الفصل السابع
دخلت نهاد فراشها وأغمضت عيونها لتنام فسمعت صوت شهيق ميس التي اعتقدت أنها تغط في نوم عميق. ألقت بنظرها إليها للحظات ثم تقلبت على جانبها الآخر لكنها ظلت تسمع صوت بكائها الذي بدى مخنوقًا ومكبوحًا، لم تتحمل نهاد وقامت بإشعال نور المصباح الذي بقربها.
نهاد: ميس، أعلم أنك لست نائمة... وأنك تبكين... هل أنت بخير؟
ميس: دعيني وشأني…
نهاد: ميس، أنا لا أنوي أذيتك... ليوباردو لم يتركك من أجلي كوني متأكدة من هذا.
ميس: أنا متأكدة من أنه لن يتركني من أجلك، وأنت لست منافسة لي على قلبه، ليوباردو تخلى عني منذ زمن لأن قلبه لا يعرف الحب.
نهاد: لا يعرف الحب؟!
مسحت ميس دموعها وتابعت كلامها حتى تتخلص من حمل ثقيل أعيا كتفيها.
ميس: لم يكن هكذا في السابق... كان طيبًا ولطيفًا...أحببته منذ أن كنا صغارًا، وكان هو يعتني بي ويقطف معي الأزهار... كنا نلعب سويًا منذ بزوغ الفجر إلى هبوط الليل، درسنا في نفس المدرسة وكان دائمًا يحميني من الأغراب، كبرنا معًا وبقينا نحب بعضنا وكان هذا الحب يكبر يومًا بعد يوم... إلى أن جاء اليوم المشؤوم، عندما أطلق ليوباردو النار على والده وقتله... كان يومها في السابعة عشر من عمره وكنت أنا في الخامسة عشرة... دخل الإصلاحية كونه قاصرًا ثم السجن بعد بلوغه سن الرشد حتى أتم السنين التي حكم بها...
نهاد: قتل والده!!!
ميس: أجل، كان عمي رشاد رجلا قاسيًا مع زوجته وابنه وقد عانى الاثنان منه كثيرًا لذا قررت كميليا أم ليوباردو الهرب، فتركت المنزل في يوم لم يرها فيه أحد ولم تعد أبدًا.
نهاد: هجرت ابنها رغم علمها بقساوة والده! كيف أمكنها هذا؟
ميس: لا يمكن أن نحكم عليها بقسوة فقد عانت الكثير... وأحيانًا يمكن للإنسان منا أن يخطئ تحت وطئ ظروف قاهرة.
نهاد: كم كان عمر ليوباردو حينها.ميس: رحلت والدته قبل مقتل والده بأيام... يعتقد الجميع أن ليوباردو حمّل والده ذنب رحيل أمه، وأن تركها للمنزل كانت القطرة التي أفاضت الكأس فقرر التخلص منه إلى الأبد، وبعضهم يقول أن كميليا هي من عادت وقتلته وتحمل ابنها الذنب عنها... لكن هذه مقولة لا أساس لها من الصحة لأنه لم يظهر لها أي أثر طوال التسعة عشرة سنة التي مرت أي لم يرها أحد منذ رحيلها. كما أنها كانت تحب ابنها كثيرًا ومن المستحيل أن تتركه وحيدًا كل هذا الوقت...
نهاد:وليوباردو... ألا يتحدث عنها؟
ميس: كلا فقد تغير كثيرًا منذ خروجه من السجن خصوصًا بعد أن أخذ منه أعمامه الأرض والمنزل ولم يبق له شيء...ثم لفقوا له بعد هذا التهم وأعادوه من حيث جاء ورشوا العدالة فمددوا حكم إدانته وأصبح بعدها إنسانًا آخر بكل ما للكلمة من معنى... فشعوره بالظلم أحرق كل شيء جميل بداخله... يوم خرج من السجن للمرة الثانية كنت عند البوابة بانتظاره... نظر إلي مبتسمًا وهرعت أنا إليه كالمجنونة لأضمه... لكن ذراعاه كانتا باردتين لا تحملان أي شوق... أذكر أنه قال لي يومها أنني كنت الزهرة الجميلة والوحيدة التي رسمها على جدران زنزانته وأنه كان يتذكرني دائمًا قبل أن ينام وأنه يحبني أكثر من أي شيء آخر في هذا الوجود... كنت أطير مع هذه الكلمات إلى أن أوقعني بقوله أنه ليس الرجل المناسب لي وأنني يجب أن أبني حياتي مع رجل يستحقني... كان عمري آن ذاك ثمان وعشرون سنة... انتظرته كل هذا الوقت ليقول أنني أستحق أفضل منه! لكنني لم أكن أرى في حياتي رجلا أفضل منه... وتركني مع دموعي وغادر، قال أنه لن ينساني وأنني سأبقى حبه الوحيد لأنه لن يحب امرأة بعدي... لم أره منذ ذلك الحين لم أكن أسمع إلا أخباره وهاهي ست سنين أخرى تمضي لألتقيه فيقول لي نفس الكلام... أعطيته كل عمري ولم أبخل عليه بلحظة منه، فكرت فيه في كل لحظة وفي كل دقيقة لكنه حطم كل شيء وغادر... رجوته وبكيت لكنه لم يرجع إلي وقال أن تواجده بقربي سيزيد من عذابي... قال أن ريان الذي أحببته حتى الرمق الأخير قد مات وأن ليوباردو قد سكن جسده... وأن الفتاة التي أحبت ريان لا يمكن أن تحب ليوباردو لأنهما نقيضان...
كانت نهاد تستمع إلى ما تقوله ميس وهي تتألم في أعماقها.
نهاد: أنا أشعر بألمك وأفهمك... وإن أردت لن ألتقي بليوباردو مجددًا...
ميس: الأفضل لك أن تبتعدي عنه، ليس من أجلي فقد تخلى عني منذ زمن... لكن من أجلك أنت، مازلت صغيرة والحياة أمامك طويلة... لا تستغرقيها في الدموع والأحزان مثلما فعلت أنا... وتذكري جيدًا ليوباردو لن يمنحك سوى الدموع... هو عاجز عن حب نفسه فكيف له أن يحب غيره... أنا أسديك هذه النصيحة و القرار يرجع لك.
أنت تقرأ
بقايا ركام لكاتبة بريق الامل
Romanceالانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء... هو نقطة اللارجوع... وما اصعبها من نقطة تكون النهاية فيها بداية لفصل جديد. فصل من السواد تتخلله آه...