7

229 16 0
                                    


الفصل السابع
..................
" ألم القلب والروح اشد واقسى من ألم الجسد خاصة ان لم نجد من يحتوينا ويفهمنا "
.......
شهقت بقوة وذعر ويديها تسارع لمسح دموعها التي أغرقت وجهها .... سيطرت على لهاثها ثم أجابت بتلعثمها المعتاد
- مت..ى ...أتيت ؟!
أعاد سؤاله مقطبا وهو يتقدم نحوها متفحصاً بدقة وجهها المحمر من البكاء
- لماذا تبكين ؟!
صمتت تنظر له بحيرة وارتباك ماذا ستقول ؟ أتقول بأنها سمعت خالتها تطالب شقيقتها بأن ترمي لها فتات اهتمامها كالمتسولة !!!
هتف بحدة وضيق عندما لاحظ حيرتها وصمتها
- بحق الله أجيبي حبيبة !هل أمي هي السبب !
نظرت له بحزن بينما رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها
- خالتي !! وهل يوجد في الدنيا احن من خالتي سعاد !!!
احتدت ملامحه أكثر ليقول بنبرة متسائلة
- أذن هي تبارك ؟! أو ربما ..
قاطعته بلطف وهي تدعو بسرها ان يصدقها وينسى
- لا ... احد ... صدقني ... أنا فقط .. فقط .... ابكي ... بسبب ...بسبب ... الحمل الصغير !
رفع حاجبه بتعجب وهو يردد ورائها بعدم فهم
- الحمل الصغير ؟!!! وما به الحمل الصغير ؟!
هزت كتفها وهي تنظر لأصابعها المتشابكة قائلة
- اشعر بالشفقة عليه فأمه ماتت وهي تلده وهو يبدو ... صغيرا وضعيفا...
كان يستمع لها بسعادة ... لم يكن يهمه ما تقول او ما تتفوه به بل كل ما يشغله هو أنها لم تتلعثم ... حبيبة لم تتلعثم وهي توجه له الكلام ...لأول مرة منذ مجيئها قبل بضعة أشهر تكلمه بهذا الانطلاق ودون خجل ... كانت الكلمات تخرج من شفتيها الورديتين بانطلاق وسرعة أثارت دهشته وسعادته ... تلك الفتاة الضئيلة التي تعتقد أنها منسية ولا احد منتبه لها وهي لاتعرف بأنه يراقبها لا بل يدقق بكل حركة وكل نظرة وابتسامة تقوم بها بانتباه شديد .... أخرجه من شروده وتحديقه بها صوتها اللاهث وهي تقول
- هذا كل ما في الأمر صدقني !!!
أومأ بصمت وهو يتفرس بوجهها الرقيق وتلك الجديلة الطويلة المتدلية على كتفها الأيمن لتفاجئه بالسؤال
- وأنت لماذا ...عدت باكراً !!!
لانت ملامحه وهو يجيبها بابتسامة رجولية خطفت أنفاسها
- نسيت عدة أوراق هندسية وعدت لأخذها !!
ابتسمت بخجل بينما قلبها يخفق بشدة يا الهي كيف اخترعت تلك الكذبة البيضاء ... تذكرت كلمات خالتها ليعاود وجهها على التجهم وتختفي ابتسامتها ببطء لاحظ زهير تغير ملامحها على الفور ليسارع بالسؤال
- لما العبوس ألان ؟!!
أجابت بارتباك لذيذ أنعش قلبه لسبب لا يعرفه
- خالتي طلبت مني أن أقوم بإنزال الغسيل من السطح وإنا نسيت
تحركت بخطوات متمهلة وهي تهمس بحزن
- عن إذنك زهير
راقب اختفائها بعينان شاردتان تلك الفتاة تحيره بتصرفاتها ... تارة يراها مرحة وتارة منطوية وحزينة !!! ربما حزنها نابع بسبب والدتها المتحجرة القلب التي تركتها وسافرت لاهثة من اجل المال !!!! مسكينة أنت يا ابنة خالتي الصغيرة !! كل من بالمنزل يعرف بشأن كره والدتها لها ومعاملتها الشاذة التي تعامل بها ابنتها .. اجل شاذة فلأول مرة بحياته يشاهد هذه النوعية المقززة من الأمهات ... الحمد لله ان والدته الحنون ليست مثلها
" لك الله يا حبيبة "
همسها بشفقة وهو يتوجه لأخذ ما جاء لأجله
....................
..........................
استيقظت على صياح الديك الذي كان يصيح بإلحاح شديد على غير العادة ... اوووف حتى بيوم العطلة لا تستطيع النوم لوقت متأخر .... أبعدت شعرها عن عينيها ثم نظرت لهاتفها المحمول تتأكد من الساعة ... وقد كانت تشير العاشرة وعشر دقائق ....حاولت النوم من جديد إلا أنها لم تستطع ... ظلت تتقلب لبعض الوقت ثم فجأة تذكرت ما طلبه ذلك المجنون منها عندما جلس أمامها على الطاولة بعد ان سمحت له على مضض ... كانت تريد ان تعرف ماهو الشيء المهم الذي يريد قوله ولا يحتمل التأجيل !!!
قال بهدوء ووقاحة وهو ينظر لصديقتها دلجين
- هل من الممكن ان تتركينا لوحدنا فأنا أريد ان أتكلم معها على انفراد !
وقفت دلجين بارتباك وخجل شديد ثم قالت لغسق وهي تحمل حقيبتها
- حسنا غسق انا سأنتظرك في قاعة المحاضرات ... عن أذنكما
لم تنتظر ردها اذ سارعت بالمغادرة فوراً ... نظرت له بانزعاج وضيق مما جعله يسعل بخفه وهو يدعي الحرج ثم قال بهدوء بعد ان رسم ابتسامة هوليود على وجهه
- حسنا أنا لن أطيل عليك في الكلام ... من الواضح انك مستعجلة
أجابت بنفاذ صبر بينما قلبها يخفق بسرعة من شدة خوفها منه حتى ظنت بأنه يستطيع سماعها
- اجل معك حق المحاضرة ستبدأ بعد دقائق !!
هو يعلم أنها كاذبة لكن لابأس المهم ان يحضى بها حتى لو لفترة مؤقتة
- انا أريد ان أزوركم في المنزل .
نظرت له ببلاهة وهي تقول بعدم فهم
- ماذا !! تزورنا ؟! لكن لماذا اقصد مالسبب ؟! أهناك مشكلة !
أجابها بتعجرف وغرور ... بينما انتصب ظهره وانتفخ صدره كأنه طاووس يعرض جمال ريشه على الملأ
- سآتي لأطلب يدك !!
تبع كلمته الأخير بابتسامة سمجة كان يظن بأنها ستخطف دقات قلبها التي بالفعل خفقت بعنف اكبر ليس سعادة بل ذعرا ... هذا المجنون ...هي لا تطيق وجوده في الجامعة ليأتي ويفاتحها بأمر خطبتها !!!! فعلا لقد جن وفقد عقله .... وبطريقة حاولت ان تجعلها رسمية وعملية لكنها بدت لسليم جارحة جدا ومهينة قالت
- آسفة سليم انا لا أفكر بالزواج ألان ... كما أني اعتبرك كزميل وأخ ... أرجو ان تجد من تناسبك ... فعلا أنت شاب مميز تتمناه عشرات الفتيات !!
وقفت وهي تلملم كتبها ثم حملت حقيبتها وقالت وهي تتصنع الابتسامة
- حسنا ... عن اذنك ...
تركته وحثت خطاها التي أصبحت ثقيلة وهي تزفر الهواء من رئتيها براحة وتهمس بخفوت " غبي وأبله الحمد لله تخلصت منه "
لو انها شاهدت نظرات سليم المصوبة ناحيتها لظنت بأنه فعلا مجنون هارب من إحدى المستشفيات النفسية !!!
عادت من شرودها وهي تتمطى بتكاسل ... أبعدت الغطاء وقررت ان تقوم بأمر كانت تتوق للقيام به منذ مجيئها إلى اربيل
...........................
.......................................
نزلت الدرجات ببطء لتتجه الى المطبخ .. لم تجد أحدا .. سمعت صوت جلبه في الجهة الجانبية من الحديقة خرجت على مهل لتجد والدتها وزوجة خالها تجلسان جانب الفرن الطيني بينما حبيبة تجلس أمام طاولة مستديرة وبيدها عصا طويلة ترص قطع العجين ثم تقوم بفرده بمهارة وسرعة رائحة الخبز الطازج التي كانت تنتشر في المكان تسيل اللعاب وتفتح الشهية ...
التفت والدتها هاتفه
- اهااااااا لقد صحوت أخيرا ... تعالي لتفطري وتتذوقي هذا الخبز الطازج
تقدمت لتجلس جانب حبيبة التي أفسحت لها مكاناً بابتسامة واسعة ... التقطت الخبز الحار وبدأت تفطر بنهم ... كانت هناك صينية تحوي على الزبد واللبن والجبن وكلها من صنع يدي زوجة خالها سعاد ... أخذت ترقب ما يفعلون بانبهار ... حاولت أن تقدم المساعدة غير أنها كانت فاشلة وبطيئة جدا لذلك قررت الاكتفاء بالمراقبة فقط ...
تعجبت من والدتها كيف ترص الخبز وكيف تضعه داخل الفرن الطيني بكل مهارة .. وكأنها اعتادت على ذلك منذ فترة طويلة
قالت بدلال وهي توجه كلامها لوالدتها
- أمي منذ وصولنا لأربيل وأنا لم أزر أي مكان ... أرجوك اسمحي لي بالخروج اليوم مع تبارك وحبيبة !!
أجابت والدتها وهي مشغولة بمرقبه الفرن ووضع الحطب فيه
- حبيبتي اجليها للأسبوع القادم فتبارك كما تعلمين قدمها تؤلمها قليلا وحبيبة مشغولة تساعدنا في أعداد الخبز فلقد عجنت خالتك سعاد كمية كبيرة جداً من الطحين !!
قالت برجاء
- اذن فليأخذني زهير أذا لم يزعجه الأمر !!
هذه المرة أجابت الخالة سعاد بأسف حقيقي
- زهير ايضا غير موجود ... اليوم ذهب الى منزل خطيبته لقد قاموا بدعوته للغداء ولن يعود باكرا !!!
انطفأ الوهج بعينيها واختفت ابتسامتها ... لو كانت الظروف التي تمر بها البلاد طبيعية لاقترحت ان تذهب وحدها لكن ومع المصائب التي مرت عليهم والدتها لن تسمح لها بان تخطو خارج المنزل خطوة واحده دون حماية !!!
هتفت حبيبة ببراءة وحماس وكأنها وجدت حلا لمشكلة كبيرة
- وليد موجود في غرفة المكتب لقد رأيته قبل قليل أظن بأنه لن يمانع ابدا !!! ما رأيكم ؟!!!!
وقبل أن تسارع غسق باختراع عذر للتملص من مرافقته سمعت صوته الرخيم وهو يقول بتساؤل
- لن أمانع في ماذا ؟!!!
............................
....................
يجلس في الشرفة مع والد سلمى السيد مراد والذي كان صديق حميم لأبيه رحمه الله بل من اقرب أصدقائه ... له وقفات مشرفة معه فلعدة مرات أعطى والده المال وبمبالغ ضخمة قائلا له
- لا تفكر بتسديد الدين ألان ... نحن إخوة قبل ان نكون أصدقاء !
وبسبب تلك الصداقة المتينة المغلفة بالامتنان وتحميل الجميل أصر والده على مصاهرته ظناً منه انه بهذا العمل يظهر حبه وعرفانه لصديقه .... هذا هو حال والده دائما يبالغ بالثناء والشكر ... يقدم تنازلات ووعود كثيرة حتى لو كان على حساب مستقبل أولاده .... قال له مراد بلطف
- اذن كيف حال أخيك والعائلة ؟!
أجابه بأدب ورزانة
- الحمد لله عمي جميعنا بخير
أومأ قائلا وهو يتفحص وجه زهير بدقة
- لقد أخبرتني سلمى بأن جميع التجهيزات والتحضيرات الخاصة للزفاف قد تمت بسهولة ويسر !
أجابه موافقا
- اجل لقد ذهبت البارحة للاتفاق مع التاجر لكي يبدأ العمال بنقل الأثاث وكل المستلزمات إلى الجناح المخصص لنا في منزل والدي
ابتسم مراد باستحسان فبالرغم من ثرائه وحالته المادية الممتازة وبالرغم من الفرق الواضح بالمستوى المعيشي بينه وبين عائلة أكرم الا انه كان متواضع وعطوف جدا من يرى طيبته وتفهمه وتساهله مع زهير في طلبات الزواج لا يفكر بأن سلمى المتعجرفة اللامبالية هي حقا ابنته
- هذا جيد يا ولدي اذن لم يتبقى الكثير على تحديد موعد الزفاف ؟!
أجابه زهير بفتور وصوت أجوف لم ينتبه له مراد
- أفكر ان اجعله الأسبوع القادم أو الذي بعده بما أننا انهينا كل شيء !
قال مراد بسعادة حقيقية
- متى ما قررت انا موافق ليس لي الا سلمى وأنا سعيد وفخور بأنها أصبحت من نصيبك ... مبارك لكما ...
أجابه زهير بابتسامة صغيرة
- شكرا لك عمي ... انا الذي زادني شرف بنسبك
بعد عدة دقائق هتفت سلمى بمرح وهي تقف عند باب الشرفة
- هل ستقضيان الوقت بالكلام وحدكما !
وقف والدها قائلا بحنان وهو يربت على كتف زهير الذي وقف جانبه هو الأخر
- لقد كنت أتحدث مع زهير كأب وابنه ... أليس كذلك يا ولدي ؟!
أومأ زهير يوافقه بينما داخله يشعر بالانزعاج والخجل من اللطف والاهتمام الذي يبديه مراد له والذي يجعله يشعر بأنه مكبل بحبائل الامتنان تماما كوالده
- اجل .. اجل سلمى كما قال والدك بالضبط نتحدث كأب وابنه
..................................
..............................................
هتفت سعاد قائلة وهي لاتزال تجلس أمام الفرن الطيني
- تعال يا وليد ... غسق المسكينة منذ وصولها لاربيل وهي لم تشاهد المعالم السياحية في المحافظة ... ففكرنا بما ان اليوم جمعة وهو يوم عطلتك بأن تأخذها في جولة ترفيهية طويلة !!
رفع حاجبه ووجه نظراته لغسق التي كانت ملامحها تظهر ضيقاً ورفضاً واضحاً جدا ليقول بتسلية
- موافق وبكل ممنونية ...يسعدني ان اكون مرشدك السياحي يا ابنة عمتي !!
رسمت ابتسامة باردة على وجهها المتشنج وهي تقف قائلة
- شكرا لك وليد ... لقد غيرت رأي !!
قالت والدتها بتعجب
- غيرت رائيك ؟! لكن لماذا ! قبل دقائق كنت متحمسة ومتشوقة للخروج !!
أجابت وهي تتعمد عدم النظر ناحيته
- لا أريد ان أثقل عليه فلربما يوجد لديه أعمال أخرى أكثر أهمية يقوم بها !
قال وليد يدعي البراءة
- اليوم أنا متفرغ تماما يا غسق وأنت لا ثقلين علي أبدا ... إلا اذا !!!!
نظرت له بسرعة وحدة وهي تقول بتأهب بدت له كأنها قطة على وشك الانقضاض عليه
- الا اذا ماذا ؟!!
أجابها وهو يدس يديه بجيبي بنطاله الجينز
- إلا اذا كنت تخافين الخروج معي !!!
هذه لعبة قذرة ومكشوفة ... همستها غسق بحقد بينما كانت تبادله نظراته التي كانت تتحداها بان تنفي ما قاله وتوافق على الخروج معه ... هتفت سعدية بحرج وهي تقف وتنفض الطحين من يديها
- مالذي تقوله يا وليد كيف تفكر بذلك !! بالتأكيد غسق لا تقصد ما فهمته وهي حالا ستذهب لتغير ملابسها وتخرج معك
ثم التفتت لابنتها قائلة وهي تغمز بعينها اليمين أقسمت غسق داخلها بأن كل الموجودين انتبهوا لحركتها
- اليس كذلك غسق !!
نظرت لوالدتها بجمود وملامح مبهمة لعدة ثوان ثم قالت بابتسامة واسعة
- اجل أمي سأذهب حالا لتغير ملابسي !!
تقدمت لتدلف الى الداخل بهدوء بينما داخلها تغلي غضباً وغيضاً من ذلك المغرور المتباهي الذي يقف متكئاً على إطار الباب ينظر لها بتسلية قالت بجمود
- أريد المرور اذا سمحت !!
أجابها ببراءة وهو يتنحى جانبا
- اها ... اجل أسف يا ابنة عمتي الصغيرة
راقبها وهو يكبح ضحكته بصعوبة ... حقا لا يعرف لما شعر بالتسلية عندما لاحظ عنادها وهي تحاول التملص من الخروج معه وكأنها قطة علقت بماسورة للمياه ولا تعرف كيف تخرج منها !!
.........................
.................
ما ان خرجا وليد وغسق حتى تعالى صوت جرس الباب .. ذهبت حبيبة لتفتحه بسرعة وهي تهمس " بالتأكيد هذه غسق قد نسيت شيئاً ورجعت لتأخذه " لكنها تفاجأت بشابة ثلاثينية جميلة جدا تقف وهي تحمل علبه كارتونية تبدو وكأنها كعكة مغلفة !!!
قالت حبيبة بابتسامة ناعمة
- ت...فضلي سيد..تي !!
أجابتها الشابة بحرج طفيف
- السلام عليكم ... هل الحاجة ام وليد موجودة ؟!
هزت رأسها ثم قالت
- وعليكم ..السلام و..رحمة الله ..وبركاته ... ا...جل موجودة ... هل من خدمة !!
أجابت رونق وهي تتنهد براحة
- من فضلك اخبريها بأن شقيقة الدكتور عبد العزيز الذي يعمل في المزرعة تريد رؤيتها !
قالت حبيبة وهي تتنحى جانبا لتدعوها للدخول
- أهلا.. وسهلا سيدتي ... تفضلي للداخل و...سأناديها حالا
دلفت رونق إلى الداخل ثم أغلقت حبيبة الباب الحديدية وهي تحثها على السير قائلة
- تفضلي سيدتي .. من ...هنا !
مشت خلال الممر الأسمنتي الطويل الممتد من الحديقة الى باب الصالة ... دلفت حبيبة وهي تقول
- تفضلي بالجلوس !
ثم تركتها وأسرعت الى الداخل ... جلست رونق تتلفت حولها بارتباك وهي تهمس
" كم هو محرج مجيئي إليهم هكذا فجأة وهم لا يعرفوني "
لتجيب نفسها بحماس وسعادة
" كلا .. كلا .. لا يوجد حرج ابداً ... المهم عبد العزيز وتبارك "
لقد خطبها وتم الزواج بينهما وأصبح لعزوز طفل صغير يناديها عمتي كل ذلك جرى داخل عقلها
وهي تكاد تطير من السعادة فكيف ان أصبح ما تتخيله حقيقة ؟!!!
دلفت سعاد لتخرجها من خيالاتها الوردية وهي تقول بترحاب حار وكأنها تعرفها بالفعل مما جعل موجة من الراحة تسير عبر جسدها لتستقر بقلبها ...هذه بداية مبشرة بأذن الله .... والدتها بشوشة فبالتأكيد تبارك كوالدتها تماما كما يقول المثل ... لا تسأل عن البنت .. اسأل عن أمها
- أهلا وسهلا يا ابنتي
وقفت رونق وهي تبادلها التحية بخجل
- أهلا خالتي ... انا ... رونق شقيقة ...
قاطعتها سعاد وهي تهتف وتهم باحتضانها وتقبيلها بمودة
- اجل اجل عرفته عبد العزيز الطبيب الذي عالج قدم تبارك لقد أخبرتني حبيبة ... أهلا وسهلا بكِ لقد أنرت المنزل !
أومأت رونق قائلة باهتمام
- شكرا لك خالتي ... لقد جئت لأطمئن عليها .. كيف أصبحت قدمها ؟!
أجابتها سعادة بطيبة وهي تجلس وتحثها على الجلوس جانبها
- الحمد لله هي بخير كانت تشعر بألم طفيف البارحة لكن اليوم أفضل بكثير
لتكمل بسعادة حقيقية
- والله انها مصادفة جميلة جدا ان نتعرف عليك بسبب قدم تبارك
أومأت ضاحكة
- اجل خالتي وانا سعيدة جدا بأني تعرفت عليكم
لتكمل وهي تلتقط العلبة الكارتونية التي وضعتها على الطاولة
- تفضلي خالتي لقد صنعت لكم كيكة الشكولاته أرجو ان تعجبكم
أجابت سعاد بعتب وهي تلتقط العلبة من يدها
- لماذا كلفت وأتعبت نفسك عزيزتي !
نظرت رونق لباب الصالة المؤدي الى داخل المنزل وهي تقول
- لا يوجد تعب خالتي ... اممم .. احم ... أين تبارك أريد ان اسلم عليها واطمئن على صحتها بنفسي !
قالت سعاد ببشاشة وطيبة
- دقائق وأناديها .... عن أذنك ثانية واحدة
تركتها وخرجت مسرعة لتتنهد رونق قائلة بفضول
- ترى كيف هو شكلك يا تبارك !!
......................
..................................
بعد مرور عدة دقائق وبينما هي جالسة تترقب وصولها بفضول دلفت فتاة رقيقة عرفتها رونق على الفور
- أنت تبارك
قالتها وهي تقف لتستقبلها ابتسمت تبارك ابتسامة واسعة أظهرت أسنانها اللؤلئية المتراصة
- اجل انا تبارك وأنت رونق أليس كذلك...
تقدمت رونق وعانقتها ثم قبلتها قائلة
- اجل عزيزتي انا هي شقيقة عبد العزيز
ثم أكملت بهمس خافت
- محظوظ يا عزوز ومعك حق الفتاة جميلة وتستحق!
ابتعدت عنها تبارك قائلة بتساؤل
- عفوا ماذا قلت ِ ؟!
هزت رونق رأسها وقالت
- لالا لاتهتمي لم اقل شيئا تعالي واجلسي جانبي ...
جلست جانبها وهي تبتسم لها بمودة ...لم ترتدي تبارك الحجاب بل أطلقت شعرها الأسود الحريري حراً على أكتافها مما جعل رونق تنظر لها بإعجاب واضح وهي ترسم ابتسامة بلهاء وحالمة على شفتيها لتستطرق قائلة بتعمد
- لقد بعثني وأصر عبد العزيز ان أتي لأطمئن على قدمك .. اخبريني كيف أصبحت ؟!
تصاعد الاحمرار لوجه تبارك وهي تجيبها بهدوء
- شكرا لك وله عزيزتي انا بخير الحمد لله
تبادلا الكلمات والأحاديث وكأنهما تعرفان بعضهما منذ زمن طويل ... كانت رونق تتكلم ببشاشة وانطلاق وهي تحاول قدر استطاعتها ان تجمع المعلومات عنها ... عرفت أنها غير متزوجة او مخطوبة وعندما سألت عن السبب أجابتها بهدوء وثقة
- لم يأذن الله بعد وكل شيء بنصيب !
سألتها بفضول وهي تشرب العصير
- ماذا تعملين ؟! شكلك يوحي بأنك مدرسة ؟!
ضحكت تبارك بخفوت وقالت برقة
- كلا أنا محاسبة اعمل في المصرف الوطني
لا تعرف كيف ومن أين أتتها الفكرة لتهتف وهي تدعي السعادة
- يالها من مصادفة
ابتسمت تبارك قائلة
- خير ان شاءلله أتحتاجين لمساعدة ؟!
أومأت قائلة وهي تدعي الأسف
- اجل ... اجل احتاج لان استخرج البطاقة الذكية الخاصة باستلام الراتب الشهري باعتباري زوجة شهيد !!
همست تبارك بتعاطف وهي تمسك يدها
- البقاء في حياتك عزيزتي
قالت رونق هذه المرة بحزن حقيقي وهي ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها
- شكرا لك تبارك ... حدث ذلك منذ فترة طويلة !!
لتكمل بحماس
- أذن هل ستساعدينني ؟!
قالت تبارك بترحاب شديد
- هذا من دواعي سروري
هتفت رونق قائلة وهي تخرج هاتفها الخلوي من حقيبتها و تدعي البراءة
- أعطني رقم هاتفك لكي استطيع الاتصال بك في وقت لاحق لتحديد موعد مناسب لأزورك في المصرف
همست رونق بسرها وهي تحتفظ برقم تبارك الذي أملته لها بعفوية وطيبة
" افرح يا عزوز ها أنا ذا حصلت على رقم هاتفها أيضا فقط لتعرف من هي شقيقتك "
.................
...............................
- أذن إلى أين ترغبين أن أأخذك ؟!
أجابت بلا مبالاة وهي تنظر إلى معالم المدينة من النافذة
- وهل زرت الأماكن قبلا لكي اعرف !! اختر أنت !!
تنهد بصبر وهو يهمس داخله
" هذه الفتاة لا تملك لساناً كباقي البشر حاشا لله بل هو مبرد حاد تصيب به من تشاء دون ان تفكر "
قال لها وهو يركز على الطريق امامه
- تعالي نعقد اتفاقاً !!!
التفتت له بسرعة وهي مقطبة الجبين
- نعم نعقد ماذا !!!
ابتسم وقال بهدوء
- نعقد اتفاقا بأن نكون صديقين فقط لهذا اليوم ... كوني هادئة ... لا تجادلي ولا تتشاجري ... فقط كوني هادئة ومطيعة !
أجابت بضيق
- انا دائما هادئة كالنسمة !!
التفت ينظر لها وكأنه يستنكر ما قالته لتكمل بتساؤل وهي ترمقه بحذر
- ماذا !!! لماذا تنظر لي وكأنك لا تصدقني ! على فكرة كل من يتعرف علي يقول لي هذا الكلام !!
هز رأسه وركز بصره على الطريق مرة ثانية اراد ان يقول اجل كالنسمة مع الجميع الا معي تنقلبين كالقطط المتوحشة .... لكنه عوضا عن ذلك قال لها برزانته المعتادة
- أصدقك طبعا ... لكن مع ذلك هل من الممكن ان تنفذي ما طلبت !
صمتت لا تعرف ما تقول ... لكنه و مما بدا له من صمتها وسكونها بانها توافقه على كلامه ... وفعلا كانت كالطفلة الهادئة تنظر حولها بانبهار ... أخذها الى جميع المناطق السياحية المهمة ... قلعة اربيل التاريخية ... مئذنة جولي ( المظفرية ) شلالات بيخال وكلي علي بك ... عيون جنديان السحرية وغيرها من المناطق الرائعة
كانت تسير معه بخجل وارتباك في بادئ الأمر لكن الخجل بدا يتلاشى شيئا فشيئا ... لا تصدق انها تسير لجانبه بل لا تصدق بان وليد الجاد المتجهم له هذا المزاج الرائق ... كان يشرح لها بلطف وصبر جميع ما يصافهم من أماكن تراثية ... شخصيته كنت منفتحة مرحة مع خفة دم لم تتوقع وجودها به أبدا ... إحساسها السابق بالنفور والخوف منه بدأ يتلاشى ليس ألان بل منذ فترة حتى انها أصبحت تجد متعة بأغاضته وإغضابه ... لكنها لازالت لحد ألان تمقت تدخله وسيطرته التي يمارسه عليها ... فقط لو يلتزم حدوده معها ولا يتدخل بحياتها الخاصة لا صبح فعلا شخصا رائعا وصديق لا بأس به !!!
بدأ الظلام يزحف ببطء والأضواء الملونة بدأت بالانتشار مع أصوات الموسيقى الخاصة بالدبكة الكردية وقف وهو يشير الى جموع الراقصين
- من المعروف عن المناطق الشمالية أنها مستوطن للعديد من الحضارات والمجتمعات منذ بداية التاريخ ويرجع ذلك إلى التوسعات التي حدثت فى عهد الإمبراطورية العثمانية فضمت إلى البلاد الكثير العادات الأخرى فاختلطت الثقافات وتنوعت ....هذا بالإضافة إلى الموقع الجغرافي بين الدول العربية ودول الشرق الأوسط . وانعكس هذا الاختلاط بين الثقافات على ثقافة الشعبية للفنون مثل الموسيقى والرقصات فهناك رقصات متعددة لكل منها اسم معين

قالت بتساؤل وهي معجبة رغما عنها بثقافته الواسعة ... فعلا كان يبدو كمعلم او مدرس للتاريخ
- ما اسم هذه الرقصة ؟!
ابتسم بهدوء وهو سعيد بتجاوبها يبدو انها بدأت تعتاد عليه ....هذا جيد فكر بذلك ثم اجابها بحنكة وفخر
- يطلق عليها هلبركي ينتشر هذا النوع من الرقص فى المناطق الواقعة في العراق ولبنان ودول البلقان وتؤدى هذه الرقصة بشكل جماعى كما ترين حيث يرتدي الراقصون ملابس سوداء مزركشة الفضة ...
قالت وهي تشير الى ملابس الرجال الغريبة التي لاحظت انهم يلبسوها باستمرار وبشكل يومي
- وما هذه الملابس !! لماذا لا يلبسون الملابس الرجالية العادية !
قال لها شارحاً بصبر
- أنها ملابسهم التقليدية ويعتبر رمز من الرموز التي يتميز بها أكراد شمال العراق ... كل قطعة لها اسم معين ...
بعد ذلك أخذها بجولة أخرى بمحاذاة النهر ... الأضواء الساطعة وأصوات السياح المختلطة مع أصوت الباعة كانت تصلهم من مكان بعيد ... فجأة تراءى أمام ناظريهما صوت طائر يئن بألم ... أمعنا النظر جيدا كان طائر عالق بشباك نصبها احد الصيادين بمحاذاة النهر .. نزع سترته وأعطاه لها قائلا بجدية
- سأذهب لأحرره ثانية واحدة وأعود !!
لا تعرف لما احتضنت سترته بقوة وهي ترقبه بانتباه شديد كيف رفع طرفي بنطالة وتخلص من حذائه وجوربه ثم تسلل بهدوء ليخلصه بكل حرفيه وخفة ثم يحرره ليطير عالياً محلقاً في السماء ... ليطلق بعض الأصوات الغريبة وكأنه يشكره على مساعدته وتخليصه من موت محتم ... كان وليد رائعا رجوليا و جذابا ... من يراه يعتقد بأنه ولد وترعرع في هذه المدينة ... تشرب من أصالتها واندمج بروحه بين طيات حكايات وخرافات المكان .. غير ان الحقيقة ليست كذلك أبدا ... فعائلة خالها انتقلوا إلى المناطق الشمالية بسبب ظروف عمل خالها اكرم وقد وجد راحته هنا فاستقروا واشتروا تلك المزرعة الصغيرة .. هذا ما عرفته صدفة من والدتها !!!
راقبته يعود أدراجة وجسده الرجولي الضخم يتحرك بخفة ومرونة ... له هيبة يفرضها أينما ذهب ... قلبها بدا يهدر بعنف وهي تفكر ان ابن خالها يمتلك سحراً خاصاً ... سحر خطر جدا .. حتى لو لم يكن وسيما بالمعنى الحرفي!
أخذها بعد ذلك الى إحدى المطاعم الشعبية المنتشرة في شوارع المدينة كان مطعما صغيرا ونظيفا .. جلسا يأكلان الطعام بلذة .. أكلت أمامه دون خجل وكأنها تجلس أمام والدتها... قالت له وهي تمضغ الطعام
- هل تتكلم اللغة الكردية ؟!
أجابها وهو يضع الشوكة جانبا
- اجل أتقنها بطلاقة لا تنسي لقد عشت هنا سنوات عديدة !
أومأت وهي تهمهم بشرود ثم قالت بترفع
- انا ايضا تعلمت بعض الكلمات من صديقاتي في الكلية !
ابتسم لطفوليتها وهي تحاول ان تغيضة ليجيها قائلا بلطف
- هذا جيد !
قالت وهي مقطبة الحاجبين
- تكلم معي قليلا باللغة بالكردية وانا سأترجم لك لكن إياك ان تساعدني .
رفع حاجبه وقال
- لا يزال الوقت مبكرا للترجمة أنت لم تتعلمي إلا بضع كلمات قد يكون صعب عليكِ ...
قاطعته بنفاذ صبر وهي تمسح فمها بالمنديل
- لالالا ...تكلم أنت فقط وسترى كيف أترجم ! لكن اختر كلمات سهلة وبسيطة !
هز كتفه بلامبالاة وقال
- كما تشائين .... والان لنرى ... اممم ...
حك ذقنه يدعي التفكير لعدة ثوان ثم قال
- تو به بوولة اله توني !
قطبت وهي تنظر له بضيق لعدة ثوانِ قبل ان تقول بانزعاج
-لا هذه لم اعرفها هات جملة أخرى !
تراجع بظهره إلى الوراء ومد ذراعه على الكرسي مستمتعا بمنظرها وهي تتقلب بقلة حيلة وكأنها تقف على صفيح ساخن
- تو تيريد زبان ده ريش !!
ملامح ووجهها التي احمرت غضبا وغيضا كانت فعلا مثيرة للضحك ... قالت باختناق وكأنها خسرت مباراة عظيمة
- أيضا لم اعرفها ! هذا ليس عدلاً !
ابتسم رغما عنه لتقول له بحقد ومزاجها الناري المتقلب عاد إليها من جديد
- لماذا تبتسم !!! ما هي الكلمات التي وجهتها لي ... أكنت تشتمني !
رفع حاجبه باستنكار حقيقي وقال لها بجدية
- ماهذا الكلام الساذج ولماذا أشتمك !
رفعت كتفها وقالت بإصرار
-لا اعرف ربما تريد ان تنتقم مني !
نظر لها لعدة دقائق بصمت وتجهم ثم استدعى النادل ودفع الحساب وهب واقفا وهو يقول
- هيا غسق حان وقت العودة ... فلنعود قبل ان ترفعي ضغطي و تختمي رحلتنا اللطيفة هذه بمشاجرة أخرى من مشاجراتك التي لا تنتهي !
هبت واقفة وهي تقول معترضة
- انا لا أتشاجر !!
ارتدى سترته قائلا دون ان ينظر لها
- اذن ماذا تفعلين !!
قالت بصوت هادئ
- فقط .. فقط ..كنت اسأل لا أحب ان أكون كالأطرش في الزفة !!
ردد باستغراب وكأن كلامها لم يعجبه
- أطرش في ماذا !!!!
ليكمل قائلا بلهجة صارمة لا تقبل المناقشة
- هيا غسق قلت لك حان وقت العودة
..................................
عادا الى المنزل بوقت متأخر ... كانت غسق لا تعرف ما عليها ان تقول لقد حدثت اليوم أمور كثيرة شوشت عليها تفكيرها ... جعلتها تكتشف جزء جديد من شخصيته لم تكن تعرفها ..او لم تحاول ان تعرفها ... حسنا هي لن تنكر بأنه كان مسلياً ولطيفاً بالإضافة لثقافته العالية ... اوف ياربي لكنه مازال كريها وغامضا ... ثم لماذا لم يترجم لها ما قاله !
شعر بتنهيدتها الحادة استطاع ان يرى وجهها الجميل عابسا ومنزعجا ... انقبض قلبه وساوره الشك ... هل كانت تتكلم بجدية !!! هل فعلا شكت بأنه شتمها !!! تبا هذه الفتاة ستفقده عقله بتصرفاتها المتسرعة
- مابك غسق الم تستمتعي بالرحلة ؟!
قالها وهو يحاول ان يكون لطيفا معها ويبين لها بأنه نسي ما تفوهت به في المطعم ...نظرت له وقالت
- ماذا قلت لي عندما كلمتني باللغة الكردية ؟!
التفت ينظر لها وعيناه الداكنتان التي انعكست عليهما أضواء مصابيح الشوارع كانت حادة وغاضبة
- يا الهي غسق الازلت تفكرين بذلك الأمر!!
أجابت بسرعة وهي تقضم شفتها بتوتر
- اجل ويجب ان اعرف !!
قال لها بتحدي وهو ينظر أمامه ببرود
- وان أخبرتك بأني لن أترجمها لك !! ما هو قولك !
هتفت باستنكار
- قولي انك كنت تشتمني بالفعل !
طحن أسنانه بقوة ثم قال بغيض
- فكري كما تشائين غسق لا طاقة لي للشجار !
قطبت والتفتت الى النافذة بعناد تبا هي حتى لم تحفظ الكلمات لتترجمها لها دلجين اوووف ماهذا الحظ العاثر الذي تملكه !!!
.............
.............
دلف سليم الى المطبخ ثم قال بلهجة مبطنه وهو يركز نظراته نحوها يرسل لها رسالة فهمتها جيدا ورحبت بها وقلبها يتراقص بسعادة
- أريد فنجان من القهوة يصل لغرفتي ألان حالا
القى أمره و تركهم مغادرا بسرعة تحركت افيندرا لتخرج الدلة الخاصة بالقهوة ثم وضعت فيه بالماء بينما قالت والدتها بانزعاج
- لا تأخذي القهوة له انا سآخذها
أجابت وهي تضع الدلة على الموقد
- امي غرفة السيد سليم في الطابق الثاني وانت لا تستطيعين الصعود بسبب الم قدميك
مسحت يديها بالمنشفة ثم توجهت لتجلس على لكرسي قائلة بتنهيدة حارة
- لا يعجبني نظراته التي يوجهها لك !!
ابتلعت افيندرا ريقها بصعوبة ثم قالت بلامبالاة وهي تحرك القهوة بالملعقة
- لا تقلقي امي اعرف كيف أتعامل معه اطمئني أنت فقط
تمتمت والدتها بعدم رضا
- فليحفظك الله من كل سوء يا ابنتي
صبت القهوة في الفنجان ثم حملت الصينية وقالت
- اذهبِ للنوم امي وانا سألحق بكِ بعد ان انظف المطبخ !!
......................
..................................
كان ممدد على فراشة يضع يده تحت رأسه يحدق في السقف بشرود ... من هي تلك الغسق لترفضه ... كيف تجرأت على التكلم معه بتلك الطريقة ... لكن الخطأ ليس منها بل منه هو أعطاها حجما اكبر من حجمها ... حسنا باران أنت السبب فهذه كانت فكرتك العبقرية حيث قال له وحسب نظرته التي لا تخطأ ابدا بأنها من النوع الذي لا تحب العلاقات العابرة وان اسهل طريق اليها هو عبر الدخول من الباب اي خطبتها !! وهاهي قد رفضته بطريقة مهينة !!
اخرجه من شروده صوت افيندرا عندما دلفت بصينية القهوة قائلة بدلال
- القهوة كما أمرت سيدي
هب واقفا ثم امسك الصينية ليضعها على المنضدة بلا مبالاة ... كبل خصرها وقربها ناحيته قائلا وهو يستنشق عطر رقبتها ويغرس انفه هناك
- اي قهوة !!! فلتذهب القهوة للجحيم انا احتاجك انت حبي
تملصت من بين ذراعية وهي تقول بهمس ناعم
- سليم سيرانا احدهم اتركني أرجوك
دفعها نحو السرير وهو يفتح أزرار قميصه الأبيض قائلا
- لا احد في المنزل لا تقلقي يا حبي فلنستمتع قليلا اشتاق إليك حلوتي
وكالعادة تضعف أمامه ومنذ الكلمة الأولى ..... لتسلم له جسدها وهي تبادله الشغف دون خجل او تفكير
................................
............................
دائما تنقل نظراتها بينهم بتشتت وخجل وكأنهم يتصدقون عليها بفتات الخبز ... يرموه لها كطفل فقير يقف على عتبة بابهم ...
شعورها بالغضب من والدتها يحرق روحها يخنق أنفاسها .. كل ليلة تعد الكلام ... الكثير.. الكثير من الكلام لتلقيه على مسامعها عل ذلك الغضب يخبو قليلا لكن ما ان تشرق شمس الصباح حتى يتلاشى كل شيء بغمضة عين لتعود لصمتها ووحدتها من جديد .. أخرجت صورة زهير من تحت الوسادة وهي تفكر بحرقة
زهير ... زهير ... اااه والف اااه منك يا زهير .. كل ليلة يغزو مخيلتها الجامحة لتتخيل ألاف الخيالات المستحيلة ... يتسابقان على شاطئ البحر تتقاذفه بالماء تارة هي وتارة هو وضحكاتهم تتعالى ... يجلسان متعانقين أمام المدفئة الحجرية في فصل الشتاء
يهمس لها بكلام لم تسمعه في حياتها ولا تريد ان تسمعه الا منه هو فقط ... لكن هيهات فتلك هي مجرد أحلام مثيرة للشفقة ... حمد لله ان الأحلام سرية لا يمكن ان يطلع عليها احد والا لكانت فعلا مثيرة للشفقة والسخرية!!!
خرساء ... بلهاء ... عديمة النفع ... كل ذلك ومايزال هناك الكثير من النعوت والألقاب التي تطلقها والدتها عليها ... خنقت شهقة حادة كادت ان تخرج منها وتوقظ تبارك النائمة على السرير المقابل لسريرها ... أغمضت عينها بألم و ابتلعت ريقها وهي تعيد الصورة لمكانها ثم تهب واقفة لتتجه لغرفة خالتها سعاد ... يجب ان تتكلم مع والدتها ... لو انها تملك هاتفا خلويا كتبارك وغسق لما كان هذا حالها ... تستجدي منهم الهاتف كالمتسولة !! لكن لا لا يجب على حبيبة ان تمتلك هاتفا لازالت صغيرة قد تتعرف على الشباب او تفسد أخلاقها !!! هذه كانت حجة والدتها .... اذن لماذا اشترت لشقيقتها هاتفا عندما كانت بعمرها !!!!
طرقت الباب بخفوت وهي تطرد دموعا جديدة أوشكت على السقوط من مقلتيها .. سمعت صوت خالتها تدعوها للدخول ... دلفت بابتسامة واسعة وهي تقول
- مساء ...الخير خالتي ... ظننتك نائمة !
أجابتها سعاد بحنانها المعهود
- مساء السعادة حبيبتي .. لازال الوقت مبكرا لم تتجاوز الساعة الحادي عشر ... تعالي اجلسي الى جانبي
جلست جانبها على الفراش ثم قالت بتوتر وخجل
- خا..لتي هل .. من ..الممكن ان اطلب منك طلبا ؟!
أجابت خالتها وهي تدعي الحزن
- وانا التي ظننتك قد أتيت لتتسامري مع خالتك العجوز .!!
قالت بسرعة وصدق
- بل جئت لأتسامر معك واطلب منك طلبا بذات الوقت
تبسمت سعاد ببشاشة ثم قالت
- اطلبي ما تشائين حبيبتي
خرجت تنهيدة حزينة من شفتي حبيبة ثم قالت بخفوت وهي تسبل أهدابها
- أريد ان اكلم أمي .. أرجوك خالتي !!
اختفت الابتسامة من وجه سعاد وهي تقول بهدوء
- لماذا تريدين ان تكلميها هل تحتاجين لشيء ؟!
قالت حبيبة بعينان دامعتان
- وهل يجب ان يكون هناك سبب او ان احتاج لشيء لأتحدث مع والدتي ؟!!!
ابتسمت سعاد بتوتر وهي تسب وتشتم شقيقتها ذات القلب المتحجر التي لم تشعر هذه الفتاة اليتيمة يوما بحنانها وأمومتها وكأنها ليست ابنتها التي حملتها في أحشائها تسعة أشهر !!!!
- حاضر حبيبتي سأتصل بها غدا ...
قاطعتها حبيبة بتوسل
- لماذا غدا اتصلي بها الان
أجابتها سعاد كاذبة وهي تشدها الى أحضانها
- لا تنسي فرق التوقيت لابد أنها ألان مشغولة او ربما نائمة انتظري للغد واعدك ان اتصل بها
قبلت حبيبة يد خالتها وشكرتها بأدب ثم خرجت بهدوء وسط دموع سعاد التي بدت بالانسكاب شفقة على تلك اليتيمة
.........................
...................................
وقفت تحت رذاذ الماء الدافئ تغمض عينيها بهدوء تحاول غسل روحها التي تعبت من كل شيء ... عل الماء يزيل قذارة روحها قبل جسدها ...
هو يقول انه سيخطبها قريباً ... وأنها تعتبر بموجب العقد العرفي زوجته ... لكنها تشعر بالرخص جسدها بات مقرفاً ...
تنهدت بحسرة وهي تتذكر ماضيها البشع الذي تحاول ان تتناساه ... ماضيها في ذلك الحي الفقير ... حيث ولدت وتربت قبل ان يموت والدها جراء مرض سرطان الدم ... ليتركها مع والدتها الأربعينية عرضة للتحرش من الذئاب البشرية ...
كانت دائما تشعر بالضآلة والفقر .. تنظر لما يمتلكوه صديقاتها في المدرسة من ملابس وعطور ومصوغات ذهبية بينما .. هي مجرد فقيرة بائسة تراقبهم بحسرة وحسد
لازالت تذكر ذلك اليوم عندما ذهبت الى احتفال المدرسة ... كانت في الخامس عشر من عمرها بريئة وصغيرة ... طلبت من والدها فستانا جديدا للحفل ... وكم كانت فرحة عندما حقق لها ما تمنت ... لكن للأسف سعادتها تلاشت وتبخرت عندما بدأو بالاستهزاء منها .. ونعتها بأبشع الصفات وأقذرها .. بكت بألم وخيبة ... بكت بحقد وغل ... بذلك اليوم
ماتت افندرا الضعيفة واحترقت لتولد من رمادها افندرا جديدة أقسمت على ان تنال السعادة والثروة والغنى مهما كلفها من ثمن ... وقد كان ...
فها هي على عتاب القصر لم يبقى الكثير لتنال لقب زوجة سليم ابن أشهر رجال الأعمال في اربيل ...
أغلقت الصنبور ... لفت منشفة حول جسدها ثم خرجت بخطوات هادئة وابتسامة رضا تزين وجهها .. سترتدي ثيابها وتعود لغرفتها ... والدتها تنام بعمق لا تستيقظ حتى لو أطلقو مدفعا قرب أذنها .. فهي منهكة من عمل المطبخ ... حسنا امي لم يبقى الكثير لترتاحي ... فقط اصبري ... همستها بوعد ... دلفت لغرفة النوم لتراه لايزال ممدا يستند على الوسائد وهو عاري الصدر ... نظرت له بابتسامة مغرية ثم توجهت إلى المرآة لتمسك الفرشاة وتمشط شعرها الأسود .. أحست بنهوضه واقترابه منها .. لف ذراعيه حول خصرها ودفن انفه ليستنشق شعرها الرطب قالت ببرود
- الم تقل لي ان أغادر الان ؟
أجابها وهو يقبل رقبتها برقة بينما تسللت يده تحت المنشفة ليلمس فخذها الناعم صعودا وهبوطا
- ارحلي بعد قليل حبيبي
أدارها ناحيته قائلا بهمس وهو يفرك كتفيها المرمريان
- لما الاستعجال جميلتي والليل لازال في أوله ووالدي مسافر ووالدتك ألان تغط بنوم عميق !
ابعد المنشفة التي تحجب يديه عن جسدها الطري ليلتهم بعينيه الجائعتان كل انش ظهر منها قبل ان يدفعها للسرير ويبدأ معها جولة جديدة كانت هي الخاسرة فيه كالمعتاد
...................................
.........................................
كانت كل من خالتها والخالة سعدية تجلسان في المطبخ تحفران الخضروات وتنظفان الأرز استعدادا لعمل وجبه الغداء بينما هي تنتقل من مكان لأخر وهي تنتظر ان تتصل خالتها بوالدتها كما وعدتها ... يجب ان تتحدث إليها مهما كلفها من ثمن .. وقفت عند باب المطبخ ثم قالت
- خالتي !
همهمت خالتها وهي تركز في حفر الباذنجان
-همممممم
أجابتها بحده وغضب رغما عنها
- أنسيت ما وعدتني به ؟!!!
رفعت سعاد رأسها ثم ابتسمت بتردد ... هي لم تنسى لكنها أملت بأن حبيبة هي من ربما ستنسى موضوع الاتصال .. قالت بتلكؤ
- اجل ... اجل .. حبيبتي حالا فقط افرغ من ...
قاطعتها بإصرار
- لا خالتي لن انتظر أرجوك اتصلي بها هياااااااا !!
تركت ما بيدها ثم نظرت لسعدية وقالت بحرج
- أكملي حفر الخضراوات عزيزتي ريثما اجري اتصالا سريعاً وأعود
أومأت سعدية وهي تتابع خروجها بتعجب وفضول
.....................
..............................
- متى ستعودين لتأخذيني يا أمي ؟!!
قالتها بقوة وحدة ... ليس ذنبها أنها خلقت معاقة ... ليس ذنبها أنها لم تكن الابنة التي تفخر بها والدتها ؟!!! وليس ذنبها أنها جاءت إلى هذه الدنيا ؟!!!
هي ابنتها شاءت ام أبت ويجب ان تتحمل مسؤوليتها ... حتى لو أسمعتها مئات الكلمات الجارحة لقد تعودت ... تعودت على اهاناتها المستمرة لن تؤثر بها بعد ألان ستتحمل وتغلف قلبها بجدار قوي وسور عالي لن تسمح لأي احد ان يجرحها ويهينها .... سمعت صوت والدتها البارد القاسي كما هو كأنها لم تفارقها !!! كأنها لم تشتق اليها ؟!!!!
- اسمعيني جيدا حبيبة أنت لست طفلة ... بل شابة واعية وكبيرة ... لذلك سأتكلم معك بصراحة !!
ابتلعت حبيبة ريقها بينما أحست بالبرودة في أطرافها ... والعرق بدأ يتجمع على جبينها لتكمل والدتها بهدوء مستفز
- أولا انا لم أكمل إجراءات العمل بعد .... ثانيا وهو الأهم .... هو أني وجدت لك رجل ... اقصد عريس موافق على الزواج منك رغم إعاقتك !
..............................
نهاية الفصل السابع

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن