الفصل الرابع والعشرون
كانت أمسية باردة قاسية، أظلمت على نهاد قبل أن يظلم الليل فكانت لا تبصر شيئا غير أحلامها تندثر مع مهب الريح وآلامها تعصف مع الثلوج. كانت تحاول أن تجد حلا في قرارة نفسها: "لا... لا يمكن أن ينتهي هذا الحب اليافع بهذه الطريقة... ما هذا الذنب الذي اقترفته حتى ينتهي بي المطاف محطمة الفؤاد كسيرة الجناح. هل كل ما كنت أشعر به وأنا معه مجرد أوهام، حتى ذلك الدفء والحنو منه علي... كان مجرد أوهام، كيف لقلب احتضنني بود لا يضاهيه مثيل أن يبرز اليوم أنيابه ويتركني فريسة الآهات والأنين!... ما هذه القسوة..."
ما قطع سلسلة أفكارها تلك هو صوت بهية تفتح الباب بهدوء وعيناها تفيض بالدموع. نظرت الاثنتان لبعضهما من دون كلام كانت نهاد على سريرها تضم ركبتيها إلى صدرها وهي شاحبة اللون وحقائبها الموضبة بالقرب منها.بهية: هل صحيح ما قاله ليوباردو؟ حقا سترحلين... هل ستنفصلان؟ والطفل!
طرحت بهية كثيرا من الأسئلة التي لم يستوعبها دماغ نهاد المنهك من التفكير والذي هو أصلا لا يجد لها حلا.
نهاد: هذا هو قراره الأخير... لم يمنحنا حتى فرصة للمحاولة ربما كنا سننجح معا... كنت سأمنحه كل محبة العالم ولن أسمح للضغينة أن تنخر قلبه. كان سيشفى من ماضيه... كنت سأحبه حتى الموت.
مع هذه الكلمات تقاطرت دموع نهاد التي حبستها طويلا، ودموع بهية التي كانت تحمل قلبا طيبا بين ضلوعها.
بهية: لا ترحلي نهاد، لنحاول من جديد... سأتحدث إليه، سأضربه ، أجل سأضربه إن تحتم الأمر.
مسحت نهاد دموعها وهي تقوم من مكانها على مهل وقد أنساها جرحها الروحي ألمها الجسدي.
نهاد: أوتعتقدين أنني بلا كرامة لأستمر في التوسل إليه! على الرغم من فداحة تصرفه السابق معي، إلا أنني تناسيت الأمر وحاولت أن أمنحه فرصة أخرى... لكن أنظري ما فعله!!!!بغرفة الاستقبال كانت ميس تشاجر ليوباردو بشدة ولينا مع فواز واقفان هناك بينما ناريمان تسترق النظر بالقرب من غرفة الجدة.
ميس: أنت نذل ليوباردو... حقا أنت بلا قلب...
ليوباردو: اهتمي بأمورك وكفي عن التدخل في حياتي...
ميس: وكأن حياتك حكر عليك وحدك أيها المقيت... ما ذنب هذا الطفل، كيف سيأتي لهذه الدنيا من دون أب يرعاه...
أراد فواز التدخل لأن ميس بالغت في شتم ليوباردو وهو يعرفه جيدا ويعلم أن ثوراته لا يحمد عقباها. وما إن خطى إلى الأمام حتى أوقفته لينا.
لينا: دعه إنه يستحق، ميس تنفس عما بداخلي... ليتها تصفعه أيضا.
وصلت نهاد إلى الدرج وخلفها بهية تجر الحقائب وميس وليوباردو يتشاجران وقد علت أصواتهما.
ميس: وحش بلا مشاعر... لطالما بررت أنانيتك بماضيك، لكن طفح الكيل... مهما كان ما تخبئه من تلك الأيام المريرة فهو لا يساوي شيئا أمام فضاعة ما اقترفته وتقترفه حتى الآن...
ذكر ميس لماضي ليوباردو والاستهانة به كأمر تافه جعله يفقد صوابه فكأنها لامست مقدسا بيد نجسة. فصاح فيها بكل قوته وارتفعت يداه عاليا بغضب.
ليوباردو: اخرسي.
عم الذهول تلك القاعة وساد الصمت وقلوبهم ترتعب. بينما هدأت ميس وبلعت ريقها وهو يناظرها بغضب لم تر مثله في حياتها... ومرت أمامها صور حبهما الجميل من عبق ذكرياتها التي تأبى أن تفارقها وصارت تتفحص ملامح وجهه وكأنها لا تعرفه... أجل هذا ليس ريان الذي أحبته حتى الرمق الأخير...
ميس: أخرج من حياتنا... أنت لست ابن عمي ، وأنا لا أعرفك... ريان ميت بالنسبة إلي.
أنت تقرأ
بقايا ركام لكاتبة بريق الامل
Romanceالانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء... هو نقطة اللارجوع... وما اصعبها من نقطة تكون النهاية فيها بداية لفصل جديد. فصل من السواد تتخلله آه...