الفصل الثالث والعشرون

7.8K 382 18
                                    

رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الثالث والعشرون".

رغم ذلك، كانت تُعاني مع كوابيسها القاتمة، جعلتها تصرخ فزعة، تشعر أنها على وشك السقوط إلى هوة سوداء، وهناك ما يخنقها ويمنع عنها القدرة على الصراخ أو حتى النطق، حاولت جاهدة وهي تتلوى بعنفٍ، هناك ما يكبل ذراعيها وساقيها، كان صوتها يتحشرج هامسة ببضع الكلمات بلغة غير مفهومة سوى في عالم أحلامها وحدها.
على الجانب الآخر، رفض "يونس" تدخل أي طبيب وهو يراها تصرخ بتلك الطريقة التي تؤلم قلبه، أغلق الباب وهو يتحرك صوبها، جلس على طرف الفراش، وقبض على كف يدها يهمس لها برفقٍ حاني:
-رزان، رزان فوقـي، كل ده كـابوس، مش حقيقي.
لم تستجيب له لعدة دقائق، فـ مد يده بتردد يضعه على رأسها قبل أن يغمض عينيه ويردد عدة آيات قرآنية، ظل هكذا لدقائق قبل أن يفتح عينيه ويهتف بصوته العميق:
-أصحي يا رزان، ده مجرد كابوس.
فتحت عيناها مرة واحدة على أقصى أتساعهما، حبات العرق تغرق جبهتها، نظرت له بغرابة، وسرعان ما أمتلأت عيناها بدموعٍ حارقة موجعة، همست بصوتٍ متحشرج:
-يـونس.
تقلبت عيناها فيما حولها قبل أن تهمس له بخوفٍ:
-هو هنا؟!..
همس "يونس" بصوتٍ خافت وعيناه تطوفان على ملامحها المتألمة وعينيها الدامعتين بغزارة:
-مفيش حد هنا غيري، زي ما وعدتك إني هفضل جمبك.
ظلت صامتة تنظر له بعينين واسعتين دامعتين، أختنق "يونس" من رؤية دموعها، فـ همس بإختناق:
-إمسحي دموعك يا رزان، مش قادر أشوفك كدا.
رفعت يدها المرتجفة تكفكف بظهر يدها دموعها، قبل أن تهمس بإرتباك:
-هو إيه إللي حصل؟!..
تنهد بعمق قبل أن يخبرها بلهجة هادئة تمامًا رغم النيران التي تحترق بصدره:
-كنت مكلف حد من رجالة الفرعون أنه يراقبك، وقالي أنه شاف جلال بيتهجم على بيتك، أول ما وصلي الخبر جمعت رجالتي وجريت عليكي، والحمدلله لحقتك.
إبتسمت بسخرية قاتلة وهي تهمس:
-في غيابه بفضل أحلف وأتكلم بأعلى صوت إني لو شوفته هخلص عليه، وأول ما بشوفه قدامي ببان قدامه على طول إني جبانة، وصغيرة أوي، صغيرة أني أفكر أقرب منه وأأذيه، أنا مبعرفش أنفذ إللي بقوله.
رد عليها "يونس" بلهجة قوية:
-ده طبيعي يا رزان، لإنك في الأول والآخر إنسانة، إنتي عمرك ما أذيتي حد، فـ صعب إنك تأذي إللي قدامك، لازم تفضلي حاطة في دماغك إنك مش زي جلال، ومينفعش تكوني زيه في يوم من الأيام، لإنك لو بقيتي زيه، هتبقي وقتها أدمرتي بمعنى الكلمة.
حاولت "رزان" أن تعتدل في جلستها، وما أن أعتدلت حتى قالت بصوتٍ هادئ.. ميت:
-أنا عاوزة أطلق يا يونس.
ثم هزت رأسها بالسلب وهي تخبره بصوتٍ متحشرج من البكاء:
-أنا لو مطلقتش منه هموت، هيجرالي حاجة، أكيد هيجرالي، إنت لو أتأخرت كنت هتلاقيني ميتة.
أدمعت عيناها رغمًا عنها وهي تقبض على يده هاتفة برجاءً:
-ساعدني أرجوك، ساعدني أخلص منه، طالمًا أنا مش عارفة أخلص منه، ساعدني إنت لإن ماليش غيرك من بعد ربنا، وإلا هموت.
أعتصر قلبه ألمًا وهو يخبرها بحدة:
-بعد الشر عليكي، متقوليش الكلمة دي تاني.
شعر بأن أنفاسه تضيق من تلك الكلمة القاسية، فـ سحب نفسًا عميقًا وهو يخبرها:
-وأنا مش هسيبك، ماتخفيش أبدًا، هطلقك منه، لأن لازم ده يحصل، لازم.
تسائلت بصوتٍ حائر:
-طـ.. طب إزاي؟!..
صمت "يونس" قليلًا ولكن عيناه أنبئت بما يفكر فيه، كانت تلتمع بغموضٍ قاسٍ، وقد قرر أن يلعب معاه لعبةٍ دنيئة مثلهِ تمامًا.
*****
ظل "هارون" واقفًا بإرتباكٍ حائر، يُسير ذهابًا وإيابًا بقلق، حتى إنتبه إلى صوت فتح الباب، وخروج كبير الأطباء منه، ليركض في إتجاهه وهو يسأله بتلهفٍ مهتم:
-دكتـور، إيه الأخبار؟!.. روفان كويسة؟!..
رد عليه كبير الأطباء بهدوءٍ جاد:
-الحقيقة يا سيدنا، سبب الإغماءة إنه كان ضغطها عالي، فالجسم مقدرش يتحمل كدا، لكن هي بقت كويسة دلوقتي.
مسح "هارون" على خصلات شعره بقوةٍ وهو يسأله بحدة:
-كوةسة إزاي؟!.. روفان بيغم عليها بسرعة، ودي مش أول إغماءة ليها في الشهر ده؟!..
رد عليه كبير الأطباء بلهجة عملية:
-يا سيدنا، أنا بتكلم عن إغماءة النهاردة تحديدًا، أنما إغمائتها المتكررة دي قصة تانية، على حسب الفحوصات، مدام روفان أتضح أنها بتعاني من أنيميا حادة، وده غلط، وده بردو إللي بيخيلها تقع من طولها على طول، لو زعلت جامد، أو ضغطت على نفسها في حاجة، وهي لازم تتعالج من ده وإلا على مدى البعيد هتوصل لحالة سيئة جدًا فوق ما يمكن أن تتخيل.
أنتفض قلبه بعنفٍ وهو يسأله بلهفة:
-طب الحل؟!..
رد عليه مشيرًا بيده:
-أنا هكتبلها على شوية أدوية، لازم تاخدهم بإنتظام، وفي نفس الوقت لازم تتغذا كويس، لأن واضح جدًا أن أكلتها قليلة، وده غلط في حالتها.
أومئ رأسه بالإيجاب وهو يخبره بصيغة آمرة:
-أكتبلي كل إللي هي محتجاه، وإلللي لازم تاخده في الأدوية بالمواعيد، وأنا هجيبهم.
حرك كبير الأطباء رأسه موافقًا، قبل أن يخبره ببسمة هادئة:
-طيب هي فاقت على فكرة، وتقدر تخرج النهاردة لو كنت حابب يا سيدنا.
أنتعش قلبـه من جديد، ودب في جسده الروح، وهو يراه يغادر من أمامه، تحرك ببطءٍ نحو الباب الذي كان مواربًا، ليراها تأخذ الدواء من الممرضة، وتعبيرات تنقبض بعنف من مرارة الدواء، ورغم ذلك همست بتعبٍ واضح:
-هو أنا أغم عليا ليه؟!..
ردت عليها الممرضة بهدوء:
-الضغط كان عالي.
بلعت ريقها بمرارة وهي تسألها بتردد:
-بس أنا بيغم عليا كتير؟!.
إبتسمت لها الممرضة وهي تخبرها:
-ده طبيعي، لأنك عندك إنيميا، وعلى الفحوصات إنتي مهملة في صحتك.
هتفت "روفان" بصوتٍ متحشرج:
-طب إيه المطلوب مني، لأني مش عاوزة يغم عليا تاني.
سقطت دمعة حارة من عينها وهي تتابع بحرارة:
-مش عايزة أقع تاني قدامه، مش عايزة.
-هو ميـن؟!..
تسائلت الممرضة في حيرة، في حين شعر "هارون" بنغزة قاسية في قلبه، وقد تأكد تمامًا من خسارتها، حاول أن يظل متماسكًا قبل أن يطرق على باب الغرفة ويدخل بهدوء، توسعت عيناي "روفان" وهي تخبره بحدة:
-إنت إيه إللي جابك هنا؟!.. عاوز مني إيه؟!..
رفعت الممرضة حاجباها للأعلى بذهول وهي تنظر للفرعون، فكيف أتتها الجرأة لتتحدث بذلك الشكل الفظ لحاكم القرية، وهو يظل واقفًا ثابتًا دون أن يغضب ويثور، هزت رأسها في حيرةٍ أكبر قبل أن تخرج من الغرفة وهي تغمغم بعدة كلمات في نفسها غير مفهومة.
قال "هارون" بلهجة قوية:
-خدي بالك إنتي بتتكلمي مع مين؟!.. مش هسمحلك نبرتك تعلى عليا أنا؟!..
إبتسمت بسخرية وهي تخبره بحدة:
-وإنت فكرك إني هخاف منك؟!.. خلاص يا هـارون، روفان إللي كانت بتخاف وبتعيط ماتت، وفي عز ما أنا بحاول أبني نفسي بمساعدتك، روحت هدتني وكسرتني، بس أنا مش هفضل واقعة كتير.
كان يحدق بها بنظراتٍ غريبة ولكن بها إعجابٍ خفي، لتتابع بحدة غليظة:
-هقوم بسرعة، وهقف قصادك أدافع عن أبويا، ومش هسمحلك تأذيني ولا تأذي أخواتي.
برقت عيناه بعنف وهو يخبرها:
-أنا لا يمكن أأذيكي يا روفان، لا يمكن أبدًا.
ردت عليه بثقة:
-بس هتأذي أخواتي، وده في حد ذاته أذية ليا يا كبيرنـا.
رد عليها بلهجة جهورية وهو يدنو من فراشها:
-أبوكي هو إللي قتل أبويا، وأمي ماتت من حسرتها ووجعها على أبويا، وخلاني أبقى يتيم الأب والأم وأنا لسة صغير مش فاهم حاجة في الدنيا، لازم أجيب حقـه وحقــي.
هدرت بلهجة عنيفة وهي تحترق بداخلها:
-أبويا أشرف من الشرف نفسه يا هارون، أبويا كاان أحسن شخص في البلد دي كلها، وكان بيعمل خير، وعمره ما فكر يأذي أي حد، وهو وأبوك كانوا صحاب وإنت عارف ده كويس.
هدر بها بعصبية:
-بس قتـله لما كشف خيانتــه.
هدرت به بعينان تقدحان شرًا:
-أخـــرس.
قبض على رسغها بعنف وهزها بقوة وهو يصيح بغضبٍ ناري:
-هي دي الحقيقة إللي إنتي مش عايزة تواجيها، أبوكــي قـاتل، حرامي وقـاتل وخايـن.
دفعته بعنف وقد بدأت تشعر بتغييرات في جسدها وهي تهدر:
-قولتلك أخــرس، أخــرس خـالص، مش عاوزة أسمع صوتك، ولا أشوف وشك تاني، إبعد عن حياتــي.
هدر بها بغضب يكاد أن يدمر اليابس والأخضر:
-مش هبعد، القدر هو إللي جمعنا، وأنا مش هبعد إلا لو مـوت، فاهمة، ولا أفهمك بطريقتـي؟!..
شهقت "روفان" بعنف وهي ترى شقيقها "فادي" يدخل الغرفة بعينين مذهولتين تحولت إلى قاسيتين في لحظة، وهجم على "هارون" يدفعه بعنف بعيدًا عنها هادرًا بصرامة:
-إبعـد عن أختـي، إياك تفكر تقربلها.
بدأ يهاجمها الألم في رأسها، وتدير الدنيا من حولها، في حين هدر الفرعون بلهجة جهورية وهو يقبض على تلابيبه:
-هتعمـل إيه يعنـي؟!..
دفعه "فـادي" بقوة وهو يهدر:
-قرب بس وإنت هتشوف، إلا أختـي، حسابك معانا إحنا يإإبن الكـردي.
هدرت "روفان" فجأة وهي تشعر أن العالم يظلم من حولها:
-كفايـة، كفاية بقى، حرام عليكم، آآآه.
زاد الألم برأسها بعنفٍ، ليرتبك "هارون" بشدة وهو يتوجه نحو الخارج ليهدر بلهجة جهورية صارمة:
-دكتـور شوقـي.
ألتفت برأسه نحوها ليجد "فادي" يضمها إلى أحضانه بوجهٍ شاحب خائف عليها، وهي تهمس بإعياء:
-أنا تعبانة، تعبانة أوي، الألم لا يطـاق.
وهنا أختنق الفرعون أكثر، وقد بدت له أنها بالفعل بعيدة عنه تمامًا، ولا يمكن أن تكون له في يوم من الأيام، هي ليست الفتاة الوحيدة الموجودة، لكنها الفتاة الوحيدة الموجودة في قلبه.
*****

نجحت عملية إخراج الرصاصة بنجاح من كتفه، ليجلس "جلال" على الأرضية وهو يتألم بعنفٍ، يئن في صمت وهو يحدق في "يونس" بنظراتٍ مغلولة، بادله الأخير نظراتٍ باردة للغاية، قبل أن يجلس أمامه على المقعد ويضع ساقه فوق الأخرى، إبتسم بقساوة وهو يخبره:
-عندي ليك عرض، هتحبه أوي، فتركز معايا.
ظل "جلال" صامتًا وهو يضع يده موضع الألم الذي لم يطهر بعد، ليخبره "يونس" بغموضٍ:
-تاخد كام وتطلق رزان؟!..
*****
#أحيا_بنبضها
#أميرة_مدحت
بلاش إحباط واتفاعلوا ياريت، أنا لسة تعبانة لغاية دلوقتي ورغم كدا بلتزم، والله يا جماعة الايك ده مش هياخد منك ثانية وهيفرحني أوي، حاولوا توصلوا الفصل ل400

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن