26

257 14 0
                                    


الفصل السادس والعشرين
....................................
كانت نظراته الغاضبة المعارضة لوجودها هنا واضحة تماماً ... قال بهدوء متجاهلا كلام والده
- انت لم تجهضي الطفل !!!!
اختنقت انفاسها شعرت بالذل والضآلة ...وكأنها فتاة ليل رخيصة لا يساوي قدرها قضاء ليلة واحدة فقط لتجيبه بهمس منكسر وهي تنظر له بعينان دامعتان
- لم استطع ...لم استطع صدقني كنت ..خائفة ووحيدة
هتف والده يقاطعة بحده وغضب
- اذن انت تعترف انك والد الطفل ؟!
جلس سليم صامتاً متجهماً ومن خلال تعابير وجهه المظلمة تأكد والده دون الحاجة لسماع رده بأن هذا الطفل فعلا ينتمي لولده .... تنهد بخذلان وضعف وهو يقول بصوت متعب
- لماذا يا ولدي ...لماذا ضيعت مستقبلك و دراستك ... خمسة اعوام .... اتدرك معنى ان تسجن لخمسة اعوام !!!! لولا حنكة وشطارة المحامي الذي برع بأثبات انك مدمن وانك لم تكن بوعيك في حينها لربما حكم عليك بضعف المدة !!!!
ليكمل بيأس وكأنه يوجه كلامه للحائط فولده مما يبدو لم يكن متأثراً بكلمة مما يقول
- لطالما كنت عنيداً .... مندفعاً ومتهوراً .. ظننت ان ما يصيبك هي مجرد نزوة لشاب في مقتبل العمر ..لم انتبه لك ...لم الحظ تصرفاتك المستهترة ..كنت دائما اقول عندما يكبر قليلا سيعقل ويكون اكثر اتزاناً ....انشغلت بعملي وسفري ... كل همي هو ان اُأمن لك حياة رغيدة .... لم ادرك اني ربيت داخل منزلي وحشاً ...قذراً لا يفكر بعواقب الامور ....
سليم كان يستمع بصمت ..... بينما من صلابة فكيه وضغطه عليهما كان يتضح بأنه بدأ يتأثر قليلاً بما قاله والده ....
اما هي ... فقد كانت شاردة ... تستمع لما يدور وكأن أصواتهم هي مجرد ضوضاء تصلها من خلف الزجاج ... دمعت عيناها مرة اخرى وهي تتذكر والدتها .... ليس سليم من تحطم فقط ..هي ايضاً تحطمت .... شلل والدتها كان بسببها هي ...للأن تتذكر كيف الشك بدأ يساورها وهي تلمح وجهها الشاحب وغثيانها الصباحي ....عرفت بحدس الأم الذي لا يخطئ ان ابنتها لم تعد بريئة .... بكل مرة كانت والدتها تطالبها بالذهاب الى المشفى لأجراء الفحوصات لها للأطمئنان عليها لكنها كانت تتهرب ...الى ان حاصرتها وقالت
- افندرا اليوم سأتصل بممرضة اعرفها منذ مدة وسأطلب منها ان تأتي لتفحصك ..ولا مجال للرفض
وما ان تحركت حتى هتفت افندرا برعب
- انتظري امي ...س..س..سأخبرك بكل شيء لكن ارجوك ...لا تغضبي مني ..انا ..انا ...كنت غبية ..غبية وساذجة
بدأت بسرد كل شيء لوالدتها ...اخبرتها عن زواجها العرفي من سليم ..حملها بطفلة ... ومطالبته اياها بأجهاضة ..وما ان اكملت كلامها حتى التفتت لتنظر لوالدتها التي شحبت شحوب الموتى ولم يمضي الا ثوان ..ثوان معدودة لتفقد وعيها وترقد رقدتها الطويلة ...فقد اصيبت بالجلطة التي سببت لها الشلل في قدمها ويدها ...وهي الى الان لا تكلمها ولا تنظر حتى الى وجهها رغم انها تتوسلها كل يوم وتطلب الغفران والسماح منها !!!!
رفعت نظراتها الحرجة لوالد سليم ..ذلك الرجل الطيب الذي وقف جانبها وتكفل بعلاج والدتها .... تفاجأت قليلا من لطفه وتفهمه ... ربما يعود ذلك بسبب انها لم تحتك به ...كان اغلب همها واهتمامها منصباً على سليم فقط ....لذلك لم تلحظ ذلك الجانب من شخصيته !! او ربما بسبب مصاب ولده وفضيحتهم بعد ان فصل من الجامعة كان كفيلا بأن يزرع الرحمة بقلبه !! او ربما رحمة الله التي وسعت كل شيء هي من فتحت امامها ابواب العفو والغفران بعد ان اقسمت وعاهدت ربها اولا ثم والدتها ثانياً بأنها ستكفر عما اقترفته سابقاً من معاصي وآثام !
وبعد تفكير طويل دام لعدة اشهر تشجعت و قررت الذهاب اليه واخباره بكل شيء خاصة وان بطنها بدأت بالظهور بشكل واضح وملفت ... حتى انها اخذت له نسخة من العقد العرفي الذي كان يحتفظ فيه سليم في ذلك الكوخ الذي كانوا يلتقون فيه !!
اخرجها من شرودها صوت والده الامر وهو يقول بلهجة صارمة لاتقبل الشك او المعارضة
- غداً سيأتي المحامي وستعمل لي توكيل لكي اتمم زواجكما في المحكمة قانونياً ..انا لن اسمح ان يولد حفيدي بزواج عرفي ...
همس سليم بصوت خشن وحاد
- ابي ..انا ...لا استطيع ..ان
اسكته والده وهو يرفع يده قائلا
- انت ستصمت ولن تقول شيئاً ...انا لم اتي لأخذ رأيك ..ستوافق على كل ما قلته دون اعتراض !
لم يكن امام سليم اي وسيلة او حجة للرفض ... كذلك لم يكن لينفي نسب الطفل له .... ليس بعد ان هدده والده بأجراء تحليل الحمض النووي ليثبت ان الطفل له بكل سهولة وبساطة ....
ليكمل والده بصرامة
- عند خروجك ان شاءلله انت حر التصرف ..اما ان تبقيها على ذمتك او ان تطلقها ...
نظر سليم ناحية افندرا وعيناه مظلمتان مخيفتان ...تكاد تجزم بأن الامر لو كان بيده لقتلها الان بالتو واللحظة ... هتف والده بحدة وصرامة
- اسمعت ما قلت يا ولد !!!!
انتقلت نظراته الى وجه والده الشاحب ليدرك انه خسر كل شيء ولا يوجد ما يخسره اكثر ...اومأ صامتاً وهو عابس الوجه ليكمل والده
- اقسم يا سليم ..اقسم بالله ..ما ان تخرج من السجن سأبدأ تربيتك من جديد وانا جاد فيما اقوله وسترى

.............................
.....................................
كانت متجمدة ..تنظر له بعينان متسعتان ....هو قال انه تعرض لحادث طفيف ..أهذا هو الحادث الطفيف ...احدى عينيه الحنونتان مفقوعة ونصف وجهه محترق ..بينما يده تستند على عكاز خشبي !!!!! منذ الصباح وشعور بالضيق والانقباض يجثم على انفاسها .... لكنها لم تهتم ... لم تفكر ولو للحظة واحدة ان مكروهاً قد اصاب اخيها !!! اي مكروه !!! لقد تشوه نصف وجهه ! أيوجد افضع من هذا !! كانت متصنمة .... قدماها ملتصقة في الارض .. وكأنها تشاهد حلماً مزعجاً ... بل وكأن هذا الماثل امامها هو شبح عبد العزيز وليس هو ...ليس اخيها الحنون ... ملامحه تغيرت ....برود صقيعي استحل عينه السليمة ! رباه ! مالذي حدث !!! اين عزوز ! اين اخيها !!!!
لم تعرف عدد الدقائق التي تبادلت بها النظرات المصدومة الغارقة بالدموع وهما يقفان امام باب الشارع ... وكأن الوقت قد تجمد هو الاخر ... حركت قدميها المتصلبة وارتمت على صدره تعانقة وهي تهمس بكلمات بالكاد تخرج من شفتيها اللتان ابيضتان بشحوب
- عبد العزيز ..اخي ...اخي ..مالذي جرى لك ...عبد العزيز
منذ الفجر قرر ان يعود الى اربيل ... يكفي ..لقد مر على خروجه من المشفى يومان ... تخلص من الجبيرة التي كانت تثقل ساقه .... لكن للأسف العرج لازال واضحاً بها ... فهي تؤلمة قليلا ما ان يضغط عليها ... الطبيب طمأنه قائلا بأنه يحتاج الى عدة اسابيع اخرى لتشفى تماماً ...
استقل سيارة للنقل الجماعي منذ وقت مبكر ... ثم توجهه الى اربيل ... المواجهه لابد منها ... لا حاجة لتأجيلها اكثر من ذلك ... كما انه قلق على اخته من بقائها وحيدة رغم انه يعرف ومتأكد ان الجيران الطيبين بالإضافة لتبارك لن يتركوها ابداً ...
كان يعلم ان رونق ستصيبها الصدمة من رؤية وجهه المشوه ... لكن ماذا سيفعل هذا قدره ... كان يتسأل للمرة الألف لماذا لم يمت في ذلك الانفجار ما الحكمة بان يظل محتملا منظرة البشع هذا طوال حياته لكنه يعود ويستغفر الله مرة اخرى .... الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه ... احتضن رأسها الملقى على صدره هامساً بألم
- فلندخل الى المنزل يا رونق وانا اخبرك كل شيء
............................
البصرة
..............
يجلسون أرضا في صالة المنزل حيث صينية الطعام وضعت في منتصفها ...يأكلون بصمت ..كانت والدته تنظر له بين الحين والاخر بنظرات غريبة ومتفحصة ...كان يعلم ان وراء نظراتها هذه شيء ما .. فهي ومنذ عودته من اربيل ترمي عليه الكلام المبطن ... وتحدق فيه ببرود وغموض ... هي تفكر بشيء ما ... شيء يخص رضاب ...وها قد صدق حدسه اذا قالت بفتور وهي تقلب الطعام
- لم تخبرني عن سفرتك الأخيرة ...كيف كانت ؟! هل وفقت بعملك ؟!
ابتلع اللقمة التي بفمه واجابها مبتسماً
- الحمدلله الرحلة كانت موفقة جداً
اومأت وقالت ببرود وفتور لم يرق له ابداً
- لم يكن هناك داعٍ لأخذ ملك معك !
ترك الملعقة من يده ووضعها على الطبق ... سحب نفساً عميقاً وهو يفكر ....لماذا يدعي ويكذب عليها !! هو لم يفعل شيئاً يخجل منه ..ثم ذهابه الى حفلة الزفاف كان بسبب دعوة وليد و لولاه لم يكن ليذهب ويفرض نفسه هناك ابداً .... ثم هو بالفعل ذهب الى تاجر يبيع المواد الأنشائية بثمن ارخص كان صديق له قد نصحه بالتعامل معه ..اجابها بهدوء وجدية
- الحقيقية يا امي انا أخذتها من اجل رؤية والدتها ....
قاطعته بسخرية وتهكم
- حتى انت !!! حتى انت تقول والدتها !! عجيب مايحصل واللهِ !!
لتضيف وهي تضع يدها تحت ذقنها مستنده بكوعها على فخذها
- ثم انا كنت اعرف جيداً ... انك زرتهم لكني لم أشاء إحراجك ... اردتك ان تتكلم من تلقاء نفسك ... فتلك العفريته الصغيرة لم تهدأ وتكف عن ثرثرتها التي صدعت رأسي بها ....
نظرت له بعتاب وتأنيب متعمدة ان تشدد على كل كلمة تقولها
- لم اكن انتظر منك هذا يا معاذ ..تكذب على والدتك بهذا الشكل ! وبعد هذا العمر!!
اجابها بهدوء ..وكأنه لم يهتم بنعته كاذب ولماذا يهتم ان كان بالفعل لم يكذب عليها
- لم اكذب عليك اماه ...انا ذهبت لرؤية التاجر كما ان وليد ابن خالة رضاب فاجأني حين قام بدعوتي لحفل زفافه ..وليس من اللائق ان اتحجج ولا البيها ...وانت خير من تعرفين بالاصول والواجب يا زوجة ابن اكرم شيوخ البصرة !
صمتت تنظر له وملامحها مبهمة ... الماكر مسكها من اليد التي تؤلمها وذكرها بكرم ابيه رحمه الله ... منذ متى تعلمت ان تراوغ وتتلوى بالكلام !! لكن ماذا سأقول انها تلك الساحرة ...لقد سحرتك تماما مثلما سحرت ملك بسحرها الاسود المشئوم ... همستها ثم عادت تأكل الطعام صامته ...كانت ملك تأكل دون ان تعيرهم ادنى انتباه لكنها رفعت راسها تنظر لجدتها عندما قالت مرة اخرى
- اخبرني عن هذه ما اسمها ... اجل رضاب !! كيف شكلها ؟! أهي قبيحة ام ...
وقبل ان تكمل هتفت ملك بحمائية وغضب حقيقيين
- لا تقولي عن امي قبيحة ...هي جميلة جداً جداً
ابتسمت جدتها واجابتها وهي تحاول ان تكتم غيضها وغيرتها من حب حفيدتها لهذه المرأة الغريبة
- اها !!! اذن هي جميلة ؟! ماشاءلله ..ماشاءلله
ثم رفعت نظرتها لمعاذ قائلة بجمود
- أحقاً هي جميلة يا ولدي !
تذكر عيناها البنيتان ...وجهها المدور الناعم .. شفتيها ... انفها .... ابتسامتها الساحرة ..وصوتها المنخفض ...لم ينتبه لتلك الابتسامة الصغيرة التي ظهرت على زاوية فمه ولا على الحسرة العميقة التي رماها بحرارة وكأنه عاشق مشتاق لمعشوقته البعيدة .. رفع كتفه وتنحنح قائلاً وهو يقلب شفته مدعياً اللامبالاة
- لابأس بها امي ..لاباس !
اومأت والدته ونيران الغيض والانزعاج اخذت تصاعد داخلها لتجيبه ببراءة مصطنعة
- يبدو انها امرأة كبيرة السن وناضجة اليس كذلك !!
اجابها وهو يتابع اكل الطعام بهدوء يحاول الهدوء والاجابة بعقلانية ودون اندفاع ... لكن ما كان يحدث داخله لايمت للهدوء بصلة فقلبه اخذ يخفق بشدة منذ اللحظة التي نطقت والدته اسمها ...
- لا امي ليست كبيرة جداً ربما في بداية العشرين !!!
تابعت هجومها واسئلتها المريبة الفضولية وكأنها محقق محنك
- هل هي متزوجة !!!
رفع معاذ عينيه الزيتونيتن وهو يوقف متابعة الاكل ليجيبها بأقتضاب
- مطلقة
لوت فمها يمياً ويساراً بعدم رضا ثم قالت وهي تعود بظهرها الى الوراء مستندة على طرف الاريكة
- ولماذا تطلقت ؟!
اجابها معاذ بضيق بينما نبرة والدته المشككه الساخرة لم ترق له اطلاقاً
- ماذا هناك اماه ! وما ادراني انا ماهو سبب الطلاق ! هل كنت سأسألها !
قالت بتعمد وحقد وهي تتجاهل كلامه وتأنيبة الطفيف
- الله وحده يعلم مالذي فعلته لتتطلق وهي صغيرة السن هكذا !!
لم يرد عليها معاذ بحرف بل نظر لملك التي انهت طعامها بصمت ليأمرها بلطف وحنان
- اذهب لغسل يديك وفمك ومنها طيران لغرفتك لتأخذ قيلولة الظهيرة
اومأت الطفلة بطاعة وهبت واقفة لتفعل ما قاله عمها وما ان غادرت حتى التفت معاذ ينظر لوالدته بعتاب بينما نار مشتعله اندلعت بقلبه وجوفه حتى انه فقد شهيته للطعام بسبب ما قالته والدته بحق رضاب ... الفتاة طيبة ورقيقة .. ومن الحزن والشجن المرسوم على تقاطيع وجهها الناعم يكاد يجزم ان سبب الانفصال هو من زوجها وليس منها ...
- حرام ما تقوليه يا اماه ... وما ادراك ان السبب ليس من زوجها !!! لماذا دائما اللوم يقع على المطلقة فقط !!! ثم انت امرأة مؤمنة وقد زرت واعتمرت بيت الله ... كيف تطعنيها بهذا الشكل وانت حتى لم تريها ! ولم تتعرفي عليها !!
الم يقل الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
صدقت خلفه بخجل وهي تقول بأعتذار
- معك حق يا ولدي ...انا اسفة ... سامحني ..
اجابها وهو ينهض متمتاً بالحمد
- لا تعتذري مني يا امي بل استغفري الله واطلبي السماح منه و الغفران ....عن اذنك سأذهب لارتاح قليلا
تبعت نظراته وهي تهمس بشك
- اقسم يا معاذ انك ومنذ عودتك لم تعد خالي الوفاض ....هناك شيء مريب يحصل معك ... والله يستر ان كان حدسي مصيباً !!
.........................
...................................
حينما تحسّ ُ انك تستحقّ الحياة .. ولكن لاشئ في الحياة يمنحكَ هذا الحق
فانتَ عراقي
حينما تحسّ ان انسانيتك قـد سُـلبتْ منك .. وحياتـُك وحياة ُ اطفالكَ لم تعد تهم احداَ سـواك .
فانت عراقي
حينما تحسّ ُ بالمهانةِ لحظة تترك بيتك متوجّها الى اي كوكب في العالم .. خال ٍ من الموتِ والدم والخراب
فانت عراقي
.........
كانت تستمع لأخيها وهي تشعر بالحرقة والألم ... الحرقة من اجل بلدها الجريح الذي للان جرحة لم يلتئم بعد ... فما ان يلتئم قليلاً حتى يعاود الجرحه النزف من جديد وبغزارة اكبر واقوى من السابق ... والألم من اجل اخيها الذي أطفئوا نور عينه الحنونة .....
مالذي اقترفوه ليحدث معهم كل هذا !!!! كل يوم تفجيرات ..اختطاف ..قتل ..سلب ... طائفية .... الى متى ..الى متى يبقى الحال هكذا ...اليك المشتكى يا الله .... همست بعينان دامعتان وهي تتقدم لتركع جالسة تحت قدمي اخيها ...كانت تحاول ان تواسيه وتخفف عنه ..لكن هل تستطيع !!!!!!
- لا تهتم اخي ...الحمدلله على سلامتك ..المهم انك بخير وعافية ...
اجابها بألم وقهر
- خير وعافية !!!! انت ترين اني بخير وعافية !!!!
ابتلعت ريقها وقالت بحنان
- كل شيء سيعوض يا عزوز ما....
قاطعها هاتفاً بقوة
- يعوض !! مالذي سيعوض يا رونق !! عيني التي فقعت ام وجهي الذي احترق نصفة !!! ام ربما قدمي التي للأن كسرها لم يلتئم بعد !!!
اجابته ببكاء وهي تحاول تهدئته
- بلا ..بلا ..يا عزوز سنعوض كل شيء .... انت لازلت شاباً ... الحياة السعيدة امامك تنتظرك يجب ان لا تيأس وتستسلم ..... كما ان تبارك ..
ما ان نطقت اسم تبارك حتى احس بطعنة استقرت بأحشائه .. هو لا يريدها ....لا يريد شفقتها ....كما لا يريد احرج نفسه ...فهي حتما ما ان تراه ستتحجج بأية حجة لكي تتملص من الارتباط به ..هي منذ البداية كانت مترددة بقرارها ... فكيف الوضع الان وهو بهذا الشكل المنفر !
قاطعها بهدوء ومعالم وجهه باهته وباردة
- فليستر الله عليها وعلى سائر بنات المسلمين ... ستجد رجلا يستحقها ..مسألة الزواج ازحتها من رأسي نهائياً ...نهائياً يا رونق ...ولا تفتحي هذا الموضوع معي مرة اخرى ان كنت تريدين راحتي وسعادتي فعلا !
هبط قلب رونق ليسقط بقوة عند قدميها بينما شحب وجهها شحوب الموتى وهي تجيبه متسعة العينين
- وما ذنبها يا اخي ..هي ....
قاطعها مره اخرى بألم وقهر
- اجل معك حق ... ماذنبها لتقضي بقية حياتها مع ..مع نصف رجل !!!
ثم نظر لها قائلا بضعف وانهاك
- وانت ايضاً يا رونق !
همست والعرق الغزير يتجمع على جبينها والذي التصق عليه شعيراتها المتهدلة المائلة للشقار
- انا ماذا يا عزوز ؟!
ليجيبها بابتسامة صغيرة بائسة
- انت ايضاً لست مضطرة للعيش مع شخص مشوهه مثلي ..يمكنك السفر لخالتك و..
قاطعته بسرعة وهي ترتمي على صدره تطوق عنقه بذراعيها الحانيتان هامسه بنشيج متألم
- رباااااااه ..رباااااااه ..عزوزو اصمت ولا تنطقها بالله عليك ..لن اتركك الا ان طردتني انت بنفسك ... انت اخي وابي وامي ... انت لي كل الدنيا ...كل الدنيا يا ابي
ربت على ظهرها بحنان وابتسامة ضعيفة ترتسم على شفتيه ليهمس قائلا
- انا تعب ..تعب جداً يا رونق ..اريد ان ارتاح ...
اجابته وهي تبتعد عنه قليلا
- اذهب وخذ حماماً دافئا ريثما اجهز الطعام لك !
اومأ متنهداً بعمق ليقف متثاقلا ثم اجابها بنبرته الحنونة
- اجل انا جائع جداً جداً ومشتاق لطعامك اللذيذ
اجابته بابتسامة صغيرة وهي تمسح دموعها
- الان سأجهز كل ما تحبه يا عزوز ...
تركها ليكمل طريقة بخطوات يشوبها عرج طفيف .. حسناً لقد توقعت ردة فعله الطبيعية هذه ... بالتأكيد سيرفض الزواج ظناً منه ان تبارك ستشفق عليه او تشمئز منه ...لكن لا ليست تبارك من تفكر بهذا الشكل ...لقد عاشرتها وعرفت معدنها الاصيل ... وتبارك تحب عزوزو بصدق ... احبت روحه وحنانه قبل ان تحب شكله الخارجي ...وهي متأكدة من ذلك .... تبارك اكبر واعقل من ان تنهي وتسحق سعادتها من اجل قشرة خارجية زائلة ....تتمسك بزبد البحر وتترك الذهب والمعدن النفيس
توجهت للمطبخ وهي تهمس بخفوت واصرار ..
وانا لن أيأس يا عزوز ...سأفتح معك الموضوع مرة ومرتين وعشرة الى ان تلين وتقتنع
... اجل سيلين ورغماً عنه ..الان هو لازال مصدوماً مما اصابه لكنه بالتأكيد سيهدأ ...يحتاج لبضعة ايام ويهدأ ..وهي لن تتصل بتبارك ولن تخبرها شيئاً ... ستنتظر وترى ما سيحصل مع اخيها العنيد !

...............................
.......................................
بعد نهار طويل جداً قضياه بالتجوال في ارجاء محافظة السليمانية حيث ... شلالات احمد آوى وبحيرتا دوكان ودربندخان جعلتا المدينة محط نظر ووجهة سياحية يقصدها السواح في فصل الصيف، فضلاً عن العديد من الفنادق الحديثة مثل فندق هاي كرست وفندق أرين الذي يطل على بارك آزادي وجبل أزمر وفندق السليمانية بالاس.
ثم زارا متحف السليمانية والذي يعد ثاني أكبر متحف في العراق بعد المتحف العراقي في بغداد إذ يحتوي على الكثير من التحف الكردية والفارسية القديمة التي يعود تاريخها إلى 1792-1750 قبل الميلاد
لكن ما فاق حدود الوصف والخيال هو جبل ازمر .... الذي يعد أحد المرتفعات الجبلية السياحية في المدينة حيث الطقس فيه معتدل وصافي إذ يرتاده السواح في فصل الشتاء للاستمتاع بمنظر تساقط الثلوج وفي فصل الصيف للاستمتاع بالجو المعتدل والمناظر الطبيعية فضلا عن وجود عين ماء طبيعية
وقفت تنظر لقميص نومها الابيض الذي اختارته بعد عناء طويل ...فهي ومنذ الصباح لمست واحست بتغير مزاجه .... اجل كان متغيراً حتى وان كان لايزال يدللها ويمزح معها بالكلام الا ان نظرة عينيه المؤنبة لم تخطئها ابداً ... مشطت شعرها الحريري عدة مرات وبتوتر وخجل ... القميص كان ناعم الملمس ... يحتوي على حمالات رفيعة ... رغم قصره الذي وصل الى منتصف فخذيها الا انه يعتبر محتشماً مقارنة بما احضره وليد لها اول ليلة ... لن ترتدية مرة اخرى فهو قميص منحوس ... ارتدته مرتان وفي كل مرة كانت تصاب بالذعر والخوف ... لكن اليوم هي اكثر شجاعة وجراءة

خرجت من الحمام وهي تجر اطراف القميص لتغطي قليلا من فخذيها الظاهران بسخاء ... لكن لمن فقد كان وليد يجلس على الفراش جذعه العلوي عاري تماماً بينما الجزء السفلي مغطاة بالشرشف الحريري الأبيض والذي ناقض لون بشرته السمراء ... يركز نظراته بهاتفه المحمول ... وما ان لمحها بطرف عينه حتى رمى الهاتف على المنضدة ثم تمدد و اولها ظهره بعد ان رماها بنظرة لامبالية
تقدمت بخطوات صغيرة وحرجة ... حرجها كان من لامبالاته وبروده ... وكأنه لم يهتم لما ترتديه له !!
اندست تحت الشراشف المخملية وهي تحدق بظهره العريض الاسمر ... انتقلت وتجولت عيناها اللامعة على تلك الخطوط الدقيقة ... والعضلات القوية النافرة .... ليخفق قلبها بعنف شديد ... رباه كم تحب هذا الرجل الحنون ....
انتظرت ان يلتفت لها لكنه كان يتجاهلها وكأنها غير موجودة ....قضمت اسفل شفتها بتوتر وخوف وهي تتساءل بصمت ..أمن المعقول ان بالفعل مل منها ومن طفوليتها المزعجة ؟! اجل ..ربما مل منها !!! ماذا ستفعل ! كيف تفتح معه موضوعاً للحوار وهو يتجاهلها بهذا الشكل !!!

انتبه لها منذ لحظة خروجها من الحمام ... اندلعت نيران الرغبة تنهش جسده الصلب نهشاً الا انه قرر ان يتبع اسلوباً جديداً الا وهو اسلوب التجاهل واللامبالاة ...لقد اتعبته بتذمرها ودلالها في اليومين السابقين ويجب ان تدرك انها لم تعد طفلة .. بل هي امرأة ناضجة جسدها يصرخ بأنوثة طاغية تطيح من اجلها رؤوس اعتى الرجال .... بل تغوي الناسك المتعبد وتخرجه عن شعوره ... كما انها شابة متزوجة ويجب عليها ان تحترم رغبات زوجها ... تعطيه حقوقه دون تذمر وبكاء ... خاصة وانهم سيعودون الى اربيل بعد خمسة ايام ...خمسة ايام فقط ... وهما لا يزالان كالأغراب تماماً ... فهما قد اتفقا على امضاء اسبوع كأجازة زوجية لهما فهي لاتزال تدرس وامامها امتحانات نهاية العام و التي لم يتبقى عليها الكثير ...اما هو ... فهو الاخر مرتبط بأعمال المزرعة والبستان الذي سلم زمام اموره لكبير العمال ...
مشكلته الوحيدة الان هو انه يحبها لا بل يعشقها وهو لا يريد اجبارها على المعاشرة الزوجية بل يجب ان تكون راضية وراغبة به .... تريده بالقدر الذي يردها هو !
كما انه بحكم سنة يعرف كيف يسيطر على رغبته ويلجمها .... لكن للصبر حدود ... وطاقه صبره وصلت معها لأقصى حد ... بعد مرور عدة دقائق من الصمت سمع صوتها الهامس وهي تقول
- وليد ...هل ..هل ستنام الان !!
اجابها بابتسامة ماكرة وهو لايزال مولياً اياها ظهره
- اجل ! هل هناك شئ تريدينه ؟!
قالت بطفولية واندفاع غير متعمد بينما اصابعها راحت تتبع خطوط ظهره بلمسات ناعمة جداً
- استدر ناحيتي يا وليد ..انا ..انا ..اخاف النوم هكذا!!
كم اسعده ما قالته ... كان يريد ان تتوسله اكثر لكن ماذا يفعل مع قلبه الابله العاشق الذي ما ان يسمع نبرة صوتها الناعم حتى يضخ الدماء الساخنة في جسده بحرارة وقوة وكأنه مضخة كبيرة وسريعة .... كما ان لمسة اصابعها الرقيقة جعلت سخونة جسده ترتفع وكأنه مريض محموم ودرجة سخونيته فاقت ال 40 درجة
استدار ناحيتها واخذ يرمقها بنظرات متفحصة ...نظرات فضحت رغبته واعجابه بها ... كان يود ان ينقض على هاتان الشفتان المطليتان بأحمر شفاه طبيعي ومكتنزتان الى درجة انها سببت التواء حاد في امعائة وكأنه تلقى لكمة قوية في بطنه
- ماذا تريدين يا غسق !!!! فأنا تعب واريد النوم !!
همست بخفوت وخجل وهي تتراجع للوراء قليلا
- وليد انا ..انا ..اريد ان اقول ...بأني .. اريد... اريد
بحركة رشيقة وبخفة اعتلا فوقها وقرب وجهها منها قائلا بهمس وعشق
- بل انا الذي اريد ... اريدك ... انت غسقي ... اريدك الى درجة لا تتصوريها ..
اجابته صامته بابتسامة صغيرة وخجولة ليكمل محذراً بجدية
- لكني احذرك ..ان بدأت لن اتركك حتى لو بكيت وصرختِ ...
ثم رفع حاجبه الايسر بتحدي وعجرفة ... تسللت ذراعيها بصمت وتردد ... لتتخلل شعره الكثيف بأصابعها المرتجفة ... لينحسر الشرشف مظهراً مقدمه صدرها المكتنز فيما دفنت وجهها برقبته القوية وطبعت قبلة رقيقة وصغيرة وكأنها رذاذ مطر يسقط على اوراق الشجر ....قبلتها كانت كفيلة واكثر من كافية لتفجر ينابيع الرغبة التي كانت مندلعة في جسده من الاساس ... غرس اصبعه بطيات شعرها العسلي ليرفع رأسها وينحني مقبلاً خط رقبتها وذلك العرق النابض فيه .... ابتعد قليلا يحدق نظراته المظلمة العميقة على وجهها المتورد ... ليهمس بحشرجة
- انت جميلة جداً ... لا ..بل رائعة الجمال غسق ...
ثم يدأ يقبلها من جديد ... يقبلها بجوع ...جوع شديد وشراهة اشد ... وكأنه لم يقبلها ابداً بحياته ... وما ان تعمقت قبلاته بأزدياد لمساته الجريئة حتى بدأت تتذمر كالعادة وهي تحاول دفعه عنها لكنه لم يدعها ... لم يعطها الفرصة للتذمر والانسحاب ... ليس وهو يحترق كلياً وكأنه داخل فرن كهربائي شديد الحرارة .... تحطمت واندحرت مقاومتها وهي تواجه هذا الجسد القوي الضخم .. وتلك الرغبة المتوقدة ... لتستسلم له اخيراً وتعلن انهزامها لذلك الرجل الحنون الذي اصبح زوجها قولا وفعلا !!!!
وليد كان رائعاً ... حنوناً ... متفهماً ... والاهم من ذلك كان صبوراً ... صبره هذا جعلها تحدق به بعينان مندهشتان ..عاشقتان ..مفتونتان ....اجل كانت مفتونة حد الهوس بهذا الجسد الصلب الذي يضج قوة ورجولة .... ما حصل بينهما لم يكن اتصالا جسدياً فقط ..بل كان روحياً ايضاً ...امتزجت روحها داخل روحه المعطاءة ....اصبحا كياناً واحداً ...
خوفها وترددها لم يكن نفوراً منه او عدم ثقة ..بل كان خوفاً عفوياً ..غريزياً لما كانت تسمعه سابقاً عن ليلة الزفاف الأولى .... كان خوفاً وذعراً مزروعاً داخلها منذ فترة طويلة جداً ... لكن مع وليد نسيت كل شيء ..نسيت الخوف ...الخجل ..نسيت حتى نفسها .... تركيزها منصب عليه ..عليه هو فقط ...وعلى مايفعله ويلقنه لها بكل مهارة وعشق
بعد مضي فترة طويلة ابتعد عنها و قبل جبينها هامساً بخشونة مفرطة من شدة هيجان مشاعره الفاضحة
- مبارك يا عروس
همهمت ببعض الكلمات الخجولة وهي تجمع الشرشف الابيض قرب عنقها لتقول بخجل شديد وهي تسبل اهدابها الطويلة
- ا...امممم ..ادر وجهك الى الناحية الاخرى وليد
رفع حاجبية بتسلية وقال بمكر
- ولماذا يا زوجتي الجميلة ؟!
لتهمس وهي تجلي صوتها المبحوح
- ار..يد ..الذهاب للحمام .. ارجوك وليد .... ابعد نظراتك عني
قاطعها بغرور وثقة وهو يمسك ذراعها العارية الناعمة ...فهو سيكون مجنوناً بالفعل ان تركها تبتعد عنه خطوة ...الان بدأ شهر العسل ..الان فقط اكتشف معنى السعادة والحياة الوردية ... معها كان يلمس النجوم والسحب ... تذوق طعم الخمر الممزوج بشهد شفتيها ...
- ومن قال بأني سأسمح لك بأن تتحركي من الفراش ؟!
اجابت بعدم فهم وبرائة
- ما..ماذا تقصد ؟!
قال ببساطة شديدة وهويرفع حاجبيه الداكنان ....ملمس بشرتها الناعمة بينما رائحتها المنعشة تغلغلت لأنفاسه مرة اخرى لتوقظ رغبته الجامحة بها مرة اخرى
- اقصد اني لم اشيع منك فراولتي الشهية
قطبت بذعر وهي تهتف بأنفاس لاهثة ومذعورة
- ارجوك وليييييييد دعني...
تبخرت كلماتها عندما سحبها من رقبتها ناحيته مرة اخرى وشفتيها تلتهم شفتيها بقلبة اخبرتها جيداً ما ينوي فعله معها مرة اخرى ولم تملك الحق للرفض والاعتراض !!!

.........................
......................................
لو تعلمين كم أحبكِ
وكم أغار عليكِ
اغار عليكِ
من احلامي
من لهفتي واشتياقي
ومن خفقات قلبي
اغار عليكِ
من لحظة صمت بيننا
قد تبعدك بافكارك عني
أغارعليكِ
من لفتة نداء
قد تبعد عينيك عن عيوني
أغار عليكِ
من كل كلمة تقوليها
إذا لم أكون انا
حروفها و ابجديتها

منقول
.................
خرجت الى الحديقة بخطوات بطيئة وخفقات متعثرة ... قلبها كان يخفق بعنف شديد ..الحلم الذي رأته الليلة جعل جسدها ينتفض ...لا ...لم يكن حلماً .. كان كابوس بشع له مخالب طويلة نهشت جسدها الضعيف نهشاً .... اتكأت على الجدار وهي تستنق رائحة القداح الفواحة من شجرة البرتقال والنارنج .... والتي انتشر شذاها في ارجاء الحديقة الواسعة ..بينما العشب القصير بدى وكأنه بساط اخضر ... امتد تحت قدميها ....
هل من الممكن ان يتحول ذلك الكابوس الى حقيقة ...هل من الممكن ان يتزوج من جديد !!!!!
كان زهير يلبس بدلة رجالية سوداء يبتسم بسعادة وهو ينظر لتلك الفتاة التي تأبطت ذراعه بغنج ودلال ... رباه كم كانت جميلة ...بل كانت في غاية الروعة والُحسن ... وهي هناك ...تقف تنظر لهما من بعيد تذرف دموع القهر بحسرة .... هل كتب عليها الشقاء ؟! هل كتب عليها ان تعيش هكذا تنظر له كطفل يتيم ينظر دائماً لسعادة الاخرين ويحسدهم !!!
عندما استيقظت مذعورة انتبهت على انها كانت تبكي ...دموعها كانت تغرق خديها ...ستموت حتماً ان فعلها وتزوج بأخرى ...ستموت ان اتضح لها انه يسخر منها ويتلاعب بها !!!!
- حبيبة لماذا لم تنامي الى الان !!!
شهقت بذعر والتفتت تنظر له ... ملامحه كانت مظلمة بفعل الضوء المسلط خلف ظهره ...

كان ممد على سريره ... جافاه النوم هو الاخر ..يفكر بمستقبلة فبعد ان باشر عمله الجديد في تصميم قرية سياحية في اربيل مع مجموعة كبيرة من المهندسين المتخصصين ...والذي تم اختياره بناءاً على توصية صديق له ..... فتحت ابواب الرزق الواسعة امامه والحمدلله ...عمله توسع على نطاق اكبر ... كل شيء يسير على مايرام لم يتبقى الا موافقة حبيبة ... سيتزوجها ... اجل يتزوجها وينجب الاطفال ..الكثير من الاطفال ... ابتسم بدفئ وهو يتخيلها تحمل طفله وبطنها منتفخ ...بالتأكيد حبيبة ستكون اماً رائعة وحنونة ....
أيقضه من بحر احلامه الوردية صوت باب المطبخ وهو يفتح .. قطب واقفاً ليرى ماذا هناك ..... وما ان خرج الى الممر الاسمنتي حتى رأها تقف متكئة على الجدار شاردة بعالم اخر
استدارت تنظر له برعب وعيناها الجميلتان متسعتان بقوة ....الضوء مسلط على وجهها ...كانت جميلة جداً وشهية ... هل لاحظ التماع الدموع بهما !! لكن تباً لك زهير ولماذا تبكي حبيبة ! بالتأكيد هو يتخيل !
شفتيها الورديتان كالعادة كانت تناديه تعال وقبلني ....وكالعادة ايضاً مارس ضغطه وسيطرته لكي لا ينقض ويأكل الثمار الحلوة منهما الى ان يشبع !! افضل قرار اخذه هو حين تكلم مع وليد ووالدته ..اجل اجل ..فليعلم الجميع بأنه يريدها .. فهو لم يعد يظمن عدم ظهور شخص جديد بلائحة الخاطبين اللذين بداؤ يتوافدون لطلب يدها وكأنهم تذكروها الان فقط !
همست وهي تضع يدها على صدرها
- زهير ..لقد اخفتني ...
لتكمل بهدوء وهي تعاود النظر الى الأمام
- لم استطع النوم فخرجت لأستنشاق الهواء
غمغم بتفهم واقترب ليقف جانبها ... الصمت الثقيل الكثيف امتد بينهما ... كانت حبيبة تحاول التحكم بأنفاسها التي اخذت تتصاعد بأضطرب وتوتر من قربه الشديد منها ... بينما استحكمت كتله كبيرة في حنجرتها وهي تتذكر تفاصيل الحلم وكأنه حقيقة ..
جميع حواسها كانت مركزة بهذه الكتلة الرجولية التي تقف جانبها بطوله الفارع وجسده القوي ... شرارات الحرارة والثقة تكاد تنتشر حوله تحيط به كهالة ملموسة تزيده وسامة وكبرياء يليق به ... نظرت له بطرف عينها ...ملامحه هادئه ومسترخية .... رغماً عنها تجولت عيناها النهمة التي لاتشبع من النظر اليه على تقاطيع وجهه الوسيم ... فكاه القويان ...لحيته القصيرة المشذبة بأناقة على الدوام .... عيناه الجميلة برموشة الكثيفة السوداء .... ابعدت نظراتها بصعوبة وسحبت نفساً عميقاً ... ارادت ان تستأذن متحججة بالنعاس هي لاتستطيع الصمود اكثر بحضرته ..تشعر وكأنها لاتليق به ...رغم انه يهتم بها اكثر من السابق بكثر ...كلا سابقاً كان يهتم بها بصورة عفوية واخويه اما الان ..الان تغير كل شيء ..نظراته العميقة الداكنة تحيطها ..تغرقها ...وكأنه يتغزل بها بعيناه يلمس روحها بأهتمامه ...يزيد ثقتها بتملكه وغيرته المفرطة ...الا ان صوته الهادئ اوقفها متسمرة
- اتذكرين ذلك اليوم الذي احضر به ابي رحمه الله البلاطات استعداداً لتبليط السطح !!!
همسها وهو لايزال ينظر امامه مكتفاً ذراعيه العضليتان على صدره ليكمل
- كنت لا تزالين طفلة في الصف الاول الابتدائي ...للأن اتذكر ثوبك الصفي الاصفر ووجهك الذي كان يتصبب عرقاً غزيراً بينما وجنتيك المكتنزتان كانتا حمراويتين كالتفاح اللبناني تماماً
ضحك بخفوت وقال متنهداً وكأنه يسترجع الماضي امامه من جديد
- رغم معارضة ابي وصرخات امي خوفاً عليك وعلى تبارك من حرارة شمس حزيران الا انك كنت عنيدة ...تحملين البلاط بيديك الصغيرتان وتصعدين الدرجات درجة درجة وكأنك فأرة شقية ...مع كل بلاطه كنت تضعينها في السطح كنت اسرق منك قبله ...
التفت ينظر لها بدفئ وعشق ليهمس
- هل تذكرين كيف كنت اقبلك !!!
قلبها كاد ان يتوقف من شدة ضرباته ...كيف تنسى ...هي لم تنسى ايه تفصيلة من تفاصيل حياتها ..كانت تقضي العطلة الصيفية كلها في منزل خالتها ....كيف تنسى حنانه واهتمامه !!! صدقة ومحبته الخالصة !!!! اكمل بصوت حنون وخافت
_ كنت ااخذك الى كشك لبيع الحلويات والسكاكر ... أتركك تختارين ما تريدين بحرية وانت لم تكوني تقصري ... كنت تجميعين كل اغراض المحل في الكيس ... بالرغم من ضخامة المبلغ نسبة لمصروفي اليومي الا اني كنت اسدد الثمن على شكل اقساط ... كان يكفيني ان ارى ابتسامتك السعيدة الواسعة
قطبت حبيبة ووجنتاها تتحول للون احمر قانِ وهي تهمس بخفوت ... رباه هل يعيرها بما كان يشتريه لها سابقاً !!!
لكن ما قاله بعدها جعلها تتجمد مكانها وكأن صوت زهير يصلها من مكان بعيد .... بعيد جدا جدا ... بل وكانها كانت غارقة في بحيرة عميقة وعذبة
- اتعلمين يا حبيبة ...أظنني احببتك من وقتها !!! احببتك ولم انتبه لذلك الحب الذي كبر معي عاماً بعد عام !!

بعد عام !!!تجمعت الدموع بعينها ..جسدها بات مخدراً .. أهذا حلم اخر تحلم به !!! ربما هي لا تزال نائمة !!! ربما هي ترى حلم داخل حلم اخر !!! ام ربما هذا ليس زهير من يقف جانبها ويقول لها بكل هدوء وثقة احبك !!!! رباه ايعقل انه شبح زهير !!! او ..او ..اوربما اصبح يسير ويتكلم وهو نائم !!!!
لقد قال احبك !!! احبك !!!! تدحرجت دموعها بصمت وشفتيها التصقت ... لم تستطع النطق بحرف ..لكن حتى ان تكلمت ماذا ستقول ..حتما ستعترف له بحبها السري له بسرعة ورعونه !!! صوت بعيد همس بعقلها حذرها قائلا ...اهدئي ..اهدئي يا حبيبة ..اهدئي وكوني قوية ..لكن ما قاله بعد ذلك جعلت الدماء تجري ساخنة بجسدها ..والحرارة تتجمع في وجهها المتعرق
- وافقي يا حبيبة ..وافقي على الزواج مني وانا اعاهدك واقسم لك بالله العظيم ..بأن اسعدك مدى الحياة ان شاءلله ..سأجعلك اميرة الاميرات .... ارجوك حبيبة ... ارجوك ... امي قالت بأنها ستفاتحك بموضوع زواجنا بعد عودة وليد مباشرة .... اخبريها انك موافقة ...
كان يترجاها و يتوسل بها ... لما لاحظ صمتها المريب اعتقد بغبائه المعتاد انها ترفضه لكن بصمت حتى لا تجرح مشاعره ... ليكمل بشراسة وهو يمد يده ويدير جسدها المترنح ناحية
- انت ستوافقين رغماً عنك ...وستبلغيها بكل هدوء وادب بأنك موافقة ..ماذا والا ... اتعرفين ماذا سأفعل ان رفضت !!!
ليكمل بجدية وعيناه تلمع بقوة واصرار
- اقتلك وادخل السجن ! وانا لا امزح ... اقسم بالله اني سأقتلك واسلم نفسي للشرطة بكل طوعية !
ترك ذراعها وقال امراً
- والان اذهب لتنامي هيا وفكري جيداً بما قلته
كانت تمشي كالمخدرة ... رغم كل ما قاله ...ورغم اعترافاته المتوالية وسعادتها التي لا يمكن ان تصفها الاف الكلمات المعبرة ...الا انها لن تبين له ...لن تعطيه موافقتها بسهولة .... هي صبرت سنين وسنين متحملة غبائه ... وزواجه ... نيران الغيرة كانت تندلع داخلها كالنار الهشيم وهي تتخيل مجرد تخيل ماذا يفعل مع زوجته وكيف يقترب منها او يقبلها ..
فليصبر هو الاخر عدة اسابيع او ربما شهور من يدري ... من يدري متى ستحن و تقول انها موافقة وتبصم له بالعشرة ... لقد تعبت كثيراُ الى ان بنت نفسها واصبحت قوية وتتمتع بهذه الثقة ....لن تعود لحالة الضعف والأستسلام التي كانت تعيشها سابقاً ليس بعد ان اصبحت قوية واكثر ثقة وصلابة ..حتى ان كانت تحبه وتعشقه بجنون !!!
اما هو فقد كان ينظر بوله لذلك الشعر الطويل المنتشر على كتفيها بعفوية وفوضوية مثيرة ..متى سيغرس اصابعه في طياته ...متى سيفرشه على صدره ووسادته .... اوقفها قائلا بهدوء
- الم تقرري ارتداء الحجاب يا حبيبة ؟!!!! اتمنى ان تفكري فيه جدياً ... ارجوك ..من اجلي يا حبيبتي ! من اجلي ..انا اغار عليك ..اغاااار افهمي ذلك ارجوك!
نظرت له بصمت وهي تكاد لاتستوعب كم المفاجأت التي تتلقاها اليوم ...قال احبك وقالل اريد الزواج منك .. وتوسلها ان توافق ثم ختمها بكلمة اغار وحبيبتي ... تركته صامته ومشت بترنح ..اجل كانت مترنحة حد التخمة .. ستجن ..والسبب بذلك زهير ...وليكن الله بعونها في الايام المقبلة !
....................
.............................
ممده على تلك الاريكة ... اليوم هو موعد جلستها مع الطبيبة التي حددت لها جلستان اسبوعياً ... تكفلت بأخذها تبارك التي كانت تأخذها بطيب خاطر وسعادة ...وهي تلحظ تغير رضاب وانفتاحها بالكلام .. كانت تنتظرها كالعادة في غرفة الانتظار ....
نظرت رضاب للطبيبة بسعادة غامرة عكستها عيناها البريئتان وهي منطلقة تحكي لها عن ملك ومعاذ وعن اجواء حفلة الزفاف ..كانت الطبيبة تستمع لها وهي تشاركها سعادتها ... لتقاطعها قائلة بتساؤل
- يبدو ان معاذ هذا رجلُ طيب !
اجابتها رضاب ببراءة تامة وهي تبتسم برقة
- اجل دكتورة ..هو طيب وشهم يكفي انه لم يحرمني من رؤية يقين !!!
صححت الطبيبة بتعمد فهي تحاول بكل مرة تزورها رضاب ان تجعلها تقر وتعترف بأن الطفلة هي ملك وليست يقين ابنتها التي اخبرتها بشأنها في وقت سابق
- تقصدين ملك !!!
التفت رضاب تهمس بعينان دامعتان وصوت مرتجف وقد اختفت ملامح السعادة عن وجهها بثانية واحدة
- انا ...انا ..اعرف انها ملك ...لكن لابأس احياناً من ان نملي انفسنا ببعض الاحلام التي كنا نحلم بحدوثها في يوماً ما !!! اليس كذلك !!
اجابتها الطبيبة بتفهم وهي تتفحص رضاب بعينان ثاقبتان وعميقتان
- الاحلام ضرورية في حياتنا يا رضاب وهي حق لكل انسان لكننا يجب ان نفرق ونضع فاصلا بين الاحلام التي من المستحيل تحقيقها وبين الواقع الذي نعيشه !
صمتت رضاب وهي تعاود التحديق في سقف العيادة بشرود ....لتكمل الطبيبة كلامها بلطف
- اخبريني عن زوجك !!
التفتت تنظر لها بحدة وتقطيبة عميقه ظهرت على وجهها اجابت ببرود جليدي
- لا تقولي زوجي !!!
اومأت الاخيرة قائلة بسرعة بمحاولة منها لتهدئتها
- حسناً عزيزتي ..طليقك ... اخبريني يا رضاب هل احببته يوماً ؟! كيف وافقت على زواجك منه ! كيف كانت مشاعرك نحوه !!!
ابتلعت رضاب ريقها بصوت مسموع ... هي لا تريد ان تتذكره ...لماذا كلما اختفى من ذاكرتها يعاود الظهور مرة اخرى بشكله القبيح .... انتشر الصمت في الغرفة ..كان صمتاً متوتراً من جهتها ..وهادئاً صبوراً من جهة الطبيبة ... الأخيرة التي عذراتها ووضعت ساق فوق الاخرى تدرس ملامح رضاب الجامدة ... بعد مرور دقائق كانت طويلة على رضاب اجابت بصوت مختنق وانفاس لاهثة مضطربة .. كانت تتكلم وهي بغير وعيها ..وكأنها تكلم نفسها في غرفة فارغة ..خالية من وجود احد غيرها
- انا ..انا ... لم احبه ابداً كما لم اكرهه ...حياتي معه كانت .. كانت تشبه ..الروتين اليومي الذي تعتادين عليه .. كنت ..كنت .. انا ...اقصد ... انا رفضت الارتباط به في البداية ..لكن ام.. اقصد هي ..هي ..من اجبرتني ... كنت غبية وساذجة .... مذلولة لها ...وكأنها كانت تمارس عليٌ التنويم المغناطيسي .. او كأني اتبعها كالمنومة المسحورة بسحر اسود .... لم اعارضها يوماً ..الى ان ..ان ..
مررت اصابعها المرتجفه على جبينها وفوق شفتيها لتمسح العرق البارد الذي تجمع هناك لتحثها الطبيبة قائلة
- اكملي يا رضاب الى ان ماذا ؟! ماذا حدث !!!
التفتت رضاب تنظر لها وانفاسها لا تزال متلاحقة وجهها يتصبب العرق الغزير ...لتهز رأسها قائلة بتشوش
- دكتورة انا ..انا ..لازالت ارى تلك الكوابيس المزعجة ...ولازالت ارى نفسي اقع في حفرة عميقة ومظلمة ...الن ..الن تصفي لي الدواء لينتهي الكابوس ..ارجوك ..أنا ..اريد ان انام براحة !
تنهدت الطبية وتفهمت تهرب رضاب المستمر من الاجابة ...ربما لايزال الوقت مبكراً لتثق بها اكثر وتخبرها بذلك السر الذي يخص والدتها و زوجها !! اجابتها بهدوء
- انت لا تحتاجين لأصف لك المهدئات ولا المنومات يا رضاب ..العلاج سيبدأ من هنا
ثم اشارت لقلب رضاب واكملت
- علاجك يبدأ من قلبك ..يجب ان تكوني اكثر ثقة بنفسك ... واكثر شجاعة وقوة بمواجهة مشاكلك والعقبات التي تصادفك .... وقبل ذلك يجب ان تثقي بالله عز وجل ....
قاطعتها رضاب بسعادة وحماس
- نسيت ان اخبرك ..لقد بدأت الصلاة وقراءة القرآن !!!
هتفت الطبيبة تشاركها حماسها الطفولي
- هذا رائع عزيزتي ..رائع جداً ..مبارك لك يارضاب !
اومأت رضاب هامسة والابتسامة لاتزال تشق وجهها
- عندما اقف بين يدي الله .... يقشعر جسدي رهبة وخوفاً واحتراماً ...اشعر به يسمعني دكتورة ... كما اني بدأت بقراءة القرآن الكريم ...وكم اشعر بنشوة السعادة والراحة وانا اقراء ما وعد الله به الصابرين على الشدائد وما اعده للكافرين والعاصين و...و...الزانين .. من عقاب اليم ان لم يجدوه في الدنيا فهي تنتظرهم بكل تأكيد في الاخرة !
كان الطبيبة تستمع لها بصمت وداخلها حدس يؤكد لها ان والدتها وزوجها قد فعلا لها امراً عظيماً وكبيراً ... امراً جعلها تصل لهذه المرحلة من فقدان الثقة والتشوش ! بكل مرة تلتقي بها يزداد يقينها بهذا ..كما انها بكل مرة تبوح لها بأمر يخص ماضيها ! هي متأكدة من انها ستعترف لها ...حتماً ستعترف رضاب بكل شيء وربما بوقت قريب جداً !!
.....................................
................................................
وقفت امام المرآة تنظر لشكلها وهي بالحجاب الذي اخذته من خزانة تبارك ... فكرة الحجاب ليست فكرة وليدة اللحظة كما هي لم تكن بسبب مطالبة زهير المستمرة لها ... في الحقيقة هي كانت تود الحجاب منذ فترة طويلة ..لكنها كانت تؤجل تنفيذها .... هي تلبس الملابس الفضفاضة كما انها لا تضع مستحضرات التجميل ابداً الا بحالات نادرة .... تعرف ان الحجاب فرض مهم قد فرضه الله سبحانه وتعالى على كل مسلمة وتعرف ايضاً انها لا يجب ان تستهين به ...اما ان ترتديه عن قناعة واما لا ...
عادت مرة اخرى تنظر لأنعكاسها ... تمرر يدها على اطار وجهها ... الحجاب رائع جداً عليها .... تذكرت كلمات زهير البارحة .... تتذكر !!! هي لم تنسى لتتذكر .... منذ الفجر وحتى بالحلم وصباحاً وظهراً وطوال الوقت كل كلمة قالها تتردد على مسامعها ... زرعت داخل قلبها وروحها ... خاصة كلمة احبك ....اليوم الله ستر و لم تره او تلتقي به ابداً ... الظاهر انه مشغول بعمله لكن ...
لكن ماذا عن الايام المقبلة ... كيف ستقف امامه مرة اخرى ... كيف ستنظر لوجهه دون ان تشعر بالخجل والحرج !!
دلفت تبارك الى الغرفة وهي تمسح يديها بالمنشفة لكنها ما ان رأت حبيبة حتى تسمرت مكانها لتتسع عينيها شيئاً فشيئاً .... التفتت حبيبة ناحيتها وهي تمد يدها لتفتح الحجاب هامسة بخجل
- اسفة تبارك ..لقد .استعرت احدى اوشحتك ..اسفة جداً ...
قاطعتها تبارك وهي تتقدم ناحيتها تمسك يدها تمنعها من فتحه قائلا بسعادة وتأثر
- حبيبة ..انت ترتدين الحجاب !!!!!
ابتسمت حبيبة وقالت وهي تسبل اهدابها
- الحقيقية يا تبارك ...لقد ..فكرت و ...وقررت أن ارتديه للابد ان شاءلله
ثم قالت ببراءة وهي ترفع نظراتها لها
- كيف ابدوا فيه هل الحجاب يليق بي ؟!
هتفت تبارك وهي تسحب حبيبة من يدها لتجلسها على طرف الفراش وتجلس جانبها
- ماشاءلله ... والله قمر يا حبيبة ... وكأنك البدر ليلة تمامه .... تقبل الله منك ان شاءلله
قالت حبيبة وابتسامتها تتسع بينما قلبها يخفق بشدة
- انت سعيدة من اجلي يا تبارك !!!
اجابتها تبارك بهدوء ورزانة
- بكل تأكيد ...اتصدقين يا حبيبة .. كنت اريد ان انصحك بأرتدائه منذ فترة طويلة لكنني اردتك ان تتخذي هذه الخطوة عن قناعة ....
ثم اكملت بهدوء
- لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمات الحجاب ... وقد دلت على فرضيته آيات في كتاب الله تعالى منها قوله تعالى
"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا " .... وفي الآية الأخرى
"وليضربنّ بخمرهنّ على جيوبهن " "
إن الإسلام حينما شرع الحجاب وفرضه على المرأة المسلمة لم يقصد من ذلك إخفاء دورها ومكانتها في المجتمع بتغطية عورة جسدها .... وإنما أراد الإسلام الحجاب رمزاً لعفتها .... وانتِ يا حبيبة فتاة مسلمة مؤمنة .... لا ينقصك الا الحجاب ..اسأل الله تعالى ان يهدي رضاب ايضاً
آمنت حبيبة خلفها بخفوت ...اكملت تبارك تحذرها بصبر وهدوء
- منذ الان يجب ان تعرفي ياحبيبة قرار الحجاب مهم جداً ...ولا يستهان به ابداً ...مثلا لا ترتدي الحجاب اليوم ثم تقرري نزعه بالاسبوع القادم ... كما انك يجب ان ترتديه امام زهير ووليد ... ويجب ان ترتدية بصورة صحيحة اي لاتظهر مقدمة شعرك كما يفعلن فتيات هذه الايام .... ....حبيبتي انا انصحك لمصلحتك انت ... فمادمت اتخذت هذه الخطوة يجب ان تلتزمي به وتؤدية على اكمل وجهه
اجابت حبيبة بتفهم ووعي ...هي مدركة لكل ما قالته تبارك وهي فعلا سعيدة ومقتنعه بقرارها هذا والذي جاء متاخراً جداً بالنسبة لعمرها الذي قارب العشرين
- اجل تبارك اعرف كل ماقلتِ وان شاءلله سألتزم به بما يرضي الله تعالى
وقفت تبارك فجأة وقالت بحماس
- تعالي معي هياااااااااااااا
تبعتها حبيبة بخطوات متعثرة كانت لاتزال ترتدي الحجاب ...
- الى اين تأخذيني تبارك !!
لتجيبها تبارك بحماس
- تعالي فقط دون اسئلة
نزلتا الدرجات بخفة ثم توجها الى الحديقة ...كان كلا من والدتها والعمة سعدية ورضاب يجلسون على بساط اسفنجي واسع يشربون شاي العصر ومعملول التمر وهم يتبادلون الحديث ... الا زهير كان شارد الذهن شبه متمدد مرتكز على ذراعه وكأنه يعيش بعالم اخر ...اليوم ومنذ الصباح وحتى العصر كان مشغولا بالتنقل بين مواقع العمل ...لم يعد للمنزل الا قبل قليل ..كم ود لو انه رأها في المطبخ الا انها لم تكن موجودة .... هو موقن ومتأكد من انها ستختبئ منه كالفأرة الصغيرة خاصة بعد ان اعترف لها بحبه ...لكن لابأس ..المهم انه اخبرها وارتاح ....
صوت تبارك وهي تهتف بسعادة ولهفة جعل حواسه تتوثب ويلتفت لينظر لها بتعجب ...
- اماااه ..عمتي ...رضاب ....زهير ... باركو لحبيبة ..لقد تحجبت
قلبه خفق بقوة ..... ضاخاً الدماء الساخنة الحارة ...تحجبت صغيرته تحجبت ..اخيرااااااا ..اذن هي استمعت لكلامه وتحجبت !!! وهذا يعني انها بكل تأكيد موافقة على الزواج !! كم ود لو انه يحتضنها الان ويبارك لها بطريقته الخاصة ... لكن ماذا يفعل لقد وعد والدته بالصبر ويجب ان يوفي بوعده ... عاد ليحدق بوجهها المحمر وهي تتلقى التهاني من الجميع .... صحيح هو سيحرم من رؤية شعرها الطويل الذي يعشقه خصلة خصلة والذي يعرف طوله شبرا شبرا ...لكن لابأس الستر شيء جميل ....المهم ان تخفيه عن العيون النهمة .. .. شعرها الحريري العطر سيكون له وحده ... قريباً سيتخلله بأصابعه ويستنشق عطره بقوة ..قريباً سيضيع في عتمته كالمسافر التائهه بظلام ليل طويل لانهاية له ولا بداية
قالت تبارك بحماس
- غداً سأأخذ اجازة زمنية واذهب الى سوق كبير فٌتح جديداً يقع قريباً من المصرف يبيع كل لوازم المحجبات ... سأشتري لها كل شيء هدية مني لأجمل حبيبة في الدنيا
ليجيبها زهير وهو يحدق بحبيبة التي كانت تتهرب من النظر له
- وانا ايضاً سأشتري لحبيبة ...الكثير من ال...
قاطعته تبارك بخبث ومكر
- وماذا تفهم انت بهذه الامور سيد زهير !!!
اجابها وهو يهب واقفاً ليقترب من حبيبة ببرائة مصطنعة بينما ابتعدت الاخيرة بخجل لتقف خلف تبارك وكأنها حصنها المنيع
- بلا ..افهم ..واعرف اي لون يليق بها ... اكرمينا بسكوتك تبارك !
استدار الى الناحية الاخرى ليقترب منها مرة اخرى ... وقال بهدوء وهو يضع يديه بجيبي بنطاله الجينز الازرق
- الا اذا ارادت حبيبة مرافقتي للسوق لنشتري الملابس على ذوقها الخاص ..هااا مارأيك حبيبة هل ترافقيني !!
همست حبيبة ببضع كلمات مبهمة ووجهها يكاد ينفجر من شدة احمرارة ثم سارعت لتجلس ارضاً متوسطة خالتها سعاد وسعدية .... احتضنت سعاد كتف حبيبة وقبلت خدها قائلة بحنان
- ااااه كبرت طفلتي وتحجبت الحمدلله يارب ... ان شاءلله اراك عروس ايضاً يا حبيبتي واتمنى ان يكون قريباً جداً
هتف زهير بصبيانية مضحكة
- وانا ..وانا ايضاً اماه ..ادعي لي ان اتزوج من التي في بالي
قالت سعاد وهي تبتسم وتنقل نظراتها بينه وبين حبيبة التي اطرقت رأسها ارضاً
- وانت ايضاً يا زهير ..بأذن الله اراك عريساً متزوجاً من الفتاة التي تريدها !!
هتف زهير وهو يرفع يديه وكأنه امرأة عجوز ثرثارة .... و دون ان يشعر بالخجل او ان يعير انتباهه للوجوه التي حدقت فيه بتعجب ومفاجئة
- اللهم آآآآآآآمين يااااارب ...ياااااااارب
كتمت تبارك ابتسامتها بينما قهقت سعاد بمكر ...فيما انكمشت حبيبة خلف خالتها اكثر وكأنها طفلة صغيرة .... هذا الزهير سيكون سبباً في مقتلها وتوقف خفقات قلبها في يوماً ما لا محالة .... اما سعدية ورضاب فقد اكتفتا بالصمت والتحديق بفضول
.....................
................................................
الساعة قاربت على السابعة مساءاً عندما اتصلت والدته ...كان يراجع بعض الحسابات الخاصة بالمعمل بينما حيدر يجلس بالكرسي المقابل له يساعده على أنهائها ... رفع الهاتف وهو لايزال يحدق بالاوراق المبعثرة على المكتب وما ان سمع صرخاتها ونحيبها حتى هب واقفاً وهو يهتف بذعر
- ماذا هناك امي ؟!
لم يفهم شيئاً من كلامها المتعلثم ليجيبها بنفاذ صبر
- امي تكلمي بهدوء واخبريني ماذا هناك !!!
لتجيبه الأخيرة بنحيب وولولة
- ملك ..ملك يا معاذ هربت من المنزل
......................
............................
نهاية الفصل السادس والعشرين

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن