الفصل الواحد والعشرون
ومضت ثلاث أشهر بحالها وحل الشتاء يكسو تلك البلدة حلة من البياض الناصع فكأنما هي عروس بين التلال.
إنه شتاء بارد كعادته سماؤه مكفهرة على الدوام يغزوها السواد أغلب الوقت...
. لم يتغير الوضع كثيرًا فنهاد مازالت تعيش مع ليوباردو وهي تحاول التأقلم معه ومع تناقضاته أما هو فقد كان يبذل جهده لكي لا يحزنها أو يسبب لها الألم. الجدة مرضت كثيرًا وبهذا زاد شقاء ناريمان التي كانت لا تفارقها. و ميس أصبحت حاملاً وهي تنتظر هذا المولود بفارغ الصبر خصوصًا وجدي الذي أسعده الأمر كثيرًا. أما لينا فقد أمضت كل هذا الوقت وهي تحاول إيجاد رأس الخيط للتعرف على هوية سماح الحقيقية لكن من دون جدوى لهذا استعانت بتحرٍ ماهر ليقوم بمساعدتها.
كان صباحًا هادئًا وبهية بالصالون قرب الموقد تضيف إليه بعض الأخشاب ومعها ناريمان تشاهد التلفاز.
غاصت بهية في ذلك اللهب تعود بالزمن إلى الوراء وتتذكر يوم دخولها ووديع إلى هذا القصر وهذه الغرفة الفسيحة بالذات وهما شابين صغيرين قد تزوجا قبل أشهر، كان الموقد مشتعلا والجدة شمس التي كانت في ذلك الوقت امرأة جميلة في الثلاثينيات من عمرها تجلس في هذا المكان وحولها يجلس أولادها الخمسة وهي تقص عليهم حكايات من الخيال بأبطال مغاوير يحبون الخير ويحاربون الشر، ولم تكن تعلم تلك المسكينة أن الشر في نفوسهم متأصل... لو أخبرها أحدهم من قبل أن مآلهم سيكون على هذه الحال ما كانت لتصدق...
تنهدت باختناق وحرقة وهي تشاهد شتات عائلة في مهب الريح... إلى متى؟
إلى متى سيبقى الوضع على ماهو عليه؟
أليس في الأفق من بر أمان سترسو عليه أخيرا هذه السفينة التائهة عرض البحر و التي تلاطمتها الأمواج طويلا.
رفعت رأسها مع بقايا حزن خيم على تفاصيل وجهها والتفتت إلى ناريمان التي كانت مستلقية على الأريكة وهي تلف رجليها بلحاف.
بهية: هل غفت الجدة؟
ناريمان: أجل، أعطيتها الدواء ونامت... إنها تذكر اسم أروى كثيرًا هذه الأيام... من تكون هذه أيضا؟ أهي شخصية من أشلاء ذاكرتها المهترئة؟
بهية: عمتك... رحلت عنا منذ زمن.
وقطع حديثهما ليوباردو وهو ينزل الدرج.
ليوباردو: ألم تعد نهاد بعد؟
بهية: ليس بعد، قالت أنها ستتأخر قليلاً، هل أقدم لك الفطور؟
ليوباردو: كلا، سأتدبر أمري.
وغادر إلى المطبخ بينما نظرت ناريمان إلى بهية.
ناريمان: أصبح يتأخر كثيرًا في النوم...
بهية: إنه الشتاء... ليس لديه الكثير من الأعمال.
ناريمان: إنهما لا ينامان باكرًا... أسمع في بعض الأحيان ضحكاتهما.
بهية: هذا أمر لا يخصك، كفي عن الثرثرة...اغتنمت لينا فترة استراحتها من العمل بالمشفى للالتقاء بالمتحري الذي كلفته بالنبش في ماضي سماح.
لينا: أخبرتني أن هناك جديد... أنا متحمسة لمعرفة ما وصلت إليه.
التحري: لقد ساعدتني الأوراق التي أحضرتها كثيرًا...
لينا: هل هي معك الآن؟ أرجوك أعدها إلي، لقد أخذتها صديقتي ريتا خفية عنهم فهي تعمل ممرضة هناك وإن كشفوا أمرها فستكون في موقف لا تحسد عليه.
التحري: أجل، أجل... هاهي الأوراق. خذي احتفظي بها...
خبأت لينا الأوراق بحقيبة يدها ثم نظرت باهتمام إلى التحري لتسمع ما يقول.
التحري: لقد بحثت عن اسم سماح بلقيس المدون في أوراقها الثبوتية التي قدمتها وعن أبويها المذكوران هناك واضطررت للسفر إلى مسقط رأسها فوجدت أن كل أوراقها أصلية ولا غبار عليها. والداها كانا فلاحان بأحد المزارع، أي أنها نشأت في أسرة فقيرة.
لينا: أتقصد أنه لا وجود لأي تزوير أو تلاعب في أوراقها القانونية؟
التحري: كلا... حتى أنني أردت التعرف على أبويها فبلغني أنهما توفيا منذ فترة قصيرة.
لينا: منذ فترة قصيرة! لكنها قالت أنها لا تعرفهما أصلاً لأنهما توفيا وهي صغيرة!
التحري: وصلت إلى معلومة لست أدري إن كانت مهمة بالنسبة لك، زوجها المتوفي يكون ابن عمتها.
لينا: لم يسبق لها وأن ذكرت هذا ولا حتى حسن... لا يهم فأنا لست مقربة منهم لدرجة أن يخبروني كل شيء.
التحري: لدي احتمال بسيط، لكنه لا يعدو أن يكون احتمالاً من استنتاجاتي الخاصة وأحببت أن أطلعك عليه.
لينا: تفضل، قل ما لديك...
التحري: إن كانت هذه المرأة سماح بلقيس هي فعلاً عمتك أروى آل شاهين فإنني أعتقد أنها تنتحل الشخصية الأولى...
فابتسمت لينا.
لينا: هذا واضح سيدي...
التحري: أنت لم تفهمي قصدي... ما أعنيه هو أن هذه المرأة سماح بلقيس موجودة أصلا، لكن ولسبب ما أخذت عمتك هويتها وأصبحت تعيش في ظل هذه الشخصية... بطريقة أخرى وجدت أن القرية التي نشأت فيها هذه الفتاة ريفية ويعيش أهلها تحت ظروف قاسية وعادات معينة وبعيدين كل البعد عن التمدن والتحضر، ما أعتقده هو أن المدعوة سماح قد ماتت ولم يتم إسقاطها رسميًا من السجلات، وبصفة السيد وائل ابن عمتها فهو مقرب من العائلة ويعلم بهذه التفاصيل، ولأنه كان ميسور الحال ويعيش بالمدينة فحياته مختلفة كل الاختلاف عن تلك، ربما التقى بعمتك وأحبها وأراد أن يبني معها أسرة وما كان يقف عائقًا بينهما هو أوراقها الرسمية لإتمام خطة الزواج فلجأ إلى هته الحيلة وهو أن يجعل منها شخصية أخرى وأن تأخذ مكان ابنة عمته المتوفاة وهكذا استطاع تسوية الموضوع.
لينا: لكن كيف قبل والديها بهذا.
التحري: تذكري آنستي هذا لا يعدو أن يكون احتمالا!
أنت تقرأ
بقايا ركام لكاتبة بريق الامل
Romanceالانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء... هو نقطة اللارجوع... وما اصعبها من نقطة تكون النهاية فيها بداية لفصل جديد. فصل من السواد تتخلله آه...