الفصل العاشر.

10.3K 422 15
                                    

رواية "أحيا بنبضهـا".
"الفصل العـاشر".

دائمًا نخاف من الفقد، نخاف من الفراق.

لمح تلك العبرات التي تسقط من طرفي جفنيها المغمضتين، إنقبض قلبه بقوة وإزداد خوفه الشديد حينما أنتفض جسدها وقد أصدرت شهقة قوية وكأنها على وشك الغرق أو السقوط في حفرة، ضيق "يونس" عينيه بقلق حينما رأى ذراعيها تتحركان بضعف وكأنها مقيدة بقيود وهمية، فـ وثب واقفًا من مكانه وتحرك نحوها وهو يمسك يدها يفركه بين راحتيـهِ قائلًا بصوتٍ أجش:
-رزان، رزان فوقـي.
كانت تحرك رأسها ببطءٍ شديد وهي تغمغم بكلماتٍ غير مفهومة، وتملك القلق من كافة جوارحه وهو يقول:
-رزان، فوقي يا رزان، ده كابوس.
فتحت عينيها فجأة وهي تشهق، فـ جلس على طرف الفراش وهو يسحب منديلًا ورقيًا من حافظة المناديل الموجودة على الكومود، وبدأ يمسح برفق حبات العرق على وجهها وجبهتها وهو يحدثها برفق:
-متخافيش، أنا موجود جنبك.
نظرت إليه "رزان" بعدم إستيعاب، وكأنها لا تعرف من يكون، لحظات وكانت تهمس بإسمه بعينين واسعتين:
-يونـس!!..
ألتفتت حولها وهي تسأله بضعف:
-أنا فين؟!..
رد عليها "يونس" ببسمة خفيفة:
-حمدلله على سلامتك، حاسة بإيه دلوقتي؟!..
تجلّت معالم الذعر على نبرتها الواهيه، وهي تكافح ألمين، ألمها الجسدي الحي، وألم روحها المرتعبة قبل أن تسأله:
-هو فين؟!.. جلال فين؟!.. أبعدوه عني.
كانت تغمغم بتلك الكلمات بنبرة ملتاعة وهي تحاول النهوض من مكانها، ولكن قبض "يونس" على ذراعيها يمنعها من أي حركةٍ وهو يخبرها بلهجة محتدة:
-أهدي يا رزان، هو مش هنا، وميقدرش يقرب منك طول ما أنا موجود.
حدقت فيه بعيون واسعة، وصدرها يعلو ويهبط من فرطِ الخوف، فهتف بها بهدوءٍ:
-مددي جسمك، ومتخافيش.
وبالفعل أرجعت ظهرها للخلف، قبل أن يسألها بهدوءٍ مريب:
-هو جلال فعلًا يبقى جوزك.
أنهمرت دموعها وهي تهز رأسها بالإيجاب، شعر بنغزة في قلبه وهو يسحب نفسًا عميقًا، يزفره على مَهَل، فسألها بإستنكار:
-إزاي؟!.. أنتي عايشة هنا بقالك 7 شهور كاملين، والكل عارف أنك مش متجوزة.
ردت عليه بلهجة متألمة:
-عشان هربت منه.
بلعت ريقها بصعوبة وهي تتمعن في تعبيرات وجهه الواجمة، قبل أن تستكمل حديثها بصوتٍ مهزوز للغاية وقد طغت عليها أحزانها:
-أنا يتيمة الأب والأم، مكنش ليا غير جدتي، عشت معاها لغاية ما ربنا أفتكرها، فـ بقيت لوحدي، وخوفي من وحدتي، خلاني أوافق على جلال لما أتقدملي، عملنا فترة خطوبة، وكان شخص بالنسبالي مثالي، مطولناش في الخطوبة، وأتجوزنا، بس أبتدا وشه الحقيقي يظهر، و وراني النجوم في عز الضهر.
تجهمت تعابير وجهه بقسوةٍ، وها هو يشهد على حادثة جديدة، لا يعلم لمَ أنتشرت تلك العدوى، عدوى العنف!.. حاول أن يظل ثابتًا، ولكن أحمرت عيني "يونس" كجمرتي من النار، أنهمرت دموعها من طرفي عينيها وهي تتابع بألم:
-شخص سـ.ادي، مريض، كل يوم أخدلي علقة محترمة، كان يرجع وهو سكران ومش حاسس بالدنيا، صوت صريخي من الضرب إللي كنت باخده كان بيوصل للجيران، لغاية ما في يوم، كل حاجة أتغيرت لما آآ...
أجتاحها ألم مفاجئ في ظهرها، فـ صرخت بألم، ليسألها بقلق:
-مالك يا رزان؟، حاسة بإيه؟!..
سحبت نفس عميق وهي تُجيبـه بوهن:
-مش عارفة، بس وجع غريب في ضهري.
تقلص وجهها بألم وهي تسأله بإهتمام:
-دلوقتي هيكون موقفي إيه في القضية دي؟!..
رد عليها بلهجة رجولية قوية:
-أنا والفرعون هنقعد ونحقق معاكي، وهنسمع بردو جلال، وبعدها لازم تحصل مواجهة بينكم وآآ..
هدرت فجأة برعـب:
-لأ.
أعتدلت في جلستها قبل أن تقبض على يده بقوة وهي تخبره برجاء:
-أرجوك يا يونس، أرجوك متخلنيش أقابله، أنت متعرفش ده ممكن يعمل فيا إيه، ده هيقتلني، هيقتلنـي والله، أنا آآآ..
حاول أن يهدئ حالتها الهيسترية، فـ قبض على ذراعيها بقوة يهزها برفق قبل أن يقاطعها بحدة:
-أهدي، أهدي يا رزان، أنا قولتلك ميقدرش يهوب ناحيتك، طول ما أنا موجود.
ثم سحب منديلًا ورقيًا آخر يناولها إياه وهو يُضيف بدفئ:
-خدي، أمسحي دموعك، وأفردي جسمك، أنتي محتاجة الراحة.
وقبل أن تمدد جسدها على الفراش، إستمعت إلى جلبة تحدث بخارج غرفتها، وأصوات عالية تجأر بغضب.. وإنفعال بيّن، دق قلبها بخوفٍ وهي تسأله:
-هو في إيه؟!.. إيه الأصوات دي؟!..
ألتفت "يونس" برأسه محاولًا فهم ما يدور في الخارج، هب واقفًا فجأة وهو يقول بصوتٍ مصدوم:
-ده صوت هارون!..
همست "رزان" بذهول:
-الفرعـون؟!..

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن