الفصل الثامن

10.6K 427 10
                                    

رواية "أحيا بنبضها"
الفصل الثامن

الجزع لا يدفع القدر، ولكن يحبط الأجر.

ألجمت الصدمة لسانها، وتجمدت في مكانها.. حاولت أن تبعد يده الغليظة عن فمها، تلوت بين يديه بتشنجٍ لم يستطع هو مجابهته، خاصةً إنها أستخدمت أظافرها الصغيرة في محاولة التخلص من قبضته الغليظة، أنفلتت منه لكنه كان أسرع في الإمساك بها من جديد ومع صرختها المستفيدة:
-ألحقــونـ....
تلقت "رزان" ضربة قوية على رأسها لم تفقدها الوعي، ولكن أسقطتها من فرط قوتها، فصاح فيها "جلال" بعصبية:
-أنتي فكرك هتهربي مني؟!..
حدقت فيه "رزان" برعب وهي تسأله:
-أنت عاوز مني إيه؟!.. هتعمل فيا إيه تاني؟!..
دنى منها عدة خطوات قبل أن يجذبها من حجابها بقسوةٍ، فصرخت برعب.. توسعت عينيها أكثر وهي تستمع إلى لهجته القاسية المخيفة:
-هربيكي من أول وجديد يا روحي، بتخرجي مع راجل غريب وأنتي لسة على ذمتي؟!.. بتهربي من بيتك وسبتي مصر كلها عشان تمشي على حل شعرك.
هزت رأسها بالسلب سريعًا وهي تقول بقوة محاولة التملص منه:
-أنا هربت من عمايلك وعذابك ليا، أنا مش جارية عندك يا جلال، إبعد عنـي بقى.
قالت آخر كلمتها وهي تحاول أن تدفعه بعنف، لكن صفعة عنيفة منه على وجنتها، جعلتها تشهق بصدمة وتكاد أن تقع مرة أخرى ولكن تماسكت على آخر لحظة، قبل أن يجذبها من حجابها وينزعه ملقيًا إياه على الأرض ثم يجذبها من خصلات شعرها وهو ينطق بلهجة جهورية:
-صوتك علي يا رزان، واضح أن الفترة اللي فاتت دي لقيتي حد قوى قلبك، لكن مش عليا أنا، النهاردة هتتحاسبي على هروبك، بقى مراتي أنا تهرب عشان تخرج مع الرجالة وتمشي على حل شعرها يا بنت الـ(...).
ختم سبته الأخيرة بصفعة أشد قسوة على وجنتها الأخرى، أرتطم جسدها بالأرضية الصلبة بقوة، وهي تشعر أنها على وشك فقدانها الوعي، زحفت "رزان" للهروب من براثنه نحو غرفتها، لكن تفاجآت بذاك اللعين يسحب ساقيها ويسحلها نحوه مرة أخرى، فدفعته بساقيها دفعة قوية ردت في صدره، وقاومت آلامها القاسية لتنهض من جديد.. أنذاك قد طالها، واجتذبها من شعرها، وقبل أن يصيح بأعلى صوت لديه، كان تسمر في مكانه وهو يستمع إلى رنين جرس الباب!!..
توسعت عيني "رزان" بأمل، فدفعها "جلال" بقسوة وهو يخبرها بتهديد تصريح:
-شوفي مين، ولو فتحتي بؤك بكلمة هكسر عضمك حتة حتة.
تذكرت تلك المرة التي دخلت فيها المشفى بسبب تلك الكسور التي حلت بجسدها على يده، فحركت رأسها بالإيجاب وهي تنحني تجذب حجاب الرأس ووضعتها على شعرها بشكل عشوائي وهي تتحرك نحو الباب لتفتحه و"جلال" خلفها لتصطدم برؤية "يونــس"، فهتفت بتلهف:
-يونــس.
كان مبتسمًا إبتسامته الصغيرة الهادئة كالعادة، لكن سرعان ما تجهمت تعبيرات وجهه، وهو يرى تلك الكدمة الكبيرة على وجنتها، وشفتها السفلى تقطر دمًا، وعينيها تلتمعان بالدموع، أحتدت عيناه وهو يسألها بهمسٍ حاد قاتل:
-مين إللي عمل فيكي كدا؟!..

*****

تحرك بخطواته الثابتة أمام لوحته، يتمعن في كل صورة، ولكن عينيه القاسيتين كانت تحدق في صورة الفرعون، وصورة "روڤان"، تقوس فمه بإبتسامة مخيفة بعدما وصل لذلك الحل، وهو يسأل نفسه مرارًا وتكرارًا:
-إنتوا الأتنين مينفعش تكونوا سوا، لازم حد فيكم يموت، نبدأ بمين؟!..
ظل يردد السؤال لفترةٍ طويلة، قبل تلتمع حدقتاه وهو يدقق في صورة "روڤان"، فوقف أمامها وهو يقول بلهجة آسفة:
-ولو إنك خسارة في الموت، بس زي بعضه، أنتي خطر عليا طول ما انتي جنب الفرعون.
أمسك بقلمه الأحمر وقام بعلامة خطأ على صورتها، قبل أن يخرج هاتفه ويعبث فيه قليلًا، ثم وضع الهاتف على أذنه منتظر الرد، وما أن سمع صوت الطرف الآخر حتى قال بلهجة آمرة:
-أسمع يا راشد، أنت الوحيد اللي بتحرس روڤان، عاوزك تخليها تهرب.
أنتفض "راشد" من مكانه وهو يهب واقفًا يسأله بذهول:
-تهرب؟!.. لأ إحنا متفقناش على كدا يا باشا.
رد عليه بلهجة قاسية:
-مش مهم نتفق، المهم تنفذ.
رد عليه "راشد" ردًا قاطع:
-للأسف مش هقدر، دي فيها رقبتي، والفرعون مش هيرحمني.
إبتسم بثقة وهو يقول بهدوئه المريب:
-معاك حق تخاف، بس واضح إنك نسيت أن أمك ومراتك تحت عين رجالتي طول الوقت، وممكن اكلمهم واقولهم يعملوا الصح.
تحدث "راشد" بلهفة وهو يقول برجاء:
-لأ يا باشا أرجوك، خرج أمي ومراتي، أنا مهمتي كانت بس نقل الأخبار، مش آآ..
رد عليه الرجل ببساطة شديدة مثيرة للأستفزاز:
-راشد مش عاوز كلام كتير، يا آه يا لأ، قولت إيه؟!..
لم تتحمل قدماه الوقوف، فجلس على المقعد البلاستيكي وهو يسأله بعجز:
-انفذ إمتى؟!..
أتسعت إبتسامته بإنتصار وهو يجيبه:
-بكرا الصبح تهربها، والباقي أنا هتصرف فيه.
هز "راشد" رأسه بالإيجاب قبل أن ينهي المكالمة، وهو ينظر أمامه بعجز، دنى منه "سعيد" يسأله بإهتمام:
-مالك يا راشد، شكلك مش طبيعي.
رد عليه بلهجة يملؤها العجز والهم دون أن ينظر إليه:
-مفيش يا صاحبي.
نطق "سعيد" بتساؤل قلق:
-ياعم قول، أنت مش شايف شكلك؟!.. إيه اللي جرا؟!..
رفع "راشد" رأسه وهو يقول له:
-أنا واقع في مصيبة يا سعيد، ومش عارف أعمل إيه، مصيبة سواء عملتها أو لأ، في الحالتين فيها موتي أنا وأمي ومراتي.
جحظت عيني "سعيد" بصدمة وهو يدنو نحوه متسائلًا:
-مصيبة إيه يا راشد؟!.. أنطق.

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن