الفصل الثاني عشر

10.1K 423 11
                                    

رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الثاني عشر".

أحيانًا يكون الظلام، بداية لحيـاة جديدة.

أشتعلت القرية بالضجيج، والجميع يهرول يمينًا ويسارًا محاولين أن يخمدوا تلك النيران المشتعلة في ذلك المنزل، في نفس اللحظة حضر "سعيد" وخلفه أثنان من رجال فرعون، حدق بعينين واسعتين.. مصدومتين، على المنزل الذي أكلته النيران، فـ أوقف أحد القرويين وهو يسأله بحدة:
-في إيه؟!.. إللي حصل؟!..
رد عليه بلهجة ممتعضة مما يحدث:
-محدش عارف حاجة، إحنا كنا أعدين في أمان الله، والبيت أتحرق فجأة، منعرفش في حد موجود في البيت ده ولا لأ.
تابع "سعيد" ما يحدث حوله بنظراتٍ قلقة، حتى قبل أن يصدح صوت جهوري من أحد القرويين وهو يهدر:
-راشــد أتقتــل يا رجالة، راشـد أتقتـل.
وضع "سعيد" يديه فوق رأسه وهو ينظر أمامه بذهول، عيناه تلتمعان وهو يرى أن النيران قد تم إخمادها أخيرًا، فـ أنتفض جسده وهو يتسائل في حيرة عن من الفاعل لتلك الجريمة؟!.. والسبب؟!..

*****

كان "نائل" جالسًا على المقعد، ينظر للأسفل، وجسده يرتجف بإرتباكٍ قاتل، و"هارون" يدور من حوله يتمعن في كل حركةٍ تصدر منه، تقوس فمه بإبتسامة قاسية.. ساخرة، قبل أن يُشير بإصبعه لأحد رجاله الذين يقفون عند باب الغرفة، ليتحرك إحدهم يجلب المقعد الآخر ويضعه أمام "نائل"، فجلس عليه بإسترخاء شديد، ووضع ساقه فوق الأخرى، قبل أن يرفع بصره المحتد نحو وهو يسأله بوجهٍ مشتعل:
-إنت فكرك إني مش هعرف عن البلاوي إللي عملتها، وإنك هتعدي من جرايمك بمنتهى السهولة؟!.. ده أنت طلعت غبي أوي يا نائل.
ولكن ما لبثت أن تحولت نبرته للجدية وهو يتابع:
-بس معلش، أديك وقعت، وهتتحاسب على كل تصرف (...) عملته، سواء في مراتك، أو غيرك.
هنا فقد "نائل" قدرته على ضبط انفعالاته، فهاج صارخًا وغير عابئ بتبعات ردة فعله:
-أنا معملتش حاجة، هي ست هانم عاوزة تأذيني أكتر من كدا إيه؟!.. وأنت ماشي معاها في الدور ومصدقها، ومش مصدق إللي حصل قدام عين الكل.
أخرج "هارون" يده من جيبه ليطبق على عنقه، ضغط على عروقه متعمدًا إيلامه وهو يقول له بشراسةٍ:
-صوتك يوطى، شوف أنت قاعد قصاد مين، وبتتكلم مع مين.
قــاوم الألم الذي عصف به منتزعًا أصابعه القوية من على عنقه، تراجع خطوة للخلف ليهدر بأنفاسٍ لاهثة وقد نهج صدره صعودًا وهبوطًا:
-إنت بتعمل فيا كدا ليه؟!.. هي إللي خانتني، إنت بتحاسبني أنا على جريمتها في حقي؟!.
قست ملامح وجه "هارون" قائلاً بلهجته غير القابلة للتفاوض:
-هو إنت بتكدب الكدبة وبتصدقها، أصحى يا حبيبي، فـوق ومتعمليش الحبتين بتوعك.
سأله "نائل" بذهولٍ ونبضات قلبه تتزايد من حقيقة كشف أمرهِ:
-كدبـة إيه؟!..
احتدمت المناقشة بينهما وزادت من توتر الأعصاب واستثارتها لدى "نائل"، كان "هارون" متملكًا لأقصى الحدود، صارمًا في موقفه معه، غير متهاونٍ فيما هو متعلق بـ"روفان"، تهدل كتفا "نائل" في يئسٍ وهو يشعر أن حقيقته قد تم كشفها، ولكن رفض أن يصدق ذلك، فرجاه متوسلاً عَلَّ رأسه المتيبس يلين، ويخبره عن ما يدور في رأسه:
-يا سيدنا، فهمنـي، أنا هببت إيه في الليلة إللي مش معدية دي.
أشار "هارون" بإصبعيه للخلف ليتحرك أحد رجاله للخارج، ويغيب لعدة لحظات قبل أن يعود مجددًا وبرفقته الطبيبة "منى" التي ما أن رأت "نائل" حتى أحتدت عيناها وهي تصرخ بعصبية:
-يا كلب يا (...)، والله ما أنا سيباك، وهاخد حقي منك.
-بــــس.
هدر بها "هارون" وهو يهب واقفًا، فـ أدمعت عيناها بقهرٍ قبل أن تخفض رأسها تبكي بصمت على حالها، ليدنو من "نائل" الذي شحب وجهه بشدة، ورفع عينيه المهزوزتين نحو الفرعون الذي إبتسم بسخرية سوداء وهو يسأله:
-إيه رأيك في المفاجأة دي؟!..
سأله "نائل" بتوترٍ قاتل:
-أنا مش فاهم حاجة.
إتسعت إبتسامته السوداء أكثر وهو يخبره:
-بيعجبني فيك إصرارك أنك متتكلمش، تمام.. شوف يا نائل دلوقتي الدكتورة منى، جتلي وأعترفت بكل حاجة، من بداية ما خدت روفان أول مرة هناك والأعتداء إللي عملته سواء بالضرب أو غيره، وعرفتني تهديدك لما روحت بيتها وهددتها بأنك تحرق وشها هي وبنتها لو مزورتش التقارير.
هدر "نائل" بإنفعال بيّن:
-الكلام ده كدب، مفيش أي دليل وآآ..
قاطعه مشيرًا بسبابته:
-لا في دليل، أولًا مفيش واحدة هتتبلى عن نفسها وتودي نفسها في داهية عشان تسجن واحد (...) زيك، ده غير أن النهاردة وإنت في المستشفى، خليت رجالتي يدخولوا شقتك بالقوة، ويفتشوه حتة حتة، وفعلًا لقوا جركن ماية نار، إيه رأيك في الكلام ده؟!..
شحب وجهه إلى حدٍ ما، وإبتلع ريقه بتوتر ملحوظ، فصاح محتجًا بصوته الغاضب:
-وإنتوا بأي حق تفتشوا في شقتي وأنا مش موجودج فيها؟!.. ده كدا تعدي على آآ..
قاطعه "هارون" وهو يسدد له لكمة عنيفة في أنفه وفكه وهو يصرخ به بصوتٍ جهوري أجش:
-ماسمعـش حسك.
أخفض "نائل" رأسه كاتمًا ألمه في نفسه، وهو ينظر له بأعين مذعورة، بينما تصلبت ملامح "هارون" تمامًا وأشتعلت عيناه بلهيب أسود مخيف وهو يتذكر معاناه وألم "روفان":
-فكرك الرجولة بمد الإيدين، والتهديدات الفارغة، ده كلمة الرجولة دي معدتش عليك من أساسه، بتغتصب مراتك، وبتعتدي عليها بالضرب وبشهادة ناس أكدولي ده، ده غير حبسك ليها وده بإعترافك والدليل موجود في شقتك لغاية اللحظة دي، وآثاره على كل الشبابيك إللي في البيت، وأخرتها بتلبس مراتك قضية زنا عشان تترجم.
إبتسم بسخرية وهو يُضيف بغضبٍ حارق:
-ده غير أنك حاولت تمد إيدك قبل كدا على رزان، وتهديدك النهاردة للدكتورة منى هي وبنتها.
صمت قليلًا وهو يرى نظرات "نائل" الخائفة، والذي أدرك أن الآن مصيره الجحيم، فسحب نفسًا عميقًا وزفره على مهل، قبل أن يتمتم بهدوءٍ مفاجئ:
-تعرف بكل الجرايم إللي أرتكبتها دي، إنت هتقضي عمرك كله في المعتقل ده إلا إذا...
تعمد الصمت في تلك الكلمات تحديدًا، ليتحفز "نائل" في جلسته وهو يهتف بتلهف واضح:
-إلا إذا إيه؟!..
لم يجيبـه الفرعون، بل ألتفت بكامل جسده نحو الطبيبة "منى" التي كانت تنظر لهما بعينين دامعتين حمراوتين من الإنفعال، تنهد "هارون" قبل أن يدنو منها بهدوء، لتسأله بصوتٍ منتحب:
-هتسجني أد إيه يا سيدنا؟!.. عقابي هيكون إيه؟!..
صمت "هارون" يتطلع إلى معالم وجهها بهدوء، قبل أن يخبرها بإبتسامة هادئة جدًا:
-أنتي أم، وليكي بنت مالهاش غيرك، وأنا مقدر لحظة الصدمة إللي لجمتك، بس في النهاية جيتي، وطالمًا روفان كويسة، يبقى مفيش جريمة، وكفاية إنك عانيتي من الهزيمة والخوف، عشان كدا عقابك هيكون أن أول خمس حالات تجيلك في المستشفى، تعالجيهم على حسابك أنتي.
إبتسمت الطبيبة "منى" بعدم تصديق، وهي تتنفس بإرتياح قبل أن تسأله:
-يعني.. يعني أنا هاروح؟!.. معقولة؟!..
رد عليها بهدوءه المُميز:
-كفاية العذاب النفسي إللي عشتيه، تقدري ترجعي لبنتك، وماتقلقيش عليها، هي طول اليوم كانت تحت عنينا، وكنا بنبعتلها الأكل والشرب، وحد يطمن عليها.
أدمعت عيناها وهي تخبره بصوتها المتحشرج من البكاء:
-إنت رحيم أوي يا سيدنا، أنا مش عارفة أقولك إيه؟!.. شكرًا أوي.
هبطت دمعتين حارقتين لتمسحهم بظهر يدها وهي تحدجه بإمتنان، ليُشير "هارون" لأحد رجاله وهو يخبره محتدًا:
-تاخد الدكتورة منى، وتوصلها لغاية باب البيت، تطمن أنها دخلت، وترجعلي على طول.
-أمرك يا سيدنا، أتفضلي يا دكتورة.
قالها وهو يُشير بيده لتتقدم نحوه، وبالفعل غادرت معه وهي تحاول إستيعاب خروجها من ذلك المعتقل دون أن تتأذي، ألتفت "هارون" لـ"نائل" وهو يخبره ببرودٍ قاتل:
-فكرني أنا كنت بقولك إيه؟!..
رد عليه بصوتٍ مرتجف:
-كنت بتولي يا سيدنا، إني هقضي إللي باقي من عمري في المعتقل إلا إذا...، وبعدها أتكلمت مع الدكتورة.
جلس "هارون" على المقعد وهو يهمس همسًا خفيض شديد الشراسة:
-شوف يا نائل، عشان نبقى صرحا مع بعض، إنت رايح في داهية، إحنا معانا دليل تهديدك للدكتورة، ودليل على جريمة العنف في حقك مراتك.
رد عليه "نائل" بإبتسامة ساخرة:
-بس مش معاكم دليل بأني أن أنا إللي رتبت جريمة الزنا عشان تترجم في الآخر.
ألتوى ثغره للجانب وهو يخبره:
-إنت صح، لكن شوف الجريميتن دول يخلوك تقضي إللي باقي من عمرك في المعتقل، ده غير لو إحنا وصلنا للراجل إللي أتفقت معاه على الحوار ده، يبقوا 3 جرايم، فأنا هعمل معاك أتفاق عشان مضيعش وقتي ووقتك الغالي.
أرتبك "نائل" وهو يسأله بحدة:
-إتفاق إيه؟!..
رد عليه بوجه جامد الملامح ونبرة باردة:
-إنك تعترف بكل جريمة عملتها، وتقول إيه أسبابك، وأهمهم جريمتك بأنك حاولت تلفق لمراتك قضية زنا، وقتها العقاب هخففه عنك، لأن سواء أعترفت ولا لأ، هتتعاقب على 3 جرايم، فـ خليك شاطر وأعترف بالجريمة إللي عملتها في حق روفان، يعني بدل ما أغضب عليك بسبب الـ3 جرايم، هسامحك في الجرايم ماعدا جريمة واحدة، وهي جريمة أنك تلفق لمراتك قضية الزنا.
رد عليه "نائل" مبتسمًا بسخرية:
-إنت عاوزني أعترف على الجريمة الوحيدة إللي مش معاك أي دليل فيها يا سيدنا، أعترف ليه وأنت مش معاك دليل؟!.. أنت بتعمل كل ده عشان أعترف قدام الكل وتترجع حق روفان علنًا، ويتردلها إعتبارها.
رد عليه الفرعون وهو يهب واقفًا:
-عشان لو لقيت الراجل إللي أتفقت معاه على المؤامرة الحقيرة دي، وقتها هتموت يا نائل، 3 جرايم عنف وتهديد، يعني المـوت، فـ أنا بوفر عليك العقاب ده.
ثم إبتسم وهو يخبره بلهجة شديدة الصرامة:
-فكر في كلامي، وأول ما توصل للرد، إبقى بلغني، ولغاية ما تبلغني، هتفضل مشرفني هنا.
قال كلماته الأخيرة، ثم تحرك خارج الغرفة، تاركًا "نائل" في حالة ذهول، ينظر أمامه حوله بعينين واسعتين، فهو قد وقع مع من لا يرحم، وأهلًا به في جحيـم "هارون الكردي".

*****

-يعني إيه راشد أتقتل؟!..
قالها الفرعون وهو يقف أمام غرفة "روفان" في المشفى، جحظت عينيه بصدمة وهو يشد خصلات شعره بقوةٍ، هدر بغضب:
-مين إللي أتجرأ وعمل كدا في بيت من بيوت القرية عندي، مين إللي له مصلحة في قتله، وفي إن روفان تهرب من تحت إيدي؟!..
تنهد بغضب مكبوت وهو يسأله:
-مراته عرفت وولاده؟!.
صمت قليلًا يستمع إلى كلمات "سعيد" الذي يحاول تهدئته، وهو يخبره بأن زوجة "راشد" وأولاده قد أخذهم إلى مكان يدعى بالأستراحة، فهتف بإنزعاج:
-أقفل يا سعيد، أقفل، هخلص إللي في إيدي وأجيلك عشان أشوف بيت راشد، وبعدها هنروح على الأستراحة نشوف مرات راشد وأولاده عشان نأمنهم ونحل مشكلة السكن بتاعهم، سلام.
أنهى مكالمته بوجهٍ ممتعض، مسح على وجهه بقوة وهو يزفر بحرارة قبل أن يفتح الباب ويدخل الغرفة، تحرك نحو ببطءٍ، قبل أن يجلس على طرف الفراش، قبض على كف يدها برفق وهو يحاول أن يظل هادئًا في ظل ما يحدث حوله.

بعد فترة صغيرة، أستعادت "روفان" وعيها تدريجيًا، لكنها لم تعتد بعد على قوة الإضاءة التي غلفت أنظارها، شعرت بوهن عظيم في أنحاء جسدها، بحمل رهيب يجثو على صدرها، لم يكن بها أي طاقة للمقاومة، آلامها أكبر من قدرتها الحالية، كادت أن تستلم لثقل جفنيها وتغفو من جديد، لكنن أخترق أذنيها صوته الآمن لها هامسًا:
-روفـان.
فتحت عينيها، وظلت ترمش عدة مرات حتى أزيلت الغشاوة الضبابية عنهما، مال عليها بهدوء مريب:
-بقالك كتير نايمة.
أتسعت عينيها برعب قبل أن تهمس:
-إبني؟ إبني كويس؟!..
أشاح وجهه بعيدًا عنها، لتهتف بضعف أذابه:
-أرجوك رد عليا، إبني كويس؟!..
عاد ينظر إليها وهو يقبض على كفها بهدوء، لتحاول أن تعتدل في جلستها لكن تأهوت بعنفٍ، فقال بهدوءٍ صارم:
-متتحركيش، إنتي لسة تعبانة.
أدمعت عيناها وهي تسأله:
-رد عليا، أنا إبني جراله حاجة؟!..
تنهد وهو يخبرها بالحقيقة المُرة:
-ربنا كان أداكي حاجة جميلة أوي عشان تشد من أزرك، ورجع خدها تاني يا روفان لسبب يعلمه لوحده، فـ أرضي بقضاء ربنا.
تسارعت نبضات قلبها من قوة عبارته، وشعرت بتلك الأنتفاضة العنيفة في جسدها، قبض "هارون" على كفها المرتعش بيده قائلًا بتأكيد قلق:
-ماتقلقيش، صدقيني إللي عماوا فيكي كدا هيتحاسبوا، ونائل أنا مش هسيبه إلا وهو بيتمنى الموت.
أنهمرت دموعها وهي تشهق بعنف تهز رأسها بالسلب هامسة بعذاب:
-مش ممكن، إبني راح بسببي أنا، لما هربت منك، راح بسببي أنا.
ثم نظرت له بعيون حمراء.. مقهورة وهي تهمس:
-أنا آسفة، أنا آسفة، مصدقتكش لما قولتلي إللي برا هيموتوني، ودفعت التمن غالي، بس مش إبني يارب، يارب أنا موجوعة أوي، أنا مش قادرة.
ظلت تخبر نفسها بتلك الكلمات، لم تشعر بيده التي أمتدت نحو رأسها يجذبها إلى صدره بهدوء، لتنهار باكية تشهق بعنفٍ حتى لوهلة لم تستطع التنفس بطبيعية، نزح بأطراف أنامله دموعها، ومسح بكفه الكبير على بشرتها بمسحات لطيفة دافئة وهمس:
-أنا هتصرف.. صدقيني.

الرّضا بالنّصيب؛ هو أولى خطوات زوال الهمّ. الرّضا بالقدر؛ حكمة لن يفهمها الجاهلون.

*****

1-هارون هيعمل إيه عشان يعرف مين قتل راشد؟
2-نائل هيكون رده إيه؟
3-يا ترى إيه طريقة تفكير هارون من العرض إللي عرضه على نائل؟
4-رد فعل روفان لما تعرف أن حقها هيرجع قريب.

عاوزة الفصل يوصل ل400 لايك لأن أنا لسة والله تعبامنة، وحاولت أكتب على أد ما أقدر فبلاش تخذلوني.

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن