رواية "أحيا بنبضها" -الجزء الثاني-
"الفصل الثاني"ومن لم يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِه، تنوعت الأسباب والداءُ واحدُ.
-سرطان الدم، سرطان الدم.
ظلت تلك الكلمة تتردد في ثانايا عقله، وهو يشعر بأن جسده يرتجف غضبًا، وهو بداخل سيارته، لا يعلم إلى أين يذهب، فقرر أن يمكث قليلًا داخل سيارته.
-آآآآآآه.
شقت صرخته المقهورة جنابات السيارة وهو يضرب المقود بيديه المدمرتين مرارًا، إزداد وجهه إحمرارًا، كان قاب قوسين أو أدنى من أن يفقد عقله، حاول أن يتنفس بعمق قبل أن يقرر الذهاب إلى القصر حتى يغتسل ويبدل ملابسه بملابس نظيفة.
بعد فترة طويلة، كان أغتسل، وأبدل ثيابه، ولكن قرر قبل خروجه من القصر هو الإرتشاف بعض من القهوة، فذلك هو الشيء الوحيد الذي يمكنه تغير الحالة المزاجية لديه، جلس على الأريكة ينظر أمامه بعينان شاردتان، يفكر أن إنتزاع قلبه بيده أهون من أن يصيبها مكروه، إنه الآن ينتظر رحمة الله أن تشمله بغض النظر عن أي خطأ يرتكبه، ولكن وجد نفسه يتسائل في حيرة:
-إمتى؟ إمتى بقت عندي أهم من أي شيء كدا؟ أهم من نفسي!
الآن روحه تنسحق، في كل مرة يراها بذلك الوهن أو الضعف، يشعر بالمعنى الحرفي أن العالم ينهار من حوله، وأن كل شخص يمر عليه هو، ولا أحد يستطيع علاجه ومداوته سواها.
أعاده من أفكاره يد شخص ما حطت على كتفه بحنان، فتمتم بأمل وبلهجة شاردة تمامًا:
-روفـان؟!!
قال وهو يبتسم نصف إبتسامة سرعان ما تلاشت حينما رأى "كاميليا" التي لوت فمها بإحباط وهي تجيبه بسخرية:
-كاميليا يا هارون، أنا كاميليا، مين بقى روفان إللي بتنطق إسمها بالطريقة دي؟
تجمدت تعبيرات وجهه بشكلٍ ملحوظ، ثم حرك يده ليزيح كفها من فوق كتفه بغلظة، قبل أن يتمتم بضيقٍ واضح:
-كنتي عايزة حاجة يا كاميليا، خدي بالك أنا مش فايقلك، فـ قصري وهاتي من الآخر.
ردت عليه بنبرة حزينة وبعينان تلتمعان بالرجاء:
-عيزاك إنت.
أغمض جفنيه وهو يزفر بنفاذ الصبر، فتابعت بآسى:
-عيزاك تسيب نفسك ليا شوية، نقرب من بعض أكتر، ونتجوز.
رفع حاجبه الأيسر وهو يتمتم بغلظة:
-نتجوز؟ واضح إنك خدتي دور برد جامد يا كاميليا، إبقي أتغطي كويس قبل ما تنامي.
كاد أن يذهب من أمامها، ولكن بدورها أمسكته من ذراعه وهي تقول بلهجة محتدة:
-أنا مش بخرف ولا بحلم يا هارون، أنت حقي أنا.
كان يبتسم بسخرية، ولكنها تابعت بتهديدٍ صريح:
-وأوعى تفتكر أني هسمحلك أنك تجيب ست للقصر ده غيري، فـ ياريت تنسى البتاعة بتاعتك دي وإلا قسمًا بالله ما هسكت.
قبض بيده على معصمها بقوة متمتمًا بلهجة شرسة:
-أتكلمي على قدك، وبلاش قلة أدب، مش أنا إللي أتهدد.
ردت عليه بصوتٍ غاضب:
-يبقى تنسى البت إللي إنت عمال تجري وراها بقالك شهور.
-قصدك مين؟
ردت عليه ببرودٍ ثلجي:
-قصدي على روفان، إبعد عنها، وإلا والله لأخليها متقدرش تقوم من مكانها طول العمر، زي ما هي مش قادرة تقوم دلوقتي.
تهديدها بذلك الشكل، جعل الجنون يكاد أن يفتك به، فوجد ذاته يدنو نحوها ببطءٍ مرعب وهو يهمس لها بهسيس خطير يذيب العظام:
-عيدي كدا كلامك، معلش مسمعتش كويس.
شعرت "كاميليا" بأنها تخسر في تلك المعركة للمرة الألف، لذلك حاولت تغير مجرى الحديث، وهي تدنو نحوه ببطءٍ مقلق وتضع يده فوق صدره تتحسسه بإغراء متمتمة:
-أعمل إيه، أعصابي تعبت من تجاهلك ليا، فقولت أي كلام، وعمومًا أنا عندي أستعداد أعوضك، بما أن مفيش حد موجود في البيت نسهر مع بعض سوا.
أنتابته قشعريرة بجسده الضخم القوي، فـ دفعها وهو يستغفر ربه، وعيناها متوسعتان بشدة من ردة فعله، لينفرج ثغرها بذهولٍ وهي تستمتع إلى كلماته المعبرة عن إشمئزازه:
-هو إنتي سهلة للدرجة دي، روحي أستحمي يا كاميليا، يكش تنضفي من جوا شوية.
وكاد أن يذهب، لولا أنها ركضت و وقفت قبالته وهي تقول بإنفعال:
-إنت بتعمل فيا كدا ليه؟ إنت عارف إني بحبك.
وجد نفسه يهدر بها بصوتٍ جهوري يرتجف له الأبدان:
-لأ، فوقــي، إنتي مش بتحبيني وإنتي عارفة ده كويس، فإبعدي عني، وطلعيني من دماغك، أنا خلقي في مناخيري، ومش طايق حد، وأنتي مش هتحبي تشوفي الوش التاني مني.
أنهى حديثه في اللحظة التي دخلت بها مدبرة المنزل، وهي تحمل حقيبتين سوداء -متوسطة الحجم- وتناولهم إياه قائلة بصوتٍ هادئ وبوجهٍ مبتسم:
-أتفضل يا سيدنا، الأكل إللي حضرتك طلبته الصبح كله موجود في الشنطتين.
سألها بإهتمام:
-والعصاير والفواكه؟
ردت عليه بذات اللهجة:
-كله موجود، إطمن.
أومئ لها بتنهيدة حارة، قبل أن تقع عيناه مجددًا على "كاميليا" لتشمئز ملامحه على الفور وهو يخرج من القصر بخطواتٍ راكضة، وبداخله يستغفر، ويشعر بالإشمئزاز من لمساتها عليه، حاول أن ينفض من حدث من رأسه، وينشغل في قضيته التي من الواضح أنها ستستمر لفترةٍ طويلة.. "روفـان".
في حين وقفت "كامليليا" أمام مدبرة المنزل تسألها بحدة:
-الأكل ده بتاع مين بظبط؟
ردت عليها بوجهٍ جامد:
-كل إللي سيدنا قاله، إن في حد يخصه مريض في المستشفى، وجايبله أكل بيتي.
سألتها بسخرية:
-شنطتين بالحجم ده لمريض واحد بس في اليوم؟
-لأ شنطة ليونس باشا، وشنطة تانية لواحدة إسمها روفان.
وقع الأسم عليها كالصاعقة، أرتدت للخلف بقوة وهي تهمس بذهولٍ صادم:
-روفان؟
*****

أنت تقرأ
أحيا بنبضها - أميرة مدحت
Romanceلم تكن من النساء الذي يفضلهن، فـ هو لم يكن شغوفًا بجنس النساء أبدًا، ولكن إلتقى بها مصادفة في عرينه فـ لم يدري على أي من الجمر يتقلب حتى وجد نفسه يخرج من غيابة الجُب إلى غياهب الحب، ولكن كيف؟ كيف يستسلم إلى مشاعره وهو أمامها السجان؟ وهي.. إبنة قاتل...