الفصل الاول

678 10 0
                                    

الفصل الأول




حقيقة

لست أدري أيها أشد إيلاما،

الصراع الداخلي المميت...

لحظة الانفجار...

لملمة الشتات...

أو ربما جميعها

لكن لكل منها طعم مختلف !


في منزل فخم من تلك المنازل المتناثرة على صفحة خضراء من العشب المزهر والحقول المترامية كانت تقف لينا وهي تطل من نافذة المطبخ إلى الحديقة وتراقب الطيور التي ملأت المكان زقزقة.
أعادت خصل شعرها الأسود الطويل إلى الخلف ومسحت على وجهها ذي الملامح البريئة بأسى وعيناها مغمضتين بشدة...
همست بين شفتيها بتيه: "يا إلهي لينتهي هذا اليوم على خير..."
دخلت أمها صفية المطبخ ، وعندما رأتها على تلك الحال انتابها القلق.
صفية:مابك؟ فيما تفكرين؟
لينا: لا شيء... أنا فقط أفكر بعمي قيس.
صفية:عمك!.. أرجوك...
ثم دخل الابن الأكبر وائل وقد التقطت أذناه بعضا من كلامهما.
وائل: تتحدثان عن عمي؟
صفية: أجل، اليوم محاكمة ابنته ناريمان.
وائل: يا للخزي والعار أنا لن أخرج اليوم للعمل لا أريد أن يسألني الناس عن شيء.
صفية: لقد جعلت اسم عائلتنا في التراب... هي لم تلوث اسم والدها فحسب بل كل عائلة آل شاهين.
لينا: سينسى الناس كل شيء بعد مضي بعض الوقت...
صفية: ماذا سينسى الناس! أنها... آه يا للخجل؟
لينا: أمي لا تحكمي على أحد... لكل إنسان مبرراته.
صفية: اذهبي إذن وافعلي مثلها ثم تعالي وبرري!
علت وجه وائل غمامة من الغضب وهو يحدق بأخته ويعض على أسنانه.
وائل: يومها سأذبحها بكلتا يداي... لا أريدك أن تلتقيها لا هي ولا أختها، أهذا مفهوم؟ إن رأيتك مع إحداهما فسأشدك من شعر رأسك حتى المنزل...
كان هذا وائل الإبن الأكبر لهادي وشقيق لينا. يمكننا القول أنه نسخة أصلية عن والده لا تقبل التقليد... نفس الهيمنة، نفس القسوة، نفس النظرة الثاقبة... لقد ورث من إمبراطورية آل شاهين الغطرسة والحقد المطلق.
نظرت إليه لينا بيأس فهي تعرفه تمام المعرفة ولا جدوى من مجادلته... دائما كلامه هو الأصح دائما قراراته نافذة، كلامه واقع وعلى الآخرين التنفيذ... وهكذا هو والدها أصلا فمن شابه أباه فما ظلم.
تشعر بالضيق، أحيانا تشعر أن لها أبوين اثنين بدل واحد يتحكمان في عالمها... كل منهما يريد فرض سلطته المطلقة.
رمقته بنظرة يشوبها الازدراء وهمست بهدوء يائس.
لينا: لا تخف فقد جعلتمونا نقطع صلتنا بكل أبناء عمومتنا منذ زمن...
صفية: لا تتطاولي بلسانك وتعالي لتفطري وتغادري إلى المستشفى قبل أن تتأخري.
كان هذا جواب الأم الخاضعة التي لا تريد المشاكل بالبيت. هي تطيعه مع أنه ابنها... تخاف منه مع أنه سكن يوما ما أحشاءها، وتطبق كلامه مع أنه من يجب أن يخضع لها بحق قداسة الأم ومرتبها، لكن في هذه العائلة... السلطة للأقوى.

وغير بعيد عن المنطقة يقبع منزل لا يقل فخامة عن هذا الأخير، وقد كان لقيس شقيق هادي.
بتلك الشرفة العالية كانت ميس جالسة على الكرسي وعيناها متورمتان من البكاء وهي تتحرك بلا وعي في جلوسها ذاك إلى الأمام والخلف وعقلها كشريد جن جنونه فهام في صحراء قاحلة.
ما انتشلها من بؤرة ضياعها تلك صوت ناريمان شقيقتها الصغرى وهي تتحدث بخفة وراحة كأنه لم يحصل شيء !
ناريمان: صباح الخير أختي، كيف حالك؟
ثم نظرت إلى ماهي عليه من تعب وإنهاك فلوت شفتيها باحتقار يشوبه بعض السخرية.
ناريمان: اليوم محاكمتي وأنا أفضل حالا منك... مابك؟! أنا مرتاحة فاليوم سيخير وجدي بين الزواج بي وبين السجن وسيختارني وتنتهي كل هذه المأساة بعرس كبير...
ميس: لكن أبي... ألم تفكري بأبي! كيف أمكنك افتعال هذه المشكلة! أبي منكسر ولم يغادر المنزل منذ أن بدأت القضية.
ناريمان: ووجدي! هل أتركه يضيع من يدي ببساطة!
ميس: لكن أبهكذا طريقة قذرة تجعلينه يتزوجك! أنت تعلمين أنك تفترين عليه، ليس هو من اعتدى عليك بل أنت من دبر لكل شيء... ليلتها رأيته عندما جاء وتحدث إليك، ثم رأيته يغادر بعد بضع لحظات.
ناريمان: هل كنت تراقبيننا؟
ميس: لم أقصد هذا... كنت أتمشى في الحديقة.
ناريمان: إن تفوهت بكلمة سأقتلك، أتفهمين!
ميس: ماذا سأقول الآن وقد بدأت كل شيء وستنهينه كما أردت!
يبدو أن ناريمان تخطط بقذارة، إنها تمتلك شخصية لا يستهان بها لطالما كانت ذات قوة وعزم، تأخذ كل شيء تريده وبالرضا أو بالغصب... لا عجب ففي عروقها تجري دماء العائلة التي مزق أفرادها بعضهم البعض إلى أشلاء، وتراقصت الشياطين فوق بقاياها طويلا...

بقايا ركام لكاتبة  بريق الاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن