45

217 15 0
                                    


الفصل الخامس والأربعون والأخير
.................
لندن
....
ها هو يجلس بزنزانته ..... شاردا بعالمه الخاص .... يعيد حساباته ..... يفكر عن سبب كل ما حصل له ... ماذا اقترف ليُدمر مستقبله المهني ؟ّ! لكن حتى وان خرج من السجن فهو ايضا لن يستطيع ان يزاول مهنته بسبب تلك الارتعاشات التي لا تفارقه ابدا ! باختصار لقد نسف كل شيء بناه والى الأبد ...... من وجهة نظرة هو لا يرى نفسه مذنبا ...لم يفعل شيئا سيئا ليحاسب ويسجن من اجله !!
علاقاته النسائية كانت تتم بموافقة الطرف الاخر !!! صحيح هو كان يتعمد ان يلمس أجساد المراجعات بحميمة لكن هذا كان فقط من اجل ان يتأكد من موافقتهن !! لم يغتصبهن او يتعدى الحدود معهن فبمجرد ان يرى الرفض مرسوما على وجوههن كان ينسحب بهدوء !!!
ما يقض مضجعه الان هو ما حصل لسناء ..شعوره بالذنب لم يتولد داخله بسبب علاقته معها فهي من تقبلت العلاقة بملء إرادتها بل كانت مستمتعة ومرحبة ايضا ... لم يجبرها على شيء ابدا .. لولا اكتشاف رضاب لهما لربما ظلت على علاقتها معه لشهور او ربما سنوات ..... لكنه يشعر بالذنب قليلا لانها ماتت بتلك ألطريقه
منبوذة ..مختلة عقليا .... ومنتحرة .... لربما ان اخبر عائلتها بموتها سيرتاح من ذلك الصوت المزعج الذي يذكره بها مرارا وتكرارا ...لكن كيف يخبرهم وبأي صفة ؟!!
هو لا يريد ان يظهر على الساحة من جديد فتكثر الأقاويل ويعاد فتح الماضي من جديد ..فبكل تأكيد وليد لن يسكت ...سيسأل ويستفسر ويطلب المواجهة معه وهو لا يريد ان يلتقي بأي فرد من افراد تلك العائلة المشئومة ..... اجل منذ زواجه من رضاب ودخول سناء بحياته و أوضاعه أصبحت من سيء لأسوء ....كان زواج الشؤم عليه !!!!
يجب ان يفكر بحل مناسب وبعيد كل البعد عنه وحتما سيجد ..بل يجب ان يجد وبسرعة

.......................
.........................

اربيل
............
كانت ممددة على الفراش ودموعها لا تكف ولا تهدا عن الهطول ... مضى الان عشرة ايام على غيابه .... عشرة أيام لم يتصل بها ابدا ...صحيح هي بالغت بحدتها وغضبها ...لكنها بالنهاية كانت تريد وتبحث عن سعادته هو ...تفعل كل ذلك من اجل راحته هو .... لا تستحق منه كل هذا الجفاء والقسوة ..... اجل وليد يقسو عليها كثيرا ....فهو يعرف جيدا بأنها لا تستطيع النوم دون وجوده قربها ....دون ان تتوسد على صدره وتشعر بقربه منها ..... عشرة ايام من البكاء ... عشرة ايام من قلة النوم والطعام .... حتى وجهها بات شاحبا وجسدها فقد القليل من وزنه ......
خالتها سعاد ووالدتها تتصرفان بشكل طبيعي معها .... أخباره تصلها عن طريقهما ... كل ما تعرفه هو انه مشغول وبخير وسيعود قريبا ... لكن متى ... متى يا الله ..متى سيعود .... لقد أعدت له منذ الان ما تريد قوله ما ان يصل ... ستعاتبه تارة وتقبله تارة اخرى ... ستقسم له على عدم تكرار ما فعلته ...لقد تعلمت الدرس وكفى ....وقد كان درسا قاسيا ومؤلما جدا جدا ...

سمعت صوت الباب يفتح .... ظنت في بادئ الأمر انها والدتها او الخالة سعاد ... غير انها أبعدت الغطاء عن وجهها و فزت جالسة عندما سمعت صوته الحنون وهو يقول
- غسق !!
... نظرت له بعينين دامعتين .... غير مصدقة وجوده أمامها .... ربما كانت تحلم !!! ودون ان تنطق بحرف نهضت من مكانها بصعوبة وكأنها غارقة في بحر من الرمال المتحركة ... مشت ناحيته بتمهل .... الان ستتأكد ان كان وجوده خيالا ام حقيقة .... ارتمت بين ذراعيه وأخذت تبكي و تشهق بقوة .... تتمتم بكلمات معاتبه ... تستنشق عطره الحبيب بلهفة ... وكأنها عادت للحياة مرة أخرى .... احتضنت وجنتيه و قبلت كل نش من وجهه .... أخذت تعتذر مرة بعد مرة .... قائلة بصدق
- اسفه اسفه سامحني يا وليد لن اعاود فتح الموضوع السابق ثانية .... اقسم لك ..... لكن ارجوك لا تعاقبني بهذا الشكل مرة اخرى .... لا تتركني وحدي بالله عليك

احتضنها بقوة .... استنشق عطرها الانثوي الذي اشتاق له كثيرا في الايام السابقة ... لقد كان يبذل مجهودا جبارا لكي لا يعود الى المنزل او حتى يرد على رسائلها التي كانت تجعل قلبه يتلوى الما من اجلها .... لكنه صبر وكبح رغبته وهو يذكر نفسه بضرورة فعل ما ينوية من اجلها هي قبل ان يكون من اجله .... ابعدها عنه قليلا ثم هدئها بابتسامته الرجولية الحنونة وهو يحثها لتجلس على السرير قائلا
- اهدئي ...اهدئي و تعالي اجلسي يا متعبتي ومعذبتي
جلست قربه بل ملاصقة له وهي تضع يدها على فخذه بينما تمسح دموعها بيدها الاخرى قائلة بابتسامة واهنة
- فليأخذ الله عمري ان فتحت فمي بكلمة اخرى تتعبك يا وليد
أجابها وهو يلتهم ملامحها الفاتنة بينما كفه الضخمة تحتضن جانب وجهها بحميمية
- بعيد الشر عنك يا فتاة لا تقولي مثل هذا الكلام ...
ليردف قائلا بضحكة صغيرة
- المهم الان لقد جئت لك بالبشرى
همست بتساؤل وهي تنظر له بحيرة
- ماذا هناك ؟!
أجابها بابتسامة واسعة وسعيدة
- امل جديد يا غسق !
رددت خلفه بعدم فهم وتلعثم
- ا..مل ...جديد !! ماذا ..تقصد ؟!!

سرد لها عن كل ما فعله في الأيام الماضية ... فهو قد سمع من احد الأصدقاء ان هناك طبيبة عراقية كانت تعمل بأحد المستشفيات الأوربية ... كانت قد عادت لاربيل وافتتحت مشفى خاص يعنى بحالات العقم والتي تشابه حالة زوجته فذهب هناك لتقصي الأخبار ولكي يستفسر عن إمكانية نجاحها لحالة غسق
وطبعا كان قد اخذ معه جميع الفحوصات والتحاليل الخاص بها على مدار الثلاث سنوات والنصف الماضية ....
والتي كان يحتفظ بها في مكتبه ...وبعد ان درست الطبيبة الاوراق قالت بان امكانية حملها كبيرة ان شاءلله كما انها اجرت للعديد من النساء اللاتي كانت حالتهن اشد تفاقما من حالة غسق وقد تكللت جميع الحالات بالنجاح الباهر .... رغم التكاليف الباهظة الا انه لم يهتم ...المهم ان يرى السعادة بوجه محبوبته الصغيرة
همست بخذلان وحزن فهي قد جربت عملية طفل الأنابيب مرة وكان نهايتها الفشل المرير وهي ليست مستعدة للمجازفة مرة اخرى ...لن تكون مصدر شفقة وعطف للجميع ...ان فشلت التجربة للمرة الثانية فهي فعلا ستنهار وربما تموت قهرا وحزنا
- انا لن اعيد التجربة مرة اخرى يا وليد ... لن احتمل الفشل !!
احتضن وجهها وركز بعينيها قائلا بإصرار وثقة
- هذه المرة مختلفة يا غسق صدقيني
زاغت نظراتها الدامعة على وجهه وهي تهمس بارتجاف
- كيف مختلفة !!!
أكد لها بسعادة
- الطبيبة متمكنة جدا بهذا المجال وقد عادت مؤخرا من احد الدول الأوربية كما أخبرتك كذلك هي أكدت لي بأن هناك الكثير من الحالات الصعبة والتي كانت اشد تعقيدا من حالتك نجح معهن الحقن ألمجهري .... فلنتوكل على الله يا غسق ونخوض التجربة هذه معا ... فقط انا وانت .... يدا بيد ... وانا سأكون معك ولن أتركك ابدا !
ربما كلامه انزل على قلبها بعض الهدوء والأمل البعيد ...لكنها قالت بإصرار علها تثنية عن حماسه وثقته
- لكن المبلغ ضخم يا وليد من اين ستأتي بالمال !!
ابتسم بحنان وهو يمرر ابهامه على وجنتها بنعومة
- لا تهتمي ولا تفكري بشيء اتركي الأمر علي .... المهم ان تكون إرادتك قوية ومتفائلة لكي نبدأ بإجراء العملية بنجاح !!! ماذا قلت ؟!!
- لكن .... ربما .... ربما
قاطعها قائلا بصلابة وقوة
- هشششش لا يوجد ربما .... فقط قولي يارب وان شاء لله سيتحقق ما نرجوه حبيبتي
همست بعينين دامعتين ورجاء صادق نابع من عمق قلبها المشتاق الى الأمومة
- يارب ....

.......................
...............................
حسنا ... كل العائلة كانت متحمسة للخبر الجديد .... السعادة مرسومة على وجوههم ... والدتها والخالة سعاد لم تكفا عن الدعاء لها بكل صلاة وكل لحظة .... ورغم انها ايضا كانت سعيدة وهي لا تنكر ذلك ... لكن هناك جزء بعيد منها لا يزال قلقا وخائفا من الفشل للمرة الثانية !!!!!

اما وليد فقد عاملها بتفهم .... قدم لها الدعم النفسي والمعنوي .... للان جملته التي قالها بحنان ... لا تقلقي ولا تحملي هما انا سأتدبر كل شيء .... ترن بأذنها ليتردد صداه داخل كل خلية في جسدها ...لقد ذكرها بوالدها رحمه الله .... كان دائما يقول لها عند مواجهتها لأي صعوبات ومشاكل تقع بها بسبب مشاكستها وجراءتها المعروفة به .... لا تقلقي يا ابنتي ولا تهتمي انا سأحل كل شيء !!!!
اجل حنان وليد يشبه حنان والدها .... ربما هذا سبب اخر يضاف لقائمة الأسباب الأخرى التي جعلتها تقع في حبه الى الحد الذي لا حد له !!!

كانت تجلس في العيادة شاردة الذهن ... تفكر بما ينتظرها في المستقبل ....
تركها وليد في الردهة الأمامية تنظره ريثما ينتهي من ملئ بعض الأوراق الخاصة بها سمعت صوتا مألوفا يقول لها بعدم تصديق
- غسق !!! أنت غسق اليس كذلك ؟!!!
رفعت رأسها بسرعة ونظرت لذلك الوجه الذي تذكرته فور رؤيته ... والذي أعاد اليها ذكريات مؤلمة تحاول نسيانها وتجاهلها باستمرار .... انقبض قلبها بشدة ... لو كانت تعلم بوجودها لحاولت ان تتجاهل الصدام معها .....
اغتصبت ابتسامة صغيرة ثم وقفت قائلة رغما عنها بلهجة فاترة رغم انها حاولت ان تبدو طبيعية
- أهلا نيرمين كيف حالك ؟!!
تقدمت نيرمين ناحيتها وقبلت وجنتيها من الجهتين ثم قالت
- بخير الحمد لله .. كيف حالك أنت ؟!!
جلست لتحذو نيرمين حذوها ثم قالت بهدوء
- الحمد لله بأفضل حال

عم الصمت بينهما لفترة .... كانت ملامح غسق الباردة توحي لنيرمين بأنها غير مرحب بها وهذا ما جعلها تبتلع لسانها عن فضولها لتسألها عن سبب وجودها في العيادة !!
حسنا لربما هي حامل مثلها وتراجع من اجل ذلك .... فقد سمعت مؤخرا انها تزوجت وليد ... وكم احزن هذا الخبر أخيها المتيم بعشقها للان .....
غسق معها حق باستقبالها الفاتر والبارد هذا .... ماذا كانت تتوقع ان تأخذها بالأحضان والضحكات المرحبة !!! ما فعلته والدتها مع هذه المسكينة كان مهينا جدا وقاسيا ..... هي لم تقسو على غسق فقط بل قست على رازكار ايضا ...فبعد انفصاله عنها عاش منكسر القلب لعدة أشهر ... امتنع عن الجلوس معهم .... انطوى على نفسه .... تغير مئة وثمانين درجة ... اخيها كان يحب غسق بصدق رغم المدة القصيرة التي تعرف عليها ... استمر حالة هكذا الى ان زوجته السيدة نازدار والدتهم الحنون وبالقوة .... كانت تقول بأنها فعلت ما فعلته لانها حريصة على سمعة العائلة !!!! لكن الله لا يرضى بالظلم والتعدي على الناس وقذف المحصنات الغافلات .... لقد ابتليت بمرض الشفاء منه يعد معجزة وهي حاليا راقدة في الفراش بلا حول ولا قوة ...حتى الكلام لا تستطيع ان تنطقه بصورة صحيحة
همست بخفوت وخجل شديد
- غسق انا اعلم ان وجودي غير مرحب به ... وهذا من حقك ...انا فقط اريد ان اطلب منك ان ... ان ....
نظرت لها بغسق بتساؤل ... صحيح انها تحقد على نازدار وتكرهها بشدة ..فهي لن تنسى كيف طعنتها بشرفها وكيف فضحتها في المشفى وجعلتها أضحوكة أمام الجميع ... وكيف بسببها كادت ان تفقد حياتها وتموت كافرة .... الا ان مضطرة للاعتراف بأن نيرمين كانت طيبة معها لم ترى منها الا كل خير ..ما ذنبها لتعاملها بهذا الجفاف !!!
حثتها غسق بهدوء
- تكلمي نيرمين ..ماذا تريدين ؟!!!
ازدردت نيرمين ريقها وقالت بعينين دامعتين
- أريدك ان ..ان ..تبري الذمة لأمي يا غسق ....
عندما لاحظت علامات الاستهجان والاستنكار رسمت على ملامحها اكملت قائلة بتوسل
- أرجوك يا غسق ..ارجوك ...امي مريضة جدا ... الطبيب قال بأن الامل معدوم بشفائها وأيامها باتت معدودة .... هي راقدة في الفراش منذ عام كامل ... ارجوك ...سامحيها ... ارجوك .....
اتسعت عيني غسق بصدمة .... اخر ما كانت تتصوره او تتخيله ان تكون نهاية تلك المرأة القاسية القلب بهذا الشكل !!! لكن الله يمهل ولا يهمل ...وطعم الظلم مر جدا يشبه بمرارته طعم العلقم .... كانت تستطيع وبكل بساطة ان ترفض طلبها .... لكنها ماذا ستستفيد ؟!
فهاهي عدالة السماء قد اخذت حقها كاملا ... وكأن سكينة وراحة الكون كله انصب على قلبها .... همست قائلة وهي تنظر لزوجها الذي كان يتقدم نحوها مبتسما بتشجيع وحنان
- لقد سامحتها يا نيرمين .... فقط اطلبي من الله ان يسامحها ايضا ....
شكرتها نيرمين بحرارة وهي تدعو لها مرارا وتكرارا قبل ان تتركها وترحل ...ليسألها وليد قائلا باهتمام
- من هذا المرأة التي كانت تتكلم معك ؟!
اجابت بابتسامة صغيرة
- كانت تستفسر عن أمر ما .... لا تهتم يا وليد ....
...................
....................................
بعد مرور عدة ايام .... وما ان انهت الطبيبة الفحوصات المهمة ... بدأت غسق الرحلة ... رحلة علاجها .... رحله طريقها الى المجهول ... اجل رحلتها كانت مجهولة النهاية .... فأما ان يفتح لها باب الامل من جديد ... واما ان تعود وهي حاملة خيبتها للمرة الثانية ..... مع كل مرحلة تتجاوزها كانت تشعر وكأنها تتجاوز سلكا شائكا ..او حقلا ملغوما .....
خائفة ومتوترة من أي عثرة او عائق ممكن ان يصادفها !!!
أخبرتهم الطبيبة بأن الحالة النفسية لكليهما خاصة غسق ..هي من اهم عوامل نجاح العملية .... يجب عليها ان تتوكل على الله ولا تسمح لشعور اليأس والإحباط ان يتسلل داخلها .... الموضوع اولا وأخرا بيد الله سبحانه وتعالى ويجب ان ترضى بنصيبها مهما كان ....
التزمت غسق بالمواعيد مع الطبيبة ... كانت حريصة على تتبع تعليماتها بدقة .... حتى انها احتفظت برقم هاتف الطبيبة الخاص ... الأخيرة التي اعطته لها برحابة صدر وتفهم ..... هذه المرة كانت مختلفة عن المرة السابقة لا تعرف لما .... ربما بسبب حماس وليد المفرط !!!
بتخدير كامل تمت عملية النقل بنجاح بعد سلسلة من الإجراءات والأدوية المنشطة التي كانت تاخذها بانتظام .... كان وليد يرافقها خطوة بخطوة ...حتى انه رفض ان يرافقهم أي احد ... لا والدته ولا والدتها ... كان كل همه هو ان يجعلها مسترخية وهادئة ..... وبعدها يجب ان تنتظر مرور خمس عشر يوما لظهور النتيجة ... هي تحاول جهدها ان تلهي نفسها بأي شيء اخر ... لكن قلقها وذعرها لم يكونا بيدها .....
......................

البصرة
.................

كانت تجلس ارضا في الصالة تدرس ملك مادة العلوم .... بينما معاذ يصلي المغرب ويقين تحوم حوله بشقاوة ..تارة تصعد على ظهره وتارة تنام على الأرض تنظر له وهو يسجد .... وتارة اخرى تقلد حركاته وهو يصلي .... وصوت ضحكاتها الرنانة تطرب اذنيها وتبعث في داخلها البهجة .... من كان يصدق بأن حالها سيتغير بهذا الشكل .... من كان يصدق ان تعيش هذا السلام والهدوء النفسي بعد ان كانت مبعثرة وحياتها عبارة عن فوضى لا نهاية لها !!!
ما ان أكمل معاذ الصلاة حتى بدأ بالتسبيح بينما يقين سارعت للجلوس على فخذه تناغشه وتمارس دلالها وغنجها الذي جعل والدها يذوب حبا بها !!
بعد مرور عدة دقائق صدح صوت هاتفه المحمول لينهض ويجيب عليه قائلا
- اهلا وليد ... كيف حالك
انتظر لعدة دقائق ثم قطب قائلا وهو يوجه نظراته الهادئة عليها ...
- انا لله وأنا اليه راجعون ...البقية في حياتك ... اجل ..ان شاء لله ...
ظل يتكلم معه لعدة دقائق بينما وقفت بسرعة وقد هوى قلبها لقدميها .... هامسة بخفوت وهي
تتقدم ناحيته
- خيرا ان شاء لله ...
عندما أغلق الهاتف سارعت لتسأله بلهفة وقلق
- ماذا هناك يا معاذ ما الذي حصل ؟ّ
سحب معاذ نفسا طويلا ثم زفره بحرارة وقال لها
- تعالي اجلسي يا رضاب ثمة أمر يجب ان أقوله لك

جلست على الأريكة وصوت ضربات قلبها كادت ان تصم أذنيها نظرت له وهو يجلس جانبها لتحثه بخوف وذعر
- هل الجميع بخير ؟!! أرجوك معاذ تكلم بسرعة لقد أقلقتني
اومأ مبتسما بحيرة ثم قال مطمئنا
- لا تقلقي ..الجميع ..بخير لكن ...
- ماذ هناك معاذ !!
- انها والدتك
بهت واصفر وجهها بشدة .... تلاشى القلق الذي كان مرسوما على ملامحها ... أحست بالبرودة تسري بجسدها فجأة ..برودة قاسية ومؤلمة
لتسأله بجمود
- ما بها !!!
ركز نظراته على وجهها واجاب بهدوء
- لقد وصل لوليد خبر وفاتها ...
ازدردت ريقها الجاف بصعوبة ...تجمدت نظراتها على وجهه الذي بانت عليه إمارات القلق ...ظلت جالسة بلا حركة لعدة ثوان ..قبل ان تهب واقفة وتفر من امامه بسرعة البرق ... خرجت الى الحديقة المظلمة
وهي تلتقط انفاسها المختنقة بصعوبة .... جلست على حافة الممر الاسمنتي تحدق في الظلام الذي اخذ يزحف ببطء .... ماتت ... والدتها ماتت !!!
وكأنها ادركت الان ما قاله .... دموعها اخذت تنساب على وجنتيها ... وشهقاتها بدأت تخرج من رئتيها رويدا رويدا .... ما الشعور الذي يداهمها الان !ّ! هل هي سعيدة ام حزينة ؟!
لا تعرف بالضبط ... كل ما تعرفه هو انها لن تستطيع ان تسامحها ابدا .... ليس وصورتها مطبوعة للان بمخيلتها ... رغم حالة السلام التي تعيشها ..الا انها لن تنكر بأن هناك مكان بعيد ومظلم في مخيلتها لا يزال يحتفظ بتلك الذكرى التي اصبحت باهته .... لم يهمها يوما خيانات همام التي كانت تشعر بها وتحسها ..بقدر آلمها من خيانة اقرب الناس لها ..والدتها !
والدتها التي هي من المفترض ان تكون الصدر الحنون بالنسبة لها ! والدتها التي كانت يجب ان تكون مصدر ثقتها وقوتها .... كانت للاسف العكس ..مصدر حطامها وانهيارها !! هي ميته بالنسبة لها ومنذ وقت طويل ... وموتها كان مجرد خيال تعيشه وتصدقه سابقاً والان اصبح حقيقة ملموسة
لماذا تبكي ؟!! هي حتما لا تبكي لاجلها ...لا ...هي تبكي من اجل نفسها ... لقد تعبت كثيرا الى ان وصلت لما هي فيه الان .... ولولا لطف الله بها ورحمته حين جعل معاذ يظهر بحياتها البائسة ... لكانت الان لاتزال تعيش بعالم الجنون والتخبط .....
الله اعلم بأي ظروف قد ماتت ...وما سبب موتها ...حسنا هي لاتهتم ... ولا يهمها ان تعرف ....المهم انها رحلت ...اجل رحلت واراحتها .... بل اراحت الجميع ايضا ... فهي لن تستطيع ان تنظر بوجهها مرة اخرى حتى لو بعد مليون عام ....دون ان تنهار وتعترف بكل شيء ... هي كانت تستطيع وبكل بساطة ان تفضحها امام خالتها وحبيبة تلك الاخيرة التي للان تعيش على امل لقائها يوما وتعويض ذلك الحنان الذي تفتقده حتى بعد ان تزوجت وكونت لها اسرة سعيدة خاصة بها ... لكنها لم تفعل ولن تفعلها ابدا ... فهي لن تسبب باعترافها لهم الا الالم والقهر والصدمة .... فليبقى كل شيء مدفونا وطي النسيان ... هذا افضل للجميع .... اما بالنسبة لسناء .... فهي لن تستطيع ان تتذكر منها سوى فعلتها الشنيعة تلك ..... خيانتها ستقف بينهما دائما كهوة عميقة وسوداء يصعب عبورها وتجاوزها والى ابد الآبدين ...

بعد مرور عدة دقائق احست بخطواته تقترب منها ... ظلت تنظر للامام بجمود فقط دموعها كانت لاتزال تتدفق كالامطار الغزيرة على وجنتيها ..... جلس قربها هامسا بحنان
- رضاب
كان يعلم بما سيحصل معها ما ان تسمع الخبر .... لذلك لم يلحقها في الحال بل اعطاها المساحة الخاصة لتنفرد مع نفسها قليلا قبل ان يطلب منها السفر الى اربيل ...فوليد اخبره بأنه ينوي ان يقيم لها العزاء حتى وان فات على وفاتها عدة سنوات ...
اردف قائلا بلطف
- رضاب حبيبتي نحن يجب ان نسافر للشمال باقرب وقت
التفتت تنظر له وهي تمسح وجنتيها قائلة بلهجة يشوبها الحدة والجمود
- لماذا ؟!!
- وليد سيقيم لها العزاء وقد
قاطعته بصرامة وقوة
- لن اذهب يا معاذ فهمت !! لن اذهب !!
تنهد قائلا بصبر وتروي
- لا يجوز هذا حبيبتي هي ومهما حصل ستظل والدتك وعدم ذهابك سيثير الفضول والتساؤل
ردت بصوت مرتجف وتلك العبرة المريرة تجثم على صدرها بقوة

- هل نسيت ما فعلته بي يا معاذ ؟!! .. لن اذهب لتعود الذكريات البشعة تتزاخم في مخيلتي من جديد ..انا بالكاد استطعت ان التقط انفاسي يا معاذ
صمت معاذ يحدق بها بقلة حيلة ...ربما معها حق ... لكنها يجب ان تتجاوز الماضي يجب ان تتحلى بالشجاعة والقوة .... فوالدتها ورغم كل سيئاتها قد رحلت عن الدنيا ولا يجوز عليها سوى الرحمة .... اجابها بلطف وصبر

- حاولي ان تتناسى الماضي وتسامحيها
هتفت باستنكار وقوة وهي تنظر له بعدم تصديق

- - أسامحها !!!!!

هز رأسه ايجابا وقال بهدوء

- اجل سامحيها واغفري لها ...الله عفور ورحيم يا رضاب و...
قاطعته مرة اخرى وقلبها يخفق بجنون بينما ملامح الرفض المطلق مرسوم على ملامحها الشاحبة

- الله يا معاذ .. ها انت قلتها بلسانك الله هو غفو ورحيم ...وانا بشر ..بشر ولي طاقة للتحمل .... لا استطيع ... لا النسيان ولا المسامحة ..هذا فوق قدرتي ..فوق قدرتي ..الامر ليس بيدي صدقني ....مهما حاولت لن استطيع ....

انفجرت بالبكاء ليحتضنها مهدئا ... يقربها من صدره ... وكأنها طفلة صغيرة وتائهة يعلم ان المسامحة صعبة ... الامر لم يكن سهلا عليها ..لكن الغوص والتنقيب بذكريات بالماضي المدفون لن يجدي نفعا ....ماذا عساه ان يفعل !

تمتمت وهي تدفن وجهها بصدره اكثر

- لن اذهب ..وانت ايضا لن تذهب ....
اجابها متنهدا بحيرة وهو يريح ذقنه على قمة راسها

- وماذا اقول لوليد ؟! ما سبب عدم ذهابنا !
عادت لتهمس بصوت مرتجف وخافت

- اخترع له حجة ! اخبره ان ملك لديها امتحانات

اجابها بعدم اقتناع
- لا يا رضاب هذه حجة واهية ..ومن غير اللائق ان اقول له بكل بساطة انا لن استطيع الحضور بسبب ملك التي لاتزال في الابتدائية ومن السهل جدا ان أأخذ لها اجازة لعدة ايام !!!! لالا ...هذا لن ينفع ابدا
ابتعدت عنه قليلا وهي متشبثة بقميصه قائلة ودموعها تبلل وجنتيها

- اذن اخبره بأني حامل والسفر يضر بالجنين
رفع حاجبيه قائلا بتأنيب

- تريدين مني ان اكذب يا رضاب ؟!!
اعتدلت بجلستها ومسحت وجنتيها قائلة بخفوت

- كلا يا معاذ انت لن تكذب !
عقد حاجبيه متسائلا بعدم فهم

- ماذا تقصدين ؟!
رفعت كتفها وقالت بابتسامة صغيرة ومرتجفة

- أنا حامل !
حدق بها لعدة ثوان مركزا على وجهها المحمر من اثر البكاء وسألها بشك وهو يضيق عينيه

- حقا !!
هزت رأسها مؤكدة بصمت ليعاود سؤالها مرة اخرى وابتسامته تتسع رويدا .. رويدا

- متى علمت ؟!

همست بابتسامة واهنة ومتعبة

- اليوم صباحا طلبت من ام محسن ان تحضر لي جهاز اختبار وقد كان ايجابيا

رفع حاجه الايسر وهو يدعي الغضب بينما داخله كان يشعر وكأنه ملك الدنيا بيده خاصة وان رضاب عادت لطبيعتها الناعمة وكأن شيئا لم يكن

- ومتى كنت تنوين اخباري سيدة رضاب ؟!!!
اسبلت اهدابها وأخذت تتلاعب بأزرار قميصه قائلة بخجل وصوت هامس

- مساءا عندما ينام الأطفال فكرت ان أفاجئك بالخبر ...
ثم رفعت عينيها الحمراء الدامعة متسائلة ببراءة
- الست سعيدا يا معاذ ؟!
قهقه بخفوت وعاد ليحتضنها من جديد قبل رأسها وتمتم وهو لايزال يضغط بفمه على شعرها العطر

- سعيد !!! هذه الكلمة لا يجب ان تطلق على ما اشعر به الان
اغمضت عينيها واراحت وجنتها على صدره الدافئ ....اكثر مكان تريد ان تكون فيه ولا تبتعد عنه ابدا ...رباه ما الذي فعله لها واي تعويذة القاه عليها ليجعلها تعشقه وتدمن قربه منها بهذا الشكل العجيب !!! همس قائلا بصوت متحشرج

- ان شاءلله سيكون ولد يا رضاب !!
اجابت مبتسمة وهي لا تزال تحتضن خصره بقوة

- ولما انت متاكد ؟!! ممكن ان تكون فتاة !

امسك ذقنها ورفع وجهها ليحدق بعمق عينيها اللامعة قائلا بثقة مطلقة

- لا ... سيكون ولد بأذن الله تعالى .... سيأتي طه ...طه على اسم اخي رحمه الله ..لدي شعور قوي يخبرني بذلك !

قطع عليهما استرسال الحديث جسد صغير يستند عليهما وصوت يقين وهي تتمتم با ..با ... حملها معاذ بخفه وأجلسها على فخذه قائلا بحنان
- يا روح والدك وعينه ... تعالي هنا ايتها الشقية
لتلحق بهم ملك وهي تحمل كتابها وهمت بالجلوس جانب رضاب متذمرة بدلال
- ماما لم تكملي شرح العلوم واشعر بالنعاس
احتضنتها رضاب وقالت بمشاكسة رغم دموعها العالقة باهدابها
- يا ماكرة تشعرين بالنعاس منذ الان ام تريدين ان تشاهدي الرسوم المتحركة!!
لتجيبها بكلمات متذمرة ....ابتسمت رضاب بخفوت وهي تنقل نظراتها بين افراد عائلتها الصغيرة ...معاذ ... ملك... يقين ... وطفلها الذي لا يزال بعلم الغيب ...عائلتها الصغيرة الهادئة التي وجدتها بعد عذاب طويل ومتعب ومن المستحيل ان تسمح لاي ماضي اسود وقاتم ان يقف ويدمر سعادتها هذه !!!


.......................
................................
كانت سعاد مستلقيه على السرير تريح ظهرها على الوسائد ...تبكي بنواح .... تقابلها سعديه التي اخذت تواسيها وتصبرها بهدوء قالت سعاد بنحيب
- كيف ..كيف نسيتها ..كيف لم اشعر بها ...انا المذنبة ..
قاطعتها سعدية بهدوء
- لا يا سعاد الذنب ليس ذنبك ابدا ... كفي عن القاء اللوم عليك .... اسمحي لي ان اقول شقيقتك كانت متكبرة جدا ....لقد رأيتها لمرة او مرتين فقط ... ورأيت كيف كانت تعامل الجميع بترفع وغرور ... لقد اختارت الابتعاد عنك وعن ابنتيها بأرادتها واختيارها ... ثم هذا قدرها وامر الله سبحانه وتعالى ..وهي كانت مسافرة كيف كنت لتعلمي بالله عليك ؟!!
همست سعاد بحزن وشرود وكأنها تكلم وتبرر لنفسها
- كنت اتصل بها دوما يا سعدية ...رغم اني الكبرى ...ولي حق الاحترام عليها ....لكني لم اهتم فيمن تتصل او تبادر بالقاء التحية في الاعياد والمناسبات .... كانت شقيقتي الوحيدة وقد احببتها حبا جما .... لكنها بالفترة الاخيرة اصبحت تتهرب مني ...خاصة بعد سفرها ...كنت اتصل بها ولا ترد على مكالماتي وحتى ان ردت كانت دائما تخبرني بطرقة غير مباشرة بأن اتركها وشأنها ... الامر لم يكن يحتاج للفهم ... تركتها في السنوات الثلاث الماضية وانا ادعوا لها بالتوفيق والنجاح صدقيني !

وفي اثناء كلامها دلف وليد الى الغرفة وهو ينظر لوالدته بعدم رضى .... كان يخشى على صحتها خاصة وانها بالاونة الاخير اصبحت تتعب بسرعة .... صحيح ان خبر موت خالته لم يكن متوقعا لكنها بالنهاية ارادة الله ولا احد يستطيع ان يعترض على ارادته ...حتى هو للان غير مصدق انها ماتت بالفعل عندما وصلته تلك الرسالة اعتقد انها رسالة عادية لكن الغريب في الامر انها كانت مجهولة ..لم تحمل عنوان المرسل كانت مفادها ان خالته توفيت قبل عدة سنوات ودفنت بأحد المقابر في لندن !!! كما ان سلسلتها كانت مرفقة في الرسالة !
قالت سعاد بحزن وهي تنظر لولدها
- هل اتصلت بمعاذ ؟!!!
تنهد قائلا وهو يجلس على الكرسي المجاور للسرير
- اجل امي اتصلت واخبرته
عادت سعاد تبكي من جديد وهي تقول
- حبيبتي رضاب بكل تاكيد هي الان منهارة على رحيل والدتها الغير متوقع ! وتلك المسكينة حبيبة قطعت قلبي ببكائها ونحيبها !!!
تمتمت وليد مقطبا بتعجب فحبيبة بالفعل كانت شديدة التأثر بموت والدتها ..وهذا شيء عجيب كيف تحن عليها وهي لم ترى منها سوى النكران والقرف .... للاسف خالته كانت تنبذ ابنتها الصغرى وامام الجميع دون ان تبذل مجهودا حتى للادعاء او الكذب !
- رحمها الله وغفر لها

قالت سعاد برجاء
- انت لن تسكت يا وليد اليس كذلك ؟! يجب ان تعرف اين دفنت ! وتتأكد من موتها ربما يكون الخبر كاذباً !!
هز راسه بالموافقة
- ان شاءلله يا امي ..سأرى ما يمكنني فعله !
عادت سعاد للنحيب الخافت وهي تتذكر سناء ...شقيقتها الجميلة الانيقة .... هل حقا ماتت ولن تراها مرة اخرى !!! لتهمس داخلها بحزن وألم ...على من تكذبين يا سعاد منذ متى وسناء كانت تأتي لزيارتك او المكوث عندك !!! فهي كانت تأتي بأوقات متباعدة وفي بعض المرات كانت لا تدخل للمنزل فبمجرد ان ترمي حبيبة مع حقيبتها الصغيرة في الممر الخارجي للمنزل وتسلم عليها ببرود حتى تسارع بالمغادرة فوراً .... أه يا اختاه ..لما لم تكوني الاخت الحنون ... لما لم نكن عائلة طبيعية ومتماسكة !!! لما كتب علينا ان نعيش منذ الصغر متباعدتين رغم قرب المسافة بيننا !!
.......................
...............................

هاهي تجلس في الغرفة ... تبكي منذ سماعها خبر موت والدتها وهو لا يعرف كيف يواسيها ..حسنا في الواقع هو لا يشعر بالحزن على سناء ..تلك المرأة القوية الصلبة القاسية ... ماتت وهي في بلاد الغربة ..والادهى من هذا كله ان لا احد يعرف كيف توفيت ؟! ماهي تفاصيل او اسباب وفاتها ... ولولا تلك الرسالة ربما لم يكونوا ليعرفوا بوفاتها حتى لو بعد عشر سنوات ... فهي بالحقيقة لم تكن محبوبة من الجميع الا طبعا من والدته وحبيبة !!!


تنهد قائلا وهو يجلس امام زوجته

- ماذا الان ؟!!!

نظرت له بعينين محمرتين وقالت من بين شهقاتها الخافته
- ماذا يازهير ؟!!
- الى متى ستظلين تبكين عليها ؟!!
عبست وقالت بصوت مهتز
- ما الذي تقوله يا زهير ؟!!!! كانت والدتي اتفهم !! والدتي ...
هز رأسه بتهكم وسخرية لم يتعمدها ابدا
- ااه اجل والدتك التي رمتك في منزلنا وكأنها تستعر منك
هتفت ببكاء وقوة
- - زهير ..ارجوك كف عن هذا الكلام
نظر لها بهدوء ... كان غير مقتنع بما تفعله حبيبة ...لماذا تبكي على إنسانة كانت تكرهها وتحقرها دائما امام الجميع !! اجل سناء كانت تحتقر حبيبة وتسمعها كلاما جارحا ومؤلما امامهم كلما كانوا يأتون لزيارتهم ... وكلما زادت هي بقسوتها زاد هو شفقة على حبيبة وبغضا وحقدا على سناء ...هذا ما زرعته خالته ..اجل لقد زرعت الكره والحقد وجاء وقت الحصاد !!!
لكن رغم كل ذلك لا يسعه الا ان يقول فليرحمها الله ويغفر لها ! الميت لا تجوز عليه الا الرحمة
اجابها بجفاف
- مابك هل قول الحقيقة يؤلمك ؟! ام تريديني ان اكون منافقا وادعي الحزن عليها ؟!
اتسعت عينيها برفض قبل ان تهمس بألم وقهر
- رباه زهير !!!!
ليرد بقوة وصلابة غير نادم على كل كلمة تفوه بها
- اجل لست حزينا في الحقيقة .... فلنتكلم بصراحة يا حبيبة ... كلانا يعرف جيدا بأن والدتك كانت قاسية ..قلبها صلب كالحجر تماما بل حتى الحجر في بعض المرات يمكن ان يتزحزح و يلين وينبت زهرا الا هي ... ظلت صامدة بقسوتها وقوتها !!! تلك هي الحقيقة التي لا تريدين الاعتراف بها !
همست بتخاذل وخجل ..اجل هي خجلة من طريقة تعامل والدتها معها .... كيف كانت تقول لها امامهم بكل قسوة وسخرية .... بلهاء وغبية ..عديمة النفع كوالدك تماما !!! لقد بحثت داخل عقلها عن اي موقف او كلمة حنونة قالته لها ..لكنها للاسف لم تجد ..لم تجد شيئا ابدا

- رغم كل شيء هي تبقى والدتي يا زهير وقد كنت احبها جدا
رد زهير بهدوء وقد تحولت نظراته الباردة الى اخرى حنونة وعاشقة
- لا ...سناء لم تكن والدتك يوما .... انا والدتك !
رفعت عينيها تنظر له بدهشة وعدم تصديق ليردف قائلا بثقة واصرار

- لا تنظري لي هكذا يا فتاة !!! اجل انا والدتك ووالدك ..انا صديقك وشقيقك وزوجك ... انا كل عائلتك يا بطتي ....

اقترب منها اكثر ليحتضنها بين ذراعيه هامسه بمزاح ومرح وهو يمسح رأسها بحنو ... دافنا وجهها بصدره
- امسحي دموعك .... لا احب ان أراك تبكين قلبي ينقبض ويؤلمني بشدة !

سحبت نفسا مرتجفا وهي صامته ... مستكينة بين احضانه بهدوء .... لأخر لحظة كان هناك شعاعا للامل يتسرب داخل ذكرياتها القاتمة الخاصة بوالدتها .... لاخر لحظة تمنت ان تتصل بها او تعود لارض الوطن .... لايزال هناك الكثير من الامور التي كانت تتمنى ان تفعله معها ..... لايزال هناك الكثير من الكلام والعتب تختزنه لها في قلبها وعقلها
للان تتذكر عندما كانت في المشفى تحديدا في صالة الولادة بينما الممرضات يحطن بها من كل جانب.... كانت تنادي بأعلى صوتها امي ...امي .... اريد امي
حتى ان احدى الممرضات اشفقت عليها قائلة ..والدتك تنظرك في الخارج ولا يسمح لها بالدخول .... الممرضة كانت تظن ان الخالة سعاد هي والدتها !!! صحيح ان خالتها حنونة معها جدا بل هي احن واقرب انسانه لها في الوجود ربما حتى اقرب من رضاب .ولم تقصر معها منذ الطفولة والى الان .... دائما تقف معها والى جوارها ..... لكنها ايضا احتاجت والدتها بهكذا موقف ..... احتاجت لدعمها .... احتاجت لنصائحها الأمومية ... احتاجت لان تحمم طفلها هي ... تحمله هي ... تشاركها لحظاتها الاولى هي .... وحتى عندما تزوجت ...كم تمنت ان تقف والدتها لجوارها ...تمنت ان تنام بأحضانها قبل ليلة زفافها تماما كما فعلت تبارك ! لكنها لم تكن موجود ...دوما كانت تخذلها ومنذ زمن طويل ...اجل خذلتها للمرة الاخيرة بموتها وهي لم تسمع منها كلمة حب او حنان واحدة .. واحده فقط !!!
عندما كانت تنظر للعلاقة التي تربط اي ام مع ابنتها كانت تشعر بالغيرة الشديدة ..... اجل كانت تغار وتحسدهم .... لماذا هي ليست مثلهم ؟!! لماذا والدتها لا تحبها هكذا !! لماذا هي منبوذة ووحيدة ؟! لكن رغم ذلك هي تحبها .... فهي كانت ولا تزال والدتها التي تكن لها كل الحب الذي في الدنيا ...وليسامحها الله ويغفر لها كل ما كانت تفعله بها !!


........................

بعد مرور اسبوعين
..............

الأيام تسير بطيئة ..وثقيلة جدا ..... كانت تنظر ظهور نتيجة الحمل بلهفة يشوبها الذعر والخوف .... حتى وان كان ايجابيا والحمل تم بالفعل فلا يزال امامها مشوار طويل هذا ان ثبت في رحمها ولم يحدث بها كما في المرة السابقة حين انتهى حملها بعد مرور وقت قصير جدا ....
مع كل ساعة تمضي كانت تدعي الله ...وقلبها يخفق بشدة ....فهاهو اليوم الذي يتم فيه التحليل قد اتى أخيرا متزامناً مع صبرها الذي يكاد ينفذ من شدة الترقب والانتظار
وقد كانت النتيجة ايجابية ... اي انها أصبحت حامل ... حامل للمرة الثانية
استقبل وليد الخبر بفرحة عارمة .... بكل ثانية يردد دون كلل او ملل (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )
ليس هو فحسب من شعر بالسعادة والحماس بل شاركه كل من في المنزل خاصة الخالة سعاد التي رغم حزنها على شقيقتها الا أنها لم تستطيع ان تخفي سعادتها التي انعكست على ملامح وجهها المتعب ....والدتها بدأت بإصدار اولى تعليماتها الصارمة والتي لا تقبل النقاش ... أولها هو عدم الحركة المفرطة واكل الطعام الصحي !
اما هي ... فهي قد اكتفت بابتسامة صغيرة وسعادة غير مكتملة .... لن تستطيع السيطرة على قلقها ما لم يمضي عدة شهور ويثبت الحمل .... هي لن تعيش الأمل كما في المرة السابقة ثم تذهب كل أحلامها الوردية ادراج الريح ..لا يزال الوقت مبكرا والحمل في اول أيامه


................

نهاية الفصل

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن