الفصل الثلاثون

8K 385 24
                                        

رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الثلاثون".

إنني العاشق.. وأنتِ الأرض الحبيبة.

أخذ يضغط بشدة على رقبتـه وهو يزمجر غاضبًا، أرتجف "يحيى" تحت قبضتـه كمـا تحشرج صوتـه، أخذ يُصارع ويحاول بكل قدرته على أن يستنشق نسمة هواء، تحول وجهه للون الأحمر الداكن ثم تغير إلى اللون الأزرق، ومع ذلك لم تتراخى أصابع "هارون" عن عنقـه، في حين حاول "يونس" إبعاده عنه وهو يهدر بصوت قوي:
-لأ يا هارون، متوديش نفسك في داهية عشان (...) زي ده.
لم يعبئ "هارون" بكلماته، بل صورة "روفان" وهي بين ذراعيه غارقة في دمائها هي من سيطرت على عقله، قبض "يونس" على ذراعه بقوة، حاول أنتزاع يده المطبقة على رقبة "يحيى" قائلاً برجاءً رغم حدة لهجته:
-سيبـه يا هارون، هيموت في إيدك.
لم تنجح محاولاته، فتابع "يونس" بتلهف وهو متأكد أن تلك المحاولة حتمًا ستنجح:
-طب عشان خاطر روفان إبعد، روفان لو فاقت ولقت أخوها أتقتل على إيدك، هتبصلك إزاي؟
عند سماغ إسمها، وكلماته التي إستطاعت في إفاقته عن غضبه الأعمى، وجد نفسه يرخى أصابعه عن رقبته، أحتقنت عيناه بحُمرة مُخيفة وهو يطالعـه ببنظراته الشرسة، أخذ يسعل "يحيى" بقوة، لم يستطع أن يتحرك من مكانه وهو يتحسس رقبته غير مُصدق أنه على قيد الحياة، فقد كان محاصر بين براثن وحش كاسر، تراجع "هارون" بعيدًا عنه وهو يخبره بصوتٍ قاتم:
-أنا مش هحاسبك دلوقتي، إنت هتطلع من هنا على المعتقل، وصدقني هتاخد عقابك إللي تستاهله.
ثم أشار بإصبعيه وهو يخبره:
-وحتى لو روفان سامحتك، عشان أنت أخوها، أنا بردو هحاسبك.
قالها قبل أن يخرج من الغرفة وهو يأمر أحد رجاله، بأن يأتي هو واحدٍ آخر يحرسان الغرفة، حتى لا يستطيع الهروب، ومن ثم تحرك بخطوات السريعة إلى غرفة "روفان"، وخلفه "يونس".
كان "فادي"يتابع "هارون" بعيون مذهولة، لقد ترك أخيهِ حيًا ما أن إستمع إلى إسم شقيقته، أحتقنت عيناه وقد بدأت الغيرة تنهش في قلبه، حاول أن يتمالك نفسه، وأول ما سيفعله ما أن تستعيد روفان وعيها، سوف يأخذها ويهرب بعيدًا عن هنا.
عاد يستدير إلى "يحيى" الذي سأله بقلق:
-هو أنت شاكك أني ممكن أعمل كدا؟
إبتسم "فادي" بسخرية قبل أن يخبره:
-أنا متأكد مش شاكك وبس، أنا عارف أنك بتكرها من زمان، ونفسك تخلص منها، بس متوقعتش للدرجة دي، أن الموضوع يوصل أنك تحاول تقتلـ.ها.
كان وجه "يحيى" جامدًا وهو يستمع إلى حديثه، ولكن أنقبض قلبه حينما سمعه يقول:
-وومش بس كدا، حاولت تخلص منها قبل كدا من غير ما تبان في الصورة، فـ وافقت على فكرة نائل أنه يلبسها تُهمة زنـ.ا، إلي عقوبتها الموت، مش كدا؟
أعتدل "يحيى" في جلسته، حتى بات جليسًا على الفراش، وهو يحدق أمامه بإبتسامة ساخرة، فـ دنى منه "فادي" قبل أن يسأله بلهجة مُحتدة:
-ليه بتكرها أوي كدا؟ أنطـق عاوز تخلص منها ليه؟
رد عليه "يحيى" بلهجة غليظة:
-ملكش فيه، وإن فشلت المرتين إللي فاتوا، هنجح في الجاية، هخلص عليها ومش هسيبها تتهنى لحظة واحدة وآآ..
قبل أن يتمم كلمته، وجد "فادي" يقبض على تلابيه، ويلكمه في ذقنه بعنفٍ، ولكمه أخرى بجانب فمه، لتنهمر الدماء من بين أسنانه، وهو لا يستطيع الإستيعاب ومواجهة غضبه وعنفه، هدر "فادي" بلهجة جهورية:
-ليــه؟ ليـه تعمل فيها و فيا كدا؟ أنت فكرك أني هسيبك؟
ثم نظر له بجنون وهو يتابع:
-بقى هارون.. عدونـا، إللي نفسنا نخلص منه ويخلص مننا كلنا، يبقى قلبه عليها، وبيتهز لما بيسمع إسمها، وأنت.. أنت جاي عاوز تخلص عليها بدم بارد!.. إنت إيه يا أخي حجــر.
هدر الكلمة الأخير بعصبية مفرطة، لتظهر عروق نحره، و"يحيى" صدره يعلو ويهبط، محاولًا التنفس بصورة طبيعية، رمقه "فادي" بنظرةٍ أخيرة قبل يهز رأسه أسفًا وهو يخبره:
-لغاية آخر لحظة كان عندي أمل يكون أنت برا الموضوع ده، وبما أنك مُصر على إللي بتعمله، فمنك لهارون، مش همنعه يجيب حق روفان.
بلع ريقه بمرار قبل أن يختم حديثه بلهجة مُحتقرة:
-لا إنت أخويا ولا عاوز أعرفك من بعد النهاردة.
ثم إلتفت إلى الباب وغادر بسرعة البرق، تاركًا "يحيى" في حالة جمود وبرود غريبة، مدد جسده على الفراش، و وجد نفسه ينتظر الموت بصدرٍ رحب.
*****

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن