الفصل الثانى عشر

91 5 0
                                    

الفصل الثاني عشر




وصلت نهاد إلى المخزن وهي تنادي على ليوباردو بأعلى صوتها... وقبل أن تصل انفجر المكان فسقطت أرضًا وهي تصرخ بصوت مبحوح.
نهاد: يا إلهي ليوباردو... ليوباردو، ليوباردو اخرج من هناك...
ثم رفعت رأسها فوجدت النيران تأكل أخشاب المخزن والدخان يتصاعد بالسماء، حملت نفسها وأسرعت إلى الباب محاولة فتحه وما إن سحبته حتى سقطت بعض الأخشاب الملتهبة عليها لولا أن أدركها أحدهم وأبعدها فسقطا معًا على الأرض.
نظرت نهاد إليه ولم تكد تصدق نفسها.
نهاد: ليوباردو أنت حي!!! ليوباردو هذا أنت!!
ليوباردو: أيتها المجنونة، كدت تموتين حرقًا !. أنت بخير؟
نهاد: أخبرني أنت، هل أنت بخير؟ اعتقدت أنك مت... كدت أجن!!

نظر ليوباردو إلى الحروق التي أصابت يديها عندما حاولت فتح باب المخزن ووضعهما بين يديه في حنو، ثم نظر إلى وجهها الذي امتزجت فيه دموعها مع التراب و رذاذ الفحم المتطاير...
كانت هي تحدق به في غير تصديق، للحظات اعتقدت أنه أصبح أشلاءًا بالداخل، وأنها لن تراه بعد اليوم...
لكم هو مر ذلك الشعور بفقدان من نحب، إنها مرارة تتخللها مغصة ألم تكاد تستأصل معها الروح من الجسد.
لم تشعر إلا وهي ترتمي في حضنه بقوة وسط شهقاتها، ودموعها يتشربها قميصه... حتى تخيل أنها قد اخترقت صدره العريض وحطت رحالها بقلبه. بقي هو ساكنًا لا يتحرك... لا يعرف حتى الآن أي ردة فعل يبدي... إنه يشعر بيديها تتعلقان بثيابه بقوة، مثل تشبث الغريق بأي شيء يطفو على السطح. هل يعقل أنها تعشقه لهذه الدرجة؟ حتى هي لم تكن تعي حجم الحب الذي يحمله قلبها له! في مثل هذه اللحظات الصعبة تتجلى الحقائق وينكشف المستور...
رفع يديه ببطء إليها وأخذها بين ذراعيه. واستنشق عطرها الذي لم يستطع حتى الدخان الذي يملأ المكان أن يذهب عبيره.
كانت تلك نقطة توقف فيها الزمن بالنسبة إليه، نقطة أعادت إليه ريان من جديد.. أحس به بين ضلوعه حتى وإن أنكر ذلك...
رفعت رأسها إليه بعيون محمرة تملِها الدموع.
نهاد: لقد خفت عليك كثيرًا... اعتقدت أنك مت، وأنني لن أراك مجددًا... أردت تحذيرك قبل حصول الانفجار، ركضت بأقصى ما لدي لكنني لم أصل بالوقت...
وضع وجهها بين كفيه ومسح بإبهامي يديه دموعها.
ليوباردو: لا تبكي أرجوك... أنا بخير...
ثم قبل جبينها بحنو شديد، حتى هو نسي ماهو أو كيف يصنعه. فقد مر زمن طويل منذ أن أظهر آخر لحظات عطفه.
أغمضت هي عيونها تستشعر دفء شفاهه وتشعر أحاسيسه تجاهها. ثم همست بصوت عاشق.
نهاد: أنا أحبك ليوباردو... أحبك كثيرًا.
لم يعرف ليوباردو ما سيقول، لم يكن يريد أن يحذرها من هذا مثلما يفعل كل مرة. كانت خيوطه متشابكة وأفكاره مشوشة... غريب هذا الشعور فلطالما كان رجلا بـأهداف محددة وطريق واضحة وإن كان سيسير فيها حافيا على الشوك بزاد من الحقد والضغينة.
في قرارته كان يلعن نفسه آلاف المرات: "مالذي فعلته أنا حتى تتعلق بي هذه المجنونة بهذا الشكل، ولماذا أنا من دون كل البشر... أليس من المفروض أن تكون أكثر شخص يكرهني؟ مالشيء المميز بي والذي تراه هي دون الجميع؟"
كانت بين ذراعيه كطفلة صغيرة خائفة ترتجف وهو يشدها إليه من دون وعي ولا يريد تركها.

بقايا ركام لكاتبة  بريق الاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن