الفصل الحادي عشر.

10.4K 396 3
                                    

رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الحادي عشر".

أموت من فُراقك، وأموت من لُقائك.

تابع ما يحدث من على بُعد بإهتمام بالغ، توسعت عينيهِ لوهلة وهو يستمع إلى كلمات الطبيب، فـ أنعقد حاجبيه بضيق، ثم أخرج هاتفه وعبث فيه قليلًا ووضعه على أذنه حتى أتاه صوت الطرف الآخر متسائلًا على ما أمره به، فأجابه بإنتباه وهو يتابع ما يحدث:
-الدكتور بيقول أنه أضطر يستغنى عن الجنين، عشان حياة الأم.
صمت الطرف الآخر بذهول وهو يسأله بذهول:
-هي كانت حـامل؟!.. طب وهي؟!.. مامتتش؟!..
رد عليه بإقتضاب:
-ثانية واحدة، الفرعون بيسأله أهو عن حالتها.
أبعد هاتفه عن أذنه وهو يستمع إلى سؤال الفرعون عن "روفان"، فـ رمقه الطبيب بغرابة لإهتمامه الواضح بمريضته، وسرعان ما تحكم في نفسه، وهو يُجيبـه بهدوءٍ:
-للأسف هي هتضطر هتقعد مش أقل من يومين أو 3، في إصابات وجروح كتير في جسمها، هتخليها متقدرش تقف على رجليها الفترة دي، وبعدها هتبقى بخير لو أرتاحت ومشيت على التعليمات الفترة الجاية.
ثم نظر الطبيب لزميله وهو يخبره:
-لما ينقلوها تابعها بنفسك.
وسار الأثنان سويًا حينما بقى "هارون" بمكانه، وكأن الهواء قد عرف طريقه إلى صدره أخيرًا بعد وقت طويل من الأختناق، تنفس بعمق وهو ينظر نحو غرفة العمليات آملًا بأن يراها ويطمئن عليها، ليجد "يونس" قريبًا منه وهو يعيد تساؤله:
-مش هتعرفني روفان خرجت من المعتقل إزاي؟!..
لم يجيبه بل تحركت عينيه على "نائل" يحدجه بنظراتٍ ساخطة، والأخير يحاول إستيعاب صدمة إجهاض طفله.
كان كل منهم غير مدركين تلك العينين تراقبهما بدقة، عاد يضع هاتفه على أذنه، وهو يتلفت حوله كي يتأكد عدم مراقبة أحد له وهو يقول:
-للأسف يا باشا، روفان لسة عايشة.
هب الراجل واقفًا بغضب وهو يسأله بعصبية:
-يعني إيه؟!.. بعد كل ده؟!.. يعني بعد التخطيط ده، بردو مامتتش.
رد عليه بهدوء:
-يا باشا المشكلة في الفرعون، واضح أنه مهتم بقضيتها، وحاسس أنها بريئة، هي كانت ممكن تموت فعلًا لولا أنه لحقها على آخر لحظة.
قبض على خصلات شعره بقوة وهو يخبره:
-طب أمشي من عندك، لأن الفرعون مش غبي، وممكن يلاحظ وجودك، وساعتها هقرأ عليك الفاتحة.
أرتبك لوهلة قبل أن يستعيد ثباته وهو يسأله:
-طب إيه الأوامر دلوقتي يا باشا؟!..
صمت قليلًا.. قبل أن يخبره بهدوءٍ صارم:
-تخرج من عندك على المعتقل على طول، تخلص على راشد، في خلال 24 ساعة عاوز ألاقي حادثة قتله كل القرية بيتكلموا عنها.
رد عليه بإبتسامة ثقة:
-أمرك يا باشا.

*****

لاحقً، تحرك "هارون" بخطى سريعة نحو الغرفة التي أنتقلت لها "روفان"، فتح الباب بحذر وعيناه تبحثان عنها حتى وجدها راقدة على الفراش بتعب، دنى منها ببطءٍ محدقًا بذهول في وجهها الشاحب المتورم، والكدمات تملئ ذراعيها، رجفة قوية أعترت جسده وهو يراها هكذا مستكينة، جلس على طرف الفراش ثم قبض على كف يدها برفق، قبل أن يهمس بصوتٍ عميق كعمق البحر:
-هتبقي كويسة، أوعدك يا روفان.
بدأ يُضيق صدره وهو يشعر أنه يرى والدته، حينما وقعت فاقدة الوعي، وظلت حبيسة في فراشها، لا تشعر بما يحدث حولها تمامًا كـ"روفان" الآن، همس بصوتٍ مُختنق:
-وإللي وصلك لكدا هيدفع التمن، هخليكي تاخدي حقك منه.
وضع كف يدها على بطنها برفق، ثم نهض بهدوءٍ مبتعدًا عنها، ألقى نظرة على ساعته الفضية الثمينة، وهو يغلق الباب خلفه بهدوءٍ حذر، قبل أن يتقوس فمه بإبتسامة قاسية شرسة وهو يتحرك بخطى ثابتة، وعينيـه الجحيمتين تلتمعان بقوةٍ وهو يقول بإبتسامة واثقة:
-جه وقت الحسـاب.

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن