البارت الثالث (ج2)

50 3 0
                                    


البارت الثالث الجزء الثاني


وقفت هبة امام السكريرة الحسناء امامها ،وهي تردد كلمات جوفاء ،كانت تردد قائلة "عليك ان لا تطيلي المكوث عند السيد رشيد ،ولولا انك ابنة وكيله السابق لما قابلك لديه مواعيد كثيرة " رفعت بصرها عن الاوراق امامها واضافت "فحسبما فهمت انت هنا لاستشارته ليس الا " عادت للاوراق امامها وتابعت "انه عادة لا يعطي استشارات قانونية ،لكن لما ذكرت اسمك عدل عن رايه و..." قاطعتها هبة بصبر "انك من تطيلين الامر بلا فائدة لو انك تركتني ادخل لكنت الان مغادرة "وقفت السكرتيرة بانزعاج وقالت "على الاقل عليك ان تكوني شاكرة " فكرت هبة ان هذه المراة من النوع الذي يحب ان يمن بفضله ،لذلك قالت "الفضل لاسم والدي اليس كذلك " بامتعاض دخلت السكرتيرة الى المحامي ،وعادت اليها وقالت "ادخلي " اسرعت هبة بالدخول لترى امامها رجلا خالط شعره الشيب مع تجاعيد كثيرة ونظرة ثاقبة ،كانت تحفظ للمحامي وجها شابا اكثر وابتسامة متالقة ،وقفت عند مكتبه وقالت " شكرا لك لانك وافقت على مقابلتي ،لن اخذ من وقتك الكثير " ،ابتسم المحامي ابتسامة هادئة وقال "انها وردة اليس كذلك ؟" ردت "عفوا" قال "اجلسي " جلست هبة بينما تابع المحامي "ان سكرتيرتي وردة تحب الثرثرة كثيرا لابد انها اسمعتك من احدى محاضراتها المملة" ابتسمت هبة وقالت " الحقيقة لم اكره يوما المحاضرات " قال وابتسامته تتالق كانه ليس الرجل الذي كان قبل ثواني "ارى ذلك ،كما انك تصغين جيدا " ابتسمت هبة ،ونظرت لهذا الرجل الذي عاركته الحياة ومشاكل الناس واخذت منه الكثير من حيويته ،وضع يديه على المكتب وعقدهما وقال وهو يعقد حاجبيه "اذن اتوقع ان ما جلبك الي اليوم هو مشكلة ما ،انا هنا لا استقبل الناس الا لهذا السبب "،تنهدت هبة بتعب وقالت "اجل ،للاسف " رد "انا اصغي " ضغط على زر فجاءت السكرتيرة سريعا ،قال لها "احضري كاس عصير برتقال "،بدون ان ترد غادرت وردة ،بعددقائق عادت بكاس عصير ،وضعته على المكتب وغادرت ،نظرت هبة اليها بدهشة ،فكرت هل هذا ضمن مهام السكرتيرات ،عادت لواقعها عندما قال لها المحامي " انه عصير طبيعي سينعشك " اومات هبة وارتشفت منه وقالت "اختي تريد بيع المنزل هي وعمي " ،ركز المحامي تظرته على هبة وقال "عمك ما كان اسمه " ردت "الياس " وقف المحامي وقصد خزانة وقال "انا عادة اترك كل وثائق موكلي للحالات الطارئة " اخرج ملفا من خزانته بعد بحث ، والتفت لهبة وابتسم "فنحن لن نعلم ما سيحصل غدا " عاد لمكتبه وجلس وقال بينما هبة تشرب من العصير بهدوء مصطنع ،قال المحامي وهو بفتح الملف " منزل والدك قانونيا ملك اختك " كقنبلة جاءها الامر ،سقط الكاس من يدها على الارض وتحطم ،قال وهو يتابع بدقة الملف متجاهلا الكاس الساقط ارضا " والدك كان قد كتبه باسم اختك الكبرى " سالته "انت تمزح اليس كذلك ؟" لم يرفع راسه محاولا تجاهل ارتجاف صوتها وقال " سالته حينها لما يفعل هذا " سالت هبة بسرعة "ماذا قال ؟" رفع راسه ونظرة عطف على عينيه " قال لي هذا ما يجب فعله " انتابت هبة موجه سعال ،بعد ان هدات قالت " لماذا ؟" ،منحها المحامي رشيد منديلا ورقيا وقال "هذا امر لا اعرفه ،ربما يتعلق بعائلتك " اخذت هبة المنديل وقالت "افترض الان ان مجيئي صار بلا فائدة فلا حق لي بالمنزل " قال لها "متاسف ،لكن ثقي ان والدك كان انسانا عادلا ،ان في الامر سرا ما " مسحت دموعها الساقطة على وجهها وقالت "لو لم ترغب اختي بيع المنزل ما كنت لاعرف اني اعيش في منزل اختي " رد "حسنا ،ماذا ستفعلين الان ؟" ردت "اسفة لقد لوثت الارض " رد وهو يبتسم "صغيرتي ،لا تهتمي بشيء كهذا ،هل ستكونين بخير " تذكرت وهي تنظر الي المحامي لقطات من حياتها عندما كان ياتي لزيارة والدها كان دوما يمنحها قبلة على راسها وحلوى ،قالت " ارجوك اشعر انك تعرف امرا " رد "لا ...كل ما اعرفه لا يتعدي عملي مع والدك وهو ما اخبرتك به " وقفت هبة مسحت انفها وقالت "شكرا جزيلا ،لن انسى ما حييت ما قدمته لي " وقف وقال "اذا ما احتجت الى اي شيء تعرفين اين تجديني ولا تلقي بالا لوردة " اومات براسها وانسحبت بالم ،وقفت وردة امام باب المكتب ،قال لها "تعالي نظفي الارض " سالت وردة "سيدي لقد خرجت منهارة " رد "فليكن الله في عونها ،ان استمرت في التساؤل ،فان ما رايته لن يكون الا البداية " ،وعاد الى الملف يقراه ،نظفت وردة الارض وغادرت المكتب .

لم تعرف كيف وصلت هبة لمنزل والدها ،استطاعت ان تكبح دموعها ،رغم احمرارهم ،كانت شاكرة اصابتها بالزكام،في هروب سريع من لقاء اختها قصدت غرفتها ،وضبت حقائبها وضعت فيها كل ما تملك ،عندما جهزتها ،خرجت لاختها في المطبخ ،هبة التى كانت طوال الطريق تفكر لما قد يفعل والدها امرا منافيا للعدالة هكذا ،وصلت لنتيجة واحدة ،انها ربما لا تملك حقا في هذا المنزل ،وصلت لنتيجة مؤلمة وغير مطمئنة ،انها لم تكن تنتمي لهذا المنزل او هذه العائلة ،كان هذا هو التفسير الوحيد الذي تمخض به عقلها ،لكنها كانت بحاجة لدليل ،عندها فكرت هبة ،انها لن تعود لهذا المكان مجددا ،وقفت امام اماني وقالت "اختي " التفتت اماني الى هبة بينما تحرك الحساء في القدر ،رات احمرار عينيها سالتها "هل انت بخير ؟" ردت "انه الزكام فقط " سارت هبة اخذت كاس ماء وتجرعته كله مرة واحدة وقالت "ساغادرالمنزل " سالت اماني بدهشة " ماذا ؟ " ردت "لدي مهمة خارج البلاد ربما قد تتعدي ثلاث شهور " سالت اماني "هل هذا معقول ؟ "ردت "اجل بكل تاكيد ،نحن ليس لدينا الحق في رفض المهام " سالت اماني "لما لم يكلف احد غيرك " ردت "لان الجميع كلف بمهام اخرى " التفتت لاختها واضافت "ان اردت بيع المنزل ،اترك لك حرية التصرف " ازدادت حيرة اماني وقلقها ،بينما تابعت هبة " لكن فقط ان اشتريت بيتا اتركي العنوان في مكتب عملي " قالت اماني "ما تقولينه جنون " ردت هبة "اجل هذا كله جنون لكنه الواقع بشكل ما " سالتها اماني "لكن اين ستسافرين ؟" ردت هبة " حجزت تذكرة الطائرة ،المهمة سرية لا يمكنني الكلام " ،تركتها من دون ان تودع الصغيرين ،كانت تعلم ان هذا سيؤذيها وسيصعب عليها وداعهم والرحيل ،وقفت خارج المنزل والتفت الى منزل والديها ،المنزل الذي كان فخرها وامانها ،ابتسمت سامحة بالدموع بالانهمار ،قالت "ساعرف ما كان خافيا عني ،لدي شعور اني لن اعود اليك " ودارت وسارت للمحطة وهي تحمل حقيبها الثقيلة وتبدل يدا بيد ،صادفت المشرد ذاته ، كان واقفا امام المزبلة يعبث بقدمه بكيس في الارض ،تجاهلته وتابعت سيرها وهي تميل بجسدها من ثقل الحقيبة ، عندما مرت قربه ،قال لها " لا تبكي ،كل ما سلب منك سيعود بطريقة ما " نظرت اليه بحيرة ،ابتسم الرجل لنظرتها وقال " لا تساليني كيف ،للحياة اساليبها" تسمرت امام نظراته ،ولاول مرة تشعر هبة ان هذا المشرد ليس مجنونا ابدا ،نظرت الى قدميه كانت احداهما حافية ،اما سرواله فكان رثا متسخا ،قميصه كان ممزقا ،بل كان اقرب الى قماش ردئ ملفوف عليه بفوضوية ،لكن نظراته ،ابتسامته ، كلماته ،بدا غريبا كليا ، وضعت الحقيبة ارضا اخذت نفسا لترتاح ومدت يدها الى جيبها اخرجت اوراق مالية وقالت "ان كنت بهذه الحكمة ،فعلى الاقل اشتري ثيابا تليق بحكمتك " ،ابتسم مجددا وقال " قلت لك المال سيد من يعبده " ردت "انك تتذكرني " ردت " لا يسعني ان انسى ،لا اريد ولا استطيع " لم تفهم ماقاله ،لكن لما لم ياخذ المال تركته وتابعت طريقها وهي تتمايل مع حقيبتها ،ما اخذ منها سيعود اليها ، بهذه الكلمات اردات ان تتمسك وان تؤمن وتنتظر تقلبات الايام معها .....

وقفت امام باب شقة اياد ،دقت الجرس ،بينما كانت تبحث عن المفتاح فتح اياد الباب ،ابتسم وقال "دققت الجرس ثم بحثت عن المفتاح ،تفكير غير متوقع منك " ردت بانزعاج " فكرت في احتمال ان تكون هنا في انتظار التقرير " ابتعد عن الباب سامحا لها بالدخول ،اقفل الباب وقال "ان كنت بهذا الذكاء فلما لم تضعي الجهاز ، كنت وفرت علي حضوري الى هنا " ،وقفت في الصالة ووضعت حقيبتها هناك وقالت "كنت بحاجة لاصغي الى نفسي " نظر الى الحقيبة الكبيرة التى واجهت هبة بكل تاكيد صعوبة في ايصالها الى هنا وقال " من نظرتي اليك ،ارى انك حملت المنزل معك في تلك الحقيبة " ردت وهي تجلس لترتاح "احضرت كل ثيابي واشيائي " رد وهو يحاول حمل الحقيبة ،"قلت لك ان ثيابك الحالية لا تنفع " وتابع "هل حملت هذه الحقيبة بمفردك الى هنا؟" ردت " هل تمزح ؟" احتار من قوة تحملها ،وسار الى النافذة وقال "لما احضرت كل تلك الثياب ؟" ،كان اياد وبعد مقابلته الجافة لاماني ادرك الفوارق بين هبة واختها ،لكنه لم يتوقع ان تترك هبة المنزل ،وهذا ما استنتجه ،قالت وهي تحرك يدها بملل " ثلاث شهور مدة طويلة الا تعتقد ذلك ؟" التفت واضعا يديه في جيبي سراوله وقطب حاجبيه وقال "كيف كان يومك ؟" ردت "ممل ..بدات العمل لكن اليوم لم اقم بعمل فعلي " قال "ماذا توقعت اليوم تسلمت المنصب ،كيف كان السيد سرار ؟" ردت "انسان ذكي ولا يضيع الوقت ابدا ،قال لي بالحرف انه لا يترك موضفيه الا الى القبر " رد " متوقع " تابعت هبة "جاءتني ابنته ،امها ارسلتها للتقصي حولي انها غيورة " رد اياد "النساء " سكتت هبة فسالها "اصدقيني الم يعلق احد على مظهرك ؟" تنهدت كانت تامل ان لا يفتح هذا الموضوع ،فقالت " كان ما قلته صحيح لم يعجب احد بمظهري خاصة الرئيس " رد اياد "اخبرتك ،لكنك عنيدة " سكت وسكتت هي ولف سكون بارد الشقة ، ارتبكت هبة وانتظرت مغادرته ،لترتاح ،لكنه وبنظرات باردة كالصقيع سال اياد هبة "وماذا ستفعلين بعد نهاية المهمة ؟" سالته بدهشة "ماذا تقصد ؟" رد " لاتحاولي اقناعي ان هذه الحقيبة هي سفر مؤقت ،يبدو واضحا انك تركت منزلك بلا رجعة " تسمرت امام استنتاجه الدقيق ولم تقل شيءا ،فقال لها "اجيبي ما هي خططك ؟" ردت وهي تقف بغضب "انا بالتاكيد لن ابقى هنا في شقتك اطمئن ،ثم انت من اصر على احضاري الى هنا " قال "لو علمت ان هذا سيشجعك على ترك منزلك لما فعلت " قالت وهي تاخذ حقيبتها "ساغادر من الان اذن " سحبها من يدها بقوة حتى اصطدم وجهها بصدره الواسع " لا تلعبي معي ،ماذا حصل لما تركت منزلك ؟ " قالت بغضب والم مخالط بحزن وعيون بين دموع الغضب والالم رافعة وجهها اليه " لانه ليس منزلي " تسمر اياد امام وجه هبة واختلاجاته المؤلمة ،وفهم انها مرت بيوم عصيب جدا ،ربما لذلك لم تهتم بثقل الحقيبة بل ربما لم تلاحظ الامر حتى ،تركها وابتعد عنها واخذ حقيبتها ووضعها في غرفته وترك المنزل من دون ان يقول كلمة واحدة ، بينما استلقت هبة على الاريكة في الصالة وهي تبكي .

شرطيهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن