الفصل الخامس والثلاثون والاخير

195 6 0
                                    

الفصل الخامس والثلاثون والأخير

مضت بضعة أسابيع ومر ما يقارب الشهر، الأيام المتتالية تعمل على إذابة الأسى وشفاء الجروح... لكنها غير قادرة على محو الذكريات التعيسة...
ذلك الأسى الذي يسكن قلب ميس لم يزل على حاله... إنها هناك في ذلك المنزل الذي يأوي بهية وديع ريم وإياد، تلك العائلة الصغيرة المتآلفة . على الرغم من أن الجميع يحاولون الرفع من معنوياتها إلا أنها تجد نفسها دائما في الحضيض... كانت تجلس في الحديقة وحيدة تتفرج على رغد وهي تركض خلف البط فجائت ريم بكوبين من الشاي وضعت واحدا بالقرب منها والآخر احتفظت به لنفسها.
ريم: الآن ستخبرينني فيما تفكرين...
نظرت ميس إليها باستسلام.
ميس: آه يا ريم... سيكون من الأسهل لو قلت فيما لا تفكرين.. أنا أفكر بكل شيء... وأكثر ما يوجعني هو حرماني لبنتاي من والدهما...
ريم: لا تقولي هذا... تذكري أنه يستطيع زيارتهما في أي وقت يشاء وبإمكانه منحهما الحب والحنان الذان يحتاجانه ...
صمتت ميس والحزن لا يفارق عينيها... ذلك الحزن الذي أقسم ألا يبارحها ، فمنذ البداية وجدت نفسها في صراع أزلي معه... وربما تعودت عليه، من يدري؟
وضعت ريم كفها على يدها مواسية: الوحدة... الفراغ الداخلي... إنها الآفات التي تصنع التجهم الذي أنت فيه...
ميس: أنا بينكم على أية حال، لست أعاني من الوحدة.
ريم: الوحدة التي تعانين منها تنبع من داخلك ولا علاقة لها بالذين يحيطون بك... عليك إيجاد أمر مسلي تشغلين به نفسك قبل أن يقتلك الفراغ...
ميس: فكرت في أن أعمل... لكن من سيقبل بتوظيف امرأة حامل شارفت على الولادة؟ كما أن البلدة لا تحتوي الكثير من المرافق، أظن أنه علي انتظار افتتاح المدرسة العام المقبل حتى أحصل على وظيفة مُدرِّسة...
ريم: يمكنك أن تشغلي وقتك بأبسط الأمور وليس من الضروري إنهاك نفسك...
صمتت ميس لبعض الوقت ثم تحدثت: سمعت قبل فترة من أن المالك الجديد لقصر جدي يبحث عن مدبرة منزل، امرأة تكون المسؤولة على الخدم وتحرص على سير الأمور في غيابه.
ريم: هل يفكر في العيش هنا ؟ اعتقدت أن إقامته ستقتصر على بعض الزيارات في العطل !
ميس: يبدو أنه سيبقى بالمكان فترة لابأس بها... على الأقل هذا ما يدل عليه بحثه عمن يتكفل بشؤون المكان، وإلا كان أقفله وانتهى الأمر.
ريم: لا أرجح فكرة هذا العمل، خصوصا في وضعك الراهن، كما أنني أتوقع ردة فعل سيئة من ابن عمك ان عرف بالأمر.
ميس: أرجو ألا تبلغيه بشيء... ريان لا يحق له التدخل بحياتي ولا أريد الدخول في شجار معه... أعلم أنه لا يقصر معي في شيء لكنني لا أريد أن أعتمد إلا على نفسي... على الأقل أريد أن أشعر بأهميتي وأكون على قدر المسؤولية...
صمتت ريم متذكرة ريان ومغصة من الألم لا تبارحها، لترتشف في الأخير من فنجانها زافرة بأسى. رمقتها ميس بنظرة استفهام لكن ريم لا تريد الخوض في هذا الموضوع مع أحد... صحيح أن ريان طار من يدها وهو يعيش كالعاشق المتيم مع زوجته وابنه وهذا واضح للجميع، وإن تبقى لها شيء فهو الاحتفاظ بكرامتها وأن تجتهد حتى لا يكتشف أحد ما تخبئه بقلبها... لكم هو صعب ومر الحب المبتور الجناحين... ذلك الحب الذي لن يحلق إلى أي مكان، وسيظل طريحا مكانه يتوجع ويوجع صاحبه ليسقيه المرارة في كل حين... إنه الحب من طرف واحد، منذ البداية لم يغب عليها اهتمامه الشديد بزوجته لكنها غالبت نفسها واعتقدت لوهلة أنه سينساها، لتجد أنها كانت طوال الوقت تحاول أن تخدع نفسها بكذبة كبيرة... إن لم تظفر به كحبيب فعلى الأقل ستحتفظ به كصديق وفي يحمل لها بقلبه كثيرا من الود والاحترام، لأنها الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبه وفتح أمامه أبواب الأمل بعد أن أوصدها جميعها في وجهه بافتراقه عن نهاد اعتقادا منه أنها النهاية، وبذكائها أوضحت له أنها ليست سوى بداية... بداية جديدة... بداية إصلاح الذات...

بقايا ركام لكاتبة  بريق الاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن