13

198 12 0
                                    


رماد الغسق
الفصل الثالث عشر
................
كانت تقف تتكلم مع صديقاتها في الممر المؤدي إلى قاعة المحاضرات عندما وقف قبالتها بكل تعجرف وغرور قائلا وهو يضع يديه بجيبي بنطاله الأسود
- مبارك يا غسق ... سمعت بأنك خطبتِ !!
نظرت له ببرود ثم قالت بابتسامة صغيرة
- شكراً سليم ... والعقبى لك ان شاءلله ! ارجوا ان تجد من تناسبك !
اتسعت ابتسامته وهو يجيبها بصدق وحماس أثار خوفها
- بالتأكيد يا غسق ... ولقد وجدتها بالفعل وستكون لي قريباً
قالت غسق بشحوب ومشاعرها مضطربة ومذعورة ولا تعرف السبب الحقيقي لذلك .. هي فقط غير مطمئنة لنظراته اللامعة التي تعكس مكراً وخبثاً مثير للشك والريبة
- بالتوفيق ... عن اذنك معاد المحاضرة بدأ
ابتعدت عنه بسرعة ليراقبها وقد ارتفعت زاوية شفته بسخرية وهو يهمس بحقد
- قريبا يا غسق ... قريبا هذا الأنف العالي سينكسر والغرور الذي تملكيه سيتبخر ... اعدك بذلك قطتي !
......................
................................
والفرحُ يخطُو خطواتهُ بحذرٍ داخل هذا القلبِ
كأنّه عصفورٌ صغيرٌ يتعلم الطّيران
ما يكادُ يرتفعُ حتّى يخرُّ ساقطًا على الأرضِ يشعرُ بضعفِ جناحيهِ وبرودةِ جسدهِ
مع كلّ محاولةٍ يفشلُ ومع كلّ محاولةٍ يسخر الرّفاق منهُ ويضحكونُ
يستجمعُ ما تفرّق من شَظايا رُوحه و يحاولُ مرّة أخرى
الأملُ يتجسدُ في عيونهِ دموعًا بها تذوبُ جبالُ الجليد وتنصهرُ قضبانُ الحديدِ
منقول
...............
في احدى مستشفيات لندن
............

رائحة المطهرات اخترقت انفها ... جفنيها متثاقلان ... وخدر يسري بجسدها بينما اطرافها لا تكاد تحركها ... بصعوبة بالغة رفعت يدها لتلمس ذلك التكور الصغير الذي ببطنها ..تريد التأكد ان طفلتها بخير ... لقد راودها حلم بشع جدا جدا .... يا الله كان بالفعل كابوس مرعب !!
لكن مهلا اين طفلتها !!! بطنها تكاد تكون مسطحة ... فجأة شعرت بواخزات الألم تجتاحها ... لتفتح عينيها بصعوبة .. حدقت بالسقف بنظرات ضبابية ... ثم الجدران البيضاء اللامعة .... اين هي ...اين طفلتها .... لقد نسيت شيئاً ... شيئاً سبب لها الحزن والانقباض ... شيئاً جعل طنين مدوي يتردد في أذنيها .. وخدر يسري بجسدها ... كان شعورها بشع ومقزز .. اثار داخلها الغثيان والقرف والاشمئزاز ! ماذا رأت ! ماذا ! ماذا !!!
فجأة تذكرت ... تلك الصورة ... اجل صورة دخولها للمنزل ... سماعها للأصوات ... والدتها ... لالا ... ليست والدتها ...الوالدة لاتفعل ما فعلته ...انها شيطان .. شيطان ... وهو... كيف كان يحتضنها بذراعيه ... الاستمتاع كان بادياً عليهما ... كلاهما متعانقين .. متحدين مع بعض ... صورتهما كانت مقرفة ! اعتقدت انها بعالم خيالي ..او ربما هي تحلم !!!! لكن لالا لم يكن حلماً !! كان واقعاً مؤلماً وملموساً الى درجة كبيرة ...كبيرة جداً حتى انها احست بتدفق سائل دافئ بين فخذيها وألم رهيب في راسها جعل الرؤية تصبح ضبابية ومشوشة أمامها !!!

والدتها وزوجها !!! والدتها الحبيبة التي حملتها تسعة اشهر ...والدتها التي هي بمثابة شيء كبير ومحترم لديها ...كانت تنام مع همام !! زوجها ووالد طفلتها !!!
كيف استطاعا ان يفعلاها ... بل كيف خطرت ببالهما هذه الفكرة الشاذة !!
تذكرت شريط حياتها منذ زواجها منه ... كيف تأبطت ذراعه بسعادة وهي ترتدي فستانها الأبيض ...كيف سافرا ... كيف وجد عملا لوالدتها ... ضحكاتهم ... نظراتهم ... اجل .. اجل ...كانت تشعر بأن نظراته تلاحق والدتها ... لكنها ظنت ببراءة طفلة وسذاجة مراهقة بأنها نظرات بريئة ... اعتيادية ... كيف كانت لتشك وهي بمثابة والدته ... لكن حتى ان كان هو ذئب بشري ..حقير ... ودنيء النفس ..كيف وافقت هي ... كيف أقنعها ...كيف خانت ربها قبل ابنتها ... لكن هل امثال والدتها تفكر بمخافة الله ... هي ظالمة ..قاسية ... أنانية ...
دموعها كانت تهطل ببطء على جانبي وجهها ... كم هي غبية ... بلهاء .... يا الهي انها امي ...امي ... كيف تطعنني بهذا الشكل !كيف استطاعت ... زوجي وامي ... امي !!
اااه طفلتي ... طفلتي ... همستها بوجع وألم وهي تضغط على بطنها ... اين طفلتها ... اين يقين ... يقين ....ابنتها التي اسمتها بقلبها قبل لسانها ... التي رأتها بأحلامها قبل ان تراها بعينيها .... اخر ما تتذكره هو الظلام الذي لفها من كل جانب ! وصرخات تلك الشيطانة المسماة والدتها !!
لتغرق عيناها بالدموع مرة اخرى ... حركت شفتيها المتيبستين لتهمس .... طفلتي ... طفلتي ...
اخذ صوتها المبحوح يعلو ويعلو ... وكأن الحياة دبت فيها فجأة وبقوة ... لتدخل الممرضة الشقراء وهي تقول لها بهدوء وبلغة انكليزية
- لقد استيقظت اخيراً سيدتي ... على مهلك !!
قالت رضاب بهمس وعينان متورمتان
- ط..فلتي..اين .. طفل..تي
نظرت لها الممرضة بحيرة تحاول فهم لغتها العربية .. لكنها استنتجت بانها تسألها عن الجنين فهي كانت تلمس بطنها وهي تتكلم
- انا اسفة سيدتي الطفل لم ينجو .. لقد فقدناه !!
طفلتها ماتت .. فقدتها !!! مالذي تقوله ... مالذي يحصل ... يا الله هل هي بحلم ... لالا هذا كابوس ... فجأة فتح الباب لتراها تقف بكل بجاحة وهي حمراء العينين تقول لها بنعومة
- ر..ضاب .. ابنتي
وما ن رأتها رضاب حتى اخذت تصرخ بهستيرية ودون شعور منها
- الشيطان ... انها الشيطان ... ابعدوها عني ... ابعدووووها ...ع...ني ... قتلت طفلتي .. الشيطان قتل طفلتي ... سرقت فرحتي ... سرقت مني كل شيء كل شيء
اخذت تتحرك برعونه لاتعرف ماذا تفعل حتى انبوب المحلول انخلع من يدها لتتدفق الدماء كالنافورة ملوثة كل ماحولها ... ابتعدت سناء وهي متسعة العينين ... الدماء المتدفقة ومنظرها وهي تشد شعرها وتصرخ بجنون وعويل تقشعر له الابدان جعلها تهرع وتفر هاربة من امامها ... وبسرعة قصوى ولحظة واحدة تجمعن الممرضات حولها ليمسكوها ويمنعوها من أذية نفسها ... ثم دلفت الطبيبة بسرعة لتحقنها بالمهدئ ... بدأت صرخاتها تخبو و جسدها يتراخى و يتثاقل جفنيها لتعود الى عالمها المظلم مرة أخرى !!
خرجن الممرضات من الغرفة لتركض سناء تقول للطبيبة بخوف وشحوب وشعورها بالدناءة والعار يتفاقم داخلها
- مابها ابنتي ؟!
قالت الطبيبة وهي تنظر لها ببرود
- هل ممكن ان ترافقيني الى مكتبي ؟!
هزت سناء رأسها وهي تتبعها باستسلام ... تتعثر بسيرها ... مشتته ... هائمة ... وكأنها مصابه بمس من الجنون ... دلفا الى الغرفة لتجلس الطبيبة خلف المكتب وهي تشير لها بالجلوس
- تفضلي اجلسي من فضلك
جلست سناء وهي شاحبة الوجه زائغة العينين ... شعرها مبعثر .. وانفاسها لاهثة
- ماذا ..هناك... دكتورة ؟!
اجابتها وهي تشبك اصابعها على سطح المكتب
-من الواضح ان ابنتك تعرضت لصدمة قوية جدا ... جعلتها تصاب بحالة نفسية حادة ... هل من الممكن ان تخبريني ماذا حدث معها بالضبط ؟!
ابتلعت سناء ريقها ثم اغمضت عينيها لوهله قبل ان تجيبها بتعلثم وحروف مبعثرة
- ل.ست ..ادري ..كنت..خا..رجة الى السوق ...وعندما ..عدت .. رأ..يتها .. ملقاة ..ع..لى ..الارض غارقة بدمائها
اومأت الطبية قائلة
- اعتقد بأنها رأت او تعرضت لصدمة كبيرة وخطيرة أثرت على نفسيتها كما ان سبب إجهاضها هو ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أدى الى اختناق الطفل مباشرة ...
ازدردت سناء ريقها بشحوب وقلبها يخفق بشدة ثم قالت
- وما العمل دكتورة !
اجابتها بهدوء وهي تركز نظراتها على ملامح سناء المتوترة
- في الحقيقة هي تحتاج لوقت طويل وصبر لكي تتجاوز الصدمة ... يجب ان تساندوها وتقفوا جانبها وبالأخص زوجها !
صمتت الطبيبة قليلا واكملت باهتمام وهي تعدل نظارتها
- هل لي ان اسألك اين زوجها طوال هذه الفترة ؟! كيف يتركها وهي بهذا الظرف ؟!
كان قد مضى على وجود رضاب في المشفى عدة ايام ... همست سناء ووجهها يزداد شحوباً
- زوجها..م..مسافر ...اجل مسافر ...ولم .. اخبره شيئاً بعد !
اومأت الطبيبة بشك لكنها لم تعقب على كلامها ...خرجت سناء من مكتب الطبيبة وهي خائرة القوى ... لقد اتصلت بهمام لعدة مرات ولم يرد عليها الا مرة واحدة قائلا لها بكل برود ووقاحة
- اسمعيني جيداً سناء ..انا بكل الاحوال كنت سأطلق ابنتك ... ورقتها ستصلها قريباً.... سأسمح لكم بالبقاء في الشقة هذه الفترة الى ان تجدي مكان اخر ... وبعدها لا اريد السماع عنكم او رؤيتكم ابداً ... الخيط الذي كان يربطني بابنتك قد قطع .. وما حدث بيننا سمه ما شأت ... لحظة ضعف ... خطأ غير مقصود ... غلطة .. اياً كان المسمى فأنا لا اريد رؤيتكم بتاتاً ! لا تحاولي الاتصال بي ولا تقحميني بمشاكلكم !
اجابت سناء بصدمة وهي اتكاد تستوعب ما تسمع
- هل ستفر هارباً بعد فعلتك الدنيئة و.....
قاطعها بغضب وبصوت منخفض وخطر
- اياك حتى ان تفكري بألقاء اللوم علي !!! انت السبب بكل ما جرى ... انت من اغويتني ... ثم انا لو لم اجد منك الترحيب والقبول لم اكن لانجرف بهذا الامر ... الخيانة لم تكن من جهتي كانت منك انتِ!!
قال جملته الاخيرة واغلق الهاتف بعد ان تركها مذهولة من مدى حقارته وخسته ..تركها بمفردها لتواجه مصيرها المخجل !!!
ابنتها مصابة بحالة هستيرية ... لاتريد النظر لوجهها ومعها حق ! هي أخطأت فعلا ..لا ليس خطئاً بسيطاً بل خطئاً فادحاً و فاضحاً .. هي نفسها خجله من نفسها ... ومن تصرفها الشائن ... كيف استسلمت لإغوائه ؟! كيف استدرجها لغرفته بحجة انه يحتاج لمساعدتها بأخيار قميص له ؟!
عندما غادرت رضاب لم يمضي عدة دقائق على خروجها الا وسمعت صوت همام يناديها ... كانت تعرف بما يعتمر داخله تجاهها ... منذ عدة اسابيع وهمام يلاطفها ويرمي لها الطعم بمهارة وهي وقعت بالفخ كالمراهقة ....كانت تستمتع بنظراته واهتمامه ... وحتى عندما سحبها لغرفة نومه ايضا عرفت انها ليست مصادفة بريئة ... عرفت ان الخيانة ستأتي ... عرفت ان الخطيئة ستحصل ...ستحصل لامحالة وهي كانت راضية ومستسلمة وكأنها مخدرة ... اغمضت عينيها بألم ... ماذا ستفعل ...ماذا ؟!!معه حق ... هو استدرجها وهي أفسحت المجال له بلهفة !!!
.......................
........................
اربيل ظهراً
...........
ثمّة خسارات كبيرة إلي حدّ الذي لاخسارة بعدها تستحق الحزن
احلام مستغانمي
..................
كانت تقف متجمدة وهي تستمع لسلمى التي كانت تقف جانب زهير ... تهمس بصوت خافت لكن لا لم يكن خافتاً .... والا كيف كانت لتسمعه !!!
- ارجوك زهير انت توليها اهتماماً كبيراً ومبالغاً فيه ... وهي لاتزال صغيرة السن قد تفهم اهتمامك هذا خطئاً
جابها بهدوء
- ماا تقصدين اهتماماً مبالغاً فيه ؟!
اجابت بنفاذ صبر
- اقصد قد تفهم انك تكن لها المشاعر ... مشاعر حب !
اجابها ساخراً
- حب !!! انا احب حبيبة ... لقد بدأت تهلوسين .. غيرتك وشكوكك هذه اصبحت فعلا مصدر ازعاج سلمى ...هي مجرد فتاة يتيمة ووحيدة وانا ما اشعر به ناحيتها مجرد مشاعر عطف واحسان و...
تراجعت الى الخلف وهي دامعة العينين .. عطف واحسان ... هي تعرف انها مشاعر عطف واحسان لكن لماذا ألمها اعترافه بهذا الشكل !! كانت تتمنى ان تكون مخطئة ... ان تكون متوهمة ربما يكن لها مشاعر مخالفة لكن الان ... الان سمعته ...انقطع اخر امل لديها تجاهه ... اذن افق ...افق ايها القلب اللعين .. عش واقعك وانساه ..انساه الى الابد !!
ارادت الصعود الى غرفتها غير ان خالتها قالت لها ... حبيبة تعالي خذي هذه الصحون للطاولة .... اه منك خالتي ومن قلبك الحنون ... لولا اصرر خالتها على زهير وسلمى ليشاركوهم وجبة الغداء لما اضطرت لتحمل وجودهما معا امام عينيها كل يوم ! اجابت بصوت مرتجف ... ومختنق
- حالا خالتي
تقدمت باتجاه المطبخ وهي تحاول طرد الدموع من عينيها ... وما ان همت بحمل الصحن حتى وقع من يدها محدثا دويا مزعجا فيما تناثرت شظايا الزجاج على الارض جثت بسرعة وارتباك تلملم الزجاج المبعثر بينما الم قاسي وشرس ينهش صدرها وقلبها بلا رحمة ... سارعت غسق التي دلفت الى المطبخ بالذهاب لأحضار المكنسة ... وهي تهتف
- انتبهي سأحضر المكنسة حالا !!
غرقت عيناها بالدموع لا تعرف كيف انغرس الزجاج في باطن كفها ليحدث جرحا عميقا ... صرخت بألم وهي تفلته من يدها بينما تضغط على الجرح الذي بدأ ينزف بغزارة ... دلف زهير بسرعة الى المطبخ لتتسع عيناه وهو يرى الدماء المتدفقة التي تخرج من يدها
- يا الهي مالذي جرى ؟!
اتجه ناحيتها دون ان يشعر وامسك يدها ليبعدها عن الجرح وما ان رآه حتى شتم بخفوت ... قال لوالدته بينما عيناه مثبته على وجه حبيبة المطرق
- احضري أدوات الإسعاف امي الجرح عميق سأربطه لها ثم أخذها للمشفى حالاً .. يدها بحاجة للغرز
هتفت والدته بخوف
- حالا يا ولدي
همس وهو يجاهد ليلتقط انفاسه المتلاحقة من شدة خوفه عليها
- كان يجب ان تنتبهي حبيبة !!!
رفعت نظراتها الدامعة وقالت بنبرة مرتجفة
- ا..نا ..اسفة
اجابها بلطف وهو يحثها على النهوض والجلوس على الكرسي بينما عيناه تنظر لرأسها المنحني بحنان
-لابأس ... كل شيء سيكون على مايرام .. لاتقلقي انا معكِ !
هو معها ؟!!! هل حقا هو معها ؟! هل سيبقى معها بعد ما قالته زوجته ؟!! هل حقا سيبقى يهتم بها ويتذكرها وقد دخلت لحياته امرأة مثل سلمى !! راودتها تلك الاسئلة دفعة واحده وبصورة سريعة ... لتجيب نفسها بمرارة ... كلا طبعا يا غبية لن يتذكرك ابدا !! سيبقى يعطف عليك يرميك بفتات اهتمامة الى ان ينساك شيئا فشيئاً !
دلفت سعاد وغسق معا ... لتسارع غسق بكنس الارض بينما شرع زهير يلف يدها بقطعة من الشاش الطبي ... وقف وقال لها أمرا
- اذهبي وغيري ملابسك بسرعة سأخذك للمشفى
همت بالاعتراض الا انه قال مقاطعا
- الجرح غائر وقد يتلوث هيا بسرعة
وقفت وهي تهز رأسها بالموافقة لتذهب الى غرفتها تفعل ما امرها به
.........................
..................................
تجلس على سرير الفحص بينما الطبيبة تقوم بتنظيف الجرح بكل برود وبطء .... كانت دموعها تسيل بصمت وهي تعض على شفتها السفلى بقوة لكن صوت انينها كان واضحا لاذنيه .... يشعر بالالم لاجلها يتمنى ان ينتقل المها اليه .... يتمنى ان يحتضنها ليهدئها ويطمئنها ويخفف عنها لكنه لايستطيع .... قال بحده رغما عنه
- ارجوك افعلي اي شيء لتخففي من المها ؟!
اجابت الطبيبة وهي تركز اهتمامها على الجرح
- لقد وضعت مخدرا موضعيا لكن من الطبيعي ان تشعر بالالم
ثم نظرت لحبيبة قائلة ببرود
- وانت يا أنسة لا داعي لكل هذا البكاء والدلال ... سينتهي الامر قريبا !!!
استشاط زهير غضبا من طريقة امرها وبرودها ليقول بوقاحة ودون خجل
- من فضلك لا تكلميها بهذه الطريقة ... من المفترض انك طبيبة وتملكين قلبا رحيما
نظرت له الطبيبة بدهشة ثم قالت بحدة
- من تظن نفسك لتتدخل بعملي ؟!! انتبه لطريقة كلامك معي !!
اجابها بقوة وحده تماثل حدتها
- بل انت يجب ان تنتبهي لطريقة كلامك نحن هنا في مشفى عام وليس في سوق للخضار لكي تكلمينا بهذا الاسلوب الفض !!!
أجابته بقوة
- انا لا اسمح لك .....
قاطعها بانفعال
- ان سمحتي او لم تسمحي لن نبقى هنا !!
وجه كلامه لحبيبة الغارقة بدموعها تراقب مايجري بقلة حيلة
- هيا انهضي فلنذهب من هنا ....
وقفت وهي تترنح قليلا ليسارع بأسنادها والخروج من الغرفة ... بينما الطبيبة تنظر لهما بأحتقار وهي تتمتم بلا مبالاة
- همجي ومتخلف
......................
قالت ما ان جلسا في السيارة
- لم يكن عليك ان تكلمها بتلك الطريقة
نظر لها بغضب ثم اعاد تركيزه على الطرق
- وهل كنت سأصمت و ادعها تتكلم معك هكذا وكأنها تمن علينا ؟!
صمتت تنظر الى النافذة بينما ازداد الم يدها اكثر من السابق لكنها تحملت وهي تعض شفتها السفلى بقوة .... لم تستطع منع دموعها من الانسكاب صمت معاند لأرادتها ... لا تعرف حقاً ..... ما هو سبب بكائها اهو بسبب نزف جرحها ام بسبب نزف قلبها ؟!!!

بينما زهير غرق بدوامة من الافكار المحيرة ... لماذا هو مهتم بها لهذه الدرجة الكبيرة فعلا كل ما قالته سلمى صحيح ... اجل لن ينكر بأن حبيبة مهمة جدا ...مهمة بشكل خاص ... ليس اهتماماً اخوياً كما يوهم نفسه ... اهتمامه بها تعدى مرحلة الاخوة التي يأخذها حجة له بمراحل واشواط عديدة ... منذ عودته من تركيا وداخله مشاعر غريبة استيقظت ونفضت التراب المتراكم داخل روحه الضائعة ... مشاعر خاصة متوجهه ناحية حبيبة ..... ابنة خالته الصغيرة .... مشاعر لايجد لها تفسيراً ولا يعرف كيف يصفها !!
تنهد بعمق وهو يهمس داخله .. كلا مستحيل ما يحصل وما يفكر به !
.............
...................
ما ان رأتها خالتها وهي تدخل الصالة ويدها ملفوفة حتى هتفت بلهفة وهي تسرع ناحيتها
- حبيبتي طمئنيني هل أنت بخير ؟!!!
اجابتها بضعف وهي تتجه الى الاريكة لتجلس
- انا بخير خالتي لا تقلقي !!
جلست قربها ثم قالت بعتاب
- كان يجب ان تنتبهي ؟! انت تتعبين نفسك بالعمل !!
قال زهير بلطف واهتمام
- لاباس امي مجرد حادث طفيف ستكون يدها بخير ونزيل القطب بعد عدة ايام ...الان خذيها لترتاح قليلا ...
وقفت سعاد وهي تساعدها على الوقوف ليكمل بلهجة امره
- اماه لاتدعيها تعرض يدها للماء خاصة في هذين اليومين ... قد يلتهب الجرح ..
اجابت والدته موافقة
- حاضر ياولدي سأنتبه لها جيداً
توجهت لغرفتها بهدوء وصمت بينما نظرات زهير تشيعها بحيرة ممزوجة بالألم والحيرة ليس على حالها فقط بل على حاله هو الاخر !!!
............................
....................................
كانت تنتظره بخوف وقلق ... تقضم أظافرها بتوتر وهي تدور بأرجاء الغرفة على غير هدى ... ماذا ستفعل بهذا الطفل الذي ينمو بأحشائها !!!!
يجب عليه ان يعلن زواجهم ..يجب ان يعترف به ... جلست على طرف السرير واخذت تحدق في السجاد الوثير وهي تفكر بوالدتها ... ماذا ان عرفت بخبر زواجها العرفي وحملها ... بالتأكيد اما انها ستموت قهراً او تصيبها الجلطة .... أغمضت عيناها بندم ... اه فقط لو يعود الزمن الى الوراء ...الى حيث التقته اول مرة ... لكانت صححت الكثير من مجريات حياتها المائلة ...واولها علاقتها بسليم ...لكن هي اخطأت ويجب ان تتحمل نتيجة أخطائها ! في بعض الاحيان تشك بحبه لها .. فهو لم ينطق بكلمة حب واحدة .. تشعر أن ما يربطه بها هي الرغبة ... يأخذ ما يريد منها ثم يرميها لأيام وقد تمتد لأسابيع ... كما يحدث الان فهو لم يتصل بها او يكلمها منذ عدة اسابيع ... دائما مشغول ... يقضي اغلب اوقاته خارج المنزل ... قلبها يخبرها بأن هناك من تشغل تفكيره ... ربما صيد جديد .. فتاة صعبة المراس ... لكن تعود لتطمئن نفسها قائلة كلا لو كان ما تفكر به صحيح لعرفت مباشرة لا شيء يبقى سراً .. خاصة فيما يخص شاب مشهور في البلدة مثل سليم !!
سمعت صوت الباب يفتح لتهب واقفة تمسح دموعها ...تستقبله بأبتسامة مرتبكة ومتوترة ...نظر لها بلا مبالاة وهو يخلع سترته ويرميها بأهمال على الكرسي ... جلس طرف الفراش ثم انحنى ليخلع حذائه لتجثو بسرعة تساعده على خلعه وهي تبتسم له بحب ارتفعت زاوية شفته بشبح ابتسامة ليعتدل بجلسته قائلا بخبث ومكر وهو يداعب وجنتها بأبهامه
- اشتقت لك افندرا ... اشتقت لك كثيراً يا فتاة تعالي هنا اقتربي ...
همست وهي تعاود الجلوس قربه
- سليم هناك ما يجب ان تعرفه
سحبها من خصرها وهو يقبل رقبتها ثم يرتفع لوجنتها قائلا برغبة وانفاس لاهثة
- ليس الان ... فيما بعد !!
ابتعدت عنه بأستماته وهي تهب واقفة تلقي قنبلتها بوجهه بسرعة قبل ان تخونها شجاعتها
- انا حامل !!
هب واقفاً كالملسوع وهو يهتف بأستنكار وذهول
- نعمممم !!!! ماذا قلتِ؟!!!
همست بعينان دامعتان وهي تحاول الاقتراب منه وامتصاص غضبه
- ح..امل ...سليم ..اهد..أ
قاطعها بصراخ حاد جعل اوصالها ترتجف
- كيف حامل !! نحن نأخذ احتياطاتنا !!! ام انك تعمدت فعل ذلك لتلوي ذراعي ؟!!
قالت بأختناق
- اقسم لك لا اعرف كيف حصل ..من المحتمل اني نسيت ان ... ان .. أأخذ احتياطي في المرة الاخيرة !
قال لها ببرود وعيناه تنظر لها بقسوة وحدة
- اسمعيني جيدا يا امرأة ... هذا الجنين يجب ان يجهض .. سمعتي ... يجهض والا اقسم ان اتصرف بطريقة لن تعجبك ابداً
قالت بتوسل وبكاء
- ارجوك سليم ... كيف اجهضه ... هذا خطر جداً ... اخشى ان افقد حياتي
اجابها بقوة
- لا اعرف كيف لكن يجب ان تجدي حلا ... سأكتب لك صكاً بمبلغ مالي وتصرفي بالامر .. ثم لن تموتي لا تخافي هي مجرد عمليه بسيطة وينتهي كل شيء
اجابت بصوت منتحب وجسدها يرتجف بقوة
- ارجوك سليم ...فلنتزوج ..و ...
قاطعها بغضب وحدة وهو يلتقط سترته
- نتزوج !!!!! مالذي تتفوهين به !!! أجننت ؟!!! لن استطيع الزواج الان ...ولا غداً...ولا بعد سنة .. لذلك تصرفي بسرعة !!
خرج من الغرفة وهو يرغي و يزبد ... يشتمها بأبشع الكلمات المهينة ...جلست على الارض وهي خائرة القوى تهمس بضياع ... استحق ذلك ... انا من ضيعت نفسي بنفسي !!!
.....................
....................................
لندن
.......
مضى الان اكثر من ثلاث اسابيع و لاتزال رضاب مصابة بحالة هستيرية .... خاصة كلما رأت والدتها تقف امامها ...حيث تتعالى صرخاتها التي ترج ارجاء المشفى ليتجمع حولها الاطباء والممرضين يحقنوها بالمهدئات ليخمود ثورتها وعويلها ... بينما سناء لا تعرف كيف تتصرف تتراجع للخلف تنظر لها بشحوب ثم تلوذ بالفرار من امامها ... الى ان منعتها الطبيبة من الدخول لغرفتها منعاً باتاً !!
حتى همام النذل نفذ ما قاله و اختفى كلياً ... لم يأتي ولو لمرة واحدة في المشفى ... كانت سناء حائرة لا تعرف ما عليها فعله بالضبط ... فقط تجلس على مقعد الانتظار وهي ساهمة وشاحبة الوجه ... خرجت الممرضة من الغرفة قائلة لها بهدوء
- سيدتي السيدة الصغيرة تطلب رؤية حبيبة ...
نظرت لها سناء بضياع وتشتت وهي تهمس بشرود
- حبيبة !!!!
اجابت الممرضة مؤكدة كلامها
- اجل سيدتي منذ مساء امس وهي تنادي بأسمها وتقول اريد حبيبة !!
بسرعة اخذت تفكر بوليد ... اجل ... فليأتي وليد ويجد حلا لرضاب هي لم تعد تحتمل ... قالت للمرضة وهي تخرج دفتراً صغيراً وقلما ثم بدت بالكتابة
- هذا رقم ابن خالتها وليد ...اتصلي به...واخبريه ان يأتي ويحضر معه حبيبة .. وهو سيتصرف !
اما هي فستختفي ... لن تستطيع النظر لوجه وليد وحبيبة ان عرفا بالامر بل حتما سيعرفان ... فرضاب لن تسكت ... كل ما عليها فعله الان هو الاختفاء لفترة ...الى ان تهدأ ... ثم تعاد المحاولة بعد عدة اشهر علها تكون قد نسيت كل ماجرى .... حتماً ستنسى وتغفر لها ... تعرف جيداً كم ان ابنتها تحبها ومن المستحيل ان تستغني عنها ابداً !!
........................
...............
اربيل في المزرعة
....................
كان يتجول بين الممرات مع عبد العزيز يتفقد الأبقار ويتأكد من ان الامور تسير على مايرام ... قال وليد بصدق وهو ينظر لعبد العزيز بأخوة فهو بالفعل يعتبره كشقيق له خاصة وانه التمس صدقة وامانته في العمل
- الحقيقة لا اعرف كيف سأستغني عنك عندما تفتتح عيادتك وتنشغل بها عنا !
اجابه عبد العزيز بمرح وتسلية
- لا تفكر حتى بذلك ... لن اترك العمل هنا الا اذا طرتني انت واستغنيت عن وجودي بينكم !
وقفا عند حضيرة الحلب الالي ليتكأ وليد على السور الحديدي مجيباً اياه بجدية
- صدقاً يا عبد العزيز وانا لا أجاملك ابداً ... رغم مرور الكثير من الاطباء البيطريين الذين عملوا في المزرعة إلا ان لا احد منهم كان مهتما وحريصاً على عمله مثلك انت !!
ليضيف بتفكه نادراً ما يظهره امام احد وهو يربت على كتف عبد العزيز
- انت نادر الوجود يا رجل
ابتسم عبد العزيز بسعادة ... الامور تسير بمسارها الصحيح فها هو وليد راضي تماما عن عمله بل اصبحا صديقين مقربين في الفترة الاخيرة وهذا يبشر بالخير اذ انه لن يمانع ان تقدم لطلب يد تبارك ... لكن تبقى هناك مشكلة ... وهي كيفية اقناع تلك العنيدة ذات المراس الصعب .. التي اتعبته معها ... لايعرف ماذا يفعل ليقنعها ويثبت لها حبه وصدق نواياه !!
اكملا جولتهم التفقديه وبعد مرور عدة دقائق وبينما كان وليد متوجها الى مكتبه تعالى صوت هاتفه النقال معلناً عن وصول مكالمة برقم دولي .. قطب بغرابه وهو يجيب
- مرحباً!!
.......................
............................
- حبيبة ... تعالي الى غرفة المكتب
كانت تجلس في المطبخ مع خالتها سعاد ووالدة غسق اللتان كانتا تنظفان السبانغ استعداداً لعمل وجبه الغداء عندما نادها وليد بجمود وهو ينظر لها بنظرات غامضة جعلت خفقاتها تتقافز بقوة ... هبت واقفة وهي تقول
- حا..ضر .. وليد
نظرت كل من سعاد وسعدية لبعضهما بغرابة بينما قالت حبيبة
- س.سأذهب لارى مايريده خالتي
قالت خالتها وهي تراقب ابتعادها
- اذهب حبيبتي ... اللهم اجعله خيراً نبرة صوته لم ترق لي ابداً
قالت سعدية بتهكم وهي تقطع السبانغ
- انت دائمة الشك والخوف .. مابك يا امرأة تفائلي قليلا ؟!
نظرت لها سعاد بسخرية وهي تقول
- انظرو من يتكلم !! ومن التي قبل يومين كانت تخبرني بأن قلبها غير مطمئن لرزكار وعائلته !! انت ام خيالك !!
ضحكت سعدية قائلة
- الظاهر اننا اصبحنا عجوزين ثرثارتين كثيرتي التشكي والقلق !
تنهدت سعاد قائلة بجدية ...
- لا يا سعدية ...اتكلم بجدية ... قلبي يحدثني بأن هناك امراً ما قد حدث .. وامر سيء جدا
تنهدت سعدية وهي تقول مطمئنة غير ان قلبها فعلا كان يتأكله الخوف والقلق من الايام القادمة لا تعرف لما يراودها شعور بشع بأن هناك امر سيء سيحدث لابنتها
- لا تقلقي بأذن الله لايوجد الا كل خير !
امنت سعاد خلفها بخفوت ورجاء صادق
.........................
...................................
نظرت سعاد لولدها الذي كان يرتب ملابسة في حقيبة صغيرة خاصة بالسفر
- الن تخبرني ما سبب السفر المفاجأ الى لندن !!
اجابها وهو مستمر بترتيب ملابسه القليلة التي سيأخذها معه ... لقد اخذت منه اجرأت السفر والحجز اكثر من عشرة ايام الى ان استطاع تدبر رحلة ذهاب له ولحبيبة
- صدقيني يا امي لا اعرف ..كل ما اعرفه ان رضاب تريد رؤية حبيبة ولأمر ضروري جداً !
قطبت قائلة
- ومن اتصل بك اهي سناء ؟!
هز رأسه وجلس على حافة السرير متنهداً
- كلا لم تكن خالتي بل هي فتاة اجنبية بالكاد تتكلم العربية وبصعوبة ...قالت انها صديقة رضاب !
جلست قربه وهي تغمغم بخفوت
- غريب ...اين خالتك اذا ... لقد اتصلت بها على رقمها الذي احتفظ به عندي وقد كان مغلقاً !
نظرت له بقلق وهي تردف قائلة
- وليد قلبي غير مطمئن اشعر بأن هناك امراً سيئاً قد حدث !
اجابها مطمئناً بلطف رغم القلق الذي انتابه هو الاخر لكنه لم يبين ذلك لكي لايزيد من قلق وذعر والدته
- لا تقلقي اماه ها انا سأذهب بنفسي وبأذن الله لايوجد شيء يدعو للقلق !
همست بخفوت
- أرجو ذلك!!
.................................
خبر سفر كلا من وليد وحبيبة مثيراً للريبة والشك... كانت سلمى تحوم حول حبيبة تحاول استدراجها لمعرفة ما يجري ... لتجيبها حبيبة بكل براءة و صدق بأنها لا تعرف شيئاً غير ان رضاب تريد رؤيتها .. لكن تلك الاخيرة لم تكن تريد تصديق ذلك .. لذلك قالت لها ببرود وهي تدعي خيبة الامل
- كنت اظن بأننا صديقتين ولا مكان للاسرار بيننا .. عموماً شكراً لك حبيبة!
تنهدت حبيبة وهي تنظر من نافذة الطائرة للغيوم البيضاء الممتدة امامها ... تفكر بزهير الذي خلق لها مشكلة واسمعها كلاماً مهيناً جداً
- للمرة الثانية ياحبيبة ... للمرة الثانية تعيديها !!
نظرت له بأرتباك وقالت بتعلثم
- م..ما.ذا ... تقصد ...ز..هير !!
امسكها من ذراعها وهو يسحبها للغرفة الجانبية التي يستعملوها كمخزن لوضع المواد الغذائية فيه ليدفعها بقوة ثم يغلق الباب قائلا بحدة
- اخبرتك اي شيء يخصك ويتعلق بك هي مسؤوليتي انا ... انا فقط ولا احد يتدخل !!
هزت رأسها وقالت بشحوب
- لكن ..ما..لذي فعلته .. لتغضب ..م..ني !!!
غرز اصابعه بلحم ذراعها اكثر وقال بهمس حاد بينما عيناه مثبته على عينيها الواسعة
- لماذا تسافرين مع وليد ؟!
فتحت فمها لتبرر الا انه اكمل مقاطعا اياها بقسوة
- لاتنكري ... لقد اخبرتني سلمى ان الامر متعلق برضاب ...وانك طلبت من وليد ان يسافر معك !
هزت رأسها بقوة وقالت بلهاث وصوت مرتجف
- ابداً..اب..داً صدقني ا..نا ..حتى..ح..تى ...لا ...
قاطعها وهو يترك يدها بأشمئزاز
- يكفي .. يكفي ... لاتبرري ... ولاتكذبي ... لقد خالفت وعدك حبيبة ... وللمرة الثانية ... ورغم اني حذرتك الا انك على مايبدو غير مهتمة ... صدقيني لن اسامحك مطلقا
منذ ذلك اليوم وهو لا ينظر ناحيتها ولا يوجه لها كلمة واحدة ... في بعض الاحيان تفكر بأنه اتخذ هذا الامر حجة لكي لا يتكلم معها وليتخلص من وجودها بحياته !!! اجل لربما فعلا اتخذها حجة خاصة بعد الكلام الذي قالته سلمى ... حسناً هذا افضل للجميع ... فلينسحب من حياتها بهدوء ... فهي لم تعد تتحمل حبه الميؤس منه ... تريد ان تتحرر من قيوده ... وهي لن تتحرر ان لم يبادر هو بالهجر والجفاء !
كما انها قررت ان تحاول نسيانه حتى وان كان هذا الامر صعباً عليها .. لكنها ستحاول فمالذي تنظره وتترجاه من رجل متزوج ويحب زوجته وقد سمعت بأذنيها كيف قال انها مجرد فتاة يتيمة يشفق ويعطف عليها في سبيل الله ... اذن تحلي ببعض الكرامة يا حبيبة وابتعدي عن طريقه قبل ان يكتشف امرك وتصبحي مصدر سخرية بين الجميع !
...........................
خرجت من بوابة الجامعة وهي متجهمة فاليوم ستذهب لعائلة رزكار ... فقد دعتها السيدة نازدار لتناول وجبه الغداء هناك ... اف ياربي لماذا تشعر بالندم والتسرع لقبولها الخطبة ... ليس فقط بسبب لغتهم الصعبة فهي ما ان تذهب هناك حتى تجلس بينهم كالأطرش في الزفة ... تراقبهم وهم يتكلمون فيما بينهم ... تكاد تقسم بأنهم يتهامسون ويسخرون منها ... وعندما تسأل رزكار عن فحوى كلامهم يجيبها محرجاً بأنهم يثرثرون بأمور عامة وانهم يجدون صعوبة ويستثقلون التكلم بالعربية ... هذه قلت ذوق وعدم مراعاة لها ولشعورها ... كما ان خضوع وخوف رزكار من والدته وشخصيته الضعيفة بدأت تزعجها جداً فبكل صغيرة وكبيرة يجب عليه اخذ الموافقة من والدته الموقرة ... كانت تتصور بأن امر تشكيل شخصيته واخضاعه لها ولما تريد سيكون امراً سهلا لكن ماحدث هو العكس تماما ...رزكار سيظل ضعيفاً ومتردداً الى الابد ...ولا امل يرجى منه بتاتاً !
ما كادت تصل الى الشارع الامامي حتى دوى صوت جهوري قوي جعلها تستيقظ من شرودها مذعورة
- سيارة مفخخة ... سيارة مفخخة ... احذروووووووو
...............
نهاية الفصل الثالث عشر

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن