كانت بطلتنا حياة في غرفة نومها بالطابق الثاني،وهي منهمكة بالإستعداد للإمتحان محاطة بالكتب،والمراجع والأوراق،والأقلام عندما جأتها البتول مسرعة،لإعلامها بأن أباها منتظرا إياها على الخط يود محادثتها هاتفيا فإنتفضت من مكانها واقفة،وهي تضم إليها الكتاب الذي كانت تقرأ فيه، وتحركت ناحيتها بسرعة،لتتأبط ذراعها وهي تبتسم لها بعذوبة، ورقة،وتغادران معا الغرفة،وفي طريقهما إلى حيث كان جهاز الهاتف موضوعا بإحدى زوايا الردهة المؤثتة، وفي منتصف الطريق إليه تركتها البتول فجأة معتذرة منها بلباقة بعدما سمعت صوت الخادمة رقية،وهي تناديها، ولكي تنهي العمل المتراكم الذي كان في إنتظارهابالمطبخ،وأماحياة،فتابعت سيرها نحو وجهتها،وفجأة لفت إنتباهها الأصوات التي كانت قادمة من غرفة الإستقبال المصغرة،والتي كانت مطلة على الردهة،فتعرفت على بعضها فورا،ولحظتها تملكها إحساس مبهم تجهله،ولم تستطع تحديد ماهيته،أوحتى تفسيره،فحاولت بجهد مضاعف كبته، وهي تمد يدها لتلتقط السماعة التي كانت موضوعة جانبا، ورفعتها لتضعها على أذنها، ومن خلالها أتاها صوت أبيها الذي كان لها نعم الأب المحب، الحنون الذي تهيم به عشقا، متسائلا،إن هي معه على الخط،فأجابته بإيجاب على الفور،وحيته بحب،وشوق إليه،وخلال محادثتهما.وبغتة كانت قد شعرت بإقتراب أحدهم منها،فتوجست خيفة وإستدارت بخفة نصف إستدارة، وهي مكانها، فإذا بها تتفاجأ برؤية سعد يتقدم ناحيتها، وليقف على مقربة منها مبتسما لها بحب،و يومئ لها بإشارات من تعابير وجهه، ويديه متسائلا بصمت،وفضول عن هوية ذاك الشخص الذي كان يتصل هاتفيا،وكانت هي تتحدث معه،وكان أول مافعلته قبل ان ترد عن سؤاله.ردت له إبتسامته بالإبتسامة الآسرة خاصتها هي،والتي تخطف الأنفاس وتفيض رقة، وعذوبة، وقد غطت طرف سماعة الهاتف بيديها رافعة عيناها ناحيته ناظرة إليه مباشرة وهي تحرك شفيتها بدون ان تنطق بأي حرف مجيبة إياه بأن الشخص الذي يسأل عنه هو والدها وهنا أشار لها بأن تبلغه بتحيته،فأحنت له رأسها بإذعان،وسارعت لتنفذ الذي طلبه منها، وماهي إلا بضع ثوان حتى رأها
تتنحى جانبا تاركة له مكانها،وهي مادة سماعة الهاتف بإتجاهه قائلة له بالطريقة نفسها بأن هذا الأخير يود محادثته ببعض الأمور،فأخذها منها بعدما تقدم نحوها وهو يبتسم لها شاكرا ممتنا،ولم ينتبها للنظرات الحارقة الموجهة لهما، والمتبثة عليهما معا....والتي كانت مبهمة و متباينة،منها من تحمل حبا،لا بل عشقا جارفا،والأخرى فيها كره،وغضب،وحقد،وتوعد، ولؤم، وغدر، ومنها فيها فيهاغيرة إستعرت نارها،وبقوة،وأخرى فيها تمني،ورغبة ومنها نظرات عاشقة ولهى،وأخرى تحمل في طياتها مشاعر مختلفة،و متداخلة فيما بينها،ولكن ماكان خفيا يعتمل في الصدور كان الله هو وحده يعلم به.....
وفي هاته الأثناء تحديدا كانت تحاك المؤمرات لإبعاد حياة،والتخطيط للخلاص منهابأي شكل،مهما كلف ذلك وفي هذه اللحظة،وبغتة إنتفض فؤاد سريعا،تاركا مكانه ليتحرك متجها نحوهما،وكله فضول لمعرفة الذي يصير وهو يكبت إحساسا جارفا بالغيرة، والذي كان قد تمكن منه، وسيطر عليه،ولكنه إستطاع،وبنجاح إخفائه، وكأن شيء لم يكن،فهو كان رافضا تماما،وبشكل قاطع كشف نفسه، وضعفه أمام أي كان،و يراوده الشك بأن شقيقه سعد يحمل مشاعر خاصة جدا لصغيرته الفاتنة حياة التي يعتبرها ملكيته الخاصة بالنسبة له......
ولكن ماكان يجهله،هو أن هاته الأخيرة إنتابها إحساس بخوف شديد منه،وهي تراه آتيا بإتجاههما، ولحظتها حاولت تمالك نفسها،وكبت خوفها منه،والسيطرة على مشاعرها المضطربة، متجاهلة إياه تماما، وهي تتراجع مرتدة إلى الوراء،لتقف خلف سعد الذي كان موليا لهما ظهره،فقد كان منشغلا بحديثه الهاتفي مع أبيها السيد نجيب الذي كان يريد من خلاله الإطمئنان عن صغيرته فهو كان قلقا جدا عليها،فمنذ رؤيته لذاك الكابوس الذي أخافه، وأرق مضجعه، والذي تكرر معه لأكثر من مرة محتمية به من نظرات ذاك المدعو فؤاد، والتي بدت لها غامضة جدا،ولاتفسر إطلاقا،ومن كلامه الذي كان مبطنا بالتهديد والوعيد كعادته متسائلا:
-ماالخطب حياة؟!!!...........هل لك ان تخبريني عن الذي يحصل معكما؟!!!!.......
لاذت حياة بصمتها رافضة التكلم معه،لأنها لم ترغب في إجابته أصلا،فإستغرب تصرفها دهشا متعجبا،وهو يعاود سؤالها مرة إخرى،وقد لاحظ إصرارها على موقفها الذي إستفزه، وبشدة، ولكنه حاول التغاضي عن ذلك،و يتابع بإلحاح قائلا:
-مابك صامتة؟!!ألن تجيبي عن سؤالي؟!!!.......فأنا أريد أن أعرف الذي يجري هنا؟!!!!.....
- وماالذي يجري؟!!!! وأنا لا أعلمه.....؟!!
- أنا من يسأل؟!!!!ولست أنت.......
- وانا سبق،وأجبتك بأنه مامن شيء.......؟!!
-بلى!ثمة شيء، ويجب أن أعرفه،وأتمنى أن تجيبينني وبصراحة......
-وأنا لا أملك إجابة،لأخبرك بها........!
وهنا رفع دهشا بصره نحوها ليواجه عيناها المحدقتان به،وإبتسم ساخرا،وهو يقترب منها بضع خطوات ليقول
لها هامسا:
- تعرفين بأنك ستجيبينني، وستخبريني بالتفصيل عن الذي يصير معكما .......
- تعرف.......فأنا لا إجابة لدي......
-ليس هذا ما أريد سماعه........تعرفين هذا؟!
-ما أعرفه ،وهو أنك سألتني سؤالا،وأنا أجبتك.......... وإنتهى!
-كلا،لم،ولن ينتهي............إلى أن اعرف منك الذي يجري ولهذا أنا مصر على موقفي......ومازلت منتظرا......
- والواضح بأنك ستظل كذلك....فأنا ليس لدي ما أخبرك به الأن،أوفيما بعد....
- كفاك سخافا،ومراوغة،وأجيبني، الأن........
- عدنا من حيث بدأنا........ولن ننتهي......
- يجب أن تعرفي.......... بأننا لم نبدأ حتى ننتهي، وكما سبق،وقلت لك بأنني مازلت أنتظر عن إجابة عن سؤالي
الذي طرحته عليك.......
- وانا لا أملكها،ولكنك ترفض تصديقه.......وتستوعب.....
- وماالذي سأصدقه؟!!!وأستوعب ماذا؟!!!!!!
وقال فؤاد ماقاله، وهو يتقدم منها أكثر، وهو يمد يده ناحيتها في محاولة منه لشد ذراعها، بينما هي تتحاشه مبتعدة، إلا أنها لم تنجح لأنه كان قد وصل إليها، فراح يشده بإنفعال واضح قائلا:
-أنا لن أكذب إحساسي،وماراته عيناي........وأنا اعلم بل
ومتأكد من أنه ثمة شيء،وسأعرفه بطريقتي،وعندها....
وفي هاته اللحظة.إستدار سعد فجأة، وهو يعيد وضع سماعة الهاتف مكانها،فإذا به يتفاجأ بشقيقه فؤاد واقفا
على مقربة منه،وهو ينظر إلى حياة،وهنا شعر بأن خطبا ما يصير بينهما،وخاصة عندما وجه بصره نحو الأخيرة التي بدت له بأنها لم تكن على طبيعتها،وثمة ما يزعجها فهو يعرفها بجميع حالاتها،فراح يحدق بهما هما الإثنين، بتساؤل صامت دهشا، ومستغربا،وهنا سمع صوته، وهو يقول متسائلا بغموض:
-ماالخطب ياسعد؟!!ماذا هنالك ؟!!واضح أنه قد حصل شيء؟!!!
-مامن خطب فؤاد!.......فلتطمن ،لم يحصل شيء.......
وأما أيوب،فإنتابه شعور بأنها بحاجة له،ولحمايته.لها......
وأما خالهما ذاك الهرم المراهق المتصابي، فكل ماكان يحلم به، ويشغله، ويشغل تفكيره، وهو كيفية حصوله على تلك الصغيرة الفاتنة،ومواجهة،وتدمير من تسول له نفسه مجرد التفكير في أخذها منه،فهي صارت خط أحمر وممنوع الإقتراب منها .........
وأما السيدة سعاد زوجة أبيها،وإبنتها منى،وصديقة هذه الأخيرة ماريا،فكن تغلين كرها، وحقدا،وغيرة،بعدما تنبهن لنظرات الرجال الجالسين معهن لحياة، وإهتمامهم بها،فكن تتمنين الإنقضاض عليها،وتمزيقها إربا، إربا..... وفي هاته اللحظة.كانت حياة قد إرتدت بضع خطوات للخلف بسرعة، وهمت بالتحرك للعودة سريعا إلى غرفة نومها بعد محادثتها المختصرة جدا مع سعد أمام أنظار الكل،و خاصة أيوب الذي لم يستسيغ ما كان يصير،واما فؤاد فقد بدا متذمرا، وعصبيا جدا،فقد أزعجه تجاهلها التام له.وكانت تتجاذبه مشاعر،وإنفعالات متباينة،حاول كبتها بجهد مضاعف، ولحظتها تلقت حياة منهم دعوة للجلوس معهم،وتشاركتهم الحديث الذي كان دائرا بينهم إلا أنها رفضت بأدب،ولباقة،وبإبتسامة آسرة،و تنسحب متحججة بإستعدادها للإمتحان بعدما لفت إنتباهها بأن وجودها بينهم كان غير مرغوب فيه،وهذا ماكان فعلا....🌺يتبع🌺
أنت تقرأ
غدر
Storie d'amore💞من المعروف لكل منا طباعه وأحلامه،وطموحاته وإفكاره،ومن خلال فصول هاته الرواية المستوحاة من واقعنا المعاش ،سنعيش مع أبطالها تفاصيل أحداثها 💞