17

214 13 0
                                    


الفصل السابع عشر
................
تسير بين الطرقات كالتائهة ... تنظر للوجوه بضياع وتشتت ... للأن لا تعرف ماحصل مع ابنتها ... هل تجاوزت صدمتها ؟! هل أخبرتهم ؟! هل فُضحت ؟! ماذا يقولون عنها الأن !! واي أحاديث دائرة بينهم ؟!!
المال بدأ بالنفاذ وأخذت تبيع مجوهراتها لتستطيع العيش ... لكن أي عيشة هذه التي تنتظرها ! دون منزل .. عائلة ... مأوى ... سند ... والاهم دون كرامة وسمعة !!!
لم يكن هناك من ينظر لها ... كانت تبدو تماماً كالمشردين ... شعرها متشعث وملابسها غير مهندمة ... بانت على وجهها تجاعيد الزمن ام ربما تلك الخطيئة التي اقترفتها هي من كبرتها فوق اعوام عمرها اعواماً مضاعفة !
دلفت لزقاق فرعي متسخ وفارغ ... اتكأت على الجدار وهي تهمس بشرود .. ليت الزمن يعود من جديد لأصلح امور كثيرة ! ليته يعود ليوم واحد ... يوم واحد فقط ... فقط ...
....................
كان يستمع له بهدوء ظاهري ... ملامحه ساكنة لا تعكس ما يعتمر داخله من مشاعر مختلطة ما بين يأس... قهر ... ورطة ... اجل فهو من اوقع نفسه بهذه الورطة التي فيما يبدو لا حل ولا مخرج له منها !!!!
انتقلت نظراته لوليد الذي كان يجلس يتبادل معه الكلام بهدوئة ووقاره المعروف به ... ليتك تعرف يا اخي ما اشعر به الأن بالضبط ... بل ليتني استمعت لنصائحك انت وامي ... ليتني لم العب دور الابن المستسلم المطيع واقدم نفسي قربان لنزوات وقرارات ابي المجحفة ... كيف فرطت بسعادتي ...كيف ربطت مصيري معها ! كيف لم اكتشف مشاعري تجاه حبيبة مبكراً !!!
ثم نظر لها ... تجلس بمسكنة وخنوع وكأنها ليست تلك الفتاة السليطة اللسان التي رمت بكلامها المهين وطعنت شرف ابنة عمته بمنتهى الدناءة والحقارة !
بالمقابل كانت سلمى تسترق له النظرات الباردة ...لولا والدها وإصراره على رجوعها اليه لما عادت ابداً ... لكن لاباس يا زهير ...لاباس لقد ثقلت كفتك معي كثيراً ولنا حساب سنصفيه قريباً ولن تكون سلمى أن لم تمرغ سمعتهم بالتراب !
قال مراد بطيبة وأبوة وهو ينظر لزهير العابس والذي لم يبذل مجهوداً لإخفاء ضيقه من حضور زوجته التي نسفت كل مخططاته
- لم يعجبني بقائها في المنزل كل هذه المدة ...صحيح انا أرحب بها في اي وقت الا اني لا أرضى ان تفعل ذلك على حساب زوجها ومنزلها ابداً !
اجابه زهير متهكماً
- لابأس عمي يمكنها البقاء في منزلك الوقت الذي تريده ... أأكد لك غيابها لن يؤثر علي ابداً !
قطب مراد واعتدل بجلسته قائلا بأهتمام وبلهجة حملت عتاباً طفيفاً
- لماذا تقول هذا الكلام يا ولدي ... هل بدر من سلمى ما ازعجك ؟!
وهنا تدخل وليد قائلا وهو ينظر لزهير بحدة
- كلا بالطبع بالتأكيد لم يقصد ذلك .. لكنه لايريد حرمانها من زيارتكم خاصة وان زهير مشغول بالعمل وليس متفرغ لكي يوصلها بأستمرار ! اليس كذلك زهير !
اومأ زهير قائلا بلامبالاة
- اجل ..اجل هذا ما قصدته بالضبط !
كانت سلمى تغلي غيضاً وغضباً من لامبالاته واستهانته بضرورة وجودها في المنزل لكن لابأس زهير ستدفع الثمن اعدك بذلك !
بعد مرور وقت قصير استأذن مراد للمغادرة وهو يوصي زهير أبنته كما أوصى سلمى بأن تعتني بزوجها وان تحاول التقرب منه ومن عائلته ... وكأنه شعر بتلك الحرب الباردة بين ابنته وزوجها ... وما ان غادر مراد حتى قال وليد بجدية وهو ينقل نظراته بين زهير وسلمى
-اتبعني للمكتب احتاجك بأمر ضروري !
اومأ وهو يتبع خطوات وليد المغادرة لينظر لزوجة بتجهم قائلا ببرود وسخرية
- وانت اذهبِ لشقتك الان بالتأكيد المكان يحتاج للتنظيف فأنت تركتيها منذ وقت طويل ..
لحق بشقيقه دون ان ينتظر سماع ردها ودون ان ينتبه لنظراتها الحاقدة التي رمتها به بتوعد
...................
.........................
جلس خلف المكتب وشبك اصابعه وهو ينظر لملامح زهير الباردة ... كان يريد ان يفهم مالذي يجري بالضبط مع شقيقه !! منذ ان تزوج سلمى ...لالا بل حتى قبلها وهو يشعر بضياعه وتوتره ...حيرته وتشوشه ... زهير ليس سعيداً بحياته الجديدة ... وهذا واضح جدا جدا ! لايحتاج الامر للتحليل والتفكير لمعرفة واكتشاف ذلك !
قال وليد بهدوء وهو يشير للمقعد المجاور له
- تعال واجلس هنا !
تقدم زهير بصمت ليفعل ما امره به شقيقه ليكمل وليد قائلا بعد ان سحب نفساً عميقاً
- والان هلا اخبرتني مالذي يجري معك بالضبط ؟!
اجابه زهير ببرائة
- ماذا تقصد ؟!
قطب وليد قائلا بنفاذ صبر
- اقصد بينك وبين زوجتك !!!
وقبل ان يتكلم زهير اكمل وليد بهدوء
- قبل ان تتكلم .. أذكرك .. مهما كانت حجم المشكلة بينكما هذا لايعني ان ترميها بمنزل والدها بهذا الشكل المهين !
هتف زهير قائلا
- لا أريدها اخي ...لا أريدها ... اكتشفت خطئي الان ...
رفع وليد حاجبيه بتعجب ودهشة بالرغم من كل تصوراته وأفكاره عن زهير وكيفية زواجه من سلمى الا انه لم يتصور ان يتفوه شقيقه بهذا الكلام ابداً
- نعم !!!!!! ماذا قلت ؟! لا تريدها واكتشفت خطئك الان ؟!!
ليكمل بحدة وغضب حقيقيين
- اتعي ما تقول !!!
اومأ بصلابة وإصرار
- اجل اجل اعي جيداً ما اقوله ... انا لا أريدها يا وليد !
هتف وليد بدهشة ممزوجة بالاستنكار
- وهل بنات الناس لعبةٍ في يد حضرتك ؟! انت اخترتها بإرادتك .. صحيح والدي من عرض فكرة المصاهرة لكنك انت من اصريت على اتمام الزواج بعد موته ... كان بأمكانك ان تخترع اي حجة للتملص لكنك انت ..انت من ضربت على صدرك وقلت اريدها وانتهى !
ابتلع زهير ريقه وقال هامساً وهو يطرق رأسه أسفاً
- انت محق يا وليد ... اجل .. انا من ورط نفسه واجل .. انا من اصريت ... لكن .. انت لا تعرف ماذا قالت وماذا فعلت هذه ...
قاطعه وليد بصلابة وامر وهو ينظر لوجه زهير بحدة وانتباه
- لا اريد ان اعرف شيئاً عن مشاكلكما ... حاول ان تحلها بهدوء يا زهير .. ابدأ معها من جديد ... لازلتما في بداية حياتكما الزوجية ومن الطبيعي ان يكون هناك بعض سوء الفهم بينكما ...
صمت زهير بتجهم وجمود ليكمل وليد متنهداً
- يا زهير .. افهم ...لم يمض على زواجكم الشهرين او ثلاث ... اصبر واعطها فرصة اخرى !
هتف زهير قائلا
- لكن يا وليد انا ...انا ... لا اريد ظلمها معي وانا ..انا .. حقاً لا أكن لها ..
قاطعة وليد مرة أخرى وهو يقول بصبر وهدوء
- ارجوك زهير ... أعطي زواجك فرصة اخرى ان كنت حقاً لا تريد ظلمها كما تقول !!
اومأ زهير قائلا باستسلام فوليد لن يفهم .. لن يفهم ويصدق ابداً
- حسناً اخي .. حسناً ...
ليكمل بتساؤل وهو ينظر لشقيقه بتحدي
- لكن ماذا ...ان لم استطع الاستمرار معها ماذا افعل ؟!!!
اجابه وليد مؤكداً
- عندها أعدك ان اقف لجانبك مهما كانت الظروف !
قال زهير مبتسماً بظفر فهو يعرف بل متأكد بأن سلمى لم ولن تبقى على ذمته مهما طال الوقت فهي حقودة وانانية ومهما ادعت الطيبة لابد من ان أنانيتها وخبثها سينتصران ويظهران للعيان مرة اخرى
- وانا موافق يا وليد ... سأعطيها فرصة اخرى وسنرى !
.............................
....................................

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن