الفصل الثامن عشر
أبرقت السماء المعتمة بوميض خاطف وتلاه هزيم رعد قوي ثم صوت أمطار مندفقة بسيل منهمر...
إنها في غرفتها وحيدة تشهق بتتابع وتبكي بحرقة...
أيعقل أن تتحطم أحلامها الوردية بهذه البساطة... كانت بضع كلمات كفيلة بإحراق وجدانها وجعلها تتمنى الموت لترتاح من هذا الكابوس... إنها كلمات مسمومة بأنياب حادة انغرزت بأعماقها... وتركتها تإن في ضعف.
تريد الخلاص، تريد الهروب من عالمه المقيت... لكن لا سبيل لذلك. لقد وقعت وانتهى الأمر...إنه يسير بخطوات حثيثة تحت هذا السيل المنهمر، لقد كان في الحقول أو ربما تحت شجرة البلوط، إنه مكانه المفضل الذي يقضي به أغلب وقته فمن هناك يستطيع رؤية منزل والده والتفرج عليه بصمت ، ربما ليسترجع أيام القهر الخالية أو ليجدد وعود انتقامه...
وصل إلى حديقة القصر ودفع البوابة للدخول فجاء أحد رجاله ركضا وهو يحتمي بقلنسوة معطفه : "أيها الزعيم كنت بانتظار وصولك لأغلق البوابة..."
أشار له ليوباردو برأسه حتى يقفلها واستمر يسير وهو يتوجه بنظره إلى تلك الغرفة المعتمة التي تسكنها عروس من حكايات الأساطير قد سلطت عليها لعنة أبدية منذ اليوم الذي التقته فيه وعشقت بروده وتعجرفه. يتذكر جيدا أن آخر عهده بها صفعة جعلتها تنهار وتندثر معها كل عواطفها في مهب الريح...ولج القصر في عجل وصعد الدرج في خفة ثم توقف للحظات أول ذلك الرواق الطويل المعتم الذي يملأ وميض البرق المنبعث عبر زجاج الشرفة آخره فيملأ أركانه.
توجه نحو غرفتها بتثاقل يفكر كيف ستكون حالتها الآن... وعندما وصل إلى الباب خرجت بهية. فنظرت إليه قلقة.
بهية: وأخيرًا عدت! لقد قلقت عليك كثيرًا أين كنت؟
ليوباردو: في الأرجاء... كيف هي؟
بهية: أعطيتها كوب نعناع ساخن ليريح أعصابها لكنها في غاية القلق على والدها...
وهمت بغلق الباب عليها بالمفتاح.
ليوباردو: مهلاً... سأدخل إليها... أعطني المفتاح.
فترددت بهية وكأنها تحاول منعه لكنها لا تجرؤ على قولها بوجهه.
بهية: لست أدري ماذا أقول ولكن، لم لا تؤجل هذا إلى الغد، هي ليست بخير الآن.
ليوباردو: بهية! سأتحدث إليها للحظات، لا نية لي في أن أمكث هناك.
الحمد لله أن لسانه لم ينطق بأسوأ من هذا... استراحت بهية للأمر وأعطته المفتاح.
بهية: إن كان الأمر هكذا فلا بأس... لكن لا تغضبها أنا أرجوك.
ليوباردو: لما لا تسدين إلي معروفًا وتغادرين وحسب!غادرت بهية المكان بينما بقي ليوباردو واقفًا عند الباب لفترة وكأنه متردد لا يدري هل يدخل أم عليه أن يوفر عليها عناء رؤية وجهه المشؤوم من جديد...
أدار مقبض الباب ببطء حتى لا يحدث صوتا ثم دخل بهدوء. كانت الغرفة معتمة وهو يستطيع رؤية وجهها تحت ضوء المصباح القريب، إنها تنام في سكون... يبدو أنها قد استسلمت أخيرا وقررت أن تأخذ قسطا من الراحة...
ومض البرق بتتابع وكأنه يعطيه فرصة أطول ليشاهد أجزاء ثوب زفافها الأبيض ممزقا يملأ أرجاء الغرفة، مازالت صورتها وهي كالأميرة تقف أعلى الدرج في صرح من البياض المتلألئ بخرز كالماس لا تغادر مخيلته.
نهاد: فلتخرج من حياتي، أنا أكرهك... أمقتك.
علم ليوباردو أنها ما تزال مستيقظة فاقترب من السرير بضع خطوات.
ليوباردو: أحضرت لك الهاتف إن كنت تريدين الاطمئنان على والدك.
نهاد: لا أريد منك شيئًا... فقط دعني أخرج من هذا البيت المقيت
رد بلهجته الصارمة.
ليوباردو: الخروج ممنوع، وإن لم تريدي الهاتف فهذا لا يهمني...
وهم بالخروج فاستوقفته.
نهاد: أعطني الهاتف.
استدار ليوباردو إليها بوجه لا يظهر عليه أي ندم أو حتى شفقة ثم ألقى بالهاتف على السرير. لم تستطع هي النظر إليه لكنها التقطت الهاتف لتتصل بأخيها حتى تعرف أي أخبار عن والدها.
أنت تقرأ
بقايا ركام لكاتبة بريق الامل
Romanceالانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء... هو نقطة اللارجوع... وما اصعبها من نقطة تكون النهاية فيها بداية لفصل جديد. فصل من السواد تتخلله آه...