31

163 8 0
                                    


الفصل الواحد والثلاثين
..............................
كلما اقتربت منك ابتعدت عني أميال
كلما دنوت بالجلوس بقربك تراجعت عني أميال وأميال
أصبحت كالموج لا يهدئ .. لا يكل و لا يمل ..
دائما يتراجع .. دائما هو الغامض .. هو المهلك
هو الجارح .. هو المبكي
.................

المسافة الفاصلة بين البوابة الخارجية للمنزل وباب الصالة كانت لا تقل عن بضعة امتار قليلة الا انها احست وكأنها تركض الان الآلاف الاميال التي لا تنتهتي ابداً ....
الدموع شوشت الرؤيا ...وضربات قلبها وصلت لعنان السماء .... المشاعر التي تعصف داخلها لا تستطيع ان تترجمها ملايين الكلمات ....... وكأن جسدها كان مخدراً ....قدميها ثقيلتان لا تستجيبان لأوامرها !!
دلفت الى الصالة اخيراً ...انفاسها لاهثة ..... لاهثة ليس من الركض السريع لا ...بل من الخوف والذعر والارتباك .... توجهت نحو وليد الذي كان يجلس قرب والدته تشاركهم الجلسة الخالة سعدية ..
ما ان رأوها بهذا الشكل ...حتى توثبت حواسهم جميعاً ... هب وليد وقفاُ وهو يقطب حاجبيه قائلا بتساؤل
- مابك حبيبة !! ماذا هناك !!
ظلت لدقائق تمتمت في الكلمات التي كانت تخرج من بين شفتيها متقطعة وغير مفهومة ... قال لها وليد وقد اخذ القلق منه مأخذه
- اهدئي قليلا واخبرني على مهل مابك ؟!
اجابت بأنفاس متقطعه وعيناها تذرف الدموع دون توقف
- الشرطة.....اخذ....ت ...ز... هير ... قبل ..قليل
هتف بقوة وقد اتسعت عيناه بدهشة وعدم تصديق
-ماذا !!!! الشرطة اخذت زهير ! لكن لماذا مالذي حصل !
- لا..لا ..ادريييييي ...
قالتها وهي تهز رأسها وتكتم شهقاتها بيدها بينما سعاد ضربت صدرها بقوة وهي تصرخ بذعر
- يا ويلتاه عليك يازهير ! مذا فعل ولدي ليأخذوه !!!!
انهارت على الارض تضرب صدرها وهي تبكي بهستيريه .... اسرع وليد اليها مهدئاً فيما دلفت كلا من غسق وتبارك ورضاب الى الصالة ... اخذت سعاد تبكي بنحيب يقطع القلوب وهي تقول
- اذهب الى اخيك يا وليد ..اذهب اليه بسرعة ...اعد لي ولدي !
اجابها وليد مطمئنا بهدوء
- اهدئي امي .... اهدئي بالتأكيد هناك سوء فهم ...الان فوراً سأذهب اليه ونعود معاً لا تقلقي !!
هتفت سعاد ببكاء حار تشاركها سعدية بكائها وقلقها
- كيف اهدأ ... والزمن قد تغير واصبح كل شيء في العراق مقلقاً ومخيفاً
جلست تبارك قرب والدتها وهي تهدئها بعينان دامعتان بينما قلبها يخفق بقوة وذعر
- ان شاءلله سيعود مع وليد يا امي فقط كفي عن البكاء ارجوكِ !
خرج وليد من المنزل ... جلست حبيبة قرب خالتها سعاد تشاركها البكاء الحار ... بينما اكتفى البقية بالصمت والحزن .... مكتفي الأيدي لا يستطيعون فعل شيء سوى الدعاء والتضرع
.......................
....................................
البصرة امام احد المقاهي المطلة على شط العرب
..................

يجلس في المقهى الشعبي المطل على جرف شط العرب ... يراقب تصرفات معاذ وهو يضع يده على خده ...لهم الان ما يقارب الساعة وهما يجلسان .. كل ما فهمه من كلام معاذ الغير مترابط والمرتبك بأنه يريد رؤية حبيبة قلبه التي قلبت كيان ابن عمه الرزين البارد ....
حسناً معاذ يبحث عن عذر لكي يسافر لأربيل وهو سيساعده بإيجاد المبرر المنطقي ...سيساعده كما تعود ان يفعلها في كل مرة
- لماذا لا تسافر اليهم ؟!
قالها حيدر وهو ينظر لوجه ابن عمه الفاضح ... اجل عشقه وحبه كان واضح امامه وضح الشمس في كبد السماء ... وهذا الامر اسعده جدا ... فالماضي المؤلم الذي عاشه معاذ جعل منه انسان بارد المشاعر .... صلب من الخارج لكنه وحيد ومتالم من الداخل .... ربما حاول ان يبين للناس انه يعيش برحة وسعادة وكل شيء على مايرام الا انه لن يستطيع ادعاء ذلك امامه ....
كل شيء كان مكشوفا له ومعاذ يعرف بهذا ... يعرف بانه لن يستطع الكتمان او الادعاء امام حيدر صديقة واخيه المخلص لذلك كان دائما يتكلم معه بصراحة مطلقة .... وهاهو الان يعرب امامه عن اشتياقه لها ...لكن بطريقه غير مباشرة ....
يجلس امامه كطفل صغير حائر لا يعرف ما عليه فعله !!
رفع معاذ نظراته الحائرة اليه وقال
- لكن كيف اذهب وانا للان لم اعرف جوابهم على طلبي !!!!
اجابه حيدر ببساطة تامة
- وما دخل سفرك بطلبك ليد المستور عليها !!!
- لم افهم
اجابه بنفاذ صبر وهو يعتدل بجلسته
- رباه معاذ اذهب اليهم ككل مرة تذهب بها بسبب ملك !
ضيق معاذ عينيه مفكر باقتراحه ... ربما حيدر معه حق ! يذهب بحجة ملك وهي بالفعل تلح عليه وتريد الذهاب اليها ..اذن فهو لم يكذب ! لكنه بنفس الوقت يخشى ان يسبب الاحراج لوليد ...فلربما ظن بأنه يضغط عليه او يضعه امام الامر الواقع !
اجابه معاذ بحيرة
- لكن ربما اسبب لهم الاحراج بذهابي قبل ...
قاطعه حيدر مبتسما له نصف ابتسامة متفهمة
- لايوجد احراج يا معاذ ... اليك ما ستفعله بالضبط ..... انت ستأخذ ملك اليهم ولن تفتح موضوع الخطبة ابداً ....
التفت معاذ ناحية ينظر ناحية شطر العرب الذي انعكست على سطحه أضواء المحلات الملونة ....منتشرة فوقه وكأنها عملات ذهبية ..... ليردف حيدر بمكر
- هيا معاذ ...اذهب واضرب عصفورين بحجر واحد ...ملك ستزور والدتها الروحية وانت تملئ عينيك من حبيبة القلب وزوجتك المستقبلية .....
ما ان نطق حيدر جملته الاخيرة حتى التفت معاذ ينظر له بلهفة لم يستطع اخفائها ....عيناه الزيتونية اصبحت فاتحة اللون للغاية .... ازاد ضخ الدماء الحارة في اوردته ....كلمة زوجتك ....كم هي رائعة ...وكم لمست مشاعره وعزفت مقطوعة موسيقية ناعمة على اوتار قلبه .... الدفئ تسلل لحناياه دفئ لذيذ ورائع يشبه دفئ عينيها البنية الجميلة .... همس بصوت اجش بينما اطرق بنظراته على الطاولة يحدق بأصابعه التي اخذت تعبث بطرف قدح الشاي الموضوع امامه
- اتظن ذلك !!!!!
سحب حيدر نفساً عميقاً مشبعاً بالهواء المنعش الذي اختلطت رائحتة بروائح الشاي المهيل المنتشر بالمقهى ... بينما شعر بالسعادة والاطمئنان ....الان هو متأكد بأن معاذ يحب تلك المرأة فعلا ...خاصة عندما لم يثور او يعلق على كلامه الاخير
- اجل يا صديقي ...اذهب وانت مطمئن الباااال !
...................
...............................
اربيل في مركز الشرطة
................
يجلس امام ضابط التحقيق وهو ينظر له بملامح مظلمة وعابسة .... وما ان انتهى من كلامه او بمعنى ادق انتهى من توجيهه لأصابع الاتهام اليه ... عندما جاء مع الشرطيان فكر بأن هناك خطأ او سوء فهم في الموضوع .... لكن ما يقوله هذا الضابط الان شيء لايصدقه عقل !!
هو متهم بأستبدال المواد الإنشائية بأخرى اقل جودة !!! من اين جاءتهم هذه الفكرة ومن له المصلحة باتهامه هكذا اتهام خطير !!
اجاب زهير بجمود
- وما علاقتي انا بكل ما قلته سيدي !
ارجع الضابط ظهره الى الوراء مسترخيا وقال ببرود
- علاقتك !!! حسناً علاقتك هو انك قمت بالتوقيع على فواتير استلام المواد على انها مطابقة للمواصفات والجودة وصالحة للبناء هذا بالإضافة لاختفاء بعضاً من مواد الحديد الصلب والخرسانات الخاصة بالمشروع !
اجابه زهير بهدوء بينما يشعر الان بأنه مغفل وغبي بكل ما تحمله الكلمتان من معنى ....
- لم اوقع على استلامها وحدي ... هناك مهندسان اخران يشاركاني في الاشراف على المشروع !
قال الضابط بلهجة ساخرة
- بالطبع الكل سيشرف للتحقيق معه لا تقلق ..
تنهد زهير بتعب ... كل الكلام الذي قاله ومبرراته ذهبت ادراج الريح .. هذا الضابط لا يصدق كلمة مما يقوله له ... قال بهدوء وجمود
- سيدي اقسم لك اني ....
قاطعه الضابط مسرعا وهو ينحني بجذعه الى الامام سانداً ذراعية على سطح المكتب
- دون اللجوء الى القسم لانها لن تجدي معك نفعاً ....انت وزميليك متهمين بالاشتراك في هذه القضية !!
صمت قليلا ثم سأله بحدة
- هل لك ان تخبرني من اين لك المبلغ لشراء سيارة فارهة وثمينة كسيارتك التي اشتريتها مؤخراً
نظر له زهير بتعجب وذهول ....الظاهر بأنهم مصرين على إلباس التهمة وإلصاقه به !! اخر ما فكر به هو انهم سيبحثون عن مصدر شرائه لسيارته ايضاً !
اجابه بقوة وهو يشعر فعلياً بأنه على وشك السقط داخل حفرة عميقة مظلمة لا قرار لها ..... مكبلا بخيوط عنكبوت سام احكم توثيق يديه وقدميه بقوة لا فكاك منها
- سيدي سيارتي اشتريتها من حر مالي ....
قال الضابط بلهجة باردة استجوابيه
- ومن اين لك هذا المال !
اجابه زهير بهدوء وهو جامد الملامح
- حسناً ...لقد قمت بمقايضة سيارتي القديمة ودفعت ربع ثمنها ..اما المبلغ المتبقي فقد اتفقت مع صاحب المعرض على دفعها بشكل اقساط ...وتستطيع التأكد بنفسك !
-بكل تأكيد سنتأكد من كل شيء سيد زهير
وجه كلامه للضابط الذي كان يدون كل ما يقوله زهير ..
- يحبس اربعة ايام على ذمة التحقيق
مهما قال ومهما تكلم لن يصدقوه ابداً ...امر الشرطي بأخراجه من غرفة التحقيق وما أن خرج حتى رأى وليد واقفاً ينتظره في الردهة الجانبية ...
اسرع اليه وليد قائلا بأهتمام بالغ وهو يلقي النظر على الشرطي الذي يمسكه من ذراعه بقوة
- مالذي جرى زهير !!!!
حكى له زهير القصة بكلمات مقتضبة وهو يسير مع الشرطي ثم ختم كلامه قائلا بثبات وثقة وهو يركز على وجه اخيه الشاحب
- اقسم لك يا وليد ...اقسم بالله العظيم بأني لم اسرق قرشاً واحداً ولم استبدل تلك المواد !
اجابه وليد مطمئنا
- لا حاجة للقسم يا زهير انا متأكد من ذلك دون ان تقسم لي اخي !
حثه الشرطي على السير قائلا
- هيا معي ايها المتهم لايجوز لك التكلم هذا مخالف للقوانين !
وقف وليد ينظر لاخيه الذي اخذ يبتعد عنه رويدا .... رويداً .... وهو حائراً لا يعرف ماعليه فعله ... لم يكن يظن ان الامور ستكون بهذا السوء !!! كيف حصل كل هذا !!! واين كان هو من حياة شقيقه ؟! هل هو من اهمله ويتحمل نصف مسؤولية ما حصل ؟! ام ان السبب من زهير
الذي بات في اخر فترة مبتعداً عنه .... وهو قد ظن بأن زهير لم يعد بحاجة له ولمشورته !!!
صرخ بصوت قوي وقد تسلل لقلبه اليأس وقلة الحيلة
- لا تقلق يا زهير ..سأوكل لك اشهر محامي في البلدة وستخرج ان شاءلله
......................
.................................
تجلس بغرفتها تبكي بهستيريه ...صوتها بات مبحوحاً ... وعينيها منتفختان وحمراويتان ...كانت تضم ساقيها الى صدرها بقوة ...منظره وهم يأخذوه لا يبارح مخيلتها ... دفنت وجهها في حجرها من جديد وعادت الى نوبه بكاء اخرى ...
مالذي حصل ! هل كانت متوهمة بأنها تعرف زهير جيداً ؟ هل خدعهم زهير ! هل التهمة الموجهة اليه حقيقية فعلا !!!!
عادت لتلوم نفسها بقسوة .... هامسه بسرها .... ربااااه حبيبة .... كيف تفكرين !!! كيف تشكين بزهير الذي عشت معه اغلب سنوات عمرك ؟!
انت الوحيدة التي من المفترض انك تعرفيه جيداً !! تفهميه من نظرة واحدة ! انت اقربهم اليه .... وهو بحاجة لك الان .... كيف تخذليه وتظنين به ظن السوء !
مستحيل ...مستحيل ...زهير بريء لن ولم يفعلها حتى وان مات جوعاً !!!

كانت تبارك تجلس امامها على السرير فيما اتخذت رضاب الجانب الاخر ....تحتضن كتف شقيقتها بحزن ....
- يكفي بكاء حبيبة ....زهير سيخرج من الحبس ان شاءلله
اجابت بأنكسار وهي لاتزال تضم رأسها بين ساقيها
- انتِ لا تشعرين بي يا تبارك ...لا احد منكم يشعر بالنار المشتعلة في صدرررررري !!!!
اجابت تبارك بلهجة معاتبة
- سامحك الله يا حبيبة ...أتعتقدين بأني لا اتألم من اجل اخي !!!!
رفعت حبيبة وجهها وهمست بينما الدموع تسيل على خديها بغزارة
- ليس هذا ما اقصده يا تبارك لكن ... انا ...انا ... فقط ... فقط ... اريد زهير ..اريده الان ...لا طاقه لي على مجرد التفكير بأنه محبوس بين اربعة جدران
انقلبت شفتيها كالاطفال وأكملت ببكاء حاار
- انا اموت يا تبارك ..امووووت ..
احتضنتها تبارك بقوة وهي تهدئها بكلمات مشجعة ومطمئنة ... لكن هي الاخرى قلقلة على اخيها وتكاد تموت ذعراً من اجله ...وبصفتها الاخت الكبرى يجب عليها ان تخفف عن الجميع ...تكتم وجعها وقلقها داخل اضلعها .... تبين قوتها لهم وهي من الداخل هشة وضعيفة تحتاج هي الاخرى الى الدعم والمساندة ايضاً !!
خاصة وان الدتها المسكينة التي رقدت في الفراش اثر ارتفاع مفاجئ في الضغط .... الخالة سعدية تجلس جانبها ولم تتركها ابداً ....
همست حبيبة بحرقة ولوعة
- لماذا كلما امسكت السعادة بيدي تعود لتتسرب من بين اصابعي مرة اخرى ...لماااااااذا ...لماذا يا تبارك فقط اخبريني لماااااذا
همست تبارك بعينان دامعتان وهي ترفع نظراتها لرضاب التي ظهر التأثر والحزن على ملامحها بينما شددت من احتضانها لحبيبة
- لاتقولي هذا الكلام حبيبة ....ادعيه له وتفاءلي بالخير وان شاءلله كل شيء سيكون على مايرام

.......................
.............
دلف وليد لغرفة والدته التي كانت تأن الماً وهي ممددة في فراشها ...تجلس جانبها العمة سعدية تواسيها بحزن لا يقل عنها .... ما انراته عمته حتى هتفت بلهفة
- ابشر يا ولدي ماهي الاخبار ؟!
جلس امام والدته ثم امسك يدها هامساً بتعب
- لايزال الوضع كما هو عليه عمتي !
اخذت سعاد تنوح ببكاء وهي تقول
- ماذا يعني هذا يا وليد ! هل سيظل زهير محبوساً خلف القضبان ونحن نقف نتفرج عليه مكتوفي الايدي ؟!!
اجابها وليد بهدوئه المعتاد رغم الالم الذي يعتصر قلبه عصراً من اجل شقيقه لكن حتى وان ثار واظهر تأثره هذا لن يفيدهم بشيء بل سيزيد وضع والدته سوءاً ....لذلك هو ملزم بتهدئتها وطمأنتها
- لا تقولي هذا الكلام اماه ...لقد وكلت له محامي شاطر جداً ان شاءلله سيتمكن من اخراجه بكفاله مالية مهما بلغ ثمنها ! فقط اصبري وادعي له
همست بصوت مرتجف ومتضرع وهي تكاد تموت من القهر والحزن متخيلة ولدها المدلل العزيز اخر العنقود محتجز خلف اربعة جدران .... ولا تعرف كيف هوحاله الان
- لك الله يا زهير ..لك الله ياولدي
...................
........................

وصل الى اربيل عصراً وتوجه مباشرة الى منزل وليد ....
والدته استقبلت خبر سفره ببرود وسخرية كانت تقف تراقبه وهو يمشط شعره امام المرآة وهي تكتف ذراعيها وتقول بعد رضا
- هل السفر الى اربيل امر ضروري لا يحتمل التأجيل ؟!!!!
التفت ينظر لها مجيباً بهدوء
- ملك تريد رؤية والدتها امي !
تمتمت بسخرية
- اجل ملك بالفعل !
ابتلع ريقه واجابها وهو يتحاشى النظر لوجهها
- ماذا يكون غير ذلك اماه ؟
هزت رأسها واجابت بقوة وحقد
- انت تتذل لها كثيراً يا ولدي ..اثقل قليلا هي لن تطير كما انها كلما رأتك متلهفا عليها بهذا الشكل كلما زاد تعززها ودلالها عليك !!!
قطب قائلا بضيق وانزعاج
- ماهذا الكلام الذي تقوليه امي ! رضاب ليست كذلك !
هزت رأسها وقالت بجمود وحدة وهي تضع يد فوق الاخرى بقلة حيلة
- والله انت ستصيبني بالجلطة بسبب تساهلك وغبائك ... هذا حالك وانتما لازلتما على البر كيف سيكون الوضع عندما تتزوجا !! لربما ستجلس على كتفيك وتدلدل قدميها ...وتطلب منك ان ترميني في مركز رعاية المسنين !
ثم اخذت تولول وكأنه فعلا فعل ذلك بها
- اااه يالك من قليلة الحظ يا هدى سيرميك ولدك الوحيد وسندك في دار رعاية للمسنين ... هذا هو آخرة سهري وتربيتي وتعبي عليك ....
ثم صرخت بقوة وهي تتوجه لتجلس على طرف السرير
- لقد رفضت الزواج من اجلك انت واخيك رحمه الله !
قطب معاذ حاجبيه الكثيفان وتوجه مسرعاً لها .... مستغفراً الله بسره .. متعجباً من المنحى الذي وصل اليه حديث والدته ... ركع على ركبته وقبل يديها قائلا بعطف وحنان
- كفي عن البكاء امي ..انت الخير والبركة وتاج رؤوسنا ..ماعاش من يهينك او يسبب بأنزال دمعه واحده من عينيك ... صدر البيت لك والعتبة لنا ...فقط ارضي عني انتِ !
مسحت دموعها وقالت بأبتسامة فخورة
- بارك الله فيك يا ولدي وحزام ظهري ... ورضي عنك يا نور عيني وابعد عنك كل سوء !

تصرفات والدته باتت تحيرة ... تتصرف وكأنها امرأة غيورة .... كل دقيقة تتذمر من امر جديد ... يحاول ارضائها بكل طريقة ...لكن جل ما يخشاه الان هو كيف ستكون حياة رضاب معها ... هو يعرف ان والدته طيبة القلب وحنونة ... وهي تحتاج لبعض الوقت لكي تكتشف معدن رضاب الطيب وهو متاكد من انها ستحبها وتتقبلها في النهاية ! الامر المهم هو قدرة تحمل رضاب وصبرها على مزاج والدته المتقلب !!!!

عاد من شروده على صوت ترحيب وليد له وهو يدلف الى الصالة ...كان يبدو مهموماً ومنزعجاً للغاية ...تسلل الارتباك داخله ...ربما هو يفكر بأنه جاء بغية الضغط عليه بشائن موضوع الزواج من رضاب !!!!
- اسف لمجيئي هكذا فجأة يا وليد لكن انت تعرف ملك متعلقه بالسيدة رضاب كثيراً و...
قاطعه وهو يجلس جانبه قائلا بلطف
- لا تعتذر معاذ ..انت مرحب بك في اي وقت !
اومأ وهو يتفحص وجة وليد المتعب ..كان يبدو عليه الشحوب والتوتر لم يستطع منع نفسه من الاستفسار متسائلا
- مابك وليد ..اشعر بأنك لست بخير !!
تنهد وليد بعمق ... معاذ اصبح اكثر من صديق بالنسبة له ..وهو بالفعل يحتاج لأن يتحدث ويفرغ مافي قلبه الى شخص مقرب ... في الايام الماضية كان يكبح لسانه من النطق امام والدته التي تزداد انهياراً وسوءاً كلما ذكر اسم زهير امامها
- انه زهير يا معاذ !
قطب معاذ بعدم فهم وقال بهدوء
- مابه زهير ؟!!
...................................
لندن
............
خرج من عيادته الخاصة وهو يحتضن كتف تلك الشقراء التي كانت تبادله الضحك والهمسات برقة هذه هي عشيقته الجديدة التي تعرف عليها مؤخراً بأحدى الحانات في لندن ... اصبح يجدد علاقاته النسائية كل يوم .... اول امس كان مع سمراء واليوم التالي مع صهباء ...والليلة اختار شقراء فاتنة ....
يحاول قدر استطاعته النسيان وادعاء ان كل شيء على مايرام ..... وان ما يصيبة في الفترة الاخيرة هي مجرد اعراض اجهاد يمر به موقتاً وستختفي ككل مرة ....
ارتجاف يديه بات يقلقه كثيراً ...خاصة يده اليمنى .... العملية الاخيرة التي كان يقوم بها كانت مفزعة بالنسبة له ...فما ان امسك المشرط بأصابعه ... حتى ارتجفت يده بقوة ولم يعد بأستطاعته ان يركز على الجزء الذي يفترض به اجراء العملية ....

اصبحت هذه الرعشة تؤثر بالنشاطات العامة والاساسية في حياته المنزلية والطبية ... في بادئ الامر كانت نوبة الرعشات تأتيه خفيفية وبأوقات متباعدة ... اما الان ....فالأن باتت يديه ترتعش بكثرة ...
لقد احضر خادمة الى منزلة لكي تقوم بأنجاز اموره التي اصبحت أكثر صعوبة عليه في الفترة الاخيرة ...
يا الهي هو حتى اصبح يأكل بصعوبة ايضاً .... الان كل ماعليه هو اخذ الاحتياطات الازمة اثناء العمل لتجنب الاصابات التي قد تحدث للمريض الذي يعالجه وله ايضاً ..
اعتقد في بادئ الامر ان مايصيبة هو بسبب القلق والتوتر النفسي لذلك عمد الى الاسترخاء .. واخذ اجازة طويلة من العمل ... لكن ايضا لا فائدة ؟؟؟؟
لذلك قرر الذهاب الى الطبيب الذي زيد قلقه وضاعفه اضعاف مضاعفة حين قال له بمنتهى الصراحة
- - نحن سنجري الفحوصات اللازمة ويمكن نقضي على هذا الارتعاش بالادوية الخاصة بهذا المرض اذا اكتشفنا مصدره ... اما ان كانت رجفة اليدين ناتجة عن الرعاش مجهول السبب فللأسف من غير الممكن ان يتم علاجه ... ولكن اطمئن يوجد بعض العلاجات التي تقلل من الاعراض المرتبطة بهذا المرض لكنها لن تشفيك نهائياً !!!

كلام الطبيب جعل الرعب يدب في قلبه ..... مستقبله المهني بات على المحك ...... هل من المعقول ان كل ما سعى اليه في الأعوام المنصرمة وكل النجاحات التي حققها ستنتهي هكذا بلحظة واحدة !!!!!!!
...............................
.........................................
اربيل صباحا
...............
احتضنت بطنها بقوة ودفنت وجهها في الوسادة ... تشعر بألم رهيب يقطع امعائها ...اه انه الم الدورة الشهرية ....الذي يصاحبها كل شهر ....
لكن ألمها الحقيقي كان روحيا اكثر منه جسدياً .... يؤلمها تجاهل وليد لها ...لم تكن تعرف انه يمتلك قلب قوي وقاسي بهذا الشكل .... فقط لو يعطيها فرصة ثانية ويسامحها والله لن تعيد ما فعلته مرة أخرى .... هي تعرف انها لحوحة جداً وحتى والدتها نصحتها بالتقليل من طبعها العنيد هذا ... الا انها لم تستطع التحكم بمشاعر الغيرة التي عصفت داخلها منذ رأت تلك المرأة !!
ها قد مر اليوم الثالث على التوالي وهو لايزال يتجاهلها ... صحيح هو مشغول البال بقضية زهير لكن هذا لا يمنع من ان يأخذها الى أحضانه ليلا ..تلك الأحضان الحانية التي حرمت منها لثلاث ليال ..... ثلاث ليال وهي تنام في جهة وهو في جهة اخرى كالغريبين .... الى متى هذا العقاب القاسي سيستمر !!!!
خرج وليد من الحمام ودلف الى الغرفة كالعادة صامتاً صلباً ...نظراته باردة وجليديه ....كان ينشف شعره بالمنشفة وهو يتعمد تجاهلها المستمر ...رغم رغبته المحرقة بالانقضاض عليها ما ان يراها ....
بدأ بارتداء ملابسه استعداداً للخروج و رؤية المحامي الخاص بقضية زهير عل وعسى ان يستطيع إخراجه بكفالة مالية ....مهما كانت قيمتها !!!
سمعها تان بألم .. تدفن نفسها بين طيات الأغطية .... في بادئ الأمر ظن بأنها حيلة تفتعلها لكي تؤثر عليه ..... الا ان أنينها لم يكن طبيعياً ...كانت تتألم بقوة تقدم نحوها بهدوء وجلس على طرف الفراش .... ادرا جسدها ناحيته وحدق بوجهها الشاحب بتركيز واهتمام
- مابك غسق ؟! مالذي يؤلمك ؟!
لم تصدق اذنيها عندما سمعت صوته ولمست اهتمامه ... رفعت نظراتها الدامعة هامسة بعتاب ولوم
- وهل يهمك أمري يا وليد ؟!
تنهد بتعب وارتخت ملامحه العابسة ...صمت لبرهة يحدق بعينيها الحمراويتين التي بدت زرقتهما فاتحة جداً ونقية جدا جدا وكأنها سماء صافية في يوم ربيعي مشمس .... أجابها هامساً بمراوغة و ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه
- وهل تحتاجين لإجابة لسؤلك الساذج هذا سيدة غسق ؟!!!!
تنهد وقالت بحزن وهي تسبل اهدابها
- اااه منك يا وليد ...بت لا أعرفك مؤخراً ...بل وكأني اكتشفت بك أنسانا جديداً يختلف عن وليد حبيبي الحنون الذي تزوجته وأحببته بكل ذرة من كياني !!!
قطب قائلا بتساؤل وقد تراقصت التسلية في عمق عينيه الداكنتين
- احببته !!!! أحببت فعل ماضي هل هذا يعني انك لم تعودي تفعلين الان !!!
رفعت عينها بسرعة ثم التقطت كفه الضخمة لتقبل باطنها بعمق ثم اراحت وجنتها على باطنها وهي تقول بصدق انعكس بنظراتها اللامعة
- بل احبك يا وليد ..احبك اليوم وغداً ... وطوال العمر ... ستظل انت من يسكن قلبي وعقلي واحلامي الى الأبد !
مرر ابهامه على وجنتها الناعمة وظل يحدق بها بصمت .... ربما الايام السابقة كانت كافية لمعاقبتها !!! نظراتها ودموعها وندمها الواضح جعل قلبه يرق لها كثيراً ..هي طفلته زوجته وحبيبته ....لكن مافعلته كان غير لائق ابداً ... ولا يليق بشابة في مثل عمرها ... همست بصوت متردد
- هل ...هل ..سامحتني يا وليد !
رفع حاجبيه وهو يدعي الاستسلام ثم تنهد قائلا بأبوة ...وكأنه اب يكلم ابنته الشقية
- وهل استطيع ان لا افعل ...
ارادت النهوض لكي تحتضنه بسعادة الا انه اوقفها قائلا بتحذير جاد
- عديني ان لا يتكرر ماحدث يا غسق ... انا اعرف انك تغارين لكن للغيرة حدود ...كما ان الغيرة مختلفة كل الاختلاف عن الشك ..وانت كنت تشكين بي !!
هزت رأسها ورمت وجهها على صدره بينما طوقت رقبته القوية بذراعيها المرمريتن وهي تهمس بخفوت وندم
- اعدك ..اعدك يا وليد .... لن اتدخل بعملك ابداً ابداً ... لكن لا تعاقبني بالهجر مرة اخرى ارجووووك
مرر اصابعه على شعرها الطويل بينما يده الاخرى كانت تحتضن خصرها بقوة
- بل اريدك ان تتدخلي حبيبتي لكن دون شك او غيرة لاني لا ارى في هذه الدنيا الا امرة واحدة واحدة فقط هي من ملكت قلبي وعقلي للابد
..........................
.................................
يجلس في الزنزانه المشبعة برائحة الرطوبة ينظر امامه بشرود .... مر على وجوده يومان لم يذق بهما طعماً للنوم الا لساعات متفرقة .... رأسه يكاد ينفجر من التفكير ... يسترجع كل موقف مر به في العمل عله يجد خيطاً او دليلا يعزز موقفه ويثبت برائته بها .... لكن للأسف لاشيء ... كل الامور في العمل كانت تسير بصورة طبيعية واعتيادية .... ليس هناك ما يثير للشك ابداً ...
التقى البارحة مع المحامي الذي وكله وليد ليمسك قضيته ..وقد اكد له بأنه سيسعى الى اخراجه بكفالة مالية .... ما ان تنتهي التحقيقات ...
اي بمعنى انه حتى وان خرج من السجن فالتهمه مازالت موجهه اليه !!!
جلس جانبه كورشير الذي كان يتأفف بضجر وقلة صبر بينما بهاء يجلس في الطرف المقابل لهم ....
همس كورشير بصوت هامس وهو يسرق النظرات نحو بهاء
- اقطع ذراعي ان لم يكن له يد فيما حصل !
التفت له زهير ينظر اليه بدهشة
- من تقصد ؟.
اجابه بغل وقهر من بين اسنانه المطبقة
- ومن غيره ..بهاء الغامض !
تنهد زهير واراح ظهره الى الوراء هامساً بتعب
- مالذي تهذي به يا كورشير !
ليجيبه الاخير بجزع
- الا تصدقني يا زهير !!!
اعتدل زهير بجلسته وثم بادله الهمس قائلا
- كيف تريد مني تصديقك وهو مسجون هنا معنا !!!
ضحك كورشير بتهكم وهو يرمي بهاء بنظرة خاطفة .... يكاد يجزم بأن لبهاء يد بكل ما جرى ... منذ ان تمتعينه في الشركة وهو لم يرتح له ولا لغموضه المثير للريبة ... كان بهاء دائم الانزواء عنهم ... غامض بصورة خطيرة ...قليل الكلام والاندماج معهم في الحديث ... يؤدي عمله بهدوء وخبث ... اقترب من رأس زهير هامساً بخفوت
- ببساطة لكي يخفي اثار فعلته النكراء !
هز زهير راسه ونظر لوجه بهاء اللامبالي .... منذ دخوله الى السجن وهو لم يوجه له كلمة واحدة .... جلس بركن بعيد عنهم ... وكأنه لا يعرفهم !!
هل من المعقول ان يكون له يد بما حصل ؟!!!
تنهد بضجر وعاد ليسند ظهره الى الحائط قائلا
- كلها تخمينات يا كورشير ...تخمينات لا فائدة منها !
صمت كورشير بضجر هو الاخر ....بينما زهير يفكر بما ينتظره في الأيام القادمة ...ماذا ان ثبتت التهمة عليهم !! ماا ان لم يجدوا الفاعل الحقيقي !!!!
هذا معناه ان مستقبله الذي تعب في بناءة سيتحطم وسمعته ستكون في الحضيض !!!!
هل سيظل محبوس هنا بين اربعة جدران ... ينتظر مصيره المجهول دون ان يفعل شيئاً !!!!
وماذا بيدك ان تفعل غير الانتظار ايها الغبي الابله !!!
تباً من هو الذي استبدل المواد الإنشائية ومن قام بالتلاعب في الأوراق الحسابية !!!!
راسه يكاد ينفجر من التفكير .... لا يعرف الان كيف هي احوال والدته المسكينة ...وحبيبة ...بالتأكيد قد جن جنونهم !
ما يقض مضجعه الان هو ماذا سيفعل ان صدقوا التهمة التي الصقت به بهتاناً وظلماً !!!!
..................................................
...................................
اربيل
.............

تبقى وحدك أنت
من يرتعش لك القلب
وتستكين عنده الروح بصمت
حتى النبض يصبح ملكك
لا أتنفس سـوى هواك
وليس في السماء قمراً ســواك....
..............
له الان يومان في اربيل يحاول بشتى الطرق ان يقدم يد المساعد لوليد وزهير لكنه بنفس الوقت لا يريد ان يتدخل في امورهم الشخصية ... خاصة وانه يعتبر للأن غريباً عنهم ...
كما انه لا يعرف حقاً ما عليه ان يفعله ... وقد فاجئه وليد اليوم عندما قاله له بلطف وكأنه احس بحيرته وحرجة
- عد الى البصرة يا معاذ انا اقدر اهتمامك بمصابنا لكن انت ايضاً مشغول بمصالحك ووالدتك حفظها الله لك
اجابه معاذ برجولة واخوه مثيرة للاعجاب
- أن احتجت لاي شيء يا وليد لا تتردد بالاتصال بي ...
سيعود الى البصرة اليوم حارصاً على عدم ذكر ما حدث امام والدته التي يعرف جيداً بأنها ستتخذ قضية زهير حجه لها للضغط عليه لكي يعدل عن قرار ارتباطه برضاب ...
الباب الخارجي كان موارباً ...اراد ان يضغط على الجرس الا ان يده تجمدت عندما لمحها تجلس في الحديقة .... على الارجوحة الحديدية المطلية باللون الابيض .... تتلاعب بشعر ملك التي نامت على حجرها وهي تثني ركبتيها ...تمسك بيدها قلماً ملوناً ودفتراً صغيرة ....
ترسم شيئاً ما بينما رضاب تبتسم لها وهي منحنية قليلا تتكلم معها بهدوء .... بدأ قلبه يدوي بسرعة قصوى ...عضلات جسده تشنجت وتحفزت ولا يعرف السبب ... هذه الفتاة اصبحت تتحكم بضربات قلبه وكأنها باتت تمسك خيوطه بيدها هي وحدها فقط تحركه كيفما تشاء ...وهذا يسعده جداً
يعلم ان ما سيفعله غير لائق لكنه اراد رؤيتها عن قرب ...فقط يراها ويشبع عينيه منها والله يشهد على ذلك ... دفع الباب بهدوء ودلف الى الداخل بخطوات حذرة ... وقف امام الأرجوحة وقال بهدوء
- كيف حالك رضاب ؟!!
رفعت راسها بسرعة واخذت تحدق به وهي ترمش بعينها مرتبكة .... متى دخل ؟! وكيف لم تشعر به ؟!
التقت نظراتها بصمت .... نظراته الزيتونية اخترقت دفاعات قلبها ....غلفتها بدفئ غريب .... دفئ لا تشعر به الا عندما ينظر لها !!!
خوفها ونفورها الذي يداهمها ما ان يقترب منها اي رجل غريب تلاشى بقربه ....
معه شعرت بالامان والراحة ..... اااه الراحة التي لم تعرفها ابداً بحياتها الماضية كلها !!
همست وهي تسبل اهدابها واصابعها لاتزال تعبث بشعر ملك التي كانت منغمسة بالرسم ....
- الحمدلله ..
ثم اردفت ووجهها يتحول للون زهري محبب ...جعل نبضاته تتسارع اكثر
- ك..يف ..كيف ..حالك انت معاذ !!
سحب نفساً عميقاً مشبعاً برائحة العشب الممتزج بالماء واجابها بصوت اجش خشن رجولي
- الحمدلله ..الان انا بأحس حال
لم تعرف ما قصده بكلامه هذا ... لكن صوته جعل نبضاتها تتبعثر بين اضلعها ....رائحة عطره النفاذه تسربت إلى خياشيمها وملئت رئتيها .... الصمت الكثيف امتد بينهما ... لم تعرف ما عليها فعله .... تريد البقاء معه اطول فترة ممكنه لكنها بنفس الوقت تشعر بالخجل منه ...
كلما تصل لقرار يحسم امرها تعود لتتذكر زواجها الفاشل !!! ذلك الزواج الذي انتهى نهاية مؤلمة بشعة ليس لها القدرة لكي تحكي عن سبب انتهائة وفشله حتى لاقرب الناس لها
ربما لو لم تنهار ذلك اليوم في العيادة لم تكن لتفصح ما بداخلها حتى لطبيبتها الخاصة !!!
رباه هي حتى تخجل من النظر لوجهه الرجولي ..ذو المعالم الوسيمة .... كيف ستستطيع ان تنام لجانبه وتبقى معه في غرفة واحدة !!!
يا الهي هي تفكر به وكأنه فعلا اصبح زوجها هل هذا معناه انها ستوافق ؟!!!!
لماذا هي لاتزال متردده رغم راحتها النفسية التي تشعر بها معه !!!
رفعت نظراتها المترددة ناحيته مرة اخرى وليتها لم تفعل ....عيناه الزيتونيتان العميقتان كانتا تبادلها النظرات بحنان وشيء اخر ...شيء اقوى واعمق واشد تعقيداً ..... كانت نظرات ...محبة ....متفهمة ...ومطمئنة
قطع هو الصمت وهو يلاحق حركاتها الناعمة بلهفة وكأنه يريد الاحتفاظ بتفاصيلها الصغيرة داخل روحه وقلبه لكي تصبره على احتمال فراقها في الايام المقبله ....
ترى ان سألها الان عن قرارها ماذا سيكون جوابها !!!
همس قائلا بصوت اجش مبحوح
-رضاب اريد ان اسألك عن ..عن....
تعالت ضربات قلبها بعنف وقوة .... منتظرة ما سيقوله ..... همست داخلها بتضرع ...رباه لا تدعه يسألني عن موضوع الزواج .....
هي حقاً لاتعرف ما عليها قوله له ..... للأن لم تحسم امرها ...... لازالت مترددة .... لكنها اقسمت بسرها أن تصلي اليوم صلاة الاستخارة ..... وبعدها ستبلغ قرارها النهائي لخالتها ..... اااه يال حظك التعس يا معاذ ..... ربما ستتعب بزواجك مني ...خاصة ان عرفت الشروط التي افكر بها في حال اصبح هناك نصيب بيننا .....
........................
نهاية الفصل الواحد والثلاثين

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن