25

317 14 0
                                    


الفصل الخامس والعشرون
..................
ماكنت اؤمن بالعيون وسحرها
حتى دهتني بالهوى عيناكِ
............
كان مندمج تماماً مع اجواء الحفلة الرائعة ... كل شيء جديد عليه ... وكأنه يتعرف على عادات وتقاليد اخرى لم يكن يعرفها سابقاً وبالفعل هو كذلك ... فالدبكة الفلكلورية الكردية ... ولغة بعض الشباب التي كانوا يتكلمون بها والتي كان زهير ووليد يتبادلاها معهم بطلاقة لم يسمع مثلها من قبل ابداً ... لكنه فعلا احس بالراحة والسعادة ... كانت ملك منطلقة بينهم .. تذهب الى الداخل تارة وتعود لتجلس قربه تارة اخرى ... وقفت لتذهب للداخل بعد ان جلست جانبه لدقائق معدودة ليمسكها بمرح قائلا
- تعالي هنا يا فتاة ... إلى اين تذهبين كل دقيقة !!
اجابت بتذمر وغنج
- جائعة عمو اريد ان اطلب من ماما ان تطعمني !!
رفع حاجبه بتعجب رباه هذه الطفلة تصدق فعلا ان رضاب والدتها !! تتصرف على هذا الأساس ! حك اعلى حاجبه قائلا بمزاح
- وانا ايضاً جائع ماذا افعل !!
رفعت كتفها وقالت بعفوية طفولية بحته
- تعال ...ماما ستطعمنا نحن الاثنان !!
قطب مبتسماً بشرود ... تخيل فعلا ان تطعمه رضاب !!! تضع أمامه الطعام .. وهي تبتسم له ابتسامتها الحلوة المختلطة بشجن يليق بها !!
تنفس بعمق هامساً داخله ...مالذي جرى لك معاذ !! منذ متى تفكر بهذا الشكل ! لا بل هو لم يجد الفرصة ولم يجد من تستحق ان تشغل مساحة ضئيلة من فكره !!
لكنه فعلا يود لو يستمع لصوتها بأي حجة ... ليكن صريحا مع نفسه و يعترف بانه جاء ملبياً دعوة وليد من اجلها هي !!! تذكر تلك العاصفة الهوجاء التي افتعلتها والدته ما ان اخبرها بأنه يود السفر الى اربيل بعد مرور اقل من اسبوع على عودة الأخيرة ! كانت متعجبة من سبب تمسكه بصداقه هذه العائلة الغريبة عنهم !كانت تقول دائماً مادمنا استعدنا ملك بخير وسلامة والحمدلله فما الحاجة لسفرك المستمر هذا ؟!!
احتاج لبذل مجهود جبار لأقناعها بأنه ذاهب من اجل معاينة مواد انشائية يود شرائها لتمويل معمله ... وبعد جهد طويل وافقت على مضض
اجل جاء من اجل ان يراها ... لكن كيف سيتكلم معها ولا توجد ادنى فرصة لذلك !!!
وقف ثم انحنى هامساً بأذن ملك
- حسناً سأتي معك وانت ادخلي ونادي على رضا.. اقصد والدتك بأن تأتي للمطبخ .!!
هزت رأسها بطفولية وهي تنظر له بعينان بريئتان .... الجهه التي يقع فيها المطبخ كان هادئاً نوعاً ما لا يوجد امامه الا بضع اطفال يركضون هنا وهناك ...ان وجد احداً ما في المطبخ سيدعي انه جاء لشرب الماء !
احس بحركة خلفه أعادته من دوامة أفكاره ....ليلتفت ويراها وهي تحاول العودة ... اوقفها قائلا بسرعة
- انتظري من فضلك !!!
استدارت تنظر له بصمت مشوب بالحذر وهي ترمقه بقلق وخوف ظاهر بعينيها البنيتين ... تنفس بعمق ثم نظر خلفه ليعاود النظر اليها قائلا بابتسامة ودودة
- كيف حالك انسة رضاب !!!
انسة !!! همستها رضاب باختناق ... ليتها فعلا انسة !! ليتها لم تعرف رجلا بحياتها ابداً ...كلمته تلك جعلت حجر كبير يثقل على صدرها ... لا تعرف اهو بسبب الندم على زواج فاشل ..ام بسبب تذكرها لخنوعها واستلامها الطفولي المذل لكل ما كانت تقوله له تلك المدعوة والدتها !!!!
كانت ملك تمسك يد رضاب وهي تنقل نظراتها الفضولية بينهما ... تراقب ما يحدث بينهما بحيرة وتركيز ... ربما شعرت هي الاخرى بحدسها الطفولي البريء بأن هناك شحنات متوترة تدور فوق رؤوسهم وكأنها طيورُ محلقة ... شددت من قبضتها على يد ملك .. لتهمس باختناق وهي تزيغ حدقتيها بينما التمعت الدموع بهما
- انا لست انسة سيدي ...انا ...انا ..... متز..وجة ...
اتسعت عينا معاذ بصدمة وتحول وجهه الاسمر الى كتلة من الجمود فيما اشتد ضغطه على فكيه بقوة ...لتكمل بهمس وهي تطرق رأسها بألم
- اقصد ..كنت.. ك..نت ...متزوجة ..في يوماً ما .. وانا الان .. مطلقة !!!
احست بالندم فور تفوهها بجملتها الأخيرة ... لماذا قالت مطلقة ؟! لماذا اخبرته ووضحت له وضعها ما ان لمحت عيناه الزيتونيتان تتسعان بصدمة وظهر عدم الرضا بهما !! لماذا يا رضاب ...لماذا !
بعض الاحيان يتفوه الإنسان بحديث هو لم يكن يتقصده بل تخرج من فمه بعفوية ودون تفكير ثم بعدها يبدأ الندم يتأكله ...وهذا بالضبط ما حدث معها الان

عندما قالت متزوجة انقطعت أنفاسه وكأنه غرق واختنق في بحر عميق لا قرار له .. لكن ما ان وضحت كلامها حتى زفر الهواء براحة ...راحة لا يعرف لها سبباً ... وضع يديه في جيبي بنطاله ثم تنحنح قائلا بهدوء
- اردت ان اشكرك لاهتمامك بملك .. في تلك الفترة التي قضتها في الميتم !!
أسبلت اهدابها ولانت ملامحها فوراً .... داعبت رأس ملك برقة وهمست قائلة بصدق
- بل انا التي اشكر الله على نعمة ظهورها بحياتي !
ثم نظرت له تكمل بأمتنان وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها ...لم تكن تعلم كم بدت رائعة وناعمة ... وكم جذبه صوتها الهامس المنخفض دون تصنع منها مما جعله يقف مشدوهاً يحدق بها بصمت
- وشكراً لك سيد معاذ .... اقدر مجهودك وتعبك المستمر بالسفر من البصرة الى اربيل! انا ...انا ..فعلا مرتبكة ... لا اعرف كيف اعبر لك عن مدى امتناني ... من لطفك وتفهمك !
اجابها بسرعة وضربات قلبه تهدر بعنف ..رقتها وشكرها الصادق لمسا روحه ... لماذا يشعر بأنها تحتاج للمساعدة .. تحتاج ليد العون ...كل ما بها انثوي للغاية ... روحها الطيبة الواضحة امامه كوضوح الشمس جعلتها تبدو كحورية نزلت من السماء ... هالة النقاء تحيط بها وكأنها لم تخلق لتعيش بين البشر ... بل كأنها وجدت على الارض بطريق الصدفة .... ترى لماذا تطلقت ! ومن هو الغبي الذي فرط بها !!!! لربما كانت بينهما مشاكل !!! لكن وهل امثالها من النساء يستطعن افتعال المشاكل ؟! حتى ان افتعلت فبالتأكيد ستكون مشاكلها لذيذة وبريئة مثلها
- هذا من دواعي سروري ... ثم هذه الصغيرة الماكرة قلبت المنزل رأساً على عقب لكي تأتي لزيارتك !
اتسعت ابتسامة رضاب وهي تحتضن ملك لتقربها ناحيتها اكثر .... بينما لفت الاخيرة ذراعيها الصغيرتان حول قدمي رضاب بتملك مضحك ... رفعت ملك رأسها قائلة بدلال
- امي انا جائعة اريد الطعام
وقبل ان ترد عليها قال معاذ مسرعاً .. اراد الاستئذان والخروج قبل ان يراه احد ... فليس لطيفاً ان راؤه يقف قرب باب المطبخ هكذا .... ثم هو حصل على ما اراده ...وما اراده هو فقط رؤيتها وسماع صوتها المنخفض الرقيق
- حسناً انا سأذهب ... سررت بالتكلم معك سيدتي !
اومأت صامته تراقب ابتعاده الهادئ ... قضمت شفتها بتوتر وهي منزعجة من خجلها وخفقاتها التي لم تهدئ الا عندما غادر .... لماذا شعرت بهذه الراحة معه ! لماذا بادلته الكلام ولم تستأذن وتخرج مسرعة كما تفعل مع الغرباء ! حتى عندما كانت متزوجة ايضاً كانت تنفر من التكلم مع الاشخاص الغرباء .... كان نفوراً ممزوجاً بالخوف والخجل بسبب طبيعتها الخجولة .... لكن مع هذا الرجل احست بشعور مختلف ...... والاغرب من كل ذلك هو لماذا قالت واوضحت بأنها مطلقة !
صوت الصغيرة التي تذمرت مرة اخرى اعادها من شرودها لتداعب شعرها الحريري قائلة بحنان
- حالا صغيرتي .. سأحضر لك كيكة الشكولاته المليئة بالكريمة ..أذهب واجلسي على الكرسي المجاور للطاولة
صفقت الطفلة بسعادة وذهب لتفعل ما امرته بها وهي غافلة عن ملامح رضاب التي عادت لتوترها وقلقها الغير مبرر والذي لاتعرف له سبباً
.........................
.....................................
عله خدك ضوه.. شمس الله بي تحتار
وتبجي ويه الاذان وتنحب وتنعه
يالهمسك غنه ويالصفنتك موال
وصفة لكل مريض يطيب الييسمعه
بالليل انته واحد بالنهار اثنين
لان ظلك مرايه وعينه اتبعه
واظن عشرين وازيد حملت امك بيك
لان دقه جمالك موشغل تسعة
......................

دلف وليد الى الصالة وصوت الأهازيج والزغاريد ترتفع حوله ... ضحكات وهمسات النسوة اللاتي كن يرمقنه بأعجاب كانت تصله جيداً ... لكنه لم يهتم ... لم ينتبه .. كيف يهتم وينتبه وامامه اجمل وارق نساء الدنيا كلها ... كل تركيزه منصب عليها ... مشت عيناه بسرعة ولهفة واعجاب على شعرها ...وجهها ..شفتيها ... يديها البيضاويتان الظاهرتان من الفستان ... سمى عليها بسره .. رباه كم هي جميلة وفاتنة ... افضل شيء فعله هو عندما شدد على والدته بأن تنتبه للنسوة وتحذرهن من التقاط الصور في الهواتف المحمولة ...
جلس جانبها هامساً بصوت خافت واجش
- رائعة الجمال صغيرتي !!
ليكمل بجراءة وخبث
- اتوق لأرى ما تخفيه عني تحت هذا الوشاح الذي تلفيه حول رقبتك المرمرية !!
احتقنت وجناتها خجلا وهي تزيغ عينيها هنا وهناك ... تتأكد ان لا احد منهن قد سمعت كلامه ... كانت سعدية تقف قرب ابنتها وعلامات الفرح بادية على وجهها .. بينما سعاد انحنت تريد ان تبدأ بوضع الحناء بيد غسق الا ان وليد اوقفها قائلا بهدوء ودون ان يعير تلك العيون الفضويلة المحيطه بهم ادنى اهتمام
- انا سأحني زوجتي بيدي يا امي ... وهي كذلك ستفعل المثل معي ...
اتسعت ابتسامة سعاد وهي تتنهد وتنقل نظراتها بينهما
- حسنا يا وليد افعل ماتريده يا ولدي على الرغم من هذا الامر غير متعارف عليه بيننا لكن لابأس ان كنت تريد ذلك !!
ثم اخذت تعلمه ماذا يفعل ..... وضع الحناء على راحة يدها البيضاء ثم وضع فوقها قطعة نقدية معدنية كانت والدته تحتفظ بها فعند جفاف الحنة وغسلها صباح اليوم التالي تظهر طرة بيضاء في راحة يد العروس ... ثم غطى باطن كفيها بشريط عريض من القماش احمر اللون .. كانت غسق ترتجف سعادةً من رأسها لاخمص قدميها ...قلبها كان ينبض بعنف ..عنف شديد ...احبت جراءته ..واحبت اعتداده بنفسه وثقته ... لم يهتم للعادات والتقاليد .. لم يبالي لوجود النسوة ولما قد يهمسون به بينهم بتعجب واندهاش .... وليد مختلف عنهم .. له عقليه مميزة وكبيرة .... يثق بنفسه وبقراراته ... لايلقي بالا لكلام الناس ...المهم مايرده ومايفكر به هو ...عكسها تماما ...فهي تحسب لكل شيء حولها الف حساب ...حتى في بعض الأحياء تفضل سعادة وراحة الاخرين على نفسها .
محظوظة انا بك يا زينة الرجال ...همستها وهي تحدق برأس وليد المنحني ... بينما نظراتها تذوب عشقاً وحباً له ... .

بعد ان اكمل وليد عمله جاء دورها لتحني يده ... ابتسم لها ابتسامة مشجعة ... نظرت لوالدتها ثم للخالة سعاد .. عضت شفتها السفلى بخجل وبدأت تضع الحنة في خنصر يده اليسار ... وما ان انتهت حتى علا صوت الزغاريد مرة اخرى ..بينما سعاد اخذت ترمي فوق رأسيهما السكاكر المتنوعة ... راح الأطفال يتسابقون ويسارعون فيما بينهم لالتقاطها من الارض بسعاد وحماس .... اخيراً وقبل خروجه انحنها ليحتضنها بين ذراعيه القويتان ثم هوى على جبينها يقبلها بعمق لو كان الامر بيده لقبل شفتيها بدلاً عن جبينها ... لكن لابأس ... الصبر جميل ....
همست غسق بكلمات متذمرة وبخجل وهي تحاول تحرير نفسها منه ... لتسارع والدته قائلة بتسلية وسعادة وسط ضحكات وهمسات النسوة
- هيا اخرج من هنا ياولدي المسكينة تكاد تذوب خجلا
ابتعد عنها وهب واقفاً وهو ينظر لها بأبتسامة متوعدة وصبيانية جعلته يبدو اصغر سناً !

باقي الحنة وِزعت على الفتيات الغير متزوجات كفأل حسن لهن ... سارعت سعدية بوضع الحنة لكل من تبارك وحبيبة ورضاب وهي تهمس بأهتمام امومي
- ان شاءلله لن يمضي هذا العام الا وكل واحدة منكن مستقرة وسعيدة في بيت زوجها !!
كانت مشاعر الفتيات الثلاث متضاربه ... فحبيبة و تبارك آمنتا خلفها برجاء صادق بينما رضاب استقبلت دعوتها بلامبالاة بل حتى لم تركز بما قالته فعقلها كان مشغولا بذلك الشاب الذي كلمها فجأة وجعل مشاعر مشوشة لم ترق لها تظهر داخلها ولأول مرة ....
......................
.............................
انتهت الحفلة بوقت متأخر جداً ثم بدئن الفتيات بحملة تنظيف مكثفة على كل ارجاء المنزل ... كانت حبيبة وتبارك تغسلان الصحون في المطبخ بينما وقف زهير متكئاً على اطار الباب يراقب ما تفعله حبيبة وهو يمسك بيده مشروب غازي ... يشربه على مهل ... يدعي عدم الاهتمام ... كان قد تخلص من سترته مكتفياً بأرتداء قميصه السمائي الفاتح مع بنطال قطني اسود اللون
قالت تبارك بخبث وهي تلتفت ناحيته تلقي عليه نظرة متهكمة
- بدل ان تقف هنا كالتمثال تحدق بنا وكأنك اضعت شيئاً ..اذهب الى الحديقة ورتب الكراسي والطاولات المبعثرة !
اجابها وهو يرفع كتفه بلا مبالاة
- لا حاجة لذلك غداً بعد ان ينتهي حفل الزفاف اقوم بترتيب الحديقة لاتقلقي وركزي بما تفعليه !
قلبت شفتيها ثم نظرت لحبيبة المنهمكة بترتيب وتجفيف الصحون .... الماكرة وكأن حيلتها ستنطلي عليها ...فأحمرار خديها يفضحان خجلها وارتباكها من وجوده .... الأبلهان الغبيان الى متى سيظلان يلعبان لعبة المراوغة وعدم الفهم !!!
قالت وهي تعاود غسل الصحون
- كما تريد اخي لكن لا تبقى واقفاً .. اما ان تجلس او ان تذهب لغرفتك !!
اجابها بصوت ثقيل وهو يحدج حبيبة بنظرة ذات معنى وكأنه يوجه الكلام لها
- وهل وجودي يسبب لكِ التوتر لهذه الدرجة يا تبارك ؟!
لتجيبه بمكر وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيها
- الحقيقة اجل ..وجودك يشتت تركيزنا ..
ثم التفتت قائلة لحبيبة بكل براءة بينما يديها لاتزال مشغولة بغسل الاواني
- اليس كذلك حبيبة ؟!
تفاجئت حبيبة من كلامها ونبرتها المبطنة ... لماذا تخبرها هذا الامر ؟! وما شئنها بذلك ؟!! هل هي مفضوحة لهذه الدرجة وهي لا تعلم ؟!!! اف منك يا زهير لما يصر على احراجها بهذا الشكل المخجل !!!نظرت لتبارك بعينان متسعتان ومرتبكتان وهي تتساءل بتشوش
- ماذا ؟!
لتجيبها بصبر وبنظرة ثاقبة
- وجود زهير يقف يراقبنا كالنسر الجارح يربكنا ويشتت تركيزنا ؟!
ابتلعت الاخيرة ريقها وهمست بخفوت وهي تحدق في الصحن القابع بين يديها
- امممم ..ربما ..اقصد اجل معك ..حق ..
التفتت تنظر لزهير الذي عبس وجهه بصبيانية مضحكة لتقول بتسلية وهي تشير برأسها لحبيبة
- أرايت تقول اجل !
تقدم زهير بخطوات كسولة ليقترب وينحنى قريباً من وجهها المطرق بتعمد مستفز .. ثم وضع العلبة الفارغة على المجلى قائلا بصوت هادئ
- حقاً !!! حقاً وجودي يشعرك بالتوتر يا ... حبيب...ة
التفتت تنظر لوجهه القريب منها لتبتعد عنه خطوة وهي تحاول اخراج صوتها ثابتاً وطبيعياً الا انه خرج مهتزاً رغماً عنها
- اجل . ..لا ... اقصد .. افعل ما يحلو لك !
رائحة عطرة الخفيفة داعبت انفها وجعلت ضربات قلبها تدوي بصخب وقوة .... المغرور عديم الحياء يتعمد احراجها امام تبارك ..تباً له ... كانت تستحضر كل ضبط للنفس وبرود ولامبالاة الكون كله لتبين له عدم اهتمامها به .... ظل واقفاً لعدة ثوان يحدق بها صامتاً ثم انسحب من جانبها بهدوء وما ان ابتعد وغادر المطبخ حتى زفرت براحة ... قالت تبارك التي كانت تراقب ما يحصل امامها بصمت وعلى وجهها ترتسم ابتسامة بلهاء
- الحمدلله ... ذهب . ...
لتكمل بهدوء وهي تدعي اللامبالاة
- زهير فعلا مزعج وساخر طوال الوقت ... لا اعرف مالذي يجذب الفتيات له !!
هتفت حبيبة وهي تقطب حاجبيها بضيق
- فتيات !! اي فتيات ؟!
اجابت تبارك وهي تغسل الصحن بالماء
- الفتيات في الحفلة الم تسمعيهن كيف كن يتغزلن فيه من شباك الصالة !!
همست بهدوء وهي تضع الصحن على الرف ... كانت الغيرة واضحة في نبرة صوتها جداً واستطاعت تبارك ان تلتقطها بسهولة مما جعلت ابتسامتها تتسع اكثر واكثر
- لم اسمع شيئاً ابداً !
همهمت تبارك ثم راحت تكمل عملها مرة اخرى بعد ان اشعلت متعمدة نار الغيرة بقلب تلك المسكينة ...التي تعبت من طول انتظارها لذلك الحب الميؤس منه والتي حقاً لا تعرف ما هي نهايته ... زهير يعاملها بتملك وكأنه يكن لها مشاعر جديدة انتبهت لها مؤخراً ... لكنها تخشى ان تملي نفسها بالامل الكاذب الذي لن يعود عليها سوى بكسرة القلب وتدمير ثقتها التي اكتسبتها بتعب !!!
...................
..............................
بخطوات متثاقلة لملمت اطراف بدلتها المنفوشة وهي تحث قدميها لتذهب لغرفتها ... تشعر بالصداع والتعب ... اصوات الزغاريد مع الأغاني والضحكات والمباركات اصابتها بالصداع الشديد .. لكن صداع لذيذ ... وشعور اخر لا يمكن وصفه بالكلمات ... فغداً ستزف لحبيبها ..لوليد الذي احبته وعشقته فجأة ودون سابق انذار .... الخجل والرهبة يسيطران عليها ... الحيرة والتشوش يداهمانها بين حين وآخر ...
هي تحبه اجل ومتأكدة من ذلك مليون في المئة ... لكن سبب حيرتها وتشوشها هذ هو انها .. كيف ... كيف ستقف امامه ... كيف ستنفرد به في غرفة واحدة ! كيف ستقضي العمر معه ! صحيح هي ستبقى تعيش هنا في منزل العائلة وبطلب والحاح منها فوليد عرض عليها ان يقيمان هنا لفترة مؤقته الى ان يبني منزلا صغيراً في جانب الحديقة الواسعة لمنزلهم ... الا انها رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ...فلا حاجة للانفراد خاصة وانها تحب زوجة خالها كثيراً وتشعر بالراحة والامان وهي معهم ... عدا ذلك فهي فاشلة تماما بالاعمال المنزلية خاصة الطبخ !
فكرة النوم قربه واغلاق باب واحد عليهما تشعرها بالحرارة والخجل الشديد !!! رباه هو سيصبح زوجها ...زوجها .. والدتها اخبرتها بحنان البارحة عندما لاحظت ارتباكها وتوترها
- عندما تصبحين زوجته لن يكون هناك شيء اسمه الخجل بينكما ...كل الحواجز ستتلاشى ... ستحبيه اضعاف مضاعفة .. و ستخافين عليه وتقلقين ان تأخر قليلا بالعودة ... تغارين ان رأيته يتكلم مع اخرى ... تشعرين بالضيق والاختناق ان تغير بمعامله معك او اهملك لليلة واحدة فقط .... ستقومين بعمل كل ما يسعده ... و ستلبسين امامه اجرء الثياب واجملها ... وانتِ من ستبادرين و تنامين بأحضانه وتبحثين عن دفئ ذراعية ... خاصة ان كان الزوج حنوناً رجولياً ... عطوفاً .... يعتمد عليه مثل وليد ...
قالتها بمكر ثم اكملت
- غداً ستعترفين وتقرين بصحة كلامي هذا ! وعندها تعالي وقولي لي ... قلت واصبتِ يا امي !!
وسط افكارا المتلاطمة هذه وما ان وضعت اول قدم على السلم حتى شعرت فجأة بذراع تسحبها الى الممر الجانبي .... التفتت تنظر له بتعجب ...كان قد تخلص من سترته السوداء ...الأزرار الاولى من قميصة الابيض محلولة مشمراً عن ساعديه السمراويين ...مظهراً مقدمة صدره المشعر ... اصبعه الذي اصبح احمراً من الحناء كان مغسولا ... همس وهو يسحبها بأتجاه غرفة نومهم
- تعالي غسق اريد ان اريك شيئاً مهماً اشتريته البارحة !
اجابت بغنج وهي تتبع خطواته بتعثر
- ماااااذا وليد ..اجلها للغد انا تعبه اريد الذهاب للنوم !!
ادخلها للغرفة ثم اغلق الباب وهو يلتهم وجهها ....شعرها ... جسدها ... بنظراته العميقة الفاحمة ليهمس قائلا
- تريدين النوم قبل ان تريني فستانك !!
كان ومنذ ان حنى يديها بنفسه يتحرق شوقاً لرؤية ما تخبئة خلف ذا الوشاح الذي تلفه حول صدرها خاصة وانه لم يكن موجوداً معها عندما ذهبت برفقة والدته وتبارك لتختار الفستان ... لن يكون وليد ان جعل فرصة الانفراد بها تفلت من يده ... لقد انتظر الى ان غادر اخر الضيوف وهدأ المنزل ... ثم اخذت تتحدث مع تبارك وحبيبة ورضاب في الصالة ....
تراجعت للوراء لتصطدم بالباب المغلق قائلة وهي تكتف ذراعيها ببرائة
- لقد شاهدته قبل قليل وليد !!
هز رأسه نفياً وهو يقترب منها ...خطوة واحد ..خطوتان ... ثلاث ... الى ان وقف ملاصقاً لها ... انتقلت له حرارة جسدها الغض ... شعر بتسارع انفاسها العطرة ... وارتعاش جسدها ... وذلك اللون الزهري الذي زحف لوجنتيها فضح خجلها وارتباكها .... ليهمس قائلا وهو يمد يده لذلك الشال الذي تلفه حول كتفيها
- كلا حبي ..لم اشاهده جيداً
ودون ان ينتظر ردها كان قد سحبه ببطء شديد لينزلق ارضاً .... اتسعت عيناه بأعجاب وظهر بريق الرغبة بهما ... بينما اصبحت نظراته ناعسة والهواء انتشر بينهما ثقيلا ... كثيفاً ... عطراً ... الفستان يظهر مقدمة صدرها بسخاء كبير وخطير ... كانت انفاسها تخرج من رئتيها بسرعة .... وما زاد من لهيب الرغبة داخله هو هذا الرذاذ اللامع الذي انتشر على صدرها الابيض المرمري ... اغمض عينيه واستنشق رائحتها المنعشة بعمق شديد .. منشداً بهمس وشفتاه تلمس جبهتها الناصعة

شميتك كبل بس ما قاومت وياي
ولميتك نفس واتعثر بلمك
وهسه تريد اشمك خايف اني عليك
يمكن راح اخلصك لمن أشتمك

ثم اكمل وهو يبتعد عنها قليلا و يحتضن وجهها بكفيه من الجهتين يركز على عينيها الشبه مغلقة
- أحبج
صوته المبحوح الهامس ... ورائحته الممزوجة برائحة جسده الرجولي ... دفئة ... حنانه ... جعلها كالمخدرة التي لاتقوى على تحريك قدميها الهلاميتان ... ياربي مالذي يفعله بها هذا الرجل ... كل شيء جديد وكثير عليها جداً .... اجابته بهمس يماثل همسه وسعادة زحفت لجسدها كما تزحف المياه المنعشة الباردة لجسد العطشان الذي لم يشرب الماء لعدة ايام
- أحقاً يا وليد تحبني !! وهل ستبقى تحبني ولن تتوقف عن حبي مدى الحياة !!!
لم يرد عليها بالكلام بل احتضن خصرها ليرفعها بخفه وكأنها لاتزن شيئاً ... لتهمس قائلة بضحكات رنانه بينما ذراعيها التفت حول رقبته القوية بعفوية تامة
- ولييييد الحنة لازالت براحة يدي اخشى ان الوث قميصك !!!
مددها على السرير ليجلس قربها ويجثم قريباً منها جداً متكئاً على احدى ذراعيه بينما يده الاخرى تمسد ذراعها برقة
- جعل الله القميص وصاحب القميص فداء لعينيك
رفعت اصابعها تعبث بلحيته المشذبة ... تنظر لعينيه الحنونة ..التي تشعرها دائماً بالأمان والأطمئنان وكأنهما درع يحميها من نفوس البشر المريضة المليئة بالشر والقسوة والحقد .... شعرت بيده ترفع طرف فستانها من الاسفل لتتسلل ممتده من ساقها وصولا لفخذها الطري .... امسكت يده من فوق الفستان هامسة بخجل شديد
- وليييييييد ما...
وقبل ان تكمل كانت قد امتلك شفتيها بين شفتيه النهمة اللحوحة ... يقبلها بعمق شديد وجوع اشد ... مهما قبلها ...ومهما لمسها ...لن ولم يشبع منها ابداً ... قبلتها كانت تشبه ينبوع ماء سحري ...ما ان يتذوقه الشخص مرة واحدة حتى يدمنه دون إرادة منه ...وهو اصبح مدمناً لقبلاتها ... وذلك الملمس الناعم لفخذها كاد ان يفقده تعقله ... بشهقة حادة دفعته عنها هامسة وسط فورة مشاعرها المحمومة بينما خفقات قلبها البريء خرجت من صدرها لتحلق حولهما وكأنها طائر ابيض بجناحين صغيران
- احبك ..احبك كثيراً يا وليد ..كثيراً جداً
دفن وجهه في شعرها يقبل كل انش منها ... رقبتها ..صدرها ... وجهها ... شفتيها ... بينما يده لم تهدئ عن لمسها ... قلبه كان يهدر بعنف ..عنف شديد وهو يفكر بجنون ..متى ..متى يأتي الغد لتكون له ..له بالكامل .... دون حواجز وفواصل مزعجة تفصل بينهما ... لأول مرة تعترف بحبها ... لأول مرة تتكلم معه بهذه الطريقة الجياشة ... كان متأكداً من انها تحبه .... وألان تأكد أكثر ... سماعه لكلمة احبك ... جعلت أمعائه تتقلص بقوة .. يريدها ولا يستطيع الصبر لعدة ساعات اخرى .... اراد ان يمتلك شفتيها مرة اخرى لكن طرقات على الباب جعلتهما يتجمدان في مكانها .... اكتسى وجنتي وليد لوناً زهرياً طفيفاً بينما الرذاذ اللامع الذي انتشر على سائر وجهه وشفتيه وقميصه كانت بكل تأكيد يفضح ما كان يفعلانه دون أدنى شك ... ليصل لمسامعهما صوت سعاد وهي تهتف بمكر وكأنها تعرف بوجود غسق في الداخل

- افتح يا وليد ودع الفتاة تذهب لغرفتها ... لن يحصل شيء ان صبرت هذه الليلة فقط ...غداً ستكون لك وافعل معها ما تشاء ... افتح فليهدك الله !!
وقف وليد ببطء وهو يحاول السيطرة على أنفاسه اللاهثة ... بينما جلست غسق بسرعة وهي تعدل حمالات فستانها ووجهها محمر بشدة ..نظرت له برعب حقيقي كانت على وشك البكاء من شدة خجلها ... مرر وليد أصابع يديه بطيات شعره المبعثر من الجهتين .. نظر لها هامساً بتشجيع
- اهدئي غسق لم يحصل شيء لتخجلي منه ...انت زوجتي
سحب نفساً عميقاً ثم توجه الى الباب ليفتحه قائلا بهدوء
- أماه ..لقد كنت
قاطعته سعاد وهي تكتف ذراعيها بمكر بينما تحولت نظراتها نحو غسق الذي اختبأت خلفه بخجل وهي مطرقة الرأس
- اعرف مالذي كنت تفعله يا وليد ...وانت يا فتاة اذهب لغرفتك هيا
همست بصوت خافت وهي لاتزال مطرقة الرأس
- لست انا خالتي ..اقسم هو من سحبني للغرفة رغم ارادتي !!
أجابت سعاد وهي تحاول كتم ابتسامتها المتفكه خاصة ووليد يقف قبالتها كالطفل المذنب تماماً ... كانت تشعر بالسعادة ليس فقط لأنه أخيرا تزوج بل لانه سعيد ايضاً ...هذه السعادة لم ترها مرسومة على وجه ولدها منذ متى !!!! ربما منذ سنوات طويلة جداً جداً ....
- اعرف يا عين خالتك ..والان اذهب الى غرفتك لتأخذي قسطاً من الراحة فغداً امامك يوم طويل وحافل !
اومأت وغادرت الغرفة بسرعة وتعثر
ثم نظرت لوليد قائلة
- وانت ايضا يا ولدي نم جيداً غداً زفافك وستشبع منها
غادرت دون ان تستمع لرده واغلقت الباب بهدوء تنفس وليد بعمق الهواء لايزال يحمل رأئحتها المنعشة .. انحنى والتقط شالها ثم دفن وجهه فيه هامساً بوله
- لن اشبع منها ابداً اماه ..ابداً... ولا اظنني سأفعل يوماً

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن