رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الرابع".يقود القدر من يتبعه، ويجرّ من يقاومه.
سقطت دمعة حارة على وجنتها قبل أن تمسحها بسرعةٍ، وكأنها تحاول أن تتماسك، كانت تُسير بخطى هامشة ضعيفة، حتى توقفت أمام المرآة، حدقت على إنعكاس صورتها قبل أن تجلس على طرف السرير وهي تحدق بذاتها بعينين دامعتين.. متألمتين، قبل أن تتحول إلى عينين ذاهلتين، وهي تهتف بصوتٍ مقهور:
-بقى دي أخرتها ياربي؟!.. واحد زي نائل الـ(...) يطلع قدام الخلق كلهم ضحية، وروڤان هي الجاني!..
هبت واقفة فجأة وهي تهدر بغضب:
-وأنا أطلع من عند فرعون من غير ما أقوله على إللي شوفته بعيني، وإللي عمله فيها.
نظرت لذاتها في المرآة بعينين حمراوتين باكيتين وهي تهمس:
-توصلها يا نائل للموت، وأنا أقف عاجزة كدا!
هزت رأسها بالسلب قبل أن تهدر:
-والله لهقتلك يا نائل، هقتلك يا نائل لو روڤان جرالها حاجة، إللي زيك مينفعش يعيش وسطنا، لازم أخلص البشرية منك ومن جنونك المريض.
ضحكت بمرارة وهي تقول بحسم:
-أنا ماليش حد غيرها، وإللي عملته معايا السنين إللي فاتت دي كلها، جه الوقت إللي أردهولها.
كفكفت دموعها بظهر يدها، قبل أن تستمع إلى طرقات على باب منزلها، عقدت ما بين حاجبيها بريبةٍ وهي تتحرك بخطى سريعة، فتحت الباب بقوةٍ لتضربها الصاعقة حينما رأت ذلك الشخص يقف بهيبته الكبيرة، مبتسمًا في هدوء، ولكن قطب جبينه بإستغراب وهو يتحدث في شيء من القلق:
-مساء الخير يا آنسة رزان، هو حضرتك كويسة؟!..
همست بذهولٍ عطيم:
-يونس باشا؟!..
عاد "يونس" يبتسم في هدوء وهو يقول بجدية:
-أيوة، أنا جاي عشان أحقق معاكي فإللي تعرفيه عن روڤان ونائل، بصفة أنك صديقتها الوحيدة.
إبتسمت "رزان" ببهجة وقد تعلق قلبها بأمل من جديد، أمل قد يُثبت براءة رفيقة دربها الوحيدة "روڤان"، ويتحقق العدل بأن ينتقم الفرعون من "نائل" أشد إنتقام.*****
-إنتي زعقتي ولا أنا متهيألي؟!..
قالها الفرعون وهو يلتفت برأسه نحوها بوجهٍ متجهم، وعينان تلتمعان ببريق مخيفٍ، ورغم ذلك لم تهتم بهذا الإنذار الهادئ في نبرته، وتابعت صياحها الهادر:
-أيوة بزعق يا فرعون، كفاية بقى حبـس، كفاية ظُلم ليا، كفايــة أرحومنـي بقـى.
وكأن إنسان آخر يقف أمامها الآن، التعابير الغامضة والممتعضة في آنٍ والتي بزغت في وجهه تفكر ثانية، في حين إنه لم يُمررها لها في أول أيامها هنا.. في حِصنه، وأعلن صراحة بلهجة قوية:
-أسمعيني كويس، أنا ألطف إنسان ممكن تعامليه في حياتك، بس هتلاقي أسوأ واحد ممكن تشوفيه متعصب في حياتك، بلاش تطلعي البني آدم ده جوايا يا روڤان.
ثم أشتدت لهجته قسوة وهو يُسير بإصبعيه:
-وقبل ما تفكري تخرجي منى هنا، فكري أنتي هنا ليه؟، الأوضة دي بإيدك، ممكن تبقى جنة، وممكن تبقى نار، فـ أقبلي الوضع إللي أنتي فيه ده أحسنلك.
سقطت دموعها بقهر وهي تتراجع للخلف، فـ تنهد بحرارة قبل أن يقول ببرودٍ:
-الدموع مش هتعملك حاجة، فـ أهدي كدا و روقي، وسيبي أمر خروجك علينا، إحنا بنسعى ندور على الحقيقة، والموضوع هياخد مننا وقت.
وخطى نحو الباب وهو يقول آخر كلماته:
-وأفتحي الشباك شوية، كفاية كاتمة، وجو الخنقة إللي أنتي عملاه لنفسك ده.
صفق الباب معبرًا عن غضبه منها في أولى تعاملتهم معًا، تاركًا عقلها يدور عن سجنها الجديد، وكيفية الخروج منه؟!..
جلست "روڤان" على الفراش من جديد وشعور الكبت الذي تولد من فرط كتمانها يطبق على أنفاسها، كأغلال من حديد تكاد تسلب أنفاسها حتى آخرها.. أذرفت عبرات حامية على جلدها لم تعد تتحمل لهيبها المُسعر، وغمغمت بصوت متقطع:
-يارب، يارب ساعدني، أنا حاسة أني هموت من غير ما أشوف يوم حلو في حياتي.
أستندت على الفراش بيد، والأخرى كانت تمسح بها دموعها وهي تشهق بأنين خافت، وذلك الألم ينهش في قلبها المسكين.
أنت تقرأ
أحيا بنبضها - أميرة مدحت
Romanceلم تكن من النساء الذي يفضلهن، فـ هو لم يكن شغوفًا بجنس النساء أبدًا، ولكن إلتقى بها مصادفة في عرينه فـ لم يدري على أي من الجمر يتقلب حتى وجد نفسه يخرج من غيابة الجُب إلى غياهب الحب، ولكن كيف؟ كيف يستسلم إلى مشاعره وهو أمامها السجان؟ وهي.. إبنة قاتل...