى بحزنها رقيقة وكتومة .....
معها حق ..بل معها كل الحق ....
اه فقط لو يعرف مكان ذلك النذل وتلك المساه والدتها لذهب اليهما وافرغ وابل من الرصاص
في جسدهما المتعفن ..المليء بالقذارة والنتانة ....
ماذا سيفعل ؟! كيف السبيل لمساعدتها .. يجب ان يكون معها ....يفهمها بأنه سندها ..ظهرها وعكازها الذي يجب ان تتكئ عليه وتطمئن ......

بعد مرور بعض الوقت دلف حيدر الى المكتب قائلا
- السلام عليكم ايها العريس الخائن .....

رفع معاذ رأسه واجابه بابتسامة باهته
- اهلا حيدر ...تعال اجلس ..كيف حالك ؟!

تقدم حيدر وجلس على المقعد المجاور له قائلا بمزاح

- الحمدلله بخير ...كيف حالك انت ياعريس ..هكذا يا رجل تتزوج وتنسى ابن عمك !


اجابه معاذ بمحاولة منه لإخفاء شعوره

- معك حق يا حيدر انا مدين لك بالاعتذار .... واليوم انت مدعو للغداء في بيتي !
قال حيدر وهو يدعي الترفع والمكابرة

- لا أريد ان أثقل عليكم بوجودي يا ابن العم

اجابه معاذ بابتسامة صغيرة
- حتى وان اخبرتك ان زوجة عمك قد طبخت اليوم الأكلة التي تحبها ؟!
هتف حيدر بحماس
- لا تقلها !!! السمك المقلي المتبل مع الرز الاحمر !!!! نقطة ضعفي الوحيدة

اجابه معاذ مؤكدا
- اجل !
ليهتف حيدر بصبيانية ومرح
- اذن انا لن افوت هذه الأكلة ابدا لكن قبلها سأذهب لأحضر ابنتي ..انت تعرف بأنها متعلقة بي كثيراً ولا تأكل الطعام الا بوجودي

اومأ معاذ بصمت ليردف حيدر متسائلا وهو يحدق بوجه ابن عمه المائل للشحوب

- مابك يا معاذ !! اشعر ان هناك امر يزعجك ؟!
ليكمل بخبث
- لا تقل ان المشاكل الزوجية قد بدأت منذ الأن !!!

ضحك معاذ ضحكة صغيرة كانت تخلو من روح الدعابة ...ثم أجابه بشرود

- عن ايه مشاكل تتحدث يا حيدر ! رضاب نسمة باردة هبت على صحراء حياتي القاحلة ....تكاد تذوب قلبي بخجلها ورقتها وطيبتها !!

هز حيدر رأسه بذهول ...فهذه هي المرة الاولى التي يعترف ويفصح بها معاذ ويتغزل امامه بامرأة وليست اي امرأة انها زوجته ...ثم قال ممازحاً بلطف

- الله الله ..... يا سلام ... قل ..اكمل يا ابن العم واطربني ....لقد جعلتك رضاب شاعراً لا يستهان به ...
ابتسم معاذ بصمت ولم يرد عليه بحرف .... ليردف حيدر بجدية وهو مقطب الحاجبين

- حقاً يا معاذ ..... اخبرني ماسبب هذا التجهم والوجه العابس ؟!

زفر معاذ الهواء بحرارة ...ماذا عسا هان يقول ؟! ليت الذي يحرق أحشائه ويمزق نياط قلبه يستطيع البوح به ... لكن هيهات ..هيهات يا حيدر ..هناك امور يجب ان تنطمر بين حنايا الروح حتى وان كانت ستحرقها وتمزقها الى أشلاء متناثرة
اجابه وهو يتصنع المرح

- لاشي ...مجرد ارهاق وتعب بسبب العمل المهلك

اومأ حيدر وهو يحدق بوجه ابن عمه صامتاً ..يكاد يقسم انه كاذب ..لكنه كالعادة لن يضغط عليه ...ربما هناك امورا خاصة لايريد البوح بها !!
او ربما هي مشاكل عائلية بين زوجته ووالدته ... فشقيقته جاسمية قد المحت له في مرة من المرات عن مدى السوء والمعاملة القاسية التي تتلقاها رضاب من العمة هدى !
ومهما كان درجة القرابة والصداقة التي تربطة بمعاذ فهو لايجب عليه ان يتدخل بهكذا امور ابدا ....
.............................

اربيل

............


يجلسان حول المائدة الصغيرة الموضوعة في المطبخ ... يأكلان الطعام ...زهير بين لقمة واخرى يسرق قبلة من حبيبة التي كانت تنهره بمزاح وخجل ....

كان زهير يلتهم وجه زوجته بعشق ..هائم ينظر لتلك التقاطيع الناعمة التي حفظها عن ظهر قلب ..... واكتشف اشياء لم ينتبه لها سابقاً ... مثل تلك الشامة ذات اللون البني الفاتح القابعة ما بين عينها وانفها الدقيق ... في الجهة اليسرى من وجهها ... وكم كان يعشق تقبيلها ولعقها بلسانه في أوقاتهم الحميمية ......
مر على زواجهم اسبوع كامل ... اسبوع كامل ...اي سبعة ايام وهو لا يفارقها لا ليلا ولا نهارا .... يكاد ان يقسم بأنه قد وصل للجنة ... بل هو في الجنة حقا .... يرتوي من انهارها الصافية وفواكهه اليانعة ولا يشبع بل لم ولن يشبع ابدا

وضع راحت يده على خده وهو يركز نظراته الشرهة الجريئة عليها .... انتبهت له وتوقف عن اكل الطعام قائلة وهي ترمش بعينيها

- مابك زهير ؟ لماذا تحدق بي بهذا الشكل ؟!!!!
تنهد وهو يدعي الأسى وخيبة الامل قائلا بحزن

- هل احصيت عدد المرات التي اخبرتك بها عن حبي وعشقي لك ؟! هممم هل عددتِ !!!
اجابت ببرائة وعفوية وهي ترفع كتفها النحيل
- لم احصي يا زهيررر لكنك فعلا قلتها كثيراً ربما ..

رفعت عيناها الى السقف بتفكير ثم عادت لتنظر اليه قائلة

- امممممم ... لا ..لا استطيع التخمين .... لكنك قلتها كثيرا جدا جدا .. ما مناسبة هذا السؤال ؟!

مد يده الحرة وابعد خصلة شاردة عن خدها هامساً بصوت حزين

- انا قلتها مرارا وتكرارا ...لكني لم اسمع كلمة احبك منكِ ابدا ؟! اتعرفين ماذا يعني هذا ؟!!!!

هزت رأسها بلا ليكمل بهمس

- معناه ..أنك لا تحبيني !!!

ابتسمت وقالت وقد اكتشفت لعبته الماكرة هذه

- لكني أخبرتك سابقاً يا زهير ..الظاهر انك نسيت !!!

ليجيبها بصبيانية جعلت نبضاتها تتسارع

- كلا لم تخبريني شيئاً ....وحتى لو كنت قد قلتها سابقاً فانا قد نسيت !!!!
صمتت تنظر له بخجل وارتباك ليهمس قائلا بصوت متحشرج

- هيا حبيبة اعترفي هل تحبيني ام ..ربما .....
قاطعته بسرعة ولهفة ...ستقول له احبك وليذهب خجلها الى الجحيم ...

- احبك يا زهير ...احبك بقدر الذي لا قدر له ..احبك ومنذ ..منذ ....
اومأ هامساً بخدر وهو يحدق بفمها الوردي
- اجل ..اكملي منذ متى ؟!!
لتجيبه بخجل ممزوج بالبراءة
- منذ الصغر يا زهير ...منذ تفتحت براعمي وانا في عمر المراهقة ....
كان يستمع لها متفاجئاً مما قالته للتو ... هل أخبرته فيما مضى عن حبها هذا ... وهو قد نسي فعلا ؟!! حبيبته الصغيرة تحبه منذ ذلك الوقت وهو كالأبله الاعمى ...لم يلمس ولم يكتشف هذا العشق المنعكس بعينيها ؟!!! رباه كم هو مغفل !!!
ابتلع ريقه هامسا
- هل حقاً اخبرتني بذلك ؟!
رمشت بعينها و أومأت بصمت ليردف قائلا بهدوء وهو عابس الوجه
- لا انا فعلا غبي ومذنب ..كيف لم الحظ ذلك ..انا غبي غبي ...

اجابت بشفقة وهي تمسد لحيته بنعومة بينما انقلبت شفتيها مشفقة عليه بطفولية

- لا زهير ...لا تقل هذا عن نفسك ..انت لست غبياً ابدا
اجابها قائلا بأصرار مضحك
- بل غبي ...وحمار ..واستحق عقابا مبرحاً .... لا بل استحق عقابين ...الأول على نسياني والثاني لأني لم اكتشف هذا الحب الصادق منذ البداية ....

ليكمل بثقة وجدية

- حبيبة .....انت يجب ان تعاقبيني !!!
قالت بصدق وعفوية وهي ترمش عينها بتعجب

- لن اعاقبك زهيرررر
- بلا
- لا
- قلت ستعاقبينني
- كلا زهير لن أعاقبك
اومأ مفكرا بمكر وهو يحك ذقنه قائلا

- حسنا ..حتى وان لم تعاقبيني انت ...انا سأفرض العقاب على نفسي
امالت رأسها مستفهمة
- وماهو هذا العقاب سيد زهير ؟!
ليجيبها بجدية مثيرة للضحك

- سأعاقب نفسي بمئة قبلة وقبلة لتعويضك عن كل ما تكبتيه بسببي ....

بهتت واخذت تحدق به بصمت ..وهي تفكر بسرها ياله من عقاب !!!

هب واقفا وهو يسحبها من ذراعها قائلا باستعجال
- هيا هيا انهضي لنبدأ العقاب
اجابت بأرتباك وهي للان غير مصدقة ما يقوله هذا المجنون
- لكن ..لكن ..زهير ..انا ....
زفر الهواء بنفاذ صبر وقال وهو يهم بحملها والسير باتجاه غرفة النوم

- بدون لكن ...سننفذ العقاب الان حالا ..خير البر عاجله


وبالفعل نفذ زهير عقابه لكن ليس على استعجال بل ببطء شديد جدا جدا

.................................
البصرة
..........
بعد ان تناولوا الطعام ..... كانت رضاب تقف امام الموقد تعد الشاي وهي شاردة الذهن
تفكر بما جرى صباحاً .....كيف بلحظة ضعف اعترفت وأفشت السر الذي كانت تجاهد
لكي تحافظ عليه ليظل مكتوماً ....مدفوناً داخل قلبها الى الأبد !!!!
ما الذي سيظنه معاذ الأن ؟!!! كيف سينظر لما حصل ؟!! ماهي ردة فعله !!
للأن كل شيء غامض .عندما تركها صباحاً لم ينطق بحرف ...هدئها وقبل جبينها ثم خرج
من المنزل !
همست داخلها بكآبه وحزن .....رباه الى متى سيظل ذلك الماضي الاسود يلاحقني ....الى متى !
يجب عليها ان تتكلم مع معاذ وتطلب منه ان يكتم ما قالته ....لكن كيف ومن اين لها الجراءة والقوة لفتح ذلك الموضوع المخجل من جديد !!!
صبت الشاي في الأقداح الخزفية ثم عدلت حجابها وحملت الصينية متوجه الى الصالة
حيث يجلس كلا من معاذ وحيدر ....
دلفت وهي ترسم ابتسامة على شفتيها ...قدمت الشاي بهدوء ثم نظرت لتلك الطفلة القابعة منذ
وصولهم في احضان والدها بخجل وانطواء ....نظرت اليها وقالت بلطف
- هل هذه ابنتك يا ابا علي ؟!
ابتسم حيدر ونظر لأبنته التي احست ان الكلام الذي يدور يخصها هي فاندست اكثر في حضن والدها تخفي رأسها في صدره ... ليرد قائلا بحنان ابوي

- اجل ابنتي ....رونق ....
همست رضاب بعاطفة امومية
- تعالي صغيرتي ..ما رأيك ان تلعبي مع ملك ؟! هناك الكثير من الألعاب الجميلة !
لم تبدي الطفلة اي تجاوب .... ليحثها حيدر بلطف
- اذهب مع الخالة رضاب صغيرتي ....هيا ....
هزت الطفلة رأسها وتقدمت بخجل وتردد ناحية رضاب التي مدت يدها بأبتسامة مشجعه وما ان اقتربت منها حتى حملتها وقبلتها قائلة

- سنقضي وقت ممتع مع بعضنا البعض
استأذنت وخرجت من الصالة تحت انظار معاذ الحزينة المتألمة على حال زوجته الحنونة ...
كم هي عطوفة ورقيقة ...رضاب لا تستحق كل ما جرى لها ...لماذا دائما الإنسان الطيب يتعرض للظلم والقسوة !!

قال حيدر بأمتنان وهو ينظر لوجه معاذ الشارد
- زوجتك لطيفة وحنونة يا معاذ ...ستكون اما صالحة .... هنيئا لك بها

هز معاذ رأسه بشرود وهو ينظر للباب الذي خرجت منه زوجته للتو هامسا بحزن
- اجل ستكون اما صالحة بكل تأكيد ....

.......................
................................

دلفت رضاب الى الغرفة وهي تحمل رونق قائلة ببشاشة
- انظري من جاء ليشاركنا اللعب يا ملاكي

كانت ملك تلعب بالمكعبات الملونة المنتشرة حولها بعشوائية ....لترفع رأسها عابسة بغيرة فطرية ....

- لا اريد لأحد ان يشاركني اللعب معك ماما !

قطبت رضاب حاجبيها وهي تجلس ارضاً
- لا يجوز قول هذا الكلام طفلتي ....

التفتت لرونق التي كانت تنظر بطفولية وبرائة ..... وكم رق قلبها لهذه اليتيمة ....همست قائلة بلطف

- تعالي حبيبتي ..اجلسي بقربي .....
جلست رونق جانبها بأدب واخذت تنظر الى الالعاب بفضول وسعادة .... احتضنت رضاب كتفها وقالت بحنان

- ماهو اسمك ؟! لقد نسيته حبيبتي !
هي كانت تعرف ان اسمها رونق ..لكنها تعمدت ادعاء النسيان لكي تكسر حاجز الخجل والخوف عنها ...همست رونق بصوت ناعم

- اسمي رونق خالتي ....

اجابتها رضاب بحب وهي تلمس ظفيرتها الطويلة

- الله ....رونق ياله من اسم جميل ومميز ...وشعرك ايضا رائع ماشاءلله ...اتعرفين ان شعرك يشبه شعر ربانزل ؟!!!
استرعى كلام رضاب انتباهها لتنظر لها رونق بفضول وهي تقول

- من هي ربانزل ؟!
- اوووه ربانزل الاميرة ذات الشعر الطويل التي حبستها الساحرة في برج عالي و...

قاطعتها ملك بحنق وغيرة وهي تقول

- ماماااااااا انا ربانزل !
ضحكت رضاب وقالت بلطف

- كلا طفلتي انت تشبيهين سنووايت .... اتعرفين قصة سنووايت والأقزام السبعة
هزت ملك رأسها بحماس وقالت

- اجل المعلمة في الروضة قصت علينا قصتها ....لكني اريد ان اسمعها منك مرة اخرى ماما
ابتسمت رضاب وقالت
- حسناً ..سأقص عليكما قصة ربانزل وسنووايت لكن بشرط

هتف الاثنان بآن واحد
- ماهووووو !!

اجابت رضاب بدهاء وفطنة وهي تنقل نظراتها الماكرة بينهما

- ان تحتضنا وتقبلان بعضكما البعض وتصبحا صديقتين ...

اجابت رونق بسرعة
- انا موافقة خالتي
بينما قالت ملك بطوعية واستسلام
- وانا ايضا موافقة ماما
وبالفعل بادرت رونق بالانحناء لتحتضن ملك بعفوية ... بدتا امامها كالشقيقتين تماما ....اخذت تنظر لهما بابتسامة حزينة
رباه ... وكأنها تنظر لانعكاس صورتها هي وحبيبة في المرآة ..لكن مع فرق بسيط ...والدتها
المبجلة لم تحاول يوما ان تقرب بينهما ابدا .....بل ما كان يحصل هو العكس .... اذ حاولت ان
تزرع بينهما الكره ....الغيرة ..والحقد ...لكن ارادة الله كانت فوق كل شيء
فهي كانت ورغم تباعدها عن شقيقتها ..تحبها حبا جماً ....

بدأت رضاب بسرد القصة للطفلتين غافلة عن نظرات هدى الثاقبة لها .... كانت تجلس
على الاريكة الخشبيه تسبح بمسبحتها تراقب ما يجري أمامها بصمت ..فبعد ان أكملوا وجبه الغداء
جاءت لتجلس مع ملك ورضاب تراقب ما يفعلانه بفضول ...كانت تريد ان تكتشف سر تعلق حفيدتها بهذه المرأة .... والان قد عرفت السر ... رضاب حنونة وعطوفة معها ..ليس هي فحسب بل حتى مع رونق ...
كانت هدى تحدق بأبنه حيدر بذهول ودهشة ..كيف استطاعت رضاب ان تكسبها خلال دقائق معدودة !! ابنة حيدر معروفة بتعلقها الشديد بوالدها ...كما انها لا تأمن ولا تتآلف مع الغرباء بسهولة !

هذه المرأة تحيرها .....هل هي لطيفة وطيبة فعلا ام ان ما تفعله هو مجرد غطاء تستتر به !!
توصلت الان لاحتمالين لا ثالث لهما ... اما انها طيبة وساذجة او خبيثة وذكية !
تتلون كالحرباء تماما عندما يقتضي الأمر ! حسنا .. هي ترجح الخيار الثاني بكل تأكيد
هذه المرأة ليست سهلة ابدا ...لكن حيلتها وادعاءاتها ان انطلت على الجميع فهي لن تنطلي عليها ..فهي هدى الذكية .... التي لا تخدع بسهولة .......


...............................

اربيل .... ليلا

..............

كانت ممددة في الفراش ترتدي غلالة نوم بلون القهوة السائلة .... امتدت يدها لتضغط على بطنها بحزن ...لقد أتتها دورتها الشهرية اليوم صباحاً ...يا الهي ..كم كانت متفائلة جداً لهذا الشهر ...بل كانت شبه متأكدة من حملها .....
اغمضت عيناها لتسقط دمعة وحيدة من عينها اليسرى ..لتتسلل ببطء وتختفي في الوسادة الوثيرة .... سحبت نفساً عميقاً وهي تحاول ان تبدو طبيعية امام زوجها الذي انهى استحمامه ودخل للغرفة للتو ....
رمى المنشفة على الكرسي واندس جانبها تحت الشرشف القطني الرقيق ... ابعد شعرها المتناثر على كتفها وسحبها الى احضانه .... قبل رقبتها هامساً بكلمات محبة وعاشقة ....

كانت تعرف ما يريده منها ...وهي ايضا تريده بنفس القوة ...لكن الامر ليس بيدها ...همست بألم وهي لاتزال توليه ظهرها
- وليييييد ....انا ..اقصد لدي عذر شرعي ....
قطب هامسا وهو يمسد بطنها برقة ..فهو يعرف زوجته كم تتألم في تلك الايام القليلة في الشهر

- متى حصل ذلك حبيبتي ؟!
غرقت عيناها بالدموع والتفتت إليه هامسة بقنوط

- اليوم صباحاً
لتردف بطفولية وملامحها تعكس مدى الانزعاج الذي تشعر به

- اريد طفل يا وليد .. طفل صغير واحد فقط ...متى سيحدث هذا ..متى سأصبح اماً لقد مللت !!!
قبل جبينها بلطف وهو يدفنها بين جنبات صدره الصلب قائلا بهدوء
- لأباس طفلتي ...ان لم يحصل هذا الشهر سيحصل ان شاءلله في الشهر القادم و...

قاطعته بلهفة
- وليد ..ارجوك ..اسمح لي بالذهاب الى الطبيبة !
رفع حاجبيه وأبعدها عنه قليلا لينظر لوجهها الوردي قائلا
- وما حاجتك للطبيبة غسقي ؟!
اجابت وهي تقلب شفتيها كالاطفال بينما راحت اصابعها تعبث بشعر صدره الأسود
- اريد الأطمئنان على ان لاشيء يعيق حصول الحمل ...من فضلك ..ارجوك ..وافق
ثم اخذت تلح وهي تقبل خدة بين كلمة واخرى

- هيا قل انك موافق .... هيا هيا هياااا ..ارجووووك

ابتسم قائلا وهو يدفنها بصدره من جديد
- رغم اني متأكد بأنك لا تعانين من شيء ..لكن حسنا ...ان كان هذا سيريحك اذهب .غسقي لكن دعي عمتي او امي ترافقك
رفعت راسها و قبلت شفته ثم احتضنت خصره هامسه

- احبك لودي ...لا حرمني الله منك ابداً


..........................
..................................

لندن

..............

يجلس بمكتبه يراجع بعض الأوراق شارد الذهن ...لولا تلك الأدوية التي وصفها الطبيب له لما استطاع ان يستمر بمزاولة مهنته للان ..... سابقا كان العلاج يجدي نفعا لفترة قصيرة ...أما الان ..الان تفاقم الامر ..لم يعد العلاج نافعاً ..تلك الارتعاشات تكاد لا تفارقه الا لدقائق معدودة ....
يحاول قدر استطاعته ان يسيطر على نفسه لكنه لايستطيع ....في الفترة الاخير ...اصبح يعتذر عن الدخول لصالة العمليات ...يكتفي بالكشف على الحالات التي تصله فقط ...
الى متى سيستمر بهذا العذاب !!!
فتح الباب فجأة ليدلف شرطيان .... هب واقفا وهو يقول بلغة انكليزية طلقة بتعجب وذهول

- مالذي يجري هنا بالضبط ؟!

ليجيبه احدهم ببرود وهو يقترب منه ليمسكه من ذراعه
- هناك امر بالقاء القبض عليك دكتور همام
نظر همام للشرطيان بذهول وقد الجم لسانه ....إلقاء القبض عليه !!!! لماذا !! ما الذي يجري معه ... هل الكل اتفق ضده !!! يا الهي المصائب أصبحت تتهاوى فوق رأسه الواحدة تل والأخرى ..... تمالك نفسه واستعاد رباطة جأشه ليقول بغضب وحنق

- وما هي تهمتي أيها الشرطي ؟!!

ليبتسم الشرطي الأخر وهو يسحب همام بقوة
- التحرش ...تهمتك هي التحرش دكتور ..انصحك بالمجيء معنا دون اعتراض ...


.......................
.......................................

البصرة مساءاً

.............


رددي احرف الهوى فكلانا
في هواه معذب مقتول
لاتقولي سينتهي فهوانا
اختيار وقدر فلن يرده المستحيل

اليوم قرر معاذ ان يأخذ رضاب وملك برحلة نهرية في شط العرب ....كما انه اراد ان يتكلم معها بخصوص زوجها العفن وتلك المسماة والدتها ...ربما ان شاركها حزنها وأزرها بكل ما اوتي من قوة ستتحسن حالتها وتنسى كل ماجرى لها ....

استقلوا زورقاً خاصاً بهم .... كانت رضاب تراقب و تنظر لتلك المناظر الجميلة بصمت ..ملامحها هادئة ... الهواء المحمل برائحة الماء تداعب وجنتيها المحمرة من حرارة الجو
التي احتفظت ببعض حرارتها وسخونتها رغم غياب الشمس خلف الافق ...
منذ وجودها في البصرة ومعاذ يحرص على اخذهم كل اسبوع او عدة ايام الى احد المرافق
الترفيهية او السياحية ...كجزيرة السندباد ..و مدينة الالعاب بصرة لاند ..بالاضافة الى حدائق الخورة وشجرة ادم ..... في كل مرة كانت الخالة هدى تعتذر عن الذهاب معهم لذلك كانوا يخرجون هي ومعاذ وملك فقط ...

الصفاء والهدوء حولها جعلها تشعر ببعض السكينة والراحة ... خطفت نظرة ناحية معاذ الذي
كان يلاعب ملك بأبوة وحنان ...اه كم كانت خجلة من نفسها ..... هي حقا غير قادرة على النظر في وجهه ابدا ....
تقدم معاذ ليجلس جانبها هامسا بخفوت وهو يشاركها نظراتها المركزة على الجسر الايطالي الذي يربط مابين ضفتي شط العرب ...
- المنظر رائع اليس كذلك ؟!
همهمت موافقة وعادت للصمت من جديد .... سحب نفساً عميقا ... ثم شجع نفسه على فتح الموضوع .... ربما الان انسب وقت للتكلم ... حيث الهدوء والاسترخاء .....مد يده لتحط على كفها الذي كانت تتكأ عليه ليعاود الهمس قائلا
- رضاب ... هل تريدين ان تحكي لي ما حصل !
عرفت ما يجول بخاطره منذ البداية .. عرفت وايقنت بأنه حتما سيسألها ... غرقت عيناها بالدموع ...واختنقت انفاسها وهي تلتفت لتنظر له ...كانت ترمش بعينها بمحاولة منها لطرد الدموع ...الا انها لم تستطع ...عاندتها للاسف وتساقطت بهدوء ....ليمد يده ويمسح لها قائلا بلطف وتفهم

- ماسبب هذه الدموع الأن ! ان كنت لاتريدين الكلام عن الماضي انا اتفهم ذلك ! الخيانة شيء بشع ومؤلم ...خاصة ..ان جاء من اقرب الناس لك ... استطيع ان اتخيل مشاعرك يا رضاب ..لقد مررت بها سابقاً صدقيني ....

لم ترد عليه بحرف بل ضلت تبكي وتبكي بصوت مبحوح وخافت ليهمس قائلأ بقلة حيلة ..ومشاعر العجز تكاد ان تصيبه بالجنون

- تكلمي معي رضاب افضي ما بداخلك ان كان ذلك سيجعلك تشعرين بتحسن ...ربااااه فقط لو اعرف مكانهما اقسم بالله لكنت ذهبت وقتلتهما بيدي العارية !

هدأت شهقاتها قليلا ثم همست بأختناق وصوت مرتجف ومتألم

- لا اريد التذكر معاذ ..يكفي ما فعلاه بي ...لقد ..لقد ..حطماني ...دمرا حياتي وسرقوا مني طفلتي يقين ... لا .... لا ... هما لم يسرقوها ....بل قتلاها معا ..هما الاثنان تشاركا بقتلها وهي ...هي .. كانت لاتزال في احشائي يا معاذ ..... كانت لا تزال في احشائي .....
انفجرت تبكي بصمت وهي تضع يدها على فمها لتكم شهقاتها الجارحة ..... يقين !!! يقين !!
الأن عرف من هي يقين ! يقين الاسم الذي كانت تطلقه على ملك سابقاً !!!
الأن وضحت الرؤيا امامه ..انكشف كل شيء ..كل شيء ...

دون ارادة منه ودون ان يبالي بأنهم يجلسون في مكان مكشوف وانهم عرضة للعيون الناقدة او المتلصصة ..امسك رأسها ودفنه في صدره وقد ادمعت عيناه هو الاخر ... ماذا عليه ان يقول الان ؟! ما الكلمة المناسبة التي سيستطيع من خلالها ان يخفف من الم محبوبته وزوجته !!!!
ابتلع ريقه وتنفس عدة مرات محاولا السيطرة على رباطة جأشه ..هامسا بخفوت

- ابكي يارضاب ..ابكي ..لعل الدموع تستطيع ان تريحك وتطفئ القليل من النار المندلعة في جوفك ..... حبيبتي ....
بالفعل ...زاد بكائها وأنينها الموجع الذي كان يؤلمه هو قبل ان يؤلمها مرة اخرى ....
همست قائلة بأختناق
- معاذ ..أرجوك ..عدني بأنك لن تخبر احدا بما قلته لك ...عن ..عن ... اقصد ...عنهما !!
شدد من احتضانه قائلا بقوة ووعد صادق لا يقبل الشك

- لك وعدا مني بحياتي يا رضاب بأن كل كلمة قلتها وستقولينها ستكون في بئر لا قرار له ..اطمئني صغيرتي ....


عادت لتشهق من جديد ... وهي تدفن نفسها اكثر بأحضانه الصلبة الحنونه ... رائحته ودفئ جسده كانا يمنحانها الامان والراحة .... رباه كم تحبه وتعشقه ..ربما تحبه اكثر من الحياة نفسها .... لكنها متألمة ..متألمة لانها إنسانة مليئة بالعقد والمطبات الوعرة ... ليتها إنسانة عادية ... ليتها تستطيع ان تسعده وتريحه كما يفعل هو معها !!

كان لايزال محتضنا اياها بقوة ...لتأتي ملك قائلة بفضول طفولي وهي عاقدة الحاجبين تحاول ان تندس بينهما
- اترك ماما ...عمو معاذ لماذا تبكيها وتحاول اذية رأسها !!

ابتعدا عن بعض بسرعة وقد ارتسمت الابتسامة على شفتيهما رغم دموعهم المترقرقة لتجيبها رضاب بحنان ولطف ونبرة صوتها لاتزال مبحوحة ومرتجفة

- عمك ... معاذ لا يؤذني ولم يؤذني ابد يا ملاكي الصغير
- اذن لماذا تبكين وهو يمسك راسك هكذا

ثم اخذت تقلد حركة عمها بشكل مضحك .... رفعت رضاب عيناها الحمراويتان بحيرة وخجل لينقذها معاذ قائلا اول شيء خطر بباله بجدية ووقار

- احممم ... لقد دخلت قشه صغيرة في عين والدتك وانا كنت اساعد على أخراجها اليس كذلك يا رضاب ؟!ّ

هزت رضاب رأسها وقالت مؤكدة

- اجل اجل فعلا كانت قشه مزعجة في عيني ...

اومأت ملك بعفوية وقد صدقت كلامهما ثم ذهبت لتجلس مرة اخرى في كرسيها الخاص تراقب منظر الماء باستمتاع .....

تنهد معاذ قائلا بمرح
- ااه يا الهي ...ملك طفلة ذكية جداَ
أومأت قائلة
- اجل هي كذلك ماشاءلله عليها ....
صمتا قليلا بعد ان غيرت ملك بمرحها وطفوليتها الجو المتوتر الحزين الذي كان يلفهما .... لتتذكر رضاب ما قاله معاذ قبل قليل عن الخيانة وعن انه قد مر بهذه المشاعر سابقاً ...
ترى ماكان يقصد ؟ وهل كانت له علاقة حب سابقة مع فتاة خذلته وقامت بخيانته ؟!
اشتعلت نيران الغيرة داخلها فجأة وهي تتخيل مجرد تخيل بأنه فعلا كان على علاقة !
يا الهي ... لقد اصبحت متملكة في حبها لهذا الرجل الرائع الغيور الوسيم ..تريده لها وحده هي فقط
لم تتمالك نفسها ....اذ سألته قائلة بصوت متردد وخجول

- معاذ ..ما الذي قصدته بقولك قبل قليل .... بأنك قد مررت بمشاعر الخيانة سابقاً ؟ هل خانك احدا ما في الماضي ؟!!

.....................

نهاية الفصل

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن