الفصل الرابع والثلاثون
وصلت نهاد إلى الرواق المؤدي إلى غرفة لينا وهي تتحدث إلى ريان على الهاتف.
نهاد: عندما خرجت من الحمام لم أجدك! لماذا هربت بتلك الطريقة؟
رد ريان بصوت خافت وكأنه في مكان هادئ: لم أهرب... كل ما في الأمر أنني أجهز الأوراق لإخراج ناريمان من المشرحة. أخبريني هل لينا بخير؟
نهاد: الحمد لله أخبرني الطبيب توا أنها نجت من الأسوأ وأنها ستتحسن بمرور الوقت... حتى أنهم أخرجوها من الانعاش...
ريان: هذا جيد... الحمد لله، بلغيها سلامي وتمنياتي بالشفاء... سأزورها في أقرب فرصة... علي أن أقفل الآن...
ودعته نهاد وأقفلت الخط لتتفاجأ بفراس في وجهها.
فراس: استيقظت أخيرًا...
نظراته المتهمة أثارت الريبة بداخلها لكنها لم تعر الأمر أهمية.
نهاد: كيف هي لينا؟
فراس: كيف هو ريان؟...
هو لم يسمعها تتلفظ باسمه مع محدثها، إذن يبدو أنه ألقى نظرة على غرفتها صباح اليوم وفسر مشهد العصفوران بالسرير بمنظوره الخاص.
تأتأت نهاد للحظات محرجة تفكر في كيفية تبريئ ذمتها وذمة حبيبها الآخر الذي لا يأتي إلا بالمصائب. فقطع عليها تأتأتها تلك بصوت واثق زاده ما عرفه قبل قليل عن ماجدة غضبا: أعتقد أنكما وقعتما أوراق الطلاق... هلا شرحت لي مالذي كان يفعله...
ونظر من حوله دون أن يكمل بقية الجملة التي كانت واضحة بالنسبة لها.
نهاد: فراس، نحن لم نوقع أي شيء... لقد تجاوزنا كل مشاكلنا وخلافاتنا وكنت أنتظر شفاء لينا لأخبرك... أنا وريان سنرجع لبعضنا البعض... وسنربي ابننا معا. طلب إلي أن أعود لمنزله أنا ووسيم لكنني أخبرته أنني لا أستطيع التخلي عنكك تحت وطأة الظروف الراهنة.
بعثت هذه الكلمات الراحة في نفسه، فمنذ البداية كان يتوقع إجابة مرضية من أخته فهو يعرفها جيدا... لكنه ردد أمامها بحزم: إن لم يعلن عودتكما على الملأ، فلن يحلم بأخذك مطلقا أهذا مفهوم!
نهاد: سيفعل أكيد... لكنه الآن يمر بفترة عصيبة و قاسية... يجب أن أقف إلى جانبه... على الأقل سننتظر مرور أيام العزاء أنسيت ابنة عمه؟
تذكر فراس أمر ناريمان، وألقى نظرة على الساعة بيده.
فراس: إنها الحادية عشرة... هل الدفن بعد صلاة الظهر؟
نهاد: بعد صلاة العصر، لن تخرج من المشرحة قبل الظهر...
نظر إلى أخته للحظات ثم فتح لها ذراعه فعانقته بقوة.
فراس: أتمنى لك حياة سعيدة يا أختي... وإن أغضبك ذلك الأحمق من جديد فقط أخبريني حتى ألقنه درسا يستحقه...
نهاد: لا أعتقد أنه سيكرر نفس الخطأ يا أخي... أعتقد أنه تعلم من أخطائه ما يكفي...بمنزل رشاد كان الشيخ يتلو آيات من القرآن على عدد لابأس به من المعزين الذين بدأوا بالتوافد تباعا إلى هناك بعد أن أعلنته ميس مكانا لاستقبال جثمان أختها لأن منزل والدها قد أقفلته الشرطة حتى انتهاء التحقيق.
كانت على الأريكة بالصالة الرئيسية تشاهد ابنتيها تلعبان في الأرجاء ببراءة وهما تضحكان، لا تعيان حقيقة ما ألم بهم جميعهم... عقلها كان يشرد بعيدا لتتذكر تلك المرارة القاسية لتلك الكلمات الملعونة والتي رددها أمامها وجدي بكل وقاحة فترجع إلى واقعها والألم يعصرها عصرا...
أما فواز فقد كان في حديقة نفس المنزل وسط المعزين من الرجال، يجلس منكسرا كئيبا وعلى صدره يجثم عذاب لا مفر منه... إنه يفكر في أن نهايتها كانت لتكون أفضل لو أنه تصرف بتعقل يومها ولم يطردها من حياته بتلك الطريقة القاسية... لو كانت إلى جانبه لما نال منها اليأس والقنوط وأدى بها للانتحار.
ريم تحضر القهوى وبعض الفطائر للضيوف وبهية تساعدها حينا وتهتم بالمعزين حينا آخر...
نساء القرية يثرثرن بسرية تامة عن ماضي ناريمان ذائع الصيت ويتوعدنها بجهنم الحمراء خصوصا بعد انتحارها متحججين بأن قتل النفس حرام، وأنها ستسكن الجحيم فور دخولها قبرها... هذه الكلمات التي وصلت أذن ميس زادت من تعاستها أضعافا مضاعفة فهي أبدا لم تتمن نهاية كهذه لأختها الصغرى... لطالما تمنت أن ترجع لجادة الصواب في يوم من الأيام وأن تكفر عن أخطائها...
قبل الظهر بقليل وصلت نهاد رفقة فريدة، ورد و فراس الذي توجه إلى الحديقة حيث يجلس الرجال وبعدهما بقليل جاء هادي وأسرته...
هه تنازل الامبراطور بذات نفسه ليحضر جنازة الفتاة التي تكسوها الخطيئة من رأسها حتى أخمص قدميها... لاأعرف التفاصيل لكن ما أنا متأكدة منه هو أن قبرك لن يكون أقل استعارا من قبرها، يا نقي يا طاهر... مع أن الطهارة والنقاء لا يتجاوزان مظهرك الخارجي...
عند وصول جثمان ناريمان تعالت الشهقات والدموع وسط المعزين وكأن الكل كانوا أحبابا لها... صحيح أن للموت مرارة لا يطيقها البشر... بعد أن ألقى الجميع عليها النظرة الأخيرة ومع حلول العصر حُملت إلى المقبرة من أجل الدفن، ولمشيئة الأقدار جاور قبرها قبر جدتها لتؤنس وحدتها حية وميتة...
كان يوما حزينا كئيبا على الجميع فكل من عرفها ذرف دموع الرحمة والشفقة تجاهها، ناريمان كانت لتستحق نهاية أفضل لكنها ضلت الطريق واستعجلت قدرها. أحيانا تهب الرياح بما لا تشتهي السفن وناريمان كانت آخر سفينة أغرقتها هذه العاصفة قبل أن تنقشع والتي يبدو أنها لن تنقشع قريبا حتى تأتي على الأخضر واليابس...
أنت تقرأ
بقايا ركام لكاتبة بريق الامل
Romanceالانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء... هو نقطة اللارجوع... وما اصعبها من نقطة تكون النهاية فيها بداية لفصل جديد. فصل من السواد تتخلله آه...