28

233 13 0
                                    


الفصل الثامن والعشرين
...................
يقف في مكتبه الذي انتقل اليه ما ان باشر عمله الجديد في المجمع السكني قبل بضعة اسابيع .... يراجع بعض التصاميم الهندسية ... بينما فكره شارد بما سيفعله اليوم ... اليوم ظهراً سيعود وليد من شهر العسل ...بالتالي هو سيفاتحه بموضوع زواجه .. يجب ان يستعجل لكي يأخذ راحته اكثر ...دائما يشعر وكأنه مكبل بقيود وسلاسل العادات والاصول التي تذكره بها والدته .... مثلما فعلت قبل يومين عندما علمت انه اخذ حبيبة لشراء الملابس لها ...
زفر بضيق وهو يهمس داخله بضجر ...وماذا في ذلك ...يكاد يقسم ان كل من في المنزل يعلم ان حبيبة بحكم خطيبته .. وحتى هي تعلم ذلك ومقرة وموافقة عليه ...لقد تأكد من ذلك عندما تعمد قائلاً امام البائعة انها خطيبته ...عندما نطق اسم خطيبتي نظر لحبيبة بطرف عينه ليرى رده فعلها ...ان كانت معترضة كانت لتعنفه وتنفي ما ادعاه ..لكنها سكتت وأحمرت بشدة اثلجت قلبه !
امسك المنقلة ووضعها على المخطط الهندسي الذي امامه على اللوح ... بينما ارتسمت ابتسامة على شفتيه ... العمل هنا ممتاز والراتب الشهري يفوق توقعاته ...وجه حبيبة كان خيراً عليه .... سينهي العمل الذي بيده ويعود مباشرة الى المنزل ....
كان لايزال يركز على التصميم عندما دلف كلا من .... كورشير و بهاء الى الداخل ... مهندسان تعرف عليهما فور استلامه للعمل وهما ايضاً يشاركانه غرفة المكتب التي وضع فيها ثلاث مكاتب فخمة ... بهاء مهندس انتقل حديثاً من بغداد وهو عربي القومية غير ان كورشير كان كردي وطيب المعشر جداً ... لم تكن اللغة الكردية تشكل عائقاً بينهم بما ان كورشير يتقن اللهجة العراقية بطلاقة ...معظم الاكراد يتقنون اللغتين العربية والكردية وان كان لسانهم بنطق بعض الحروف صعب جداً الا ان كلامهم كان مفهوماً
جلس بهاء خلف المكتب فيما تقدم كورشير ناحية زهير ينظر للتصميم بأعجاب واضح ثم قال ... مشيداً على عمله
- سلمت يداك التصميم رائع ... كنت متأكد من انك مهندس شاطر ومجتهد ... لم تخيب ظني بك !
ابتسم زهير ليجيه بفخر واعتزاز
- طبعا وهل كنت تشك بذلك !!
قهقه وهو يتوجه اليجلس خلف مكتبه
- الغرور يؤدي الى التهلكة على فكرة سيد زهير !!
اجابه زهير وهو يضع المنقله على المنضدة
- ليس غرور بل ثقة يا عزيزي
ثم نظر لبهاء قائلا بهدوء فرغم اندماج كورشير معه بالعمل الا انه بنى معه علاقة صداقة فورية على عكس بهاء المنطوي على الدوم لكنه رغم ذلك كان يحاول ان يشاركهم الكلام على قدر استطاعته
- هل ذهبت لتفقد المواقع يا بهاء
اومأ ليجيبه الأخير بهدوء ورزانة
- ان شاءلله سنذهب بعد قليل ..الن تأتي معنا .. اليوم موعد استلام المواد الأنشائية ويجب ان تكون حاضراً معنا ؟!
هز زهير رأسه واجاب قائلا
- لقد اخذت اذن للخروج مبكراً ..لدينا مناسبة عائلية خاصة !
اومأ صامتا ثم انشغل بعمله مرة اخرى .....
توجه زهير الى مكتبه ليبدأ بلملة بعض الأوراق المبعثرة ... يشعر بالتفائل ... قلبه يخبره ان الامور كلها ستكون على مايرام ..... عمله اصبح ممتازاً ...تصميماته نالت اعجاب جميع من يعمل في الشركة بمن فيهم المدير التنفيذي للمشروع ....وحبيبة ستكون زوجته خلال اسابيع قليلة ان شاءلله ...
سابقاً عندما فتح له وليد المكتب الخاص له كان يشعر بالخجل الشديد حتى وان لم يبين ذلك ... فهو لم يكن يريد ان يثقل عليه خاصة وهو يعرف الضائقة المالية التي كان تمر بها المزرعة انذاك .. حتى عندما تزوج سلمى ..كانت معظم تجيهزات الزواج ان لم تكن كلها ملقاة على عاتق وليد الذي لم يتذمر ابداً ... وكم ازعجة وضايقه الامر .. يعرف ومتأكد ان وليد يساعده بطيب خاطر واخوة صادقة وكان يقول له دائماً ... لا خجل بين الاخوة وانت ابني ولست اخي يا زهير ...
لكنه رغم ذلك يظل رجل شرقي ...حار الدماء ... يخجله ان يمد يده لأي شخص ..حتى ان كان هذا الشخص هو اخيه وسندة ...
فيما بعد اي بعد بضعة اشهر من افتتاح مكتبة الهندسي المتواضع ... اصبح عمله يدر عليه المال الا ان المال لم يكن كثيراً ... وهذا ما كان يضايق زوجته المصون ...
اما الان فقد تغير الوضع ..ان تزوج حبيبة ان شاءلله ...هو من سيتكفل بأموره الخاصة وحده ودون مساعدة احد ..صحيح هو لايزال في بداية مشواره العملي الا ان الأموال التي بحوزته كافية نوعاً ما ... كما انه يعرف حبيبة كم هي قنوعة ومتواضعة ....ستصبر عليه وتسانده و هو متأكد من ذلك ...

.................
...............................
استقبل العروسان بحفاوة شديدة .... كانت سعدية تنظر لأبنتها براحة تامة تشعر وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهلها ... خاصة بعد ان اخبرتها غسق بخجل شديد ان كل شيء تم على مايرام ... السعادة كانت ظاهرة على كلا من غسق ووليد ... ولم تكن لتشك بما اخبرتها به ابنتها ... دعت الله بسرها ان يحفظهما ويرزقهما بالذرية الصالحة ... وان شاءلله ستكون جدة عن قريب وتمارس مهامها التي اعدت لها العدة منذ الان . ....
ذهبت غسق الى المطبخ مع حبيبة ورضاب وتبارك ... الاخيرة التي اجبرت نفسها على النزول ومشاركتهم سعادتهم بعودة وليد وغسق ... رغم انها للأن تشعر بالأنقباض والحزن .... الا انها تبذل جهدها لكي تتصرف بصورة طبيعية ....
بينما رضاب تغسل الخضراوات وهي تفكر بما قاله معاذ !! لقد قال بأن ملك تعرضت للزكام لأنها تلهو في المسبح ! اي مسبح وهم لايزالون في بداية شهر ابريل ..اي ان الجو تقريباً معتدل ..ولايزال الوقت مبكراً على اخراج المسابح المطاطية ..الا اذا ... انقبض قلبها بشده وهي تفكر بذعر ..الا اذ كانت ملك مهملة ..لا احد يعتني بها ! اجل ربما جدتها تتركها تعبث وتلعب في المنزل وحدها دون رقيب او اهتمام ..اه رباه ..قلبها انقبض اكثر ..معنى هذا ان طفلتها المسكينة تعاني الاهمال والامبالاة ! اجل هذا هو التفسير الوحيد والمنطقي لما حصل !!
زفرت بضيق وعدم راحة وهي تهمس داخلها ... يا الهي من اين تأتيني كل هذه المصائب .. هل ينقصها هماً اضافياً فوق همومها ..الان هي ستظل مشغولة البال على ابنتها والله اعلم ماذا تفعل الان ومع من هي !!!

كانت حبيبة تساعد الخالة سعدية بسكب الطعام في الاطباق منتبهة جيداً لعينيه اللتان تلاحقانها من مكان لمكان .. كلما التقت نظراتهما تجده يحدق بها ... ينظر لها بتحدي ووقاحة .. وقاحة تعشقها وتجعل نبضاتها تتسارع ... كانت تحاول ان تبدو هادئة ولامبالية قدر استطاعتها ...
رفعت سعدية رأسها وقالت
- هل تحتاج لشيء يا ولدي ؟!
اجابها بصوت حريري وناعم ..ناعم جداً ... وكأنها ذبذبات خافته تتسلل داخلها ... تدغدغ جسدها باعثة فيه شعور من عدم الراحة والترقب في وجوده وحضوره المستمر
- لا اريد شيئاً عمتي ...فقط كنت اطمئن ان كان الغداء جاهزاً ....او ربما ...تحتاجون للمساعدة !
رفعت سعدية حاجبيها وقالت متعجبة
- تساعدنا !!! وبماذا تريد ان تساعدنا !
اجابها قائلا بجدية ونظراته تتركزه على حبيبة وقد لاحظ ابتسامتها التي تحاول ان تكتمها
- اي شيء ...امممم تحضير السلطة مثلاً !!!
اومأت سعدية وهي تجيبه ببراءة
- بارك الله بك يا ولدي ...لكن شكراً لا نحتاج للمساعدة .... دقائق ويكون كل شيء جاهزاً
ظل واقفاً يراقب ما يجري بهدوء خارجي مفتعل ... شرارات التوتر المنحدرة داخله كانت تشبه تماما البندقية المستعدة لإطلاق وابل رصاصاتها ما ان يٌضغط على زنادها ....
زفر الهواء الحار من فتحتي انفه بقوة ..هامساً بجنون عاشق لم يعد يمتلك صبر الانتظار
- يجب ان ينتهي كل شيء اليوم ..والان حالاً
همسها وتوجه الى الصالة بسرعة وبخطوات واسعة ...
...............
.............................
كان وليد يجلس على الاريكة بجانب سعاد التي كانت تتكلم معه بحنان ... تنظر لوجهه بأشتياق وهي تهمس داخلها ...
" يا رب لا تريني في أهلي و أولادي وأحبتي أي مكروه ... لا حرمني الله منكم جميعاً "
الايام التي كان مسافراً فيها .... مكانه في المنزل كان خالياً وكأنه غاب عنها عشر سنوات وليس اسبوعاً واحداً .... كان يكلمها عن اشتياقه لهم وعن اهم الاماكن التي زاروها ..هي تسأل بلهفة ام سعيدة لسعادة ولدها وهو يجيبها بصبر وتفهم ... دون ملل او ضجر
جاء زهير ليجلس قربها متجهماً كطفل صغير .. اخذ يهز ساقه بتوتر ... كانت معالم الغضب مرسومة على ملامحه ... يجلس بعدم راحة وكأنه يجلس على صفيح ساخن جداً ...همس بأذن والدته قائلا
- هيا امي !
نظرت له سعاد بتعجب وبادلته الهمس قائلة
- ماذا يا ولدي !!!
اجابها بنفاذ صبر
- اخبريه ما اتفقنا عليه تلك الليلة ... بسرعة امااااه !!
قطبت قائلة بتفكير وهي تدعي النسيان ... هي فهمت ما قصد تماماً ..لكنها لم تظن انه مستعجل لهذه الدرجة
- ومالذي اتفقنا عليه !!
اجابها بتذمر
- اميييي الزواج ! زواجي انا وحبيبة !
اجابت بتفهم وصبر
- يا ولدي اصبر قليلا ودع اخيك يلتقط انفاسه ...هو لم يصل الا منذ بضعة ساعات !
ليجيبها مستنكراً من بين اسنانه المطبقة
- يلتقط انفاسه !!! لماذا هل كان مسافراً الى جزر القمر !!! لقد كان بشهر العسل يا امي ! شهر عسسسل !
وقبل ان ترد عليه .... هتف وليد وهو ينقل نظراته الحادة بينهما متعجباً
- خير ان شاءلله ..عن ماذا تتهامسان !!
ضحك زهير بسعادة وغباء وهو يلكز ذراع والدته قائلا
- كل خير اخي ..امي ستخبرك الان
ثم نظر لوالدته بتوسل مثير للشفقة
- هيا امي اخبريه !
هزت رأسها بقلة حيلة وكأنها تقول عليه العوض بولدي الذي اصبح يتصرف كالاطفال تماماً لتوجه كلامها لوليد قائلة
- حسناً الحقيقة ..زهير يريد ان يتقدم لخطبة حبيبة
رفع وليد حاجبية ثم ظهرت على وجهه ابتسامة واسعة وهو ينظر لزهير ...اذن فشقيقه كان جاداً بطلبه ! تنهد براحة وسعادة ! الحقيقة هو لم يكن يعجبه تصرفات شقيقه الاصغر التي كان يتصرفها مؤخراً مع حبيبة ولا نظراته الفاضحة التي يوجه لها ...وعندما فاتحه بموضوع الخطبة في ليلة زفافه ظن انه يمزح ..اوربما ما طلبه كان مجرد نزوة عابرة وتختفي سريعاً ... صحيح هو يثق به ثقة عمياء الا ان الشك كان يتسلل قليلا لقلبه ...خاصة وان حبيبة تعد بعهدته وهو المسئول عنها امام الله قبل ان يكون مسئولاً امام والدتها التي تركتها امانة لديه عندما سافرت ...بالاضافة لذلك هو لن يسمح لاي شخص مهماً كان بكسر قلبها ... حتى وان كان هذا الشخص هو شقيقه !!! وكذلك الحال مع رضاب ايضاً ....الاثنان لهما نفس المقدار من المعزة والاهتمام الأخوي والأبوي !

- حسنا امي .. وماذا في ذلك !! انا موافق طبعاً لكن قبل كل شيء اسأليها رأيها ان وافقت على بركة الله !
اومأت سعاد وهي تلتفت لزهير قائلة
- ارتحت الان !
هز رأسه بلا ... هو كان واثقاً ومتأكداً من موافقة وليد الا انه خائف من تلك القطة ... خائف من ان تتحداه وترفضه !!! قال بقلق بطفيف حاول ان يخفيه
- لن ارتاح الا حينما تسأليها وتأخذين الموافقة منها !
تدخل وليد قائلا يوافقه على كلامه ..مما جعل الابتسامة تتسلل لوجه زهير حتى كاد ان ينقض على وجه شقيقه بقبلات شاكرة وممتنة
- لا بأس امي تحدثي معها الليلة خير البر عاجله
.............................
البصرة ...
............
دلف من باب المطبخ بتعب ... الأيام السابقة كانت حاسمة وصعبة جداً عليه ... كلام حيدر كان يدور ويطحن في رأسه كما تدور وتطحن حبات القمح في الرحاة مراراً وتكراراً ... ليلا ونهاراً ...
وضع كل الاحتمالات والمعوقات في فكره ... اولا الفارق العمري الذي لايقل على اقل تقدير عن عشر او احد عشر سنة .... وضعها كمطلقة وموقف والدته الأكيد من ذلك ... اختلاف البيئة والعادات والتقاليد المتبعة بين الشمال والجنوب ... والذي ربما يكون هو المعوق الأكبر والرئيسي امامه ... او على الاغلب سيكون هو الفيصل في قرار زواجه منها ....
حدسه يقول له .... ان لا وليد ولا زهير من النوع المتعصبين المتشددين اللذين يدققون في اختلاف البيئة .. بدليل ان معاملتهما ظلت على ما هي عليه حتى بعد ان اكتشفا انه من المحافظات الجنوبية !
حسناً ... رغم هذا هو يريدها .. يحتاجها اولا من اجل ملك وثانيا من اجله ... لم تشغل امرأة في حياته قط كما شغلته رضاب ... يريد ان يتقرب منها اكثر ... يتعرف عليها .... يساعدها ... ثم انه قد اقر واعترف بضرورة زواجه ..خاصة بعد ما جرى لملك ...
على الرغم من ان والدته تستعين بفتاة شابة تأتيها اسبوعياً عندما يكون هو في العمل لكي تساعدها بتنظيف المنزل الا ان ذلك غير كافي نهائياً للأطمئنان على ملك وهي وحيدة ..الطفلة متعلقة بها ..تعلقاً كبيراً ...وهو ايضاً منجذب اليها بشدة رهيبة .. سيكون منافقاً وكاذباً ان نفى وانكر ذلك ... اذن لماذا لايتزوجها !!!
رضاب وحدها من تستحق ان تكون زوجة له ... الان هو فقط ينتظر الوقت المناسب لمفاتحة والدته .. اقناعها بالموافقة ان شاءلله سيكون سهلا عليه ..هو يعرف كيف سيقنعها بطريقة الخاصة حتى وان كانت تلك الطريقة ستجرح كبريائه وتطعن رجولته التي لا تشوبها شائبة ولا غبار عليها والله يشهد على ذلك ...

تفاجأ بوجود ملك وهي تقف على طاولة صغيرة امام الحوض .....تمسك بيدها الصغيرتين الصحن و اسفنجة مملوءة بالرغوة تحاول غسلها بصعوبة .... هتف بتعجب وهو يتقدم نحوها بسرعة
- مالذي تفعليه صغيرتي !
اجابت ببراءة تامة وهي تنظر له
- اغسل الصحون عموووو
كيف تسمح والدته لها بأن تغسل الصحون ... ماذا ان اوقعته ارضاً وجرحت نفسها ... في بعض الاحيان تفكير وتصرفات والدته تكاد ان تصيبه بالجنون والغضب ... هذه ليست المرة الاولى التي يرى فيها ابنة شقيقه تعمل في المنزل ... ففي مرة من المرات عاد وشاهدها تغسل الممشى ... ومرة تسقي مزروعات الحديقة ...ومرة تكنس ارض الصالة وعندما عاتب والدته وحذرها بأحترام اجابت قائلة بأن لا علم لها بذلك ووعدته بالانتباه لها اكثر .... لكن الى هنا وكفى ...كيف تتركها تقوم بهذا العمل الخطر !!!
قطب قائلا وهو يلتقط الصحن من يدها قبل ان توقعه ارضاً
- اتركي هذا من يدك واخبريني اين الجدة !
رفعت كتفها وقالت وهي تفرك يدها تلهو برغوة سائل الغسيل
- نائمة في الصالة لا تريد الاستيقاظ !
اجابها بقلق وهو يوجه نظراته لباب المطبخ المؤدي للصالة
- اغسلي يدك والحقيني هيا
........................................
اربيل
............
احلم والحلم يعتب
وامشي وخطوتي تعتب
يتـلاشي الـعتـب نبضات
ونــبضــات العتب تـعتب
چا شنهي البعد بالروح مـا يعتب
خل يعتب عشگنه شرايد شيعتب خل يعتب
............
تجلس بغرفتها منذ يوميين ... حتى انها لم تذهب الى المصرف .. لقد طلبت من صديقتها ان تقدم لها على اجازة مرضية لمدة يومين لأنها بالفعل تشعر بالمرض .... قلة الحماس والكآبة تسيطران عليها حتى عندما استقبلت وليد وغسق كانت بالكاد تتكلم ..تخرج الكلمات من شفتيها رغماً عنها

.... برودة وعدم تقبله لوجودها كان واضحاً جداً ... هي حزينة ومتألمة على ما اصابه فعلا ..لكن لماذا استقبلها بتلك الطريقة الصادمة .....
ربما يظن انها لا تهتم له ! اوربما يظنها تتشمت به !! اجل طريقة كلامه معها تبين لها صحة تفكيرها ! لكن لماذا يفكر بهذا الشكل ..هل بدر منها ما انبئه بذلك !! هي صحيح لم تعطه جوابها على طلبه قبل السفر لكنها ايضاً لم ترفضه رفضاً قاطعاً ! بدليل انها قالت لرونق عن نيتها بإعادة التفكير !!!!
ربما هي الملومة ...اجل لقد تمادت كثيراً ..وأطالت باتخاذ قرارها .. كم هي غبية ومترددة ! لكي هي ايضاً معذورة ..يجب عليها التريث والتأكد جيداً ... مجرد الموافقه على الزواج من اجل ان تحصل على لقب متزوجة واسكات الألسنة التي تقول عنها عانس ليس سبباً كافياً للاستعجال والموافقة !
لماذا لا احد يشعر بها .. الكل يراها تبارك الهادئة القوية الرزينة ...لكنهم لا يعلمون .... لا يعلمون انها تتألم بصمت ... رغم كل قوتها وتماسكها ..الا ان داخلها انثى ..انثى تحتاج للحب والاهتمام ...تحتاج لشخص يحبها لذاتها كعبد العزيز .... عبد العزيز الذي رأت في عمق عينيه الحنونتين حباً صادقاً لم تكن لتخطئه ابداً ..لكنها احتاجت للوقت ..فقط القليل من الوقت الذي يبدو انها ندمت على اهداره بالنهاية ...
كثيراً ما ترى النساء الحوامل ..او اللاتي يذهبن الى المتنزة مع اولادهن بسعادة ... وكم تتمنى ان تجرب هذا الشعور ...شعور الأمومة ...شعور ان يحتاجها طفل صغير يناديها امي !!! قسماً بالله هي لم تحسد احداً على سعادته ...لكنها انثى ..انثى ...ومهما ادعت وقالت انها تشبع امومتها بذهابها لدار الايتام ... الا ان هناك بقعة بعيدة داخل روحها تشتاق وتريد طفل لها ... يخصها هي ..وهذا ليس بيدها ليس بيدها ابداً !!
دفنت وجهها بين ساقيها التي تضمهما الى صدرها بقوة ... بينما دموعها نزلت ساخنة وحارقة على وجنتيها ...كانت تكتم انينها وصوتها الخافت .... تحاول ان تكون طبيعية امامهم وتبذل جهدها لذلك ! الله وحده هو القادر على اعانتها وتمديدها بالصبر على قضائه وحكمة
سمعت طرقات خافته على الباب ثم والدتها تدلف الى الداخل تنظر لها بفضول وانتباه ... رفعت تبارك رأسها بسرعة واعتدلت بجلسها صامته ... تقدمت سعاد لتجلس قبالتها على الفراش ثم قالت بهدوء
- لماذا تجلسين وحدك حبيبتي !
همست بصوت مختنق
- رأسي يؤلمني قليلا امي !
اومأت سعاد ثم تنهدت وقالت بابتسامة صغيرة
- اااه يا تبارك ...من متى لم نجلس ونتحدث كأم وابنتها !!!
ابتسمت تبارك واجابت بخفوت
- ليس لدي الشيء المهم لنتحدث عنه يا امي !
اجابت سعاد بطيبة وحنان
- كلا يا تبارك ..لا تقولي هذا الكلام .... كل ما يخصك هو مهم بالنسبة لي .. لكنني اعترف بأني كنت مشغولة في الفترة الأخيرة مع زهير ووليد بالاضافة لرضاب وحبيبة !
وبحنان وحب اكملت وهي تنظر لها بعينان مبتسمتان
- ربما انشغلت عنك لأنني متأكدة منك ومن اخلاقك ورزانتك .... لطالما كنت الفتاة الحنونة الصبورة يا تبارك ...لم تجعلني احمل همك يوماً .... رضي الله عنك واسعدك
سحبت نفساً عميقاً وقالت بهدوء
- والان لنرى ....مابك طفلتي ...لماذا انت حزينة ومتغيرة منذ يومين ..
همست بهدوء وهي تسبل اهدابها تعبث بطرف الشرشف بتوتر
- لاشيء امي ..صدقيني !
قطبت سعاد وكتفت ذراعيها على صدرها قائلة بأهتمام
- لا .... هناك شيء ما ! ان استطعت خداع الجميع الا انك لن تستطيعي خداعي !! اخبريني ..هل هناك ما يزعجك في العمل !!
رفعت تبارك عينيها ثم اخذت تنظر لوالدتها بحيرة وارتباك طفيف ... كيف ستجد منفذاً من محاصرة والدتها !!! هي تعرفها جيداً لن تتركها بسهولة ان لم تخبرها سبب مكوثها في المنزل !! فهي نادراً ما تأخذ اجازات من المصرف ... قالت بأرتباك وتعثر ..
- اشعر بالتعب امي ...كما ان ضغط العمل اصبح يرهقني كثيراً ...
اومأت سعاد وهي تتفرس بوجه تبارك الشاحب
- حسناً يا تبارك ..لا تخبري والدتك ..كما ترغبين يا ابنتي ..لكن تذكري ولا تنسي بأني موجودة دائماً من اجلك ان شاءلله متى ما اردت الكلام ثقي بذلك طفلتي
ابتسمت تبارك بضعف وهي تسبل اهدابها هامسة بكلمات موافقة ....
- اعدك امي ...ان احتجت للكلام والفضفضة سأتي اليك فوراً من لي غيرك يسمعني يا احن ام في الدنيا ...
انحنت سعاد واحتضنتها بقوة ..قوة كبيرة ... هناك شعور يداهمها ويخبرها ان ابنتها تعاني من خطب ما !!! اه لو بيدها ... لخبئتها داخل اضلعها .... تحميها وتغدق عليها بحنانها واهتمامها .... تبارك ابنتها الطيبة المرضية من الجميع ...من يراها يحبها ويعجب بأخلاقها فوراً لكن ماذا ستفعل ... حظها قليل في هذه الدنيا .... والزواج قسمة ونصيب ورزق من رب العباد ..... و آوان رزقها ونصيبها لم يأتي بعد ...
جل ما تتمناه ان ترى ابنتها مرتاحة وسعيدة مع زوج يقدرها ويحبها لطيبة قلبها وحنانها الكبير ....
رغم كل شيء هي موقنة ان الله سبحانه وتعالى سيكافئها على صبرها هذا وسيعوضها برجل يعادل حنانها وطيبتها اضعاف مضاعفة ..ألم يقل في كتابه الكريم ..
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ...

..........................
البصرة
.......
دلف الى الصالة ليجدها نائمة على الأريكة بهدوء ... تقدم ليجلس جانبها ثم ايقضها هامساً وهو يربت على كفها
- امي ..امي ...
فتحت هدى عيناها بتثاقل واجابت بتعب
- معاذ ..متى عدت ياولدي
ليجبها بلطف
- قبل قليل ...مابك امي لماذا انت نائمة هنا !!
جلست بتعب وقالت
- لا اعرف ما اصابني ... احسست بجسدي يرتجف والدوار يداهمني فجأة
اجابها باهتمام وخوف
- اليوم سأأخذك للطبيب
هزت رأسها وقالت مسرعة لتطمئنه
- لالا انا بخير ...ربما كان هبوط في السكر ...لقد اكلت القليل من الطعام وخلدت الى النوم ..وها انا اصبحت افضل الان
التفتت حولها بأهتمام وقالت
- اين ملك .. كانت تجلس قربي قبل قليل
ابتسم وقال وهو ينظر خلفه ناحية ملك التي جلست ارضاً تلعب بمكعباتها المبعثرة
- هاهي تجلس هناك ... كانت تغسل الصحون بالمطبخ !!
ثم عاود النظر لها قائلا بجدية وتقطيبه عميقة ترتسم على جبينه
- كيف تتركيها تعبث بالصحون وحدها امي !!
تنهدت والدته وقالت بعتاب وهي تدعي المسكنة تنظر له بنظرات منكسرة .... هي فعلا شعرت بالتعب ..لكن ليس ذلك التعب الذي يجعلها ترقد بهذا الشكل ...لقد تعمدت فعل ذلك ..وايضاً تعمدت ان تطلب من ملك ان تغسل الصحون لها مع اقتراب عودة معاذ من عمله .. الصحون كانت مجرد صحون ميلامين غير قابلة للكسر .. ليس الصحون فقط بل طوال الأسبوع الماضي كانت تطلب من ملك ان تساعدها ببعض الأعمال الخفيفة ... متزامناً مع عودة ولدها ...
- اااه يا طفلتي المسكينة .... ماذا افعل يا معاذ ..لا استطيع السيطرة عليها ومراقبتها بأستمرار .... والله قلبي يتقطع من اجلها ...دائما عقلي منشغل التفكير ...ماذا لو داهمتني غيبوبة السكر مرة اخرى وانت لست في المنزل ! ماذا ان آذت نفسها وانا لم انتبه لذلك !! ماذا سنفعل ان وقع الفأس في الرأس !!!

كان معاذ يستمع بصمت ... من الجيد ان والدته هي من بدأت فتح الموضوع معه ... كان مرتبك قليلا وحائر عن كيفية اخبارها بقراره ... خاصة ان عرفت من هي الفتاة التي يريدها !!
ربما الان هي افضل فرصة سانحة امامه ليخبرها بالامر !! اجل الان ماذا ان حدث بالفعل ما قاله حيدر ووجد ملك فعلا مختبئة في خزان الماء او هاربة الى خارج المنزل !!!
ماذا ان افاق من غبائه وعناده بعد فوات الاوان ! كما ان والدته اعترفت حالا وبنفسها انها لا تستطيع السيطرة ومراقبة ملك ! وهذه افضل حجة للزواج !
ثم هو يريدها وملك تحتاجها فلماذا اللف والدوران والمرواغة والمط والتطويل الكاذب !
فجأة وفي خضم افكاره القلقة ترأت امامه صورة عينان بنيتان حنونتان وحزينتان ... ابتسامة ناعمة ..صوت رقيق ... ووجه كالقمر ليلة تمامه !
ابتسم قائلا دون ارادة منه بينما اضاءت عيناه الزيتونيان بحماس لم ينتبه له
- امي ...لقد قررت ان اخطب !
اتسعت ابتسامة والدته المنتصرة الغير مصدقة وهبت جالسة برشاقة شابة في العشرين ... اخيراً جاءت مخططاتها وتكتيكاتها ثمارها ... اخيراً نطق الجوهرة من فمه ! لو لم تكن متأكده مما سمعته لقالت انها تعاني خطب ما في حاسة السمع !!
اخذت تطلق الزغاريد دون شعور منها ... السعادة استحلت روحها ..لم تصدق اذنيها ..ولدها قال بأنه سيتزوج !!! يتزوج !!! معاذ الذي كان مضرباً عن الزواج كل تلك السنوات يقول بأنه سيتزوج !!! ليتها كانت خططت منذ فترة طويلة ... لكن كيف ولم تكن هناك فرصة في السابق ...الان بسبب وجودها هي وملك وحيدتين في المنزل خدمها كثيراً وعزز موقفها وحججها امامه!
تقطعت انفاسها وهي تزغرد وتزغرد دون شعورٍ منها .. انفاسها اختلطت بملوحة دموعها ...
نسيت حتى موت ولدها الذي لم يمضي عليه الا عدة شهور قليلة ..نسيت كل شيء .... لو كانت تمتلك القوة لنهضت وتحزمت لترقص فرحاً وسعادة ... احتضنته بقوة ثم قبلت وجنتيه وكتفه العريضة ودموعها تهطل بغزارة...
بالمقابل كان معاذ يبتسم وهو سعيد لسعادة والدته ..قبل جبينها قائلا
- اهدئي امي ..اهدئي ...
اجابت بصوت مرتجف
- والله قلبي سيقف من شدة السعادة ... حماك الله لشبابك يا معاذ واطال الله بعمري لأرى اولادك !
تنهدت براحة وهي تمسح دموعها لتكمل بحماس وسعادة لا تضاهيها سعادة
- افكر ان اخطب لك ابنة خالتك زينب ... فتاة كاملة مكملة ... ربت بيت شاطرة وايضاً
قاطعها قائلا بجديه
- لا داعي للبحث اماه ... العروس موجودة !
اختفت ابتسامتها وتحولت نظراتها الحنونة السعيدة بثانية واحدة الى اخرى قاسية وجليدية ... الأن وصلنا لمربط الفرس ... ومصدر شكوكها ومخاوفها .... والأن سينكشف كل شيء ... لتجيبه قائلة ببرود
- اهااا ... حقاً ؟ ماشاءلله ... ومن هي سعيدة الحظ !
ليجيبها ببساطة تامة وهو يمد يده يحك مؤخرة رأسه بخجل طفيف وابتسامة وسيمة
- رضاب !!
وما ان نطق اسمها الذي كانت تشك به فعلا ... كانت متأكدة جداً بميل ولدها البكري لتلك الدخيلة ..لكنها غالطت ودعت ربها ان تكون مخطئة ....رضاب لم تكتفي بسرقة حفيدتها فقط بل وضعت عينها على ولدها ايضاً ..لن يحصل ذلك ابداً ... هتفت بأستنكار وهي تقف بقوة
- مطلقة !!!! تريد ان تتزوج من مطلقة !!
قالتها واخذت تفرك يديها بتوتر ... جسدها كان يرتجف بقوة .... توجهت لتجلس امامه على الأريكة المقابلة له وتعابير وجهها شرسة وقاسية ... التصميم بادٍ ومنعكس بلمعة عينها المتحدية ....
بينما ظل معاذ جالساً ينظر لها بجمود ... عيناه تتابع حركاتها المتوترة وهي تقف لتذهب وتجلس قبالته ... كانت جلستها متحفزة وكأنها تستعد للمشاجرة .... ردة فعلها كانت متوقعة هو بالفعل كان قد تهيئ وأعد العدة لمثل هذا الموقف .... اجل تهيئ رغم انه اتخذ قراره النهائي قبل عدة ايام ...الا ان عقله الباطن كان على علم ويقين ان رضاب ... استحلت جزء ليس بقليل من قلبه ... لايعرف اهو حب ام اعجاب ام شيء اخر يجهل كنته ! لكنه كان موقن بأن والدته سترفض كل المؤشرات كانت تقول وتؤكد ذلك ... وكلما رفضت هي زاد اصراره هو ...
وهو مصمم على الزواج منها ..اما رضاب او لن يتزوج ..هكذا... يريد تلك الفتاة ودون سبب ..قلبه ارتاح اليها ...جذبته وهذا ليس بيده الله وحده من يؤلف القلوب ويقربها من بعض ..ألم يقل رسول الله
( الأرواح جنود مجندة ..ما تعرف منها أأتلف وما تناكر منها اختلف )!
وروحه ارتاحت وتآلفت لرضاب .. ارتاحت لها جداً ولدرجة كبيرة ومثيرة للدهشة ... الله سبحانه وتعالى بجلاله وقدرته جعل قلبه المتعب يجد الراحة ويميل اليها ... كما تميل الزهور في فصل الشتاء لشعاع الشمس تناشد الدفء منها رغم ارادتها !
اتكأ على ذراع الاريكة واجابها بهدوء بينما معالم وجهه كانت هادئة ومبهمة
-ومابها المطلقة امي ؟!! أليست بشر مثلنا ويحق لها الزواج مرة اخرى !!!
قالت وهي تنظر له مقطبة بشراسة
- يحق لها الزواج طبعاً لكن ليس بشخص مثلك !
سحب نفساً عميقاً ثم قال بتساؤل وهدوء
- لم افهم ما تقصدين امي !!!
اندفعت الكلمات تخرج من فمها بحدة
- المطلقة تتزوج من رجل مطلق ...او ارمل ..تتزوج من مستواها
لتكمل وهي تحاول افهامه واقناعه بهدوء وصبر
- مالذي ينقصك يا ولدي لتتزوج من مطلقة !!! انت شاب وسيم ميسور الحال من عشيرة تحلف بها الجميع ... والدك من اعيان المحافظة ....وعمك الشيخ من المرشحين للبرلمان العراقي ... كلمة واحدة منك واجمل جميلات المحافظة ترتمي تحت قدميك ...
اجابها بذات الهدوء والبرود وكأن كل ما قالته لم تؤثر عليه قيد انمله
- وانا لا اريد اجمل الجميلات ..اريدها هي ..اما رضاب او اني لن اتزوج ..اساساً انا فكرت بالزواج ليس من اجلي بل من اجل ملك المتعلقة بها !
هزت والدته رأسها بعناد وهي ترفض المنطق او الحجة التي يتخذه ولدها ليصل لمبتغاه
- انت لست مجبراً لتقديم هذه التضحية .... ومن اجل من !! طفلة صغيرة يمكن ترويضها بصفعة واحدة لتعتدل وتكف عن التذمر والبكاء !!!
لتختم كلامها بصرخة مستنكرة وكأنها تعنف طفلا صغير
- تصوم تصوم ...وتفطر على مطلقة ! لن يحصل هذا مطلقا .. افهمت مطلقاً !!!!
اجابها معاذ بثقة وصلابة
- وانا قررت وانتهى ... لن اتزوج غيرها يا امي !!
اتسعت عيناها بصدمة وهمست قائلة بعدم تصديق
- اتريدها لهذه الدرجة !!!
لم ينفي ولم ينكر ... اجل اريدها لهذه الدرجة واكثر ...ارد ان يهتف بها الا انه صمت وحدق بها ؟؟؟ تقدمت ناحيته ثم امسكت ذراعه العضلية وهي تكمل بحقد وغل
- احببتها !!! انطق !!! هل احببتها !!! ماذا فعلت لك هذه الساحرة !!!
اجابها معاذ قائلا بضيق
- لاتنعتيها بالساحرة اماه ... ارجوكِ ... ثم اخبرتك بصراحة تامة ... زواجي منها سيكون من اجل ملك ... ملك فقط افهمي ذلك !
هتفت بقوة ووحشية
- كذب ..كل ما تقوله كذب ! ملك مجرد حجة !
رفع معاذ حاجبيه قائلا
- صدقيني اماه ..لولا ملك لم اكن لأفكر بالزواج ولو بعد مئة عام
هزت رأسها وقالت بذهول وعيناها قد اتسعت بقوة مخيفة
- وانا لن اوافق ان تكون كنتي مطلقة !!!
وقف معاذ ثم سحب نفساً عميقاً واجابها
- فكري جيداً امي ..فكري قبل ان تعطيني قراراً متسرعاً ..وتذكري ما ينعتوني به شباب العشيرة ! هذا ان كنت تريدين ان يظل ذلك اللقب الذي اعرفه انا كما تعرفيه انتِ ملتصقاً بي طوال العمر ..لأني ان لم اتزوجها هي لن اتزوج غيرها ! ولك حرية الاختيار !
تركها وغادر الصالة ... تركها بعد ان شعر بطعنه حارة تصيب رجولته وهو يذكر والدته بذلك اللقب السخيف ... لم يكن يرد ان تصل الامور بينهما لهذا الشكل .... لكن هي اضطرته ان يتفوه بما لايريد التفوه به ....
حسناً ... لابأس لاتوجد امامه الا هذه الطريقة ..علها تجيد نفعاً معها !
همست هدى بعينان دامعتان وفم مرتجف وهي تحدق بالباب حيث اختفى ورائه ولدها ... الذي رمى كلمته الاخيرة بمنتهى البرود واللامبالاة ..وكأنه يقول لها اختاري ..اما سمعتي ... .. او زواجي !
بينما السعادة التي شعرتها بها قبل قليل... تبخرت كلها بثانية واحد ليحل محلها الانقباض والحزن ... كانت تحس وتشعر ان رضاب لن تمر بحياتهم مرور الكرام !!
- لا تلوي ذراعي يا معاذ ..لا تلويها ارجوك !!!
............
.......................

عذبيني حبيبتي بدلالك
واطرحيني مقيداً بحبالك
لا تقولي : حرام الظلم إني
أتمناه فهو أحلى حلالك
زلزليني ببسمة الثغر تعطي
ألف عذر لخافقي باحتلالك
أنت والخلد توأمان وحبي
سوف يبقى مخلدا في ظلالك
فاستبدي ولا ترقي لئلا
يهلك القلب من رقيق اعتدلك
يا سعادي ويا سعادة عمري
كم أرى الكون باًسما من خلالك
بكِ تمتد في الحياة يميني
فخذيني كخاتم في شمالك

.........
الشاعر .. مانع سعيد العتيبه
..................
ينظر لها من شباك غرفته التي تطل على الممشى الاسمنتي الطويل الممتد من باب الشارع وصولا الى باب الصالة ... كانت اوراق العنب الخضراء تعيق نظرته الحادة المدققة بها ...
تترائي امامه تارة وتختفي تارة وهي تمسك خرطوم الماء بيد والماسحة ذات العصا الطويلة بيدها الاخرى ..تمسح الارض برشاقة وسرعة .... الساعة كانت تشير الى السابعة صباحاً ...دائما فتاته نشيطة وشاطرة بالاعمال المنزلية ...اه منك يا غزالتي ..لماذا تهوين تعذيبي بهذا الشكل القاسي المؤلم !!!

ها قد مر يومان ... يومان وهي للأن تقول افكر ... كل هذا تفكير .. ام ربما تريد بضعة ايام اخرى او اسابيع ... او ربما اشهر !!!
هذه الفتاة تتعمد اذلاله ... اجل تذله ولا يعرف السبب !!
للأن يتذكر كيف كان ينتظر اسفل الدرج على احر من الجمر ..حتى عند استلامه لنتيجة الثانوية العامة لم يكن قلقاً ولا متوتراً لهذه الدرجة ...مر تقريباً نصف ساعة ونزلت والدته ليستقبلها لاهثاً بلهفة
- هااا يا امي ماذا قالت !
اجابت بهدوء وهي تبتسم له ابتسامة متفهمة
- تقول انها تحتاج لبعض الوقت لتفكر !!!
هتف مستنكراً بحدة والغضب الاسود يغلي داخله ويفور
- وقت للتفكير !!!!!!
لتجيبه وهي تتوجه الى المطبخ
- اجل وقت للتفكير وهذا من حقها !
لحقها بسرعة وغضب وقال بصوت شبه صارخ
- وانت لما وافقتها !! لما لم ..
التفتت له وهي تفتح الثلاجة لتجيبه بهدوء كاد ان يفقده عقله ..هو يغلي من الغضب والقهر وهي تكلمه وتخبره عن ردها المستفز بكل بساطة
- اخبرتك قبلا وها انا اخبرك مرة اخرى ... انا لن اجبرها يا زهير ..فهمت لن اجبرها ..اما ان توافق او لا ..الامر يعود لها !
همس بصدمة وهو يحدق بوجه والدته وقد لاح الالم والخذلان على ملامحه الوسيمة
- لكني ..لكني ..اخبرتك اني ..احبها اماه ولا طاقة لي على الانتظار والصبر !
اجابت وهي تخرج صحن الفواكه وتغلق الثلاجة
- ان كنت تحبها ستصبر ... ستصبر وتنتظر
عاد من رحلة ذكرياته وهو للأن يشعر بالألم ينخر عظامه ... يصبر ! ألم يكفي تلك الشهور التي صبر بها وهو ينكوي ويحترق متأرجحاً بين نارين ... نار زوجته التي تورط بها ونار حبه الذي اكتشفه متأخراً ...حسنا حبيبتي ..اكثر ..افعلي اكثر ...فليقدرك الله وذلني اكثر ...اعدك كل هذا دين ..وسأسترده منك حبة حبة !!
بخطوات رشيقة خرج من غرفته متوجهاً الى الحديقة .. ... فتح باب الصالة وتوجه ناحيتها ببطء وثقة ..وقف قبالتها بالضبط ...كانت مطرقة الرأس تركز بما تفعله ..لكنها ما ان لمحت حذائه الجلدي الأسود حتى رفعت رأسها بسرعة ... عدلت حجابها واخذت تحدق به ..كان يرتدي قميص دخاني اللون ملتصق على جذعه العلوي بقوة مع بنطال من الجينز الازرق ... شرارات غضبه وصلتها واحست بها ....بل هي احست بها منذ ان فاتحتها خالتها بموضوع زهير ... وكم كان خجلها عظيماً وهي تستمع لكلماتها الحنونة وهي تخبرها بأنها تتمنى ان تراها كنتها وكم حلمت بذلك !! جاهدت واحتاجت للكثير من العزيمة والجرائة تجيب على طلب خالتها بأن تعطيها مهلة للتفكير ...
طوال الأيام الماضية شرارات غضبه كانت تخترق الجدران لتطير ناحيتها وتحوم حول رأسها تزيد من توترها وارتباكها !!!
كان يقف قبالتها بالضبط يكتف ذراعيه على صدره ... فمه مشدود بقوة حتى بدى كخط رفيع جداً .... اعتدلت بوقفتها وقالت بتعجب
- زهير !!!
اجابها وهو يلوي فمه بأبتسامة حملت الألم اكثر منها سخرية
- اجل زهير الذي تركتيه كالكلب يلهث ورائك ! زهير الذي ينتظر موافقتك الميمونة !
شعرت وكأنها تلقت ركلة قوية مزقت احشائها .... هربت الدماء من وجهها دفعة واحدة ... التصقت شفتيها ولم تصدر كلمة واحدة .... ظلت تحدق به صامته ....في الايام السابقة كانت تحاول عدم التواجد قربه او بالمكان الذي هو يكون موجوداً فيه ... كانت تعرف انه سيحاصرها و يضغط عليها ...
هي لم تجرم ولم تقترف اثماً .. فقط تريد وقت للتفكير أليس هذا من حقها ؟! حتى ان كانت تعشقه وتحبه بكل جوارحها ..لكن كرامتها ..كرامتها تأبى الموافقة الفورية ... وكأنها كانت تتحين الفرصة للموافقة والقبول المذل الذي يجعلها تشعر انها رخيصة بعين نفسها قبل ان تكون كذلك في عينه!!!
هتف مرة اخرى عيناه العسلية تلتمع بقوة ...كانت السنة نيران الغضب واضحة بهما
- انطقي با حبيبة ... اجيبني ...هل أكلت القطة لسانك !!
اكتسى وجهها اللون الاحمر ..لاتعلم حقاً هل هي خجلة منه ام غاضبه من اسلوبه الوقح المتملك هذا !!
كانت بالفعل تشعر بخيبة الامل والمرارة ... ربما هي درامية وتتصرف بطفولية ومراوغة لا داعي لها عندما طلبت الأنتظار ومهلة للتفكير .. لكن الان ومع ما يفعله تأكدت من صحة قرارها ... الصبر ليست من شيم زهير ..هو متسرع ومندفع ..ربما بالفعل بضعة اسابيع أخرى ستكون درساً مناسباً له لكي يتعلم على ان يصبر ويتحكم بمزاجه المتقلب الذي ينقلب بين ساعة واخرى كما ينقلب الجو في شهر فبراير ...
- لماذا تفعل هذا !!! لماذا !!!
همستها بخفوت .... قطب بعدم فهم ... ليجيبها قائلا ببهوت
- مالذي تقصديه يا حبيبة !! مالذي فعلته !!
اجابت بقوة ودموعها تترقرق في عميق عينيها البنيتين
- انت تضغط علي وتحاصرني يا زهير ..لقد تماديت كثيراً .. ثم انا لم اطلب اكثر من حقي ...و من ابسط حقوقي هو ان أأخذ وقتاً للتفكير ...
الصدمة ظهرت جلية على وجهه ... تفكير في ماذا ! وهي حرفياً قد عاشرته وعرفت طباعة واخلاقه جيداً ... الوقت والتفكير يحتاجونه الناس الغرباء ... لا من هم يسكنون مع بعض .. في المنزل والقلب والروح ... وهو اعترف لها بحبه وصدقه .. الم يكفها هذا !!!!
اجابها بيأس وخذلان
- اجل حبيبة ..من حقك ان تفكري .. خذي وقتك .. اتعلمين شيئاً !!! معك حق ..يجب ان تفكري الف مرة قبل ان تتخذي قرار الارتباط بشخص منحط مثلي !! اليس كذلك ؟!
هزت رأسها وهي عاجزة عن ايجاد طريقة لأفهامه
- لم اقصد هذا زهير ..لاتفسر الامور على هواك
اومأ قائلا بصوت ثقيل وهو يستعد للمغادرة
- تقصدين او لاتقصدين .. قلت ما تخبئيه داخل صدرك ..
نظراته المعاتبة وصلتها ..واستطاعت ان تجعل قلبها الغبي يرق له لوهلة ... اوقفته قائلة بتساؤل
- اريد فقط ان اعرف يا زهير مابك !! لما انت مستعجل لهذه الدرجة !!
التفت ينظر لها بصمت لتكمل قائلة وهي تبتلع ريقها بصعوبة ..تعرف ان الذي ستتفوه به الان صعب جداً عليها ... وربما ستندم عليه فيما بعد الا انها يجب ان تتكلم ..يجب ان تخبره كل ما في صدرها من مخاوف لايد لها فيها
- اعط لنفسك الفرصة زهير ..ربما ..ربما ...
حثها قائلا وهو يرمقها بحذر وترقب
- اجل ..اكملي ..ربما ماذا !!!
صدرت عنها تنهيدة صغيرة ... رمت الخرطوم من يدها ثم ذهبت لتغلق الحنفية تحت انظاره الضيقة الحادة لتستدير ناحيته قائلة وهي تعبث بأطراف اصابعها بأرتباك وتوتر
- ربما تندم فيما بعد ... انت .. اقصد .. الفرق بيننا واضح ... انت .. مهندس .وانا ..انا ...
رفعت عينانها المتألمتان لتهمس بخجل وحرج شديد ليس من نفسها ..بل من وضعها وما آلت اليه الامور ..هي ليست غبية ولا بليدة كما كانت تنعتها والدتها ... بل كانت ذكية ..ذكية جداً في مرحلة ما من حياتها ... تحديداً عندما كان والدها على قيد الحياة ..لكنه وبعد وفاته ..انتهى ..و انتهت حياتها معه ... لم يعد هناك من يأخذ بيدها لم يعد هناك من يسأل عنها ...حتى مع واقع وجودها المستمر في منزل خالتها ...فهي كانت تذهب اليهم منذ بداية العطلة الصيفية كل سنة ... تذهب اليهم وهي تحمل حقيبتها وتعود لمنزل والدها قبل فتح ابواب المدرسة بيومين او ثلاث !
- انا فاشلة ..اعدت السادس الأدبي لسنتين متتاليتين ..ولم ..لم ..
لم يدعها تكمل ... قاطعها بعنف وقهر وهو يتقدم ناحيتها قاطعاً المسافة التي تفصل بينهما بخطوتين واسعتين ... رباه كلماتها كانت تطعنه بقوة وألم لايضاهيه الم .. هو لم يهتم ولم يلتفت او يفكر يوماً بمستواها الدراسي ... ما يهمه هو حبيبة ..حبيبة فقط ... كيف امكن لها ان تفكر به بهذه الطريقة امسك كتفيها وعيناه تومضان بشراسة وصدق
- انا لم ولن اهتم ابداً بمستواك الدراسي اوتحصيلك العلمي ...ثم اخبرتك ووعدتك وعد شرف .. سأسجل لك في الامتحانات القادمة !
ثم اكمل بثقة وصلابة وهو يحدق بوجهها الشاحب
- ستقدمين على الامتحانات ..وستنجحين ... انا اثق بك حبيبة ..انت ذكية وذات ارادة قوية ...قوية جداً جداَ ... افهمت ...افهمت ما اقول !! انت قوية وذكية وستنجحين وتدخلين الجامعة ! ردديها ورائي !! هياا
نظرت له بعينان مشوشتان من الدموع التي ترقرقت بهما ... كم يزداد عشقها لهذا الرجل الماثل امامها ... وكم يمدها اهتمامه وصدقه بالطاقة والثقة .... اساساً نصف ان لم يكن كل ثقتها بنفسها التي تحمها الان كان مصدره زهير ...خاصة بعد ان بين اهتمامه بها مؤخراً ... واحاطها بغيرته العمياء وملاحقته المستمرة ... وهذا ما جعل قوتها وصلابتها تزداد ... اصبحت تشعر انها ملفته ... ومرئية بعد ان كانت شبه منسية .... ابتسمت هامسة
- فهمت يا زهير ...ان شاءلله س..سأنجح وادخل الجامعة !
تنهد وابتعد عنها قائلا بصوت مبحوح وصادق ..كان يستطيع ان يرى التصميم والقوة خلف بحر الدموع المترقرقة بحدقتيها الجميلتان
- والان نعود الى موضوعنا الاصلي والمهم !
مسحت حبيبه دموعها وقالت بسرعة وتعلثم وهي تبتسم له ابتسامة جعلت قلبه يرفرف بسعادة ...بينما شعور الاطمئنان والراحة تسلل الى روحه بسرعة قسوى اخمدت ثورته وغضبة ليتلاشى فوراً
- ارجوك زهير ... افهمني ..افهمني واعطني الفرصة والوقت ...ارجوووك
تنهد قائلا وقد لانت ملامحه واصبحت عيناه العسليتان فاتحتان ومتألقتان... اذن محبوبته الصغيرة تريد الدلال والثقل عليه ...اااه وهو يعشق الدلال والثقل ..اساساً هو يريدها هكذا تتغنج وتتدلل عليه دائماً ... لقد استطاعت ان تمتص غضبه بكلمتين ونظرة قطة آليفة وبريئة
- حسناً ..سأكون متفهماً ...ولطيفاً ..واعطيك الوقت لكن لا تتأخري كثيراً للصبر حدود ... للصبر حدود يا حبيبة على رأي الست ام كلثوم !
قالها بثقة وغرور وكأنه يمن عليها ... تصرفاته تجعلها تود ان تضحك بصوت عالي وبجنون .. اكتفت بأبتسامة صغيرة وخجولة .... ثم غمز لها بوقاحته المعتادة قبل ان يتركها ويدلف الى الداخل بهدوء
مسحت جبينها المتعرق ثم وضعت يدها على قلبها هامسة بخفوت وعشق
- وقح ومغرور لكني احبه !!!
...............................
...............................
البصرة صباحاً
.........
كانوا يجلسون حول المائدة في المطبخ يتناولون الافطار ...نظرت له والدته بصمت ...معاذ متغير منذ مشاجرتهم الاخيرة من اجل تلك الحقيرة الساحرة .... ماذا فعلت به وجعلته يتغير هكذا ! مالذي وجده بها لينكث وعدة ويتزوجها !!!!
كذب ..الأمر ليس محصوراً على ملك ...معاذ ابن بطنها وتعرفه جيداً ...تغيره لم يكن الان بل هو متغير منذ ان التقاها ..شارد .. يبتسم ببلاهة ... عندما تتكلم عنها بتعمد ينتفض ويتضايق ... ولدها يحب تلك المرأة ... تلك المرأة المطلقة المستهترة التي يعلم الله سبب طلاقها ومالذي فعلته بزوجها المسكين !!
التفكير كاد ان يفتك برأسها ... والقلق يعصف بكل ذره في جسدها !!!
صحيح هو يتكلم معها بصورة طبيعية الا انها تشعر بتغيره ... نظراته الداكنة الرافضة لرفضها .. سحبت نفساً عميقاً وبادرت بالكلام قائلة ... ان لم تبادر هي بالكلام فهو لن يتكلم ولو بعد مئة عام ولدها العنيد وتعرفه جيداً
- انت لم تغير رأيك !!!
رفع نظراته الزيتونية واجابها بتسائل
- بماذا امي ؟!
اومأت رأسها وقالت
- بالزواج من تلك المرأة !
اجابها بثبات وصلابة شعرت بها وجعلت الانزعاج والضيق يزحف لقلبها من جديد
- كلا طبعاً !
حدقت به يائسة ... رباه كيف السبيل لأقناعة وهو مصمم على الزواج منها لهذه الدرجة ! هي لم تصدق انه وافق وتنازل عن قراره المجحف الذي اتخذه قبل سنوات ...ان قال الكل عنه عاجز هي لن تصدق ..ولدها سليم ..قلبها يحدثها بهذا ... وهي ان كانت تصدق بأنه سليم ومعافاه كيف السبيل لأقناع المحيطين بهم دون ان يتزوج ....
ان رفضت ستظل التهمة ملتصقة به ...وان وافقت ستجبر على العيش مع تلك الدخيلة المطلقة التي كرهتها قبل ان تراها ... حيرة .. حيرة كبيرة ... ماذا ستفعل ....خاصة وهو يضغط عليها ويذكرها بعجزه !!!
لتكن صريحة مع نفسها وتعترف ان زواجه من تلك المطلقة سيعزز مكانته وهيبته امام الناس كما انه لن يحتاج لأخراج دليل عذريتها كما هو المتعارف عليه هنا ! فمن المعروف ان العذراء ما ان يدخل عليها زوجها ويتم الزواج الفعلي بينهم ... حتى يبدؤون شباب العشيرة بأطلاق الاعيرة النارية فخراً بولدهم !!! فلتفكر بهدوء وعقلانية وتقدم سعادة وهيبة ولدها على ما تكنه في قلبها لتلك المرأة
قالت بهدوء وبرود وهي تحدق بوجهه بعينان ضيقتان
- حسناً انت لم تفكر بالفرق الكبير بين معيشة تلك المرأة ومعيشتنا !!
صحح لها بأنزعاج وضيق
- اسمها رضاب امي ..رضاب ! ثم لا تقلقي لقد فكرت بكل شيء وكل الاحتمالات
تنهدت متجاهلة كلامه ... وقالت بيأس وحيرة ... كانت تدعي وتتضرع داخلها ان تحدث معجزة وتجعله يصرف النظر عن هذا الزواج الغير متكافئ
- لن تتعود وتتأقلم مع عاداتنا وتقاليدنا !
اجابها بأبتسامة صغيرة وكأنه كان يتوقع كلامها هذا ويسخر منه
- التأقلم يأتي من المعاشرة الطيبة والتعود يا اماه ..وانا متأكد من انها ستندمج معنا بسرعة وسترين !
بادرت وقالت بهجومية وحدة ... كانت تحاول ان تجد اي حجة او عثرة تضعها في طريقه ليبث داخله اليائس عله يتراجع عن قراره
- عمك لن يوافق !
ليجبها وكأن الرد موجود ومتهيئ على طرف لسانه
- رأي عمي لن يغير قراري أأوكد لك ذلك ... بالنهاية سأفعل ما اريده ... ثم لا تقلقي بشائنة بل ادعي ان توافق هي اولاً ...
شهقت بقوة واستنكار وهي تضرب صدرها
- نعم ..نعم !!! ولماذا لا توافق يانور عيني !! وهل تطول تلك المطلقة على ان تتزوج شاب مثلك
نظر لها معاذ متجهماً وقال
- لا داعي لهذا الكلام اماه ..رضاب فتاة طيبة وحسنة الخلق يتمناها اي شاب
لوت فمها يميناً ويساراً وهي تقول بسخرية وغيرة
- حسنة الخلق !!! وماذا عرفت عنها لتقول هذا الكلام وتدافع من اجلها بهذه القوة !!!
صمت وانزل نظراته يحدق ويعبث بطبق البيض الممزوج باللحم الذي وضع امامه ... تنهدت وقالت بملل
- نهاية الكلام الان ...متى تنوي السفر لست الحسن والجمال لكي تخطبها !!
قال بأبتسامة صغيرة وهو يحاول ان يهدء من نبضاته التي بدأت تتسارع
- انت موافقة اذن يا ام معاذ !!
رفعت حاجبيها بتهكم
ام معاذ !!! الان اصبحت ام معاذ يا ماكر !!! همستها مفكرة .... كانت تتمنى ان يقطع لسانها بسكين صدأ قبل ان تنطقها لكن ماذا ستفعل وكل الامور انقلبت ضدها ..وهي مضطرة ..مضطرة والله يشهد على ذلك ... ماذا كان سيحصل لو تزوج ابنة خالته !! لماذا حظها عاثر مع ولديها بهذا الشكل !! حتى ولدها المرحوم طه عندما اراد ان يتزوج ايضاً اختار زميلة له في الجامعة لكنها كانت من المحافظة رغم انها كانت متعجرفة ومغرورة الا انها استطاعت أن تسيطر عليها وتتفاهم معها .... لكن المشكلة الحقيقة بمعاذ وزوجته الغريبة هذه !!! خاصة وانها ليست من البصرة ولم تتربى على الحشمة والستر ....
الكل يعرف ان بنات العاصمة و شمال العراق تربيتهم منفتحة قليلا ... حتى ان بعضهن لا يلبسن الحجاب !! وغير ملتزمات به !!!!! حسناً لابأس ... هين ..هين يا رضاب الايام بيننا ! انت من جلبتي الصداع والمشاكل لنفسك اذن تحملي مسؤولية ما أخترتي !
والله سأجعلك تندمين على اليوم الذي سرقتي فيه حفيدتي ثم ابني
اجابته بأبتسامة باردة لم تصل لعينيها
- اجل .. موافقة .. من اجل خاطرك فقط !
تنهد براحة وقد شقت ابتسامة واسعة شفتيه لينحني ويقبل رأسها ثم يديها بالتناوب قائلا بسعادة لا يعرف سببها
- لا حرمني الله منك ابداً يا حنونة !
قالت بنبرة ضجرة ولامبالية
- والان اخبرني متى نويت السفر !
-غداُ ان شاء لله ! سنسافر انا وملك
صفقت ملك التي كانت تتابع مايجري بجهل وفضول لتهتف بسعادة
-هيييييييييي سنسافر لماما هييييي
حدجتها جدتها بنظرة نارية اخرستها في الحال وجعلتها تنكمش على نفسها ... وهي تقول بسرها كل ما يجري من تحت راسك انت يا ام لسانين ..ثم اجابت بعدم رضى
- بهذه السرعة !!
تنحنح قائلا بأرتباك طفيف وهو يفكر بسره هامساً ما بك معاذ !! اهدأ يا رجل وتماسك .. لماذا انت متلهف لهذه الدرجة اثقل قليلا ..ضاعت الهيبة !!
- من اجل ملك امي .. من اجل ملك طبعاً !
اجابته مؤكدة بسخرية واضحة لكنه تجاهلها بماهرة وبمزاجه
- اجل اجل فعلا من اجلك ملك ... وماذا قلت انا !!
هب وقفاً وهو يلتقط مفاتيح سيارته قائلا
- دعواتك اماه
ثم حمل حقيبة ملك الصغيرة
- هيا صغيرتي ..فلنذهب للروضة !!
راقبت خروجه وهي تتمتم ..والله ياولدي لو كان الامر بيدي لدعوت ان لاتتم هذه الزيجة لكن ماذا اقول قدر اخف من قدر ..المهم ان تتزوج وتقص ألسنتهم الحادة ... تتزوج مطلقة افضل من ان يقال عنك عاجز
...........................
.................................
اربيل مساءاً
دلف الى الغرفة وهو يضع منشفة على رقبته ينشف بها شعره المبلل بينما اكتفى بلبس البجاما فقط ... كانت غسق ترتب الملابس في الخزانة .... احست به يقف خلفها ... انفاسه الدافئه داعبت وجنتها قبل ان تقبلها بهدوء ... غلفتها واحاطت بها حرارة جسده الساخنة على الدوام ... همس بخفوت قائلا
- امممم شهية ومثيرة
قهقت بخفة واغلقت الخزانه ثم استدارات لتواجهه وهي تبتسم بنعومة كبل خصرها واخذ يحدق بها بجوع وشراهة ... بكل مرة ينظر اليها يشعر وكأنه يكتشف شيئاً جديداً ... الان انتبه على وجود شامة صغيرة جداً تكاد لاترى .. تقع قريبا من شفتها العليا ... انحنى ليقبل طرف انفها ... ثم اغمض عينيه واسند جبينه على جبينها ...يستنشق انفاسها بوله ...
اللحظة التي احاطت بهما كانت سحرية .. الزمن توقف حولهما .... تلاشى كل فكرة او منطق داخل عقلها ... كان كل ما فكرت به غسق هو دفئ وانفاس زوجها الذي وقف ملاصقاً بها .... المشاعر الساخنة المتدفقة كانت تنمو بكل تقارب حميمي بينهما ... كانت تنمو بصورة سريعة وقوية وحااارة جداً ... غرس اصابعه بشعرها ثم امال رأسها لينظر لزرقة عينيها الصافية ... اظلم وجهه وبدت الرغبة المتصاعدة المكثفة التي تركزت بعمق عيناه الداكنتان واضحة جداً ...
نظراته كانت تتسارع على تقاطيع وجهها بلهفة ... عيناها .. انفها .. لتتركز على شفتيها المنفرجة ... احنى رأسه واطبق عليهما ..يتذوقهما بشراهة وقوة شديدة وكأنه يريد اشباع الجوع الذي شعر به في تلك الساعات القليلة ... كانت ذراعاه تحتضن خصرها بقوة ..يقربها من جسده اكثر ..يطالبها ان تتجاوب معه ... وهي في الحقيقة لم تكن بحاجة لحافز اوتشجيع لتتجاوب معه ... طوقت رقبته وبادلته بحرارة تنافس حرارته ... ابتعد عنها قليلا ثم همس ووجهه لايبتعد عن وجهها الا انشات صغيرة لاتكاد تعد
- الم اقل لك ...شهية ..شهييييييية
رفعت كتفها الايسر بدلال ومررت اصابعها على صدره الاسمر بأغراء تعلمته منه هو ... سحبها قليلا لتقف امام المرآة الكبيرة ...تلاقت نظراتهما بصمت ولعدة ثوان اسند ذقنه على كتفها واحتضن خصرها قائلا بأبتسامة صغيرة وملتوية
- أتساءل دائماً .. كيف ستكون طفلتي المستقبلية ان شاءلله !! احاول ان اتخيلها بشعرها الذهبي الذي انعكست على خصلاته شمس كردستان الدافئة ... تركض بصخب وضحكات رنانة بين التلال وبساتين التفاح والعنب وهي حافية القدمين بملابس ملطخة بالطين المخلوط بمياه نهر دجلة !!!
تنفس بعمق مستمتعاً ومتلذذاً بعطرها الأنثوي الناعم ليكمل بهمس بعد ان طبع قبلة على رقبتها
- الشيء المتأكد منه انها ستمتلك لساناً طويلا كوالدتها تماماً
همست بتذمر وغنج
- انا لست طويلة اللسان وليد !
رفع حاجبيه وقال بمكر
- اهااا اولست كذلك فعلا !!!
استدارت ناحيته وهي لاتزال مكبلة بذراعيه العضليتان لتجيب
- اممممم ربما قليلا ..لا اذكر ..لكن انت السبب !
هتف وهو يرجع رأسه الى الوراء يدعي الاستنكار
- اناا !!!!
اومأت لتجيبه وهي ترسم دوائر وهمية على صدره الواسع
- اجل انت ... كنت مستبداً ومتغطرس وووو..وو
توقفت لتقطب وكأنها تذكرت شيئاً مهما رفعت نظراتها المعاتبة وهي تمد شفتيها بطفوليه ..لتقول
- لقد صفعتني !!! اتذكر !!! اتذكر كيف صفعتني !!
رفع يده واخذ يداعب وجنتها قائلا بجدية و ألم انعكس بلمعة عيناه
- ليت يدي قطعت قبل ان امدها عليك غسق
قاطعته مسرعة وهي تجيبه بصدق
- بعيد الشر عنك وليد .. حسناً ... في الحقيقة ... انا اعترف .. لقد استحقيتها بالفعل !
حكت شعرها قائلة بشقاوة
- كيف جننت ووافقت على رزكار !!!!
قطب واظلمت ملامحه قائلا بشراسة وغيرة ... كلما تذكر تلك الفترة يصيبه الانقباض والكآبة .... يا الهي لقد كاد ان ..ان يفقدها للأبد بسبب ذلك الغبي المعتوه ووالدته المجنونة
- لا تذكري اسم ذلك الوغد الاهبل ! تباً !! كدت ان اجن وانا اتخيلك !!!! ربااااااااااه لا تذكريني غسق .. فقط لا تذكريني
اتسعت ابتسامتها المتلذذة بغيرته لتجيبه قائلة بحب
- كان طيب القلب ..
ازدادت تقطيبته الغاضبة واحتدت نظراته اكثر ...بدى وكأنه طفل كبير غاضب ومتذمر ... لتكمل بسرعة وهي تحاول امتصاص غيرته وغضبه
- لكنك ستكون سعيداً يا حبيبي عندما تعرف بأني لم اكن له اية مشاعر ابداً ...... هل يرضيك هذا !!
لانت ملاحه واسترخى جسده المتشنج .... قبلها على شفتيها قائلا
- حسنا هذا يرضيني قليلا ... لكني لازلت غاضب يجب ان تصالحيني !
ابعدت يديه عن خصرها ثم توجهت الى السرير لتنحني وتلتقط ثوبها البيتي قائلة
- حسنا وليد سأفكر بمصالحتك بعد ان أأخذ حماماً سريعاً
اجابها بمكر وخبث
- صالحيني وارتدي قميص النوم الاحمر !
التفت له ضاحكة وهي تقول بتذمر
- الاحمر !! الم تمل منه ابداً !!
هز رأسه واتجه الى السرير ..ليرمي جسده المنهك عليه قائلا بتعب
- ابداً يا غسقي .....
ليكمل متنهداً بعمق وهو يستلقي الى جانبه ينظر لها بحنان
- غداً ان شاءلله يجب ان اباشر العمل في المزرعة لقد تركتها بما فيه الكفاية ! وانت ايضاً حبيبتي يجب ان تذهبِ الى الجامعة منذ بداية الاسبوع القادم
فهما بعد عوتهما ظلا يومين اخرين في المنزل كان وليد قد قرر المباشرة في عمله في بداية الاسبوع الجديد .... اومأت وهي تهمس بكلمات موافقه قبل ان تحمل ثوبها متوجه الى الباب لكنها توقفت فجأة ... لقد تذكرت الان شيئاً مهماً ..شيء لم يكن يخطر ببالها قبلا ....
سألت بشك
- هل يوجد عنصر نسائي ... اقصد موظفات في المزرعة !!
اجابها وهو يمسك هاتفه يقلب به بلامبالاة
- اممم يوجد مهندسة زراعية عينتها قبل فترة قصيرة
تغيرت ملامحها واخذت تنظر له ببرود ... اجراس الانذار بدأت تدوي داخل رأسها ... ليس لانها لاتثق بوليد كلا ..بل بسبب تلك المرأة ...من يدري ..ربما تحاول التقرب منه !
وكأن النار المتصاعدة داخل قلبها تحتاج الى صب المزيد من الزيت لتتأجج اكثر واكثر مما هي عليه ... في الجامعة شاهدت وعاصرت بنفسها كيف يتم الزحف المذل الجريء ... الذي يقمن به بعض الفتيات اللاتي لا يهمهن لا حياء ولا دين ولا عادات ... يلتصقن بالشباب ويلاحقوهم بوقاحة ودون كرامة !
عندما طال صمتها وهي واقفه وسط الغرفة تحدق به بغرابة ....نظر لها متسائلا ببرائة تامة
- مابك حبيبتي !!
هزت رأسها بأبتسامة شريرة وباردة تشبه ابتسامة ريا وسكينة تماماً .. قبل ان تقوما بالقضاء على ضحيتهم التالية
- لاشيء ..فقط كنت افكر ..هل هي جميلة ..متزوجة ... مخطوبة ؟!
رفع حاجبيه قائلا وقد لاحظ نظرات الغيرة الحارقة التي التمعت بعينيها
- لم انتبه الحقيقة ... ثم ما شاني بكل هذا حبي !!
قضمت شفتها ثم حدجته بنظرة ضيقة قبل ان تخرج من الغرفة .... ارجع وليد رأسه على الوسادة هامساً بعدم تصديق وهو يحدق في السقف
- رباااه هل تشعر بالغيرة ولم يمضي على زواجنا اكثر من عشرة ايام !!!
.................
............................
وقف امام المرأة يعدل ياقة قميصه الرمادي وهو يشعر بالحماس والسعادة التي استغربها هو شخصياً فقد استيقظ مع اول شعاع للشمس ... استعد وحضر حقيبة السفر بعد ان صلى الفجر ... ودعته والدته بوجه عابس ومتجهم ... بينما ملك تكاد تطير من السعادة ..حبيبة عمها قلبها يشعر بانه هو الاخر سعيد ومتحمس للذهاب ومنذ ليلة امس ... لم يتعب نفسه بالتفكير بموقف عمه ان وافق ام لا ... ففي كلا الحالتين اتخذ قراره ........ سيتزوجها وانتهى ... هو ليس مراهق صغير السن ولا شاب طائش لا يعرف كيف يتصرف لكي ينتظر الاذن والسماح من عمه ...كل انسان حر ...يعيش كما يريد ويتخذ قراراته كيفما يشاء مادام يحترم ما له وما عليه ... و مسألة زواجه لن تضر عمه بشيء ... بل بالعكس ربما يرتاح ويكف هو واولاده عن بث سمومهم ورميهم الكلام المبطن كلما راؤه ...

الان كل ما يهمه هو موافقة وليد ... والاهم من ذلك هو موافقتها هي ... رضاب .... تلك الفراشة الناعمة ... تنهد بعمق وهو يهمس بتمني ... هل ستكون فعلا زوجتي وتشاركني حياتي في البصرة !! تعيش معي بنفس المنزل !! اراها كل يوم امامي ... افتح عيني صباحاً واصطبح بوجهها البريء واغلق عيناي ليلا وهي تنام على ذراعي !!!
هز رأسه بأبتسامة صغيرة وهو يقول بصوت عالٍ ..مابك معاذ !!! ماهذه الافكار الغريبة التي بدأت تراودك !!!
ام ربما هي بسبب ما قاله حيدر ! بركاتك يا سيد حيدر ! قالها وهو يتذكر كلماته المتفكهة عندما اخبره عن نيه بالذهاب لخطبتها ...
- اخيراً اقتنعت ..ولو اني كنت متأكد من انها ستكون من نصيبك ! انت تحبها وغارق بحبها
ليجيبه معاذ وهو يتحاشى النظر ناحيته يحاول كتم حماسه بقوة واضحة
- اصمت يا حيدر وابتلع لسانك ...سأتزوجها من اجل ملك ..فقط ملك !
ليجيبه مبسما بتسلية وكأنه لم يسمع تقريع وتوبيخ معاذ له
- المهم انك ستتزوج ..ااه كم اتمنى ان ارى تلك الرضاب ..ترى كيف هو شكلها ...كيف استطاعت ان توقع هذا الاسد العنيد !
نظر له معاذ وهو يرفع حاجبيه ببرود بينما مشاعر الغيرة بدأت تنمو بصدره ...لا احد مسموح له ان يرى او يتحدث معها الا هو ..هو فقط ..ليكمل حيدر قائلا بشقاوة
- والله تستحق كتاب شكر وهدية !! عندما تأتي الى البصرة سأحضر لها هدية معتبرة !!
ثم اخذ يقهقه بقوة مستمتعاً برؤية معاذ وهو ينظر له بحدة وغضب وغيرة واضحة جدا جداً .... اخرجه من شروده صوت ملك .... تقول بسعادة وطفولية وهي تنظر و تمسد طيات فستانها الأزرق الجديد
- فستاني جميل عمو سيعجب ماما اليس كذلك ؟!
التفت ناحيتها ثم انحنى ليحملها بخفة ... اوقفها على الكرسي قائلا وقد بدأ بتمشيط شعرها الناعم
- بالتأكيد سيعجبها !
صمتت قليلا وقالت بعد تفكير قصير دام لثوانِ
- هل حقاً سنأخذ ماما معنا للمنزل !
تنهد بشرود فهو قد اخبرها في طريق السفر الى اربيل بأنه سوف يجعل والدتها رضاب تأتي لتعيش معهم في البصرة والى الابد ..... كان لايزال يمشط شعرها عندما أجابها قائلا
- ادعي ان توافق يا ملك ... ادعي وقولي يااارب
هتفت ملك بحماس طفولي وعيناها تلمعان بسعادة
-يارب ... اجعل ماما توافق على الذهاب معنا .....يارب
....................
..............................

نهاية الفصل الثامن والعشرين

رماد الغسقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن